محاولة لعقلنة اللاهوت ... مشكلة الأديان كحركات راديكالية تاريخية محتكرة للحقيقة أنها تتعاطي بمفهوم الحزم او الباكيدج المتكاملة في مخاطبة الفرد الانساني و هي نفس العقلية التي تتعامل بها شركات التسويق و الاتصالات. الخطاب الديني يقدم لنا مجموعة من الأفكار الجاهزة و حزمة تتكون من اله و رسول و أركان للدين المعني و يخيرنا بين القبول الكامل أو الرفض الكامل لكل الحزمة الدينية. الانسان المتفكر يمكنه أن يقبل الاله و يرفض الرسول و أركان الدين المعني. كما يمكنه أيضا أن يقبل الاله و الرسول و يرفض الأركان أو يعتقد في تاريخيتها. اذا الايمان أو الاقتناع فكريا بوجود اله لا يحتم بالضرورة القبول بباقي مكونات الحزمة الدينية الجاهزة من رسل و أركان دينية و هذه هي خانة الربوبيين. جميع الرسل و المصلحين التاريخيين يمكن النظر اليهم علي اساس أنهم طلائع فكرية متقدمة لمجتمعاتهم الانسانية و يمكن القبول برسالاتهم بطريقة منطقية. محتوي تلك الرسالات الدينية و تطور جميع الأديان بالضرورة خاضع للظروف الاجتماعية و الاقتصادية و لا يمكن فصله عن سياق الدراسة التاريخية لتطور المجتمعات. أيضا مفهوم الوحي يمكن أن يخضع للمنطق و يمكن اعتباره ظاهرة كونية مستمرة الي أبد الابدين تتغير مع تغير الموضوعات البشرية و تتجلي في مستويات متعددة للطلائع الفكرية في المجالات المختلفة. السؤال المتكرر عن متي بدأ الكون و متي سينتهي هو سؤال غير مفيد و وليد للأزمة الفكرية لأن الكون أصلا لم تكن له بداية و ليس له نهاية و أن الانفجار الكوني العظيم قد يكون سبقته سلسلة لا متناهية من الانفجارات الكونية. اذا خير انسان عاقل يدرك أن عمره محدود بين الاجابة علي هذا السؤال و بين الاجابة علي سؤال علمي يطيل أعمار أفراد البشرية فانه سيختار الأخير. من يعتقد بنهاية الكون نقول له أن المادة لا تفني و لا تستحدث من عدم و اذا كان ثمة جنة أو نار فانها ستتشكل من نفس المادة التي يتكون منها الكون الحالي. لكن الأرجح عندي أن الجنة و النار هما مفهوم معنوي يتعلق بمركبات الوعي الانساني و هما موجودتان الان في حيذ الفكر الانساني و يمكن استمرارهما نظريا بعد وفاة الانسان اذا استمر الوعي البشري خارج الجسد كما تحاول أن تثبت الدراسات العلمية المعاصرة. من الوارد جدا أن بفني الجنس البشري و ينقرض تماما كما انقرضت الدينصورات قبل ملايين السنين و لكن المادة التي يتكون منها جسم الانسان و بقية الكون لا تفني بل تتحول من شكل الي اخر. حتي لو حدث انفجار كوني عظيم جديد لن تفني المادة الكونية و لكنها ستتشكل في قالب جديد. بما أن الكون ليس له بداية أو نهاية فان السؤال المحير عن الخالق أو من بدا الكون ليس له مكان من الاعراب و لا ندري له اجابة قطعية نستطيع أن نقنع بها جميع الناس في الوقت الحالي بعيدا عن تصورا الأديان. لكن من المنطق النظر الي الكون و موجده علي اساس أنهم بدأوا في وقت واحد في نقطة اللابداية و هي نقطة افتراضية تقع خلف مراة الواقع. هذه الاسئلة المحيرة و الألغاز التي ندري لها اجابة حاول الانسان منذ القدم وضع تصورات لها و بلورة أديان حولها للبحث عن الاله ذلك الغائب الحاضر الذي يراه في كل شئ. هناك أحداث و متسلسلات كونية عدة تنتظم و تصطدم و تتقاطع في احيان أخري بناء علي علم الأرقام و الريضيات لتشكل جميع الموجودات و تاثر بها سواء كانت هذه المتسلسلات الكونية واعية بذاتها أو لا و سواء كانت حكيمة المحتوي أم لا فالنتيجة واحدة. لكن المهم هو دراسة تلك المتسلسلات الكونية و معرفة قوانين حركتها و التحكم بها و بنتائجها و ملائمة السلوك البشري معها. هذه المتسلسلات الكونية سواء كانت صادرة من اله أو لا أو كانت هي الاله فهذا لا