حكومة النيل الأزرق تعتمد زيادات الأجور لبعض الوزارات    اقوال الصحف اليوم الاربعاء    الانتباهة: السيسي: توجهات"قحت" الإقصائية منحت الفرصة للإسلاميين للظهور مجدّدًا    صباح محمد الحسن تكتب: ديوان المراجعة ماذا هناك؟    زهير السراج يكتب: أضحك مع بنك السودان !    حيدر المكاشفي يكتب: الكاف يعادي الهلال ويدلل الأهلي    هيرفي رينارد يرحل عن تدريب السعودية    تطورات في قضية ناشط سياسي سوداني مثير للجدل    صلاح الدين عووضة يكتب: لا أبالي !    منتخب الأصدقاء والبلاك استار يتعادلان في الدورة الرمضانية بالنهود    المريخ يكسب الهلال في ديربي الشباب بالابيض    الوطن يكسب الأهلي بثنائية (كوديا) في دوري عطبرة    حاكم اقليم النيل الأزرق يفتتح دورة التعايش السلمي بالدمازين    اليوم التالي: أوبشار: ترك متسيّب ويتخلّف عن اجتماعات مجلس البجا    مجلس الناظر تِرِك يعلن إغلاقاً كاملاً لشرق السودان في الأول من أبريل رفضاً للاتفاق الإطاري وتشكيل الحكومة الجديدة    "كاف" يعلن طاقم تحكيم مباراة الزمالك والمريخ    مدينة طيبة التعليمية التابعة لقطر الخيرية بالسودان تكرِّم الأيتام المتفوقين وأمهاتهم    استرداد (3) سيارات لأصحابها عقب الإبلاغ عن سرقتها    المغربي بادو الزاكي في حديث بنشوة النصر: اقتلعنا النقاط الثلاث من منافس عنيد وحزين لحرمان الجماهير    خسر من النيجر.. الأولمبي السوداني يفشل في التأهل إلى الأمم الأفريقية    الصندوق السعودي يرسل وفدًا لتسوية ديونه على السودان    ما حكم الصوم عن الميت؟    الجمارك: اجراءات الإفراج المؤقت يحد من دخول السيارات غير المقننة    ما قصة أول موبايل في العالم؟    ما قصة أول موبايل في العالم؟    مصرع وإصابة العشرات في هجوم ل(أسراب نحل) على مواطنين    مطالب ب(50) ألف جنيه للجوال لتركيزي القمح بالجزيرة    سائق عربة أمجاد بالخرطوم يخترع مكيف ماء لسيارته    عمار الإمام: سياسات الدولة تكسر المنتجين    محمد عبدالماجد يكتب: الإطاري نفر!    شاهد بالفيديو : الممثلة حنان "جوطة" تكشف المثير في التابوت وتصرح : "ما شايفة لي واحدة ممكن تكون نمبر ون في الدراما، و بفكر أبقى مادية"    شاهد بالفيديو.. المطرب عبد الخالق الدولي يكشف عن فنانه المفضل ويعلق: "بيت العرس بشكل نسبة نجاح كبيرة للفنان"    سعر الدرهم الاماراتي في البنوك ليوم الثلاثاء 28-3-2023 أمام الجنيه السوداني    بورتسودان:مسرح اتحاد الأدباء والفنانين يحتفل باليوم العالمي للمسرح    "مكنات لأي زول" على مسرح الجزيرة في اليوم العالمي للمسرح    أرقام مخيفة لإصابات حمى الضنك بالخرطوم    حيدر المكاشفي يكتب: من يعطل قدوم الفريق الارجنتيني، ولماذا؟    تاسوع الخليل الاخير    صدفة !    نقر الاصابع        عاجل بالفيديو: طبيب سوداني شهير يطالب بإيقاف هذا الدواء (…) فوراً    خسائر كبيرة إثر حريق بمنجم الظلطاية بجنوب كردفان    علم النفس الصحي يعمل على تحسين نظام الرعاية الصحية    كيف تقلع عن التدخين في رمضان    الصداع أثناء الصيام.. كيف تتجنبه؟    