(مقال يوثق لتاريخ الحركة الشعبية فى تسليم الاسرى منذ 1985-2017، كتب فى يوليو 2016 عندما رفضت الحكومة تسلم اسرى الحركة الشعبية، ونشر فى عدة مواقع.. أعيد نشره الان والحركة الشعبية تضيف الى سجلاتها الانسانية سجلا جديدا وتقدم درسا مجانيا للنظام فى حقوق الانسان والاسرى.. وتقوم بالافراج عن 140 اسيرا وصلوا بالامس الى الخرطوم.. لكم التحية قيادة الحركة الشعبية/الجيش الشعبى لتحرير السودان.. فلكم ترفع القبعات ) بقلم/ إحسان عبد العزيز بالنظرلاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.. وما يتعلق بحقوق الاسرى، نجد أن الالتزام ببنود هذه الاتفاقية كغيرها من إتفاقيات حقوق الانسان الاخرى غير محكوم بالمصادقة أو التوقيع عليها.. بل هو إلتزام أدبى وأخلاقى فى المقام الاول.. وقد شهد العالم فى الاونة الاخيرة ومع تزايد الحروب الى أى مدى تنتهك حقوق المدنيين من النساء والاطفال ناهيك عن الاسرى.. خاصة فى الدول المحكومة بأنظمة شمولية وديكتاتورية.. والسودان كواحد من هذه الدول ظلت قضية الاسرى تأخذ حيزاً محدوداً لديها وذلك لغموض هذا الملف طوال سنوات الحرب فيها خلال حكم الانقاذ.. فمنذ حرب الجنوب والمنطقتين ومروراً بالشرق و دارفور والى أن تجددت الحرب فى جبال النوبة والنيل الازرق ظل هذا الملف غامضاً.. وظلت قضية الاسرى من القضايا المسكوت عنها.. الى أن برزت مبادرة (السائحون) والتى بدأت فى نوفمبر 2014م.. وكتبت كثير من الاقلام حول إقدام الحركة الشعبية على إطلاق سراح عشرين من الاسرى بالاضافة الى (22) موظفا من العاملين فى التعدين.. وظللنا وبكل الاهتمام نتابع هذا الملف.. وفى الذاكرة سجل زاخر للحركة الشعبية والجيش الشعبى فى هذا المجال الانسانى يشهد على تاريخها طوال سنوات الحرب التى خاضتها لاجل تحرير السودان من قبضة الفساد والاستبداد، وظل من يشهد لها عبر هذا السجل هم الاعداء أنفسهم ممن حاربوها تحت المسميات المختلفة ووقعوا أسرى لديها، إن كانو من الجيش السودانى أو قوات الدفاع الشعبى أو مليشيات المجاهدين المتعددة.. وحسب بيانات قيادة الحركة الشعبية كان من المفترض أن يتم تسليم الاسرى قبل عيد الفطر المبارك حتى يتسنى لهم حضور العيد مع ذويهم.. وبالفعل إكتملت الاستعدادات لترحيلهم من الاراضى المحررة الواقعة تحت سيطرة الجيش الشعبى بواسطة طائرات الصليب الاحمر الى أصوصة ومنها الى الخرطوم.. فاذا نظرنا الى المبادرة فى حد ذاتها..فإن إطلاق سراح الاسرى لم يكن بالشئ الجديد فى تاريخ الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان.. فسبق أن شهد العالم عمليات متعددة لاطلاق سراح أسرى لدى الحركة الشعبية، ومنها تلك العملية الكبرى التى تم خلالها إطلاق سراح ألف اسير لدى الجيش الشعبى فى العام 1998م.. وترك لهم الخيار مابين العودة والبقاء فى صفوف المعارضة.. فكانت تجربة الاسرى لدى الحركة الشعبية دافع قوى لان يؤثروا البقاء على العودة، فانضم قرابة ال50% منهم الى صفوف (الجيش الشعبي) وانضم أخرون الى الاحزاب المعارضة الاخرى ضمن قوات التجمع الوطنى وهى ما عرفت ب طلائع الاستجابة وأثر القليلون العودة الى أسرهم.. وسجلوا شهادتهم للتاريخ.. ونحن كمتابعون لقضية الاسرى الاخيرة كنا نمنى النفس بالمزيد من متعة الدهشة بشهادات جديدة ودروس حقيقية فى مفاهيم حقوق الانسان يبرزها الاسرى بعد عودتهم المتوقعة لتضيف الى السجل الانسانى للحركة الشعبية صفحةً جديدة من صفحاته الناصعة طوال حربه والتى شهد له بها الاعداء كشاهد من أهله..شهادات ستظل أدلة تاريخية وشواهد إنسانية على نقاء سجل الجيش الشعبى طوال مسيرته، وعلى كيفية ترسيخ الحركة الشعبية لمبادئ حقوق الانسان والحرص على تطبيقها.. ولكن للاسف لم يتوج إنتظارنا بوصول الاسرى.. وطالعنا بيان قيادة الحركة الشعبية والذى عزت عدم التسليم الى أن هناك جهات حكومية تسببت فى عرقلة عملية التسليم!!! ؟؟؟ وفيما يخص شهادات الاسرى.. لم تكن شهادة الاسير سابقاً أحمد حسين الفضل والذى تم أسره فى كاجو كاجو فى العام 1997م، والتى بعث بها من السويد وتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعى هى الشهادة الوحيدة فى حق الجيش الشعبى والحركة الشعبية، والتى ذكر فيها أنه تفاجأ وزملائه بمعاملة جيدة لم يتوقعونها، وقال (( عندما تم اسرنا كنا نخشى ان يقوم المتمردين ولكننا تفاجأنا بمعاملة جيدة لم نكن نتوقعها)) وسرد قصة زميله الاسير عبد الحميد الذى كان مصاباً إصابة خطيرة وحمله القائد ياسر عرمان على كتفه، وحكى عن كيف أستقبلت أسرة عبد الحميد الرفيق عرمان بكل الحب والترحاب عند عودته للوطن بعد اتفاقية السلام.. فكما ذكرت لم تكن هذه الشهادة الوحيدة، فقد سجل كثير من الاسرى اللائى تم إطلاق سراحهم ضمن مبادرة د. جون قرنق لاطلاق سراح ألف أسير فى العام 1998م العديد من الشهادات.. فهناك شهادات مماثلة عبر الصحف العالمية وصحف المعارضة فى ذلك الوقت ومنها صحيقة (الاتحادى الدولية) التى كانت تصدر فى مصر عن الحزب الاتحادى الديمقراطى.. كشهادة العقيد سيف الدين محمد شريف فى العدد الصادر فى 2/يونيو/1998م، وشهادة الملازم أول عبد الرحمن الدغورابى فى ذات العدد، وشهادة العقيد مهندس الطيب الحسين فى العدد (624) بتاريخ 20/مايو/1998م.. والتى قال فيها ((مما علق بذهنى من فترة الاسر ذلك التعامل الانسانى الذى حظينا به من قادة الجيش الشعبى.. فقد كانوا يعاملوننا بفيض من الانسانية المتدفقة ويقفوا على مشاكلنا والعمل على حلها، وأنا شخصياً لم أكن أتوقع مثل هذه المعاملة الكريمة من أناس كنا نخوض الحرب ضدهم قبل أيام قليلة، وأضاف إن هذه المواقف النبيلة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتى ماحييت، وقد إكتشفت من خلال هذه المواقف الانسانية إن قضية الحرب عند هؤلاء ليست قضية عداء او كره إنما قضية مطالب مشروعة وحرب لتحقيق أهداف عادلة فى توزيع السلطة والثروة)).. وكذلك المبادرات.. ظلت مبادرات الحركة الشعبية لتسليم الاسرى هى عربون لحسن النوايا فى طريق السلام.. فضمن قائمة المبادرات التى سجلها التاريخ للحركة الشعبية تلك المبادرة التى قام بها دكتور جون قرنق فى يناير من العام/2004م والتى قضت باطلاق سراح جميع اسرى الجيش السوداني بمن فيهم عناصرميليشيات الدفاع الشعبي التابعة للحكومة و«المجاهدين»، في بادرة حسن النوايا تجاه الخرطوم.. وحينها قال د.جون قرنق انهم سيتركون الخيار للاسرى بالعودة الى مناطقهم او الانضمام الى صفوف الحركة الشعبية.. وفى تصريح للرفيق القائد ياسر عرمان الناطق الرسمى باسم الحركة الشعبية فى ذلك الوقت لصحيفة الشرق الاوسط فى 11/يناير/2004م العدد (9175) قال: ((إن مبادرة اطلاق سراح الاسرى، هي من ضمن مبادرات الحركة للنيات الحسنة وتعزيز اجواء السلام.. وانها ستدخل الفرحة فى قلوب مئات الاسر السودانية.. وابدى عرمان لعدم احتفاظ الحكومة باسرى لهم.. وقال.. على الرغم من هذه الحرب الطويلة لا يوجد لدى الحكومة أى اسرى وأوضح ان الحركة ظلت تقوم باستمرار بعمليات لاطلاق سراح الاسرى من طرف واحد.. ولم يتم مطلفا تبادل اسرى طوال السنوات الماضية.. واضاف قائلا (اطلقنا اول دفعة من الاسرى العام 1985 حينما قام القائد وليم نون بتسليم عدد من الاسرى لقائد حامية الناصر من الجانب الحكومى عبد العزيز صديق) واضاف.. كما قام القائد الراحل يوسف كوة مكى بتسليم اسرى لاتحاد المحاميين العرب كان ضمنهم ضباط هم سالم سعيد وحسن ادريس وواصل قائلا.. بعد ذلك اطلقت الحركة الشعبية سراح اكثر من الف اسير تسلمهم محمد عثمان الميرغنى رئيس التجمع الوطنى من بينهم العميد نصر الدين حماد خليل، كما تم إطلاق سراح الضابط ابو عبيدة الجعلى بطلب من الشيخ الجعلى بكدباس *هذا هو تاريخ الحركة الشعبية والجيش الشعبى فى ملف الاسرى وحقوق الانسان عبر الحروب التى ظلت مفروضة عليها.. وسيظل ملف قضية أسرى (السائحون) شاهداً على ذلك وعلى حرص الحركة الشعبية على مواصلة سياساتها الانسانية فى قضايا الحرب والسلام والتى رسخت لها عبر ذلك التاريخ الطويل وعبر مبادئ وقيم مشروع السودان الجديد.. وستظل تخرج يدها بيضاء للناظرين، وتمدها للحل الشامل والسلام العادل فى وطن مزقته الحروب.. إلا لمن أبى. 6/مارس/2017