ينفي وجودها و لا يمنع فهمها و دراستها و التلائم معها و التحكم بها لان هذا يعتبر أقصي درجات الحكمة الانسانية. عمر كوكب الأرض أربعة و نصف بليون عام حسب دراسة العناصر المشعة و مرت عليه كائنات عدة ثم انقرضت و حدود معرفتنا العلمية بتاريخ هذا الكوكب قليلة. قبل ستة مليون عام حسب دراسة الحفريات و علم الطفرات الجينية قامت مجموعة من الشامبانزي التي تتطابق جيناتها معنا بنسبة تسعين بالمئة بالوقوف علي القدمين نسبة لعوامل الطبيعة و نتج عن هذا التطور السلوكي تحرر اليدين بدرجة كبيرة. قبل اثنين مليون عام تمكن هذا الشمبانزي المنتصب من صنع أدوات بدائية حادة من الأحجارلافتراس الحيوانات و تقطيع اللحم و تحول من كائن نباتي الي كائن يعتمد علي اللحوم بصورة كبيرة. هذا التحول و التطور الغذائي الهام كانت له اثار ضخمة علي هذا الكائن الجديد الذي أصبح أكثر ملائمة للظروف البيئية و بدأ في الانتشار بعيدا عن غابات افريقيا الكثيفة و اخدودها العظيم في تنزانيا و كينيا و اثيوبيا. قبل مئتي ألف عام و بتراكم الطفرات الجينية طور هذا الكائن البشري أصوات و لغة بدائية مكنته من التفكير لأول مرة و أصبحت نقطة انطلاقة للفكر الانساني لأنه لا يوجد فكر بدون لغة كوسيط دماغي. في الفترة ما بين عام مئتي الف قبل ىالميلاد و عشرة الف قبل الميلاد انتشر الانسان العاقل في كوكب الأرض و تعلم التحكم بالنار و استخداماتها و تعلم دفن الموتي و ظهر مفهوم العمل و التقرب للاله بالعمل. بعد عام عشرة ألف قبل الميلاد و بنهاية العصر الجليدي الأخير تمكن الانسان من العيش علي ضفاف الانهار و زراعة المحاصيل و تدجين الحيوانات و تشكل النظام الأسري و بقية النظم الاجتماعية. عام ستة ألف قبل الميلاد بدا تشكل الحضارة السومرية التي ازدهرت عام أربعة ألف و نصف قبل الميلاد. تعتبر الفترة ما بين عام عشرة الف قبل الميلاد و ستة ألف قبل الميلاد غامضة للكثيرين و هي فترة الفيضانات و ظهور الاصنام كتطور ديني لأول مرة و ظهور النبي نوح حسب الروايات الدينية. في فترة ازدهار الحضارة السومرية و بابل الأولي حاولالانسان الاجابة علي سؤال الاله و بقية الأسئلة الكبري و طور الفلسفات و المدارس الغنوصية المختلفة و كانت حضارة سومر حضارة غنوصية بامتياز انحرفت لاحقا الي العودة الي الأصنام مرة أخري في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد و هي فترة ظهور النبي ابراهيم حسب الروايات الدينية. و سواء كان ابراهيم أو ابراهم كما ورد في القران شخص واحد أو أمة أو مجموعة من الأشخاص فان النقطة الجوهرية هي الأساس الغنوصي للأديان البشرية الذي بدأ في سومر و انحراف الأديان لاحقا الي الظاهرية و التشريع. لكي نتمكن من دراسة الوعي البشري الحالي لا بد لنا أن ندرس لحظة التشكل الأولي للوعي البشري و الفلسفات في الحضارة السومرية و بابل الأولي لأننا جميعا أتينا من بابل علي مستوي الوعي و حتما عائدون الي بابل مرة أخري. بل أننا نحتاج لدراسة وعي الشامبانزي الأول و دراسة حالته النفسية عندما أكل اللحم لأول مرة و شعر بالخطيئة لأول مرة و حدثت له طفرات جينية أدت لتساقط الشعر و ظهور مفهوم العورة و سترها لأول مرة و تحول الغرائز مثل الأكل و الجنس من الحالة الغريزية الحيوانية البحتة الي شهوات لأول مرة . هذا يعتبر الهبوط الأول الذي حدث للجنس البشري من نقطة الوعي الأولي و هو ليس هبوط من جنة ميتافيزيقية علوية و لكنه هبوط في الوعي البشري داخل جنة أرضية مادية. الهبوط الثاني في الوعي البشري هو تعلم اللغة البدائية و تلقي الكلمات لاستخدامها في التفكير و المنطق فهو يعتبر أيضا هبوط عن نقطة الوعي الأولي. البعض يري أن القران الكريم تحدث عن هبوطين لادم او