في صباح كل يوم يزور (الجريدة) أهالي منطقة طالتها الإزالة، دون معالجات قامت بها السلطات لتتركهم في العراء يتوسدون الأرض، ويلتحفون السماء بعد أن دكت الجرافات بيوتهم وحولتها إلى أنقاض. ومن المفارقات أن حكومة الخرطوم تعمل هذه الأيام بجد ونشاط في تنفيذ حملة إزالة واسعة لمناطق ترى أنها مخالفة أو عشوائية، وهذه الحملات من المؤكد لها تبعات إدارية ومصروفات ليست بالقليلة. فمن الناحية الأمنية هناك قوة من الشرطة مدججة بالأسلحة ترافق السلطات وتظل مرابطة بالمناطق المراد إزالتها لساعات طوال، في وضع أشبه بالإستعداد الكامل، وفي المقابل أيضاً منفذي الإزالة من السلطات المحلية من مهندسين مساحة وضباط إداريين وغيرهم تجدهم يحتاجون تسيير وميزانية خدمات وخلافه. من حق الحكومة تنظيم العاصمة وتخطيطها بما يجعلها تواكب عواصم البلدان الأخرى، ولكن المساواة في الظلم عدل، فجرافات الإزالة لا تجتاح سوى منازل البسطاء، في حين أن هناك عمارات سوامق بها كثير من الأخطاء الهندسية ولم تُزال أو يعاقب أصحابها، وشكا أهل ضاحية أركويت من استغلال مسؤول للشارع والإستفادة منه في زيادة مساحة منزله ولم يستمع إليهم أحد وهذا للمثال وليس للحصر. وإذا كان من حق حكومة الخرطوم إنفاذ هذه الإزالات لماذا لا تراعي الأوضاع التي تنفذ فيها الإزالة؟ وأين سيذهب أهالي فشودة والحلة الجديدة أمدرمان؟، وماذا عن الأطفال الذين يدرسون في مدارس تقع على بعد أمتار من منازلهم؟ وكيف سيذهبون الى المدرسة أصلاً وهم بلا مأوى، وباتوا يسكنون في عراء وليس بينهم وبين السماء حجاب. ولماذا لا توضع البدائل ويتم التعويض قبل البدء في التنفيذ؟، كل هذه الأسئلة تؤكد أن السلطات لا يهمها المواطن، وهي غير مكترسة لما يجري له جراء هذه الإزالات، فليس من المهم أن يتشرد سكان الحلة الجديدة بأمدرمان، ولا يعوض الذين تم ترحيلهم من شرق النيل إلى هذه المنطقة، وكذلك سكان حى التكامل بالشجرة الذين ظلوا في هذه المنطقة عشرات السنين وشيدوا منازلهم عليها، وحصلوا على الخدمات بموافقة السطات، يجب أن يرحلوا إلى مناطق طرفية فالمنطقة تطل على النيل ويرغبها من يدفعون أكثر. هذه الإجراءات التعسفية تولد الغبن، وتؤسس لأحقاد تكلف الدولة (فاتورة) عالية لإمتصاصها، وتزيد من التشرد وتسرب الأبناء من المدارس وغيرها من التداعيات التي تباعد الشقة بين أبناء الوطن الواحد. وما دام أن حكومة الخرطوم لها من الشرطة، والعضلات، والجرافات التي تستطيع عبرها هدم كل هذه المنازل، فلماذا هي عاجزة عن نقل الأوساح (الزبالة)، التي تراصت على جنبات الأرصفة، وتكدست في الأزقة ولا تجد من يحملها، بالرغم من أن متحصلي النفايات يتحصلون الرسوم على (داير المليم) أقصد على (داير الجنيه) ويلحون على المواطن حتى يخرجها مجبراً في حين أنه يرى الخلل والقصور بأم عينيه. من الواضح أن الحكومة أصبحت تتمتع بمقدرات وقوة في إنفاذ حملات الإزالات والهدم والتخريب غير آبهة بتداعياتها، وكذلك الذين يكتوون بنارها هم المخالفين من البسطاء الفقراء أما المخالفين من الأغنياء فلا أحد يبحث عن تجاوزاتهم في البناء، وحتى الحديث عن وجود مصانع حديد غير مطابقة للمواصفات لم نسمع عن إيقاف مصنع واحد بعده، أما النفايات فهي محل عجز وخلل وفشل وليت هذه الأتيام النشطة التي تستخدم في انفاذ الإزالة تسخدم في نقل النفايات..!! الجريدة