علاقتى بقلم الرصاص علاقة غريبة ... .قد لا أجد لها تفسيرا معقولا فقد ارتبطت بقلم الرصاص بعلاقة عشق وهيام غريب ... ولا أذكر متى أحببت هذه الأداه الحبيبة العجيبة ...؟ ما أن أرى قلم رصاص أمامى ، حتى تثار في نفسى انفعالات شتى وكأن حبيبا صادف حبيبه ...إنها علاقة وله وتعلق عجيب .... لا أستطيع أن أقاوم رغبتى العارمة فى الإمساك بأى قلم رصاص صادفنى وفى أى مكان ... على منضدة ... على مكتب زميل .. فى متجر ... ويصعب على أن أرد قلم الرصاص لصاحبه، إن إستعملته لغرض ما ... وما أكثر الأغراض التى أستعمل فيها قلم الرصاص ... وفكرث كثيرا ... لعل هذا الحب الجياش يرجع لأننى رسام فقلم الرصاص أداة الرسامين الأولى ... ولا يبدأ عمل فنى إلا به ... ولكن لا ... الأمر اكبر من ذلك ... إننى امسك بقلم الرصاص وأكاد التهمه ... أتذوقه ... وقد أكتب به ما يكتبه الناس بقلم الحبر ... وهذا الأخير علاقتى به ضعيفة ...علاقة عمل ... علاقة رسمية ... أما قلم الرصاص فهو الأقرب إلى القلب ...... وقد اكتشفت أننى قد جمعت فى خزانتى أعدادا هائلة من هذا القلم العجيب ... قلم الرصاص المحبوب ... كنت حينما أشترى اية أغراض ... مكتبية أوغير مكتبية ... يكون فى مقدمتها كمية من أقلام الرصاص ... بأنواعها المختلفة ... الإتش بى والثرى إتش .. وتلك المجموعة الرائعة من أقلام الرسم التى تتفاوت من البى ون إلى البى سكس ... والتى تقترب من الفحم الأسود ... والأمر لا يقف عند استعمالها غير المحدود ... بل يتعدى ذلك إلى شغف الإقتناء والتغزل فى ألوانها وانواعها وقابليتها ( للبري (فأنا افضل الموسى والقاطع فى إظهار سن القلم الرصاص ... واشعر بالألم لضياع كل تلك الكمية من الرصاص عند سن القلم ... لذلك كنت أستعمل الموسى والقاطع لإظهار سن القلم ولا داعى أن تكون سنينة ... فقط أن تظهر للكتابة ..وقد بدأت قصتى مع قلم الرصاص وأنا طفل فى المدرسة الإبتدائية... كانوا يصرفون لنا قلم رصاص ) حكومى ) مرة واحدة فى أول كل عام ... ولم تكن فرحتى توصف حينما أتسلم قلم الرصاص ... فكنت أتأمله بلذة ... واحرص على عدم ضياعه ... وكان يكفى للاستعمال كل العام إذا حافظت عليه ... وعندما يصير قصيرا بسبب كثرة الإستعمال و(البري) كنت أحزن لتناقصه وذهابه .. ولكن ولحسن التوفيق كان إخوانى ، من يكبروننى سنا ، يصنعون انبوبا من الصفبح يطرقونه ببراعة ليكون أسطوانة تناسب دخول طرف القلم ... وبذلك يزداد طوله بصورة تمكن من استعماله بسهولة ...فقد عشنا فى تلك المدينة العمالية من مدن السودان والتى تعلم فيها أبناؤها أن يصنعوا كل شىء بأيديهم ...كانت أختى الكبرى تقول لى إذا وقع المحظور ونزلت المصيبة ، بضياع قلم الرصاص أو سرقته مني: "القلم مقرره سنه" ... وكنت لا أحتاج لهذا التنبيه ... ولكنى كنت ، إذا فقدت قلم رصاص، فقد فقدت عزيزا , أتاثر له غاية التاثر ...... كان قلم الرصاص الذى يصرف لنا فى المدرسة الإبتدائية ... القلم الحكومى كما كان يطلق عليه،. أحمر اللون ، مستديرا، اسود الكتابة سوادا معقولا... وكان من نوع الإتش بى وهو القلم المعتاد ... ولم نعرف قلم الهندسة إلا فى المدرسة الوسطى ... وهو الثرى إتش .... كان القلم الحكومى جميلا ويمتاز بخشبه المرن وسهولة ( بريه) ولم يكن (خشابيا( كما كنا نطلق على تلك الأقلام ذات الخشب الردىء والتى كانت ، عند البري والإستعمال ، تتآكل بصورة مخيفة ، والتى كنا نضطر لشرائها عند عدم الحصول على قلم جيد من الدكان ، مضطرين .......أذكر ذات مرة وأنا اتسكع فى الطريق إلى المدرسة الإبتدائية أن وقع نظرى على قلم رصاص ملقى على الأرض. ولا أستطيع أن اصف مدى فرحتى ...فكأننى قد حصلت على كنز ... وكيف لا؟لقد وجدت قلم رصاص ... هل تدرون ماّذا يعنى قلم الرصاص لي ؟ قد لا تتصورون مبلغ فرحتى ...... أخذته من على الأرض ومسحته وكدت أن أتذوقه بلساني ... أدخلته فى حقيبتى المدرسية (الخرتاية) المصنوعة من قماش الدمورية والتى كان يستعملها كل أطفال المدارس فى ذلك الوقت بلا استثناء .. واسرعت الخطى ... وكنت أتمنى ألا يلمحه أحد فى يدى ويكون هو صاحبه الذى اضاعه ....... لم تكن تلك هى المرة الأولى التى أجد فيها مثل هذا الكنز ... وكنت أفرح بذلك غاية الفرح ... وقد قمت ذات مرة بسرقة قلم رصاص من أحد اقربائى وكان طالبا فى مرحلة اعلى ... دخلت الحجرة ... ولمحت قلم الرصاص ... ولم اتمالك نفسى ... كان قلما مطلياً بطلاء ذهبى ...وكانت هذه هى المرّة الأولى التى أرى فيها قلما بهذا اللون البديع ... كان القلم يلمع لمعانا مستفزا وكان يبدو عليه أنه من النوع المرن وليس (خشابيا) ... وضعفت أمام قلم الرصاص ... والتقطته ودسسته فى جيبى وخرجت بهدوء وقلبي يخفق بشدة ... كيف قمت بسرقة القلم وأنا الورع منذ طفولتى ؟ ولكنه قلم الرصاص!!! ... ذلك المحبوب جدا ... والذى يأسرنى متى ما رأيته .... وبعد أيام فقدت القلم ، بالرغم من أننى اخفيته فى مكان أمين .. وعلمت أن صاحب القلم قد إستعاده بهدوء دون أن يسألنى ...وحزنت كثيرا (حزناً ممزوجا بالخجل من اكتشاف فعلتي) ولكنى كتمت رغبتى فى اقتناء القلم ....اليوم وبعد مضي خمسين عاما على بداية حبي الكبير لقلم الرصاص ... مازالت تمتلىء خزانتى بأنواع لا حصر لها من أقلام الرصاص بعضها أستعمله وبعضها أتفرج عليه فقط ... أما رسومي واسكتشاتي فجلها بقلم الرصاص ... وقليل منها بأقلام اخرى ... تمت فى غياب قلم الرصاص، لأسباب خارجة عن إرادتي.. خلف الله عبود الشريف [email protected]