في ثنايا الدوامة التي يُدخلنا فيها النظام، صباح كل يوم جديد، بإنتاجه البدع، والخزعبلات، كحال أي نظام دكتاتوري، يلجأ لهذه البدع، من أجل شغل الناس عن قضاياهم الحقيقية، خرج علينا النظام قبل فترة طويلة بما أسماه ب (جمعيات أصحاب المهن الإنتاجي والزراعي والحيواني) وإستن لهذا الغرض قانون في عام 2010، تعديل لعام 2011، ومنذ ذاك التأريخ، ترك أمر هذه الجمعيات جانباً، ولم يتم إلإلتفات لهذا الأمر، إلا بدايات العام الحالي 2017، والشروع في تكوين هذه الجمعيات هذه الأيام، وهذا أولاَ دون أن يُفسر لنا النظام، لما العجلة في الأمر، بتنفيذ قانون أُستن عام 2010، بصورة سريعة فى عام 2017؟ : بقلم:أسامة حسن عبدالحي (1) اللهاث السريع من قبل النظام، وراء تكوين هذه الجمعيات، علي طريقة (دفن الليل أب كراعاً برة) كما يسير المثل الشعبي البليغ، يرجع فيما يرجع أولاً: إلي شروع النظام في إتمام الصفقات المعقودة بينه وبين قوى من الرأسمالية العالمية وربيبتها المحلية، لبيع أراضي البلاد، والتي بالطبع تحول وحدة المزارعين وإتحاداتهم-علي علاتها- دون إكمالها، ما عجل بولادة هذا الجنين المشوَّه، المسمى بجمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني، ويفسر هذا الغموض أيضاً حالة التحسن في العلاقات بين النظام والدوائر الرأسمالية العالمية، وتلقي النظام لوعود من هذه الدوائر بعد مغازلتها له في أكثر من مرة، وتغزلها في أرض السودان، التي يسيل عليها لعابها، ولكيما يستطيع النظام تنفيذ هذه الوعود عليه أن يأمن جانب المزارعين، وذلك طبعاً بالمضي سريعاً في سياسة إخلاء الأراضي من المزارعين عبر طردهم وتشريدهم، إما بالقوانين الجائرة كما هذا القانون، أو بالقوة، وبالتهميش أو بوسائل متعمدة من شأنها تدمير البنية التحتية للمشاريع الزراعية، أو أيضاً، التحكم في مياه الري، بتوفيرها في وقت لا يحتاجه المزارع وقطعها عنه وهو في أمس الحوجة لها، لري محاصيله. ويقابل هذا تسهيل التمويل عبر البنوك القائمة برأسمال طفيلي، لتكون النتيجة بعد هذا هو فشل زراعة المحاصيل وضعف عائدها، ما يهدد المزارع بالإعسار ودخول السجن، لعجزه الإيفاء بمستحقات البنك، أو يفعل كما فعل كثيرون بترك الأرض بوراً، وذلك بهجرها والتوجه نحو المدن للعمل في مهن هامشية. ولهذا لا غرابة في أن تندلع حملة شعبية واسعة وسط مختلف فئات الشعب السوداني، وعلى رأسها المزارعون بتنظيماتهم الديمقراطية والنقابية، وملاك الأراضي، رفضاً لهذه الجمعيات (الضرار)، وذلك للوعي الكافي الذي يمتلكه هولاء جميعاً، والذي كان نتاجه موقفهم الشجاع هذا رفضاً لهذه الجميعات. والمؤكد أنه مع صباح كل يوم جديد تتسع دائرة الرفض والمقاومة لهذه الجميعات. (2) أظن أننا في حِلٍ عن تبيان، او عرض الأسباب التي حدت بالكثيرين لرفض هذه الجمعيات، والإنضمام لحركة المعارضة المتسعة ضدها، ولكن يفيد أيضاً في ذات الوقت إستعراض جزء من هذه الأسباب بإختصار، حتي تشكل خلفية لمن لم تسمح له ظروفه بمتابعة القضية - من القراء الكرام –على كل حال، لعله واحد من أهم هذه الأسباب هو أن هذه الجمعيات تأتي في سياق التوجه الكلي