ضبط احد اخطر تجار المخدرات بمحلية ابوحمد    شاهد بالفيديو .. مصليين أثيوبيين يتدافعون لمصافحة شيخ الزين في أحد المساجد    الرئيس الكولومبي يرى أن بلاده تتحمل جزءا من المسؤولية في اغتيال رئيس هايتي    محكمة توباك ورفاقه تفرغ من مناقشة المتحري    بالفيديو: جموع الإثيوبيين تتدافع لمصافحة "شيخ الزين" بأديس أبابا    بوتين يعلن أن روسيا ستنشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس    الصين تعلن إقامة علاقات دبلوماسية مع هندوراس    الغالي شقيفات يكتب: سلَّة الوطني المحظور الرمضانية    زهير السراج يكتب: فِطرة رمضان وتصرف الشرطة والجيش !    ترقبوه الليلة.. كويكب كبير يمر على مسافة قريبة جداً من الأرض    الامم المتحدة:الاستهلاك المفرط للمياه ينذر بالخطر    تويوتا تخطط لوقف بيع إحدى أهم سياراتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلح عبد الله بن أبي سرح (البقط) مع مملكة مريس
نشر في الراكوبة يوم 30 - 03 - 2017

تناولنا في التعليق على مؤتمر سنار عاصمة الثقافة الاسلامية الذي اقامته جامعة الوعيم الأهري يوم 14 مارس 2017 في الحلقتين الماضيتين موضوعي " الممالك الاسلامية في السودان قبل مملكة سنار" و" هلاّ فكرنا في تاريخ الإسلام وآثاره في مجتمعنا السوداني القديم" ومواصلة للتعقيب على بعض موضوعات المؤتمر نتناول هنا موضوعا مهماً رغم كثرة ما تناولته الأقلام والألسن عنه إلا أن مفهومه الخاطئ لايزال من المسلمات الكبرى في تاريخنا.
رجعت أكثر من ورقة في المؤتمر إلى "معاهدة البقط" وأثرها على مدى ستة قرون على تاريخ السودان ودورها في تشكيل المجتمع السوداني الحالي. وقد تطرقت لهذا الموضوع كثيراً،فقد تناولته بالتفصيل في كتاب "السودان الوعي بالذات وتأصيل الهوية، الجزء الثالث:علاقات السودان بالمسلمين في مصر بين القرنين 7 - 15 م، وفي مقال نشر في العدد رقم 25 (اكتوبر 2015) من مجلة الدراسات السودانية التي تصدرها جامعة الخرظوم بعنوان "حملة عبد الله بن سعد على بلاد النوبة عام 31: رؤية نقدية تحليلية".
البقط ليس معاهدة بل صلح لوقف القتال دون أن يكون هنالك منتصر ومهزوم، كما في نص المقريزي (في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية ص 301) المشهور الذي جاء في مقدمته: "فغزاهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ... وحاصرهم بمدينة دنقلة حصاراً شديداً، ورماهم بالمنجنيق، ولم تكن النوبة تعرفه وخسف بهم كنيستهم بحجر، وطلب ملكهم واسمه: قليدوروث الصلح، وخرج إلى عبد الله وأبدى ضعفاً ومسكنة وتواضعاً، فتلقاه عبد الله ورفعه وقرّبه، ثم قرر الصلح معه... وكتب لهم كتاباً"
وقد ذكرت المصادر العربية عدداً كبيراً من النصوص لهذا الصلح وكلها تختلف اختلافا كليّاً عن هذا النص، فقد خاض المسلمون من مصر نحو 25 معركة مع مملكتي نوباديا ومقُرة قبل أن يعتلي أول ملك مسلم عرش مملكة مقُرة في القرن الرابع عشر الميلادي. ووقع المسلمون عدداً كبيراً من الاتفاقيات والمعاهدات خلال السبعة قرون - بين القرنين السابع والرابع عشر - من العلاقات المتوترة بين المسلمين في مصر والسودان. وتناولت المصادرالعربية والقبطية تلك الاتفاقيات والتعديلات التي تعرضت لها تلك الاتفاقيات طيلة السبعة قرون. ومع كل ذلك فنحن لا نعرف ولا نتحدث إلا عن نص واحد وحرب واحدة وهو نص المقريزي المشهور الذي كتب في القرن 15 م.
