الهروب من المعركة ليس نصرا ، والوقوف امام رياح الانهزام النفسى ليس حلا، والاستسلام للفشل ليس تميزا ، والبقاء فى وطن تخسر كل يوم فيه قيمتك الانسانية نوع من الانتحار البطىء والاغتراب لم يصبح مغريا....... البعض يسلك كل السبل من اجل (الهروب)، اوالهجرة الى( المال)، او الانزواء بعيدا عن الوطن، وربما قد يدخل البعض فى دائرة من ديون ضخمة، لايعلم هل يستطيع الوفاء بها ام لا ... بعض اخر (يلوك الصبر) والوجع قد يغلب عليه فيبدأ يصرخ من الداخل، وهو قاب قوسين اوادنى ان ينفجرثائرا، من حال غير محتمل. وتجبر الظروف الفريق الاخير، من اطفال ونساء وكبار سن ،من لا يملكون غير خيار البقاء، بين جدران الوطن المتداعى ،غيرالصمت والانتظار. الاستاذ عباس معلم على سن ورمح، بينه وبين تحقيق اماله امدا بعيدا، ظل يكدح وينافح مؤمنا برسالته السامية الجليلة، يبدأ يومه المترف بالشقاء ، والتعب اجبارا لابد له استهلالا، من ان يتسلق ( ويدافر)، حتى يجد له موطأ قدم ،على ظهر ( دابة ) المواصلات ،يصل الى المدرسة بعد ان يكون استنفذ طاقة لايعوضها ساندوتش الفطور (الهزيل) هذا فى حال توفره. يدخل الفصل، يحاول ان يمنح تلاميذه اقصى ما عنده، من تجرد وانكار ذات يرفع صوته، حتى يسمع كل من فى داخل الفصل المكتظ ، محاولا ان يتواصل مع اكبرعدد منهم، حتى يطمئن الى (ترسيخ) المادة فى الاذهان الصغيرة المتعبة. يمضى عباس يومه، وقد امتص الاجهاد من ذاته الكثير، فلا يكاد ينتهى من حصة، حتى يدخل فصل اخر متفانبا فى اداء واجبه. يجرجر الاستاذ عباس اقدامه المتهالكة ، فى رحلة عكسية الى منزله فى اقصى اطراف المدينة، وهو فى حالة صعودا وهبوطا مع زحمة المواصلات ، التى لا تترك للتنفس متسعا . يعرج الاستاذ الى السوق ليشترى بعض من اغراض لابد له منها، تستولى عليه الحيرة والالم والدهشة، فالسوق اليوم تضاعف مرتين اضعاغا بين اليوم الامس. يسأل عباس صاحب الخضار غاضبا:- الزيادة المامفهومة دى شنوا،امبارح سعر واليوم سعر، وبكرة سعر يعنى الناس تموت بالجوع؟؟ يجيبه صاحب الخضار، بكل ثقة، انت ما جايب خبر يا استاذ عباس، الدولار ما زاد الليلة، وكل ما الدولار يزيد كل حاجة بتزيد، والدنيا طايرة !! يضرب عباس كفا بكف والله عجايب، وانتو مالكم ومال الدولار، طلع ولا نزل!! يجيبه صاحب الخضار، كيف يا استاذ البنزين مش بالدولار، الخضار دا مش لازم يصل بالعربات والع.... يقاطعه استاذ عباس متنهدا، الله يكون فى العون ،الله يكون فى العون اخ يابلد !! يتحسس جيبه متحسرا، راتب الاستاذ عباس لا يتجاوز 500جنيه ،وينتظره قطار من الاحتياجات الضرورية جدا ، ايجار البيت ، الكهرباء،المصاريف المواصلات الغلاج....قالها متنهدا ..... الله المستعان