للنظام، من أجل خصخصة مشاريع القطاع العام، وحملها علي طبق من ذهب، إلي القطاع الخاص، المرتبط،عضوياً بدوائر الرأسمالية الطفيلية، وبالتالي سحب الدولة -في ظل نظام الرأسمالية الطفيلية- لنفسها من دائرة النشاط الإنتاجي، وترك واجبها الأساسي في الإشراف عليه، وذلك لإخلاء هذا المكان للقطاع الخاص، المتحفز لحجزه. وياتي أيضاً في صدارة الأسباب، أن هذه الجمعيات، تُقسم تجمعات المزارعين، وتفرقهم، أيدى سبأ، لجعلهم لقمة سائغة يسهل إلتهامها، وذلك لأن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الجمعيات هذه هو ضرب مبدأ الوحدة الإنتاجية الواحدة، وهو الأساس القائم عليه، تكوين المشاريع الزراعية. سبب آخر أيضاً هو الأهم، يتمثل في التنافس المحتدم بين قوى رأس المال العالمي، ممثلة في (أمريكا، الصين، دول الخليج، منظمات الإخوان المسلمون، تركيا)، على الأراضي في السودان، وجميع هذه القوى الرأسمالية، لا تريد وجود مزارع على أرضه، بل تريد أفراد يمتلكون مساحات واسعة من الأراضي، حتي يسهل التفاوض معها، لشراء أو إيجار الأرض، وهو الهدف الأسمي الذي تسعى الحكومة له، من أجل تهيئة المناخ لهذه القوى، لأجل تمكنها من أرض السودان، وبالتالي يكسب تجار النظام، ويملأون خزنهم، وهذا الإتجاه بدأته الحكومة بسياسة الخصخصة، ونزع الأراضي، وتركيز سلطة نزع ومنح الأرض في يد رئاسة الجمهورية، كما قدمت للبرلمان لتعديل الدستور في نوفمبر 2014وأُجيزت فى يناير 2015. وقبل ذلك فيما سمى بقانون 2005 لمشروع الجزيرة، والذى كانت غايته المثلى هي تمليك الأرض لكبار المزارعين (شبه الإقطاع بمشروع الجزيرة)، وذلك تسهيلاً للمستثمرين، وتركيز الفائدة في يد كبار المزارعين المرتبطين بالسلطة. (3) علي الرغم من أن إتحادات المزارعين، لم تكن في يوم من الأيام-فى ظل الحكومات الدكتاتورية- إتحادات ديمقراطية، تُعبر عن إرادة المزارعين في المشاريع الزراعية، المروية وغيرها، إلا أنها كانت تحافظ علي ميزة من الميزات الأساسية، التي قامت عليها هذه المشاريع وهي الوحدة الإنتاجية الواحدة، كما هو الحال في المشاريع الزراعية الكبري (الجزيرة، الرهد، السوكي...الخ) وهذه الميزة كانت تضمن، توحد المزارعين في مشروع واحد، وبالتالي التوحد حول قضاياهم، ولعل هذا يفسر سر تمسك الرافضين لهذه الجمعيات بإتحادات المزارعين، وبرغم طبيعتها المعادية للمزارع في العهود الدكتاتورية، إلا أنها تبقي ساحة نضال للمزارعين من داخلها لأجل تغيير طبيعتها نحو جعلها إتحادات معبرة عن إرادة ورغبة المزارعين، وذلك عن طريق إنتخاب قادتها وعضويتها، بصورة مباشرة من المزارعين، وليس حلها وركلها جانباً، وإستبدالها بأخري تحت مسمى جديد كما هو الحال الآن فيما يسمى بجمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني، ما يجعل من التمسك بإتحادات المزارعين، والضغط على النظام من أجل إرجاعها وجعلها إتحادات ديمقراطية، تلبى رغبات وتطلعات المزارع وتدافع عن حقوقه المسلوبة، هذا هو المدخل والأساس السليم لرفض هذه الجمعيات، ولعله على رأس أسباب رفضها أنها جميعات كونت بقانون وقرار صدر من السلطة