:: قبل التشكيل الوزاري، حين قال البعض أن المؤتمر الوطني تنازل عن وزارات مهمة لصالح الشُركاء، تساءلت : ما هي الوزارات المهمة؟، وهل هناك وزارة غير مهمة؟، وما جدى هذه الوزارات - التي تستنزف الموارد المحدودة - وهي (غير مهمة).؟..كل الوزارات، إن كانت فاعلة ومنتجة وذات جودة في خدمة الوطن والمواطن، مهمة للغاية..وكل الوزارات، إن كانت خاملة وكسيحة ومجرد إهدار للمال العام، غير مهمة إطلاقاً.. فالوزارة تكتسب أهميتها من تأثيرها في حياة الناس..!! :: ولقد جاء التشكيل بالسيد مبارك الفاضل وزيراً للإستثمار .. ثم كان هذا الخبر السار : (ألغى وزير الإستثمار، مبارك الفاضل عقد صدقته وزارة المالية - في وقت سابق - لشراء مقر جديد لوزارته بالعمارات بأكثرمن 10 مليون دولار.. و برر الوزير خطوته بأن الوزارة تملك مقراً حكومياَ قرب النيل ، وأن شراء مبنى بهذا المبلغ يعد اهداراً للمال العام، ويناقض سياسة تقليل الانفاق التي تتبناها الحكومة، لافتاً الى إتفاق على توسعة المقر الحالي للوزارة واضافة مبنى يتسع كل الادارات ولاتتجاوز تكلفته 20% من قيمة المقر المقترح)..!! :: شكراً لمبارك الفاضل وهو يُعلن - بياناً بالعمل - نهج الإصلاح، ويُرجى منه الكثير في هذا الطريق المحفوف بالثعالب والذئاب .. وزارة الإستثمار أهم وزارة في القطاع الاقتصادي، وليس وزارة المالية كما يتوهم البعض .. فالمالية محض (صراف آلي)، بحيث تورد فيها الموارد المحدودة ثم تُصرف .. ولكن وزارة الاستثمار هي الحصان الذي يراهن عليه الوطن والمواطن - في مارثون الاقتصاد - للخروج من ضيق الحال إلى بر الأمان .. وهذا الرهان امتحان لكفاءة مبارك الفاضل ..و بجانب حنكته وشجاعته، فأن مبارك يحظى بثقة ودعم النائب الأول ورئيس الوزراء .. أي لمبارك الكثير من عوامل النجاح ..!! :: ولعل مبارك قد اطلع على التقارير والمعلومات .. ومنها - على سبيل المثال - للمرة الثانية على التوالي تصدرت السعودية قائمة الدول العربية التي تستثمر في السودان، بحجم إستثمارات مقدار (26 مليار دولار)..ثم تصدرت استثمارات دول الخليج العربي قائمة المشروعات بنسبة (80%)، و تلتها إستثمارات الدول الأسوية بنسبة (13%)، ثم الدول الأوروبية بنسبة (5%)، وأمريكا وكندا (1%)، وكذلك الدول الإفريقية (1%).. وهي نسب تكشف تأثير الحصار على شركات الغرب.. ولقد جاء مبارك في زمان (اللا حصار)..!! :: ثم عليه أن يعلم ليس بالحصار وحده تأثرت شركات الغرب و شركات الدول العربية غير الخليجية والدول الإفريقية والأسيوية.. هناك أسباب أخرى حالت دون تقدم الدول غير الخليجية في قائمة الدول الأكثر إستثماراً، ومنها أزمة المؤسسية التي تشرف على الإستثمار بالمهنية المطلوبة، بحيث تتساوى كل الإستثمارات الأجنبية في (الرعاية والحماية).. فالرعاية والحماية التي تحظى بها االشركات الخليجية على مستوى السلطات العليا ( ممتازة جداً)، و لكن يجب توسيع دائرة الرعاية والحماية بحيث تحظى بها كل الإستثمارات ( الأجنبية والوطنية)..!! :: ومبارك يعلم بأن الدولة حزمة أجهزة وقوانين ولوائح تحمي وترعى وتنظم (الجميع)..وهذه هي المسماة - في بلاد الآخرين - بالمؤسسية، وهذه المؤسسية هي المفقودة في قطاع الاستثمار، وعلى مبارك الفاضل ترسيخ المؤسسية بحيث تحل محل (العلاقات الشخصية).. فالمناخ حاليا كما مناخ ما بعد نيفاشا الذي شهد أكبر توافد للمستثمرين في تاريخ بلادنا، ولكن للأسف (شردتهم الفوضى )..ولكي لا نعيد سيناريو التشريد، فالمطلوب من مبارك الفاضل إخراج الإستثمار من عوالم العلاقات الخاصة إلى دنيا المؤسسية التي تحمي وترعى كل المستثمرين ..!! :: وعلى سبيل المثال، حين شرعت إثيوبيا في فتح أبواب الإستثمار، عقدوا العزم على مكافحة الفساد (أولاً)، ونجحوا في المكافحة بجهاز مركزي سلطة أفراد شرطته أقوى من سلطة رئيس وزراء أثيوبيا..ثم أعدوا خرائط الإستثمار ودراسات جدوى المشاريع..وبعد ذلك، أعدوا قانون الاستثمار الجاذب، فانهمرت رؤوس الأموال .. واليوم، حسب التقارير الدولية، لاتزال أثيوبيا هي الأوفر حظاً في جذب المستثمرين، والأسرع سيراً في درب مكافحة الفساد..وكل هذا تم بقوة المؤسسية وليس بالعلاقات الشخصية و (مراكز القوى) .. فالامتحان الأكبر لمبارك الفاضل هو أن يفتح فرص النجاح للجميع..!! :: وليت مبارك يبدأ بمراجعة الخارطة الإستثمارية، إن وُجدت..فالوزارات الإقتصادية المركزية بالتنسيق مع الولايات والمحليات هي التي تعد وتطبع وتوزع وتنشر الخارطة الإستثمارية.. ولا يتم هذا بعد إجراء الدراسات على التربة والمناخ وكل عوامل الطبيعة، هنا يصلح الزرع وهنا هنا تصلح الصناعة وهنا تصلح السياحة، ثم بعد مدها بشبكات المياه والكهرباء والطرق، وتكون خالية من الموانع..فالخارطة الإستثمارية الجاهزة – بدراساتها وبنيتها التحتية وخدماتها- هي التي تٌلزم المستثمر بنوع الزراعة والصناعة.. الخارطة الجاهزة، وليس (مزاج المستثمر)..!! :: وعاجلاً، على مبارك تأسيس نظام (النافذة الواحدة).. هي أفضل وأحدث النُظم المتبعة عالمياً..والهدف من نظام النافذة الواحدة هو إختصار الوقت والجهد بتسهيل الإجراءت للمستثمرين..أغلى ما لرجال المال و الأعمال ليس فقط ماله، بل وقته أيضاً..ونظام النافذة الواحدة يوفر أوقاتهم (الغالية جداً)، ثم يكافح الفساد بحيث لايكون هناك (سمسارة) بين المستثمر و أجهزة الدولة .. وللاسف حالياً، فالنافذة الواحدة تعني أن يأتي المستثمر - غير المحمي بالعلاقات الشخصية - إلى بلادنا في يناير، ثم يغادر البلاد في يناير العام التالي بأمل العودة - لإكمال إجراءات استلام تصاديق مشروعه الإستثماري - في يناير العام الثالث..وهكذا..وعليه، فان المهام التي تنتظر مبارك ( شاقة جداً)..فهل ينجح البلدوزر في تخطى هذه المتاريس؟، أم يرضى بالواقع؟.. ندع الإجابة لقادمات الأيام..!! [email protected]