والأهم من ذلك أن "معاهدة البقط" بصورتها المعروفة لدينا لا دخل للسودان بحدوده الحالية فيها. فحرب عبد الله بن سعد كما ذكر ابن حوقل الذي كتب في القرن العاشر الميلادي دارت في منطقة أسوان. قال ابن حوقل: "أسوان افتتحها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة إحدى وثلاثين، وافتتح هيف وهي المدينة التي تجاه أسوان من غربي النيل، وقد تدعى قرية الشقاق، وافتتح إبلاق وهي مدينة وسط النيل على حجر ثابتة وسط الماء منيعة كالجزيرة، بينها وبين أسوان ستة أميال" انتهى ما كتبه ابن حوقل عن فتوحات عبد الله بن سعد عام 31 في منطقة النوبة. ووفقاً لما ذكرة ابن حوقل فإن فتوحات عبد الله بن سعد امتدت ستةأميال فقط جنوب أسوان.
ولا أعتقد أن ابن حوقل يتجاهل فتوحات أخرى جنوب أسوان لو تمت بالفعل. فمدينة دنقلة التي انفرد المقريزي - بين عشرات المصادر الأخري - بوصول جيش عبدا الله بن سعد لها تقع جنوب أسوان بمئات الكيلومترات، ويتطلب الوصول إليها اختراق مناطق مأهولة بالسكان ومراكز دفاعية (قلاع وحصون) اعتاد ساكنيها الدفاع عن بلادهم مئات السنين قبل أن يدخل المسلمون مصر. فلا أرى أن ابن حوقل يتجاهل كل ذلك ويتناول حرب عبد الله بن سعد فقط في منطقة أسوان. وفي واقع الأمر فإن معركة عبد الله بن سعد كانت في منطقة أسوان فقط، لأن عشرات المصادر العربية التي كتبت قبل عصر المقريذي بمئات السنين لم تذكر إي منها توغل جيش عبد الله بن سعد في بلاد النوبة أو وصول لمدنة دنقلة.
وقد وضح ذلك المسعودي (في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية ص 52) في القرن العاشر الميلادي بصورة جلية، جاء نص المسعودي كما يلي:
وقد كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لما افتتح عمرو بن العاص مصر كتب إليه بمحاربة النوبة، فغزاهم المسلمون، فوجدوهم يرمون الحدق وأبي عمرو بن العاص أن يصالحهم، حتى صرف عن مصر، ووليها عبد اللّه بن سعد، فصالحهم على رؤوس من السبي معلومة، مما يسبي هذا الملك - المجاور للمسلمين المدعو بملك مريس - من ممالك النوبة وغيرها من أرض النوبة المقدم ذكرها فيما سلف من صدر هذا الباب. فصار ما قبض منه من السبي سَنّةً جارية في كل سنةٍ إلى هذه الغاية يحمل إلى صاحب مصر ويدعى هذا السبي في العربيه بأرض مصر والنوبة بالبقط. وعدد ذلك ثلثمائة رأس وخمس وستون رأسا - وأراه رسم على عدد أيام السنة - هذا لبيت مال المسلمين بشرط الهدنة بينهمِ وبين النوبة، وللأمير بمصر غير ما ذكرنا من عدد السبي أربعون رأسا، ولخليفته المقيم ببلاد أسوان المجاورة لأرض النوبة، وهو المتولي لقبض هذا البقط، وهو السبي، عشرون رأساً غير الأربعين، وللحاكم المقيم بأسوان الذي يحضر مع أمير أسوان قَبْضُ البقط خمسة رؤوس غير العشرين التي يقبضها الأمير، ولاثني عشر شاهداً عدولاً من أهل أسوإن يحضرون مع الحاكم حين قبض البقط اثتا عشر رأساً من السبي حسب ما جرىَ به الرسم في صدر الإسلام في بلد إيقاع الهدنة بين المسلمين النوبة"
يلاحظ أن هذا النص يختلف عن نص المقريزي المشهور لدينا، وهو أيضاً يختلف عن بعض النصوص الأخرى التي كتبت قبله وبعده. ذكرت في الجزء الثاني من كتاب الوعي بالذات (صفحات 174 - 194) أربعين نصاً لهذا الصلح أو الهدنة من عشرة مصادر، توضح إلى أي مدى نتمسك بنص واحد، وهو في واقع الأمر أضعف النصوص وأبعدها عن المصاقية.