العليا، ولم يتم مشاروة المزارعين فيه وأخذ رأيهم، ولم يشاركوا فى تكوينها، حتى، وذلك بعكس إتحادات المزارعين، والتي كانت نتاج جهدهم ونضالهم، والتي إقتلعوها عنوة وإقتداراً، من براثن السلطة الإستعمارية، وربائبها المحليات، وهذه نقطة جوهرية يجب وضعها في الإعتبار، وحركة المقاومة ضد هذه الجميعات تتسع. (4) إن أخطر مافي شأن هذه الجميعات، هو تركيزها لسلطة الإدارة والإشراف على العملية الزراعية والإنتاجية بشكل عام، في يد (3) فقط من كبار المزارعين وملاك الأرض، حيث ينتهي هرم هذه الجمعيات حسب قانونها في (3) يديرون مجمل النشاط الزراعي والإنتاجي في البلاد، ويتحكمون في أمر الزراعة ويبرمون العقود، ويصدرون ويستوردون، بإسم المزارع!، وهولاء يصعدون ليس بإختيار قواعدهم، إنما بحجم ما يمتلكون من أراضي، حيث تقول أحدى مواد قانون جميعات الإنتاج الزراعي والحيواني لسنة 2011 (تكون مساهمة العضو وحقوقه وإلتزاماته داخل التنظيم وفق ملكيته للوحدات الإنتاجية)، وهولاء الثلاثة هم بحسب القانون، مجلس لهذه الجميعات، مهمته هي التعاقد والإتفاق والتعامل بالبيع أو الشراء أو الرهن أو الإقتراض مع الأفراد والمؤسسات داخلياً وخارجياً،والأنكى والأخطر في الموضوع أنه يمكن أن يكون هولاء الثلاثة جميعهم أو بعضهم غير سودانيين، حيث لا تشترط القوانين في الثلاثة المتحكمين في السياسة الزراعية في السودان أن يكونوا من السودانيين، وذلك بالرغم من هذه السلطات الكبيرة الممنوحة لهولاء وهذه واحدة من مكامن الخطر الكثيرة في هذه الجميعات!. (5) إن مضى النظام في تكوين هذه الجمعيات، يدفع بقضية الصراع حول الأرض في السودان، إلي أبعاد متقدمة، ما يجعل من هذه المعركة هي أم المعارك ضد النظام، وهي بلا شك معركة تتطلب جهداً واسعاً وكبيراً من القائمين على أمرها، وذلك بحشد كل المتضامنين معها، وشرح المرامي والأبعاد الخفية، لهذه الجميعات، وضررها البالغ على المزارع والذى أقله فقدانه لأرضه فيها، كما يجب أيضاً وضع هذه الحملة في مجرى النضال الشعبي العام، ضد نزع الأراضي، والتنسيق بين هذه الحملة والحملات الأخري التى تنشط رفضاً لبيع ونزع الأراضي داخل وخارج السودان، حيث أن التنافس علي الموارد الطبيعية، في الوقت الحالي على أشده بين الشركات الكبري والدول الإمبريالية، وتشكل الأرض والمياه مركزي الصراع، وهزيمة إتجاه النظام الحالي لبيع الأراضي والمياه العزبة، لهذه القوى الإستعمارية، يمثل دفعة كبيرة لحركة المقاومة العالمية المتصاعدة ضد بيع ونزع الأراضي فى العالم لصالح القوى الإمبريالية، نحو عالم ينعم بالعدالة الإجتماعية. وذلك لأن جميع هذه الخطط والمشاريع تهدف في مجملها وفي كل العالم السيطرة علي الأراضي، وهذه تتم بموجهات من صندوق النقد والبنك الدوليين، ويتم هذا بالضغط على الحكومات الدكتاتورية والهشة، من أجل تحويل بلدانها لمراكز نشاط للشركات العابرة للقارات، وسوق ضخمة لتوزيع فائض البضائع في المركز الرأسمالي، وتستهدف سياسة البنك الدولي وصندوق النقد، إفقار وتجويع الشعوب والمواطنين البسطاء، لصالح إغناء قلة تتحكم فى رأس المال العالمي. [email protected]