آيل للسقوط. تقول النظرية الفيزيائية أن لكل فعل رد فعل مساو له فى القوة مضاد له فى الاتجاه. ولعل هذه النظرية قد لقت تطبيقا لها فى الواقع السياسىِّ السودانى خلال الأيام الثلاثة الفائتة، والتى تمثلت فى الإطاحة بالسيد/ طه عثمان من منصبه كمدير لمكتب الرئيس. المعلوم أن منصب مدير مكتب الرئيس ومن يحتله لم يشغل الذهنية السودانية على الإطلاق خلال الحقب السياسية السابقة، بل وحتى خلال فترة حكم الإسلاميين هذه، إلى أن احتل المنصب السيد/ طه ، والذى عمد بدوره بعد فترة من ذلك على تضخيم المنصب، مضيفاً عليه وعلى شخصه هالة كبيرة، دعمها بخطوات عملية جعلته مقربا من الرئيس، حتى صار رجل المهام الخاصة. وقد تداخلت المهام التى أوكلت له مع العديد من مهام الوزارات المختلفة، وأبرزها تلك التى تعد من صميم عمل وزارة الخارجية. طه لم يخلو من ذكاء حين عمل على تدعيم موقفه ومكانته عبر الإستثمار فى خلافات الإسلاميين مع بعضهم البعض -والتى لم يشعل نارها هو بضرورة الحال، إنما وجدها تستعر- وذلك بإدراكه للنهج الجديد الذى دأب عليه القائمون على الأمر بعد المفاصلة، وهى ضرب التكتلات ببعضها البعض، فساعدهم وآزرهم صراحةً أو ضمنا على ذلك. ولذا وفى خلال سنواتٍ قلائل تمكن من فرض نفسه عبر أدائه الذى يرضى الرئاسة ويسر بالها، وكان من الطبيعى أن يلفت نظر الإعلام إليه ثم نظر المجتمع الدولى ، بما يجعل الإخوة الأعداء يستشيطون غضباً لمجرد سماع إسمه، خصوصاً بعد أن استطاع إعادة العلاقات السودانية الإماراتية على مستوى الحكومتين بعد انقطاع. وعلى ضوء ذلك وبالضرورة كان لابد لسقوطه أن يحدث ذلك الدوى الهائل مثلما كان صعوده بسرعة الصاروخ. قد يقول قائل أن طه كان بمقدوره أن يعمل فى صمت دون أن يلفت النظر إليه، ولكن واقع العمل السياسى المحيط به والملئ بالتآمر والتكتل والنميمة ماترك له خيارا ، فإما أن يحصن نفسه بعلاقة متينة مع الرئيس بجانب إيجاد ذوى الولاء داخل المؤسسات المختلفة، أو أن يترك نفسه ( تختة) للتصويبات التى ستأتيه لتنتاشه من كل حدب وصوب. ولأن المناخ الذى يعمل فيه هو مناخ ديكتاتورى عقائدى بجانب الفساد المستشرى فى جسد الدولة، كان من الطبيعى أن تعترى مسيرة الرجل عيوب وتكثر اخطاؤه وتتعدد الثغرات فيه، فالسلطة المطلقة مفسدة ، ناهيك أن تنعدم فيها المساءلة والمحاسبة. ما لحق سقوط الرجل من أحاديث وكتابات شغلت المجالس والمواقع سببه أن الرجل لم يكن له صليح داخل النظام الحاكم بخلاف الرئيس على وجه التقريب، فتكالبت عليه العدى بأجمعها حين واتتها الفرصة ، ليضربوه ضربة رجل واحد، دون ان يجد من يمد له يد العون أو حتى يطلب له الشفاعة، فقد تساقطت جميع بطانته وفقد مؤازرتها فى سويعات بعد أن بلغها انكشاف ظهره، فالحكومات الديكتاتورية شديدة القسوة على أبنائها الخارجين عن خطها قبل أعدائها... والبطانة التى تجمعها المصلحة والرهبة والسلطة تدرك ذلك تماماً ، وما أسهل عليها تحويل الاتجاه والهتاف للملك الجديد . سقوط طه لم ولن يكسب الشعب السودانى شيئاً مثلما لم يربحهم صعوده، وهو فى أول الأمر ومنتهاه لايعدو كونه وسيلةً تم استخدامها، ورضى هو بذلك الاستخدام نظير فوائد مرئية وأخرى خفية. ولكن الشعب لم يخف فرحته كون أن ذلك السقوط قد أشار إلى حقيقة مهمة، أن الصراع القائم داخل النظام الحاكم لم يخمد للحظة، وكل أمل الناس وشوقهم أن يتسع الرتق يوماً بعد يوم حتى تشرق عليهم شمس ليكتشفوا زوال النظام بفعل التآكل الداخلى. فما المؤتمر الوطنى (بطه أو بغيره) إلا منزلاً آيلا إلى السقوط وإن طال الزمان. محمود، ، ، محمود دفع الله الشيخ/ المحامى