مجموع الجنس البشري و لكني أري أن هناك هبوط ثالث و رابع و خامس و سادس و سابع. الهبوط الثالث للوعي البشري من نقطة الوعي الأولي هو ظهور مفهوم العمل و تدخل الانسان الواعي في الصيرورة الطبيعية و الذي بدوره أدي لظهور مفهوم الحير و الشر و بداية النزاعات الانسانية. الهبوط الرابع في الوعي البشري هو البحث عن مفهوم للعمل المتوازن بين الخير و الشر لحل النزاعات البشرية. الهبوط الخامس هو رؤية التماثل و التشابه في الطبيعة و الهبوط السادس هو رؤية الاختلاف و التنافر. الهبوط السابع للوعي البشري من نقطة الوعي الأولي هو بداية تشكل الرؤي و الأحلام و الطموحات الشخصية لكل فرد علي حدة و بحثه عن التميذ لأول مرة في التاريخ. هذا الهبوط الاخير أدي لظهور الأصنام لأول مرة باعتبارها ملبيا لاحتياجات الفرد و ظهر مفهوم هوي النفس. هذه المستويات السبعة للهبوط في الوعي يمكن اعتبارها سموات سبعة للوعي البشري أو مستويات و بوابات للطاقة و النور المجازي و القوي الملائكية. اذا السؤال المهم هو كيف كان يتكون وعي ذلك الكائن البشري في نقطه تطوره الأولي حيث لا توجد شهوات و لا لغة و لا تفكير و لا عمل و لا خير و شر و لا تصورات ذهنية مثبقة و لا هوي نفسي و طموحات شخصية. كان ذلك الكائن الأول لا يحتاج الي دوال للمدلولات لعدم وجود اللغة فهو يدركها كمدلولات مباشرة و يتعامل معها مثل ثائر الحيوانات. هل كان ذلك الكائن الأول يري و يتخيل و يتواصل مع كائنات ملائكية نورانية مجنحة في وعيه الداخلي و يتواصل في أحيان أخري مع كائن سوداوي اخر يشبه الافعي في وعيه الداخلي. متي فقد الانسان القدرة علي تخيل و رؤية و التواصل مع هذه المركبات في الوعي لأول مرة. قوم نوح عندما تم ارسال أول رسول بشري لهم استنكروا ذلك و قالوا أن باستطاعة الخالق أن يرسل ملكا و أنهم لم يسمعوا بهذا في ابائهم الأولين. هل هذا دليل علي أن ابائهم الأولين كانوا يروا أو يتخيلوا الملائكة في وعيهم الداخلي و يتواصلوا معها و لم تكن هناك حوجة في ذلك الوقت لارسال رسول بشري لوجود اللائكة بين الناس. تطور مفهوم الشيطان عبر التاريخ و مر بمراحل كثيرة و هو ليس كائن مخيف كما يعتقد البعض أكثر من كونه نقطة سوداوية في الوعي البشري ينعدم فيها النور المجازي تضيق و تتسع من حين لاخر في عقله الباطن. أما حديث الأديان عن الجن فهو في ظني يشير الي مجموعات بشرية متخفية في شكل جماعات سرية ظهرت منذ فجر البشرية و تمكنت من العلوم و المعارف و التنجيم و الفلك و الحرف المختلفة و لها خصائص عقلية متطورة و هم سلالة بشرية من لحم و دم لهم جينات مختلفة تعيش بيننا الان و لا توجد كائنات اسطورية خيالية غير مرئية تسمي الجن. ذلك النور المجازي في الوعي البشري المتماهي مع المتسلسلات الكونية بالضرورة قادم من الاله أو المصدر الأول أو الفكرة الأولي للخلق. هذا النور المجازي يمثل أيضا مستويات الهبوط السبعة في الوعي البشري التي تكلمنا عنها سابقا. لكن هذا النور المجازي للوعي الانساني يهبط هو الاخر الي عشرة مستويات بدأا من الفكرة الأولي المجردة للخلق و انتهاءا بالعالم المادي المحسوس مرورا بالمستويات السبعة للهبوط في الوعي البشري. ان الحديث عن الهبوط في الوعي البشري و الهبوط في مستويات النور المجازي ليس حديث تاريخي أو نظري و لكنه يشخص الواقع الحالي الذي يعتبر فيه كل فرد منا هابط الي مستوي من مستويات النور المجازي و يري و يتعاطي مع الأشياء في الحياة اليومية في مستوي محدد لمركبات الوعي. ان البحث عن أعلي مستويات النور المجازي أو أعلي درجة ممكنة للوعي البشري هو بمثابة البحث عن الاله و هذا النور المجازي هو وسيلة للتواصل مع الاله النور مصدر النور. [email protected]