ما زلنا نبحر بشراع التأمل في حالنا و مُبتغانا التفكير المشترك بصوت عالٍ و من ثمة نظرة متأملة ، عسي و لعل أن نمسك بأثر دربنا الذي أنسرب في الماء كما أنسرب حوت سيدنا موسي و فتاه .. في الحلقتين الماضيات ، كنا وقفنا عن دور الرواد بعد وراثتهم الدولة السودانية من المستعمر و من ثم كيف أنشغل الناس بالطائفة و كِبر حجمها و ما تقدمه من أمتيازات لأفندية الدولة المستقلة حديثا ، و قلنا أن أنتقال الناس من حيزية القبيلة الضيقة الي أطار أوسع قليلا و هو الأطار الطائفي لهو خيرٌ ، و لكنه خيرٌ مشروط بالمواقيت و خدمة الأغراض المستنفدة ، الي أن الطائفية تمسكت –بدون وقار- بالماضي و الحاضر و معاظلة المستقبل ، و قعدت كجهاز ضخم و عتيق لا يؤدي الخدمة المطلوبة و لكنه يصدر ضجيجاً عالياً ، ظهرت في الأفق بعض من أفكار مستلفة عبر الأقانيم العالمية و الأقليمية بحركة الطلاب و المثقفين السودانيين و أستطاعت بعد مشقة أن تجد لها موضعا بين الشياخات الطائفية و تأثيرها في الواقع السوداني ، و طرحت نفسها كقوي حديثة تناقش مواضيع السياسة و الثقافة و الأقتصاد بخلفية عقلانية ، تصادم القديم و تطرح موئلٌ جديدا لخلاص الناس و تحديث حياتهم ..لكن للأسف الشديد ، لم تجد هذه الغايات مبتغاه ، بل علي النقيض تماما أصبح لها نسبُ منكور مع تمظهرات الطائفة ، لربما ، تعقيد الواقع و عدم معرفتها التامة بالشخصية السودانية أو حدود جهدها أقعد بها عن تمثلات التحديث و جعل حتي مفاهيم كثيرة ، مثل الديمقراطية و حرية الفكر ، و أحترام الأخر تسقط في أمتحان واقعية العمل و الحراك ، و حصيلة لهذا الحرث لم ينتج من هذا العمل تيار ديمقراطي عريض ، يؤسس لبنيان متين من تلك القيم المشتركة ، و كان لآبد من مثل هذا البنيان ، لتغيير الواقع القديم من عقابيل الطائفية و تابعية الفرد العمياء، و هذا عمل لا يتغير فقط بالنيات الحسنة ، و لكنه عمل تشمر له السواعد ، و تهجر له المخادع ، و يقف عليه سلطان داخلي للمحاسبة فيما هو منجز وغير منجز ، و كذا ممارسة النقد الداخلي و لكن من ما تمظهر ، نجد تورط هذه القوي في تفسيرات غير محتملة ، و الخوض في تحالفات خائبة ، لأنها راهنت علي المستقبل مع حُراس معبد الماضي القديم و للعجب ما زالت !! لذلك أنعكس كل ذلك في مطامير السياسة و ممارستها علي الطريقة السودانية ، و للثقافي (الأدبي و الفني ) كي ينهض و يتنفس و يؤدي دوره لابد للسياسي من تهئية المناخ و حتي لو قلنا أن السياسي يفترض علي الثقافي أن لا يلعب دور المتفرج و ينتظر عطايا الواقع الذي يلهمه و يجب عليه أن يتحالف معه في قضايا التغيير و التي تدفع بالواقع الي النتائج المأمولة ، بطبيعة الحال ، هذا دور حقيقي يناط به المثقفين و الفنانيين علي مختلف مشاربهم ، و لكن الذي لا أفهمه هو وضعية الثقافة و المثقفين في داخل أروقة و تفكير و كيانات السياسي ! هل من ضمن تطلعات و هموم السياسي وجود حيز كبير لعمل الثقافي داخل تلك الأروقة ؟؟ و هل الفنان كونه يعطي و يساهم برؤية تخص فردانيته ، هل هذا مقبول داخل أضابير السياسي الصارم خلف التعاليم التنظيمية ؟؟ هذه و تلك أسئلة لابد من الأجابة عليها و الأستعداد لأمتحانها في الواقع الكبير و ليس خنقها في حيز المُحاججة البلاغية السياسية المتدبرة لأمرها في كل حين و حيز . .. علي كل حال ، التعقيد الذي أستمر في عدم أنتقال الطائفية من حيزيتها الي تبني أشكال أفضل للوعي بالحاضر و تقاعس أو أن شئت فشل أصحاب مشاريع الدولة المدنية في خلق تيار ديمقراطي عريض ، و كذا الفشل في (ديمقرطة) هياكلها التنظيمية ، جعل مشروع آخر يطل برأسه و يقلب طاولة الواقع رأساً علي عقب .. مشروع الأسلام السياسي .. و السؤال ما هو الذي جعل هذا المشروع القادم من خلف أضابير الأستحكام الأجتماعي الطائفي و من بين خلجات الصوت التقدمي الذي يلتحف الحداثة .. ما الذي جعله يتقدم في هذا الواقع حتي ليخلق رموزه و يرفع راياته و يتنسم دفة أمر السودان و السودانيين ؟؟؟! و يسوقنا الي ما نحن فيه الأن من الأسئلة العويصة و الجفاف النوعي في مناخ و تربة السودان ؟؟! ..نواصل [email protected]