وما يهمنا في نص المسعودي أعلاه أن عبد الله بن سعد وقع الصلح مع ملك مريس المجاور للمسلين. فمن هو الملك المجاور للمسلمين المدعو بملك مريس؟ وأين كانت مملكته؟
المملكة التي كانت تجاور حدود مصر الجنوبية هي المملكة المعروفة في المصادر اليونانية والرومانية باسم مملكة نوباديا. يقول ابن سليم (في مصطفى محمد مسعدن المكتبة السودانية ص 98): "أعلم أن النوبة ومُقُرة جنسان بلسانين كلاهما على النيل، فالنوبة وهم المريس المجاورون لأرض الاسلام." ويقول الجاحظ (في مصطفى محمد مسعدن المكتبة السودانية ص 405) "النوبة هم المريس المجاورون لأرض الاسلام".(تفاصيل أكثر في كتاب الوعي بالذات ج 2 ص 36 - 44)
فالمسلمون عندما دخلوا مصر وجدوا مملكة نوباديا لا تزال قائمة، وضمتها فيما بعد مملكة مقرة إلى حدودها في آخر القرن السابع الميلادي، أي ما يقرب من نصف قرن بعد حرب عبد الله بن سعد. وقد ذكرت المصادر القبطية بوضوح وجود مملكة نوباديا عن دخول المسلمين مصر. فقد ذكر أبا مِنا Abba Mina (In Vantini, Oriental Sources Concerning Nubia, p. 3) الذي كتب حوالي عام (81ه/700م) أن العلاقات بين مملكتي مريس ومقرة كانت متوترة. إذ من المعروف أن المسيحية دخلت مُقُرة على مذهب الكنيسة البيزنطية بينما تبعت نوباديا مذهب الكنيسة المصرية. قال أبا منا: "في الحقيقة يوجد ملكان في المنطقة، كلاهما مسيحيان، ولكن ليس بينهما سلام، لأن واحداً منهما ملك موريتانيا دخل في صلح مع المسلمين، والآخر ملك مُقُرة العظيم ولم يكن في صلح مع المسلمين".
وقد أطلق أبا مِنا لقب "ملك موريتانيا" على "ملك نوباديا" كما جرت عادة بعض الكتاب الأقباط عندما يتحدثون عن نوباديا. فقد أورد أبا مِنا نفسه في بقية نصه الذي أشرنا إليه ما يوضح أن مملكة موريتانيا تقع شمال مُقُرة. وقد ذكر John of Nikiou الذي كتب عام (67ه/686م) "أن بربر منطقتي نوباديا وأفريقية يدعون بالموريتانيين". (La Choronique de Jean de Nikiou, in Vantini, Oriental Sources Concerning Nubia p. 43)
فالصلح الذي وقعه المسلمون مع النوبة عام 31 كان مع مملكة مريس (نوباتيا)، وقد عدل هذا الاتفاق في عصر ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر (65-85 ه / 684-704م) لأن نص الاتفاق السابق كان يتضمن الخمر ضمن المواد التي التزم المسلمون بتقديمها للنوبة مقابل الرقيق، فاعترض عبد الملك على تقديم الخمر. (ذكرنا في كتاب (الوعي بالذات ج 2 ص 215) تسعة تعديلات للاتفاقيات التي تمت بين المسلمين والنوبة حتى عصر المماليك).
ونواصل ...
40 نص في 12 مصددر
معاهدة البقط ----- الأصل العربي ---- سقوط الأندلس وقيام الممالك الاسلامية في السودان
لاحظت كما ورد في تقديم الأستاذة أماني الزين رحمة الله "الواقع الاجتماعي في عهد الدولة السنارة" وفي بعض الأوراق الأخرى تناول المجتمع السوداني من خلال التقسيم القبلي: السود وشبه السود والنوبة والبجة والعرب، والمجموعة الجعلية والمجموعة الجهنية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.