شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الهامش ضد الهامش: مداخلة ..
نشر في الراكوبة يوم 13 - 07 - 2017


-1-
عقب مقال الدكتور حيدر الأول حول خلافات الحركة الشعبية (سودانايل 22/6/2017) بعنوان "حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد" انهالت عليه ردود وتعقيبات اتسمت لغة العديد منها بالخشونة والعنف اللفظي، وهي لغة غير مقبولة في أدب المساجلات ولا تضيف شيئا لحجة كاتبها. ورغم ذلك فإن بعضها قد أثار نقاطا موضوعية أوضحت عدم معقولية التعميمات والنتائج والاسقاطات التأريخية التي أوردها الدكتور حيدر في مقاله المذكور في إطار تسفيهه لما أسماه جدلية المركز والهامش بحسبان أنها لا ترتكز علي تنظير متماسك. ورغم عنف لغتهم فإن عدداً من المعقبين قد أثنوا علي الدكتور حيدر ومواقفه التأريخية واسهاماته الثقافية وجهوده الراسخة والمستمرة في مجال الاستنارة مما لا ينكره إلا مكابر، في نفس الوقت الذي عبروا فيه عن خيبة أملهم في صدور المقال من شخص في مقامه.
هذه مداخلة حول الموضوع وليست ردا على مقالات الدكتور حيدر .ولكن للأسف أجد نفسي أيضا مختلفا مع الاخ الدكتور حيدر في الكثير من تعميماته وقطعياته مثل (لقد أثبت صراع الحركة الشعبية أن فرضية جدل المركز والهامش وهم كبير) وأن (الصراع في السودان ليس إثنيا ولا جهويا بل هو صراع اقتصادي-اجتماعي قد يلبس أحيانا أقنعة ثقافية) أو أن(فرضية الهامش والمركز تقود بالضرورة إلى عنصرية مضادة وتخريب أي محاولة للوحدة الوطنية القائمة علي حقوق المواطنة) أو أن (فرضية المركز والهامش تدليس مبتذل لنظرية سمير أمين عن التبعية أو التطور غير المتكافئ) من بين نقاط أخرى كثيرة.
واعتقد كذلك في أن الدكتور حيدر لم يكن محقا في رفضه جملة واحدة كل التعقيبات والردود حيث يقول في مقاله الثالث (نظرة إلي المستقبل -سودانايل 7 يوليو2017 ) " ما زلت مصرا علي كل الآراء التي ذكرتها ليس عنادا ولكن تلقيت كثيرا من سقط القول ولم يفند أحد بموضوعية ما طرحت بل لم يحاول أحد من الهامشيين الكرام فهم مقصدي الحقيقي من الكتابة". والحق يقال فإنني أري أن بعض التعقيبات بها تفنيد لكثير من مقولات الدكتور حيدر أو نقاط جديرة بالرد، مثل تعقيبات الأساتذة محمد عثمان (دريج) (سودانايل 28 يونيو2017 ) وعلي الدكوك (الراكوبة 27 يونيو 2017 ) رغم العنف اللفظي في المقالين. إن دمغ التعقيبات فقط "بأنها من سقط القول" يمكن أن يدخل في باب الاستعلاء علي الخصوم، ولا اعتقد أن الرد علي بعض النقاط الموضوعية كان سيقلل من مقام الدكتور حيدر ويمكن أن يتم ذلك بعد تقريع المعقبين علي لغتهم العنيفة إن أراد.
هنالك أسئلة أرى أن الاجابة عليها مهمة في قضية "الهامش مع المركز"، وهي:
هل هنالك مظالم تأريخية للهامش من قبل المركز) والمركز هنا هو الوسط والشمال النيلي المسيطرة نخبه علي الحكم منذ الاستقلال) أم لا؟
وهل علي المظلوم أن ينتظر حتي يقوم هو أو غيره بصياغة نظرية تفسِّر له ولغيره ما وقع عليه من مظالم حتي يحق له أن يقوم بأي نوع من الاحتجاج سلميا كان أو غير سلمي؟
وهي بعض ما يفهم من مقال الدكتور حيدر.
وهل علي الهامش المتظلم أن ينتظر حتي تتحقق بعض "الأمنيات " الهلامية؟ "
إن إزالة التهميش في بلادنا يرتبط ارتباطا موضوعيا بإنجاز وتحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية" (أدم شريف المحامي-الراكوبة 26 يونيو 2017).
قناعتي أن الاجابة علي السؤال الأول هي بالإيجاب، وعلي الثاني بالسلب لأن الهامش يرى أن المركز هو الذي يهيمن علي السلطة وفشل أن يكون عادلا في توزيع الموارد بل وعاملا حاسما في الاقصاء من المشاركة الفاعلة (وليست الديكورية) في السلطة نفسها والدلائل (علي قفا من يشيل)، كما أن من التعسُّف أن نطالبه بأن يبحث عن تناقض رئيسي في صراعه لأخذ حقوقه قبل ان يبدأ في الاحتجاج. إن المؤشِّرات التي توضح أن حظوظ الأقاليم والولايات الطرفية (الهامش) ليست متساوية فيما يختص بالتمتع بالخدمات الاقتصادية والاجتماعية علي قلتها، كثيرة ومتوفرة. كما إن نسبة ذلك "التخليف"، كما في لغة الدكتور حيدر، إلى المركز هو شيء طبيعي نتيجة لتركيز السلطة في يد نخب المركز علي اختلاف مشاربهم السياسية، سواء كان ذلك عن قصر نظر أو غيره، هو كذلك مما لا يحتاج الي برهان.
لكن لمزيد من التأكيد يمكن أن نشير الي ما جاء في كتاب الدكتور عبده مختار الصادر في 2010 عن دار عزة للنشر(دارفور: من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى) الذي جاء فيه "حققت حكومة الإنقاذ أكبر مشاركة للقبائل في الحقب المختلفة حيث بلغ عدد القبائل التي شاركت فيها حتي 1998 أربعون قبيلة يأتي أولها الجعليون بنسبة 19.4% يليهم الدناقلة بنسبة 16.1% ثم الشايقية 12.8% (صفحات 52-53)". (أي أن معامل التركيز للثلاثة قبائل المذكورة 48.3%). وهو ما يؤكد ما جاء في الكتاب الأسود (2001) الذي قوبل بانتقادات واسعة من الأجهزة الإعلامية وتمت نسبته للمؤتمر الشعبي المعارض حينها. ويجدر بالذكر هنا أن الكتاب الأسود نفسه قد اتضح أنه مستخلص من دراسة أعدتها رئاسة الجمهورية كما جاء في مقال للأستاذ خالد فتحي (خليل ابراهيم الرجل الذي قال لا- سودانايل 27 ديسمبر 2011)" ففي اجتماع مع القوى السياسية امتد إلى الفجر ببيت الضيافة في 14 يوليو 2008 قال السيد المشير عمر البشير رئيس الجمهورية إن الكتاب الاسود هو بالأساس دراسة أعدتها رئاسة الجمهورية للاطلاع على خارطة المشاركة السياسية في السلطة على مستوى المركز."
إن مظالم الهامش "جمرة بتحرق الواطيها" وقد تم التعبير عنها منذ عقود، ولكن للأسف النخب السياسية ممثلة في الحكومات المتعاقبة مدنية وعسكرية لم تلفت نظرهم تلك المظالم واعتبروا أنهم يصدُرون في سياساتهم وتصرُّفاتهم عن رؤى وطنية وأنهