تداولنا أمس شخصي الضعيف ورئيس التحرير الزميل الدكتور ابراهيم الصديق حول الذين يقتحمون المكاتب أثناء انغماس العاملين في العمل ويضيعون وقتهم بالرغي والورجقة . بهذه المناسبة تذكرت حكايتي مع واحد من هذا النوع ،فقد اقتحم علي هذا الشخص المكتب وفجأة وبدون مقدمات وبدون مناسبة، قال لي هل تعرف حكاية خرتشوف مع ستالين، كدت للدهشة والاستغراب من غرابة السؤال أن أجيبه على طريقة ذلك المشجع المريخابي المتعصب الذي وجد مجموعة في المقهى الذي يرتاده يتجادلون ويكثرون من ذكر اسم شوارزكوف قائد عاصفة الصحراء إبان حرب الخليج الثانية ، تداخل المريخابي في النقاش وقال للمتجادلين «والله شوارزكوف بتاعكم دا المريخ لو لاقاهو يغلبو سبعة». ما دخلي أنا بحكاية خرتشوف وستالين بل ما دخل العالم كله بهذه الحكاية التي تخص رجلين من رجال الدولة السوفيتية سابقا تعاقبا على حكمها وعلى رئاسة الحزب الشيوعي وآخرهم مات وشبع موتاً قبل نحو خمسين عاماً بل حتى الدولة السوفيتية نفسها أصبحت أثراً بعد عين بعد ان تشتتت وتفرقت شذر مذر، ثم ما هي المناسبة التي تستدعي اجترار هذه الذكرى الغابرة التي طواها التاريخ وتجاوزها الحزب الشيوعي نفسه، ولكن رغم كل هذه المرافعة لم يكن لي من بد إلا ان استمع للحكاية مرغماً أو لم يقل ابو الطيب المتنبئ «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد »، لقد كان صاحبنا هذا مثل هذا، يقول ما يشاء وقت ما يشاء وبمناسبة ومن غير مناسبة وبداعٍ وبلا داعٍ وما عليك إلا أن تذعن وتصمت وتسمع وإياك من المناكفة فستدفع ثمنها غالياً بفساد باقي يومك وإضاعته كله في الاستماع للحكي والرغي «عمّال على بطال »، فاطعت وسمعت الحكاية التي كنت قد وقفت عليها قبل ذلك، ومؤداها الذي يمكن الخلوص إليه في دقيقتين «هراني وبراني به الرجل» في ساعتين، وهو ان خرتشوف حين كان ستالين هو صاحب السطوة والسلطة في الحزب والدولة كان من اكبر «كساري التلج»، وستالين، يخافه ويهابه ويعمل له ألف حساب، لا يذكره إلا بالخير، ولا يجرؤ على مهاجمة أي فعل له بل وكان اول المتصدين لمن يحاول ان يمسه بكلمة سوء، ولكن حين توفى ستالين وتولى خرتشوف السلطة سرعان ما قلب لسلفه ظهر المجن وانهال عليه شتماً وسباً وتقريعاً ولا يفتأ أثناء الليل وأطراف النهار من ترديد ما يسميه جرائم ستالين حتى ملّه الناس، وعند ترديده لهذه الاسطوانة في احدى جلسات البرلمان الروسي، بعث له أحد الحاضرين برسالة تقول لماذا لم تقل هذا الكلام أمام ستالين وهو حي، قرأ خرتشوف الرسالة وابتسم ورد على صاحب الرسالة قائلا: يا صاحبي أنا وأنت في الهوا سوا فما دعاك أنت للسكوت عني الآن هو ما دعاني للسكوت عن ستالين لقد كنت خائفاً مثلك.. قلت لصاحبي هل تسمح لي بحكاية من افريقيا القصية بعد أن استمعت لحكايتك من الشرق الاقصى، قال نعم، فقلت، قيل ان حاكما من بني قارتنا كان قد ولى أمر بعض قومه في عهد ما ، وكان متجبراً ومتغطرساً ودائما ما يستعرض على المحكومين قوته وسطوته ويتنبر عليهم صائحاً «انا الشافو خلو انا لو قمتا البحر دا بشربوا» وغير ذلك من «تنبرات» على هذه الشاكلة، ولكن لأن الدنيا ما دوامه والسلطة ضل ضحى انقلبت على الرجل الدنيا وصار اسيراً لدى القوم فما كان من احد المغبونين منه إلا أن ملأ جردلاً بماء البحر ووضعه أمامه وقال له «إنت زمان هاوسنا بشرب البحر بشرب البحر، هسي البحر خلّي كدي اشرب الجردل دا» وببعض عزة ونفخة رد الرجل «إنت الكلام دا ما قلتو لي زمان ليه»... الصحافة