حينما طُرح خيار تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا 2005م سبق ذلك جدل متطاول حول خطورة اعتماد مطلب كهذا، عدت السنوات، ودخلت الحركة الشعبية في شراكة مع حزب المؤتمر الوطني امتدت خمس سنوات، كانت النتيجة أن قرر شعب الجنوب مصيره ببناء دولة جديدة. وكانت النتيجة لا بد أن تسير باتجاه الانفصال، الخطاب السياسي- وحده- كان قادراً على التحريض على الانفصال، وتقرير المصير، دع عنك معادلات التنمية والثروة والسلطة.. الآن نتباكى على الانفصال- جميعاً- بما فينا بعض الذين رفعوا الشعارات التي تُحرض عليه، ولا تزال أحزاب تتحدث عن أماني وحدة بعد انفصال، لكن هل عملت الدولة السودانية على لملمة نفسها؛ لتجاوز شبح التشظي الذي بات ملازماً؟. في خطاب عبد العزيز الحلو نائب رئيس الحركة الشعبية- الذي لا تزال تداعياته مستمرة- فتح الحديث عن تقرير مصير إقليم جبال النوبة، ولام الناس الحركة الشعبية على تبني مثل هذه المطالب؛ لكونه ينكفئ بها في رقعة جغرافية محددة، تنتفي بها قوميتها المطروحة، وهذا صحيح، لكن، قبل كل ذلك، أليس الأجدر طرح السؤال لماذا تضطر حركة، أو حزب لتبني خيار تقرير المصير؟. بيان مجلس تحرير جبال النوبة- الذي صدر أمس- جاء مؤمّناً على مطلب تقرير المصير، الذي اعتمده المجلس.. وبذا أصبح هذا المطلب معلناً، بل خطا سياسيا جديدا ما كان مطروحاً من قبل. شخصياً، لا أجد لوماً على أية مجموعة تقبع في أي جزء من السودان، وتعيش تحت وطأة هذه السلطة حينما تطلب تقرير مصيرها، ولا أستبعد أن يمضي هذا المطلب إلى جغرافيا تحوّل السودان إلى كوميديا (عايز حقي). رغم أن المطالبة بتقرير المصير تضع الكيان السياسي، أو المسلح الذي يتبنى هذا الخيار في خانة اللا قومية.. لكن الأجدر قبل ذلك، أن نسعى إلى تدارك الأزمة التي تقود إلى هذا التشظي.. مجرد ورود مطلب تقرير مصير على لسان حركة تقاتل بالسلاح هذا أمر لا يقل خطورة من تقرير المصير، الذي قاد إلى دولة جديدة، ولا نزال نتباكى على انفصالها. ينبغي أن يعيد هذا المطلب فتح الأذهان- بجد- على مصير السودان كله، وليس مصير جبال النوبة.. صحيح أن هذا يضع الحركة الشعبية موضع الذي يحمل المعول، ويهدم... لكن الذي ينبغي أن يواجه بشجاعة، سؤال.. لماذا اختار الجنوبيون خيار الانفصال؟، ولماذا يتبنى مجلس جبال النوبة خيار تقرير المصير؟.. لا حل إلا المواجهة الشجاعة، إن الأزمة كبيرة، والحل لن يكون إلا شاملاً. التيار