ليس كما في كل البلدان المتحضرة لا تكاد تتبين أو تعرف ملامح رئيس جهاز الاستخبارات أو الأمن فرئيس السي آي ايه لا يكاد يظهر إلا في جلسات خاصة للجنة الأمن والدفاع في الكونغرس عند الملمات ليجيب على أسئلة النواب ويمدهم بماهو مطلوب من معلومات بحكم منصبه بكل احترام وتأدب ثم ينصرف إلى عمله دون ضوضاء. لا احد من عامة الشعب أي شعب يعرف ملامح رئيس جهاز الاستخبارات الروسي أو الإف بي أي أو الإم سيكث أو حتى ملامح رئيس جهاز المخابرات المصري . لكن الوضع عندنا في السودان مختلف فرئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني في بلادنا الجنرال محمد عطا تحول إلى سياسي من الدرجة الأولى وإن كان دون قدرات خطابية لم يترك منبرا لم يستخدمه ليطلق من خلاله تهديداته للمعارضين وملاحقتهم سواء من المدنيين أو حملة السلاح الذين توسط الحكومة كل دول الإقليم للجلوس معهم . ويقود الجنرال هذه الأيام حملة هي ليست من اختصاصه لمعارضة ما يسمى بالتعديلات الدستورية خاصة فيما يتعلق باختصاصات جهاز الأمن والمخابرات وتقييد سلطاته في اعتقال المواطنين وتعذيبهم وملاحقتهم بعد أن تحول الجهاز في عهده إلى شعبة للقمع والملاحقات الأمنية والاستدعاءات الاستنزافية موجة ضد المواطنين بكل قطاعاتهم . وبعد أن تحو إلى قوة وعصا غليظة لإرهاب المواطنين تجوب الشوارع كلما ضاق الحال بالناس جراء غلاء المعيشة والقرارات الجائرة بفرض الرسوم والضرائب وزيادة أسعار السلع كماهو معلوم . جهاز الأمن في عهد الجنرال محمد عطا الذي لا يجيد الحديث على المنابر او ترتيب الأفكار أو الهدوء الذي يتسم به رؤساء أجهزة المخابرات في العالم أيضا لم يستفيد من تراث نافع على نافع في الإساءات والشتائم نافع الذي لم تمنعه شتائمه للمواطنين من قرار الإقصاء فجاءت تهديداته فطيرة وساذجة رغم أنها لا تليق برجل يفترض فيه الذكاء وقلة الكلام . فبالله عليكم أروني رئيس جهاز مخابرات واحد في العالم يصعد المنابر ليتحدث عن التعديلات الدستورية ويهاجم المعارضين ويسبهم ويتوعدهم بالملاحقة الأمنية وقطع دابرهم . أما الجهاز نفسه فقد تحول إلى شركات تجارية ومضاربات بالمليارات في الأسواق مع رجال الأعمال لم يترك تجار الجهاز المطاعم او الكافتريات السياحية أو المواصلات العامة أو التجارة في الصادر والوارد أو الأراضي والعقارات والاستثمارات بكل أنواعها وأصبح له مصالح اقتصادية غير منضبطة بالقانون وغير مراقبة من أي سلطة تشريعية أو دستورية وهو ما يفسر عدم رغبه الجنرال وجهازه في أي تقليص لصلاحياته أو محاسبته وإطلاق يده دون حسيب او رقيب تحت شعار ما يعتقده البعض واهما تطبيق مخرجات الحوار الوطني . ورغم أن هناك كماهو معلوم مظلات وواجهات تعمل من خلالها أجهزة المخابرات الدولية لتحقيق مصالح دولها إلا أن الحالة السودانية مختلفة جدا فجهاز الأمن والمخابرات الحالي مصمم لحماية النظام وتكريس سلطته وليس حماية مصالح الوطن والدولة وأنه موجه ضد حريات المواطنين وحقوقهم الأساسية وليس حمايتها أو ضمان ممارستها كما في البلدان الديمقراطية ولعل أقرب مثال على ذلك رفض قطاعات واسعة من الشعب الأميركي لقرارات ترمب التنفيذية بخصوص حظر سبعة دول من دخول أميركا في أكبر مظاهرات انتظمت الولاياتالمتحدة وكيف أن قوات الأمن كانت تحمي حقوق المواطنين وتظاهراتهم في ممارسة حرياتهم وحقهم في الرفض علما بأن الرئيس ترمب جاء للسلطة منتخبا وليس منقلبا على الشرعية الديمقراطية كما النظام الحالي وهو ما يفسر لدى النظام وأجهزته معاناته من فوبيا الحريات الأساسية . أما فيما يتعلق بشركات ومؤسسات جهاز الأمن والمخابرات الاقتصادية والتي تشغل اهتماماته بنفس القدر الذي تشغله حماية النظام وملاحقة معارضيه فإن هذه المؤسسات لا أحد يدري إلى أي قانون تخضع أو إلى أي جهة محاسبة تتبع علما بأن ثمانين بالمئة من ميزانية السودان وموارده تذهب للأمن حسب ما هو معلن أمام برلمان الحكومة. في ضوء كل هذا يتضح جليا لماذا يدافع محمد عطا عن صلاحيات جهاز الأمن المطلقة ولماذا يدعي غيرته على أمن النظام وحمايته ولماذا ينشيء المليشيات المأجورة كالتدخل السريع وغيرها ولماذا يهدر قيمة ودور جهاز الأمن الوطني السوداني ويقلص دور كفاءاته الوطنية لحماية مصالحه ومصالح النظام الذي يوفر له هذه البيئة المستباحة دون رقيب او حسيب لذا فالواهمون ببسط الحريات الأساسية في ظل هذه العقلية الشمولية لم يستوعبوا بعد مقولة إن فاقد الشيء لا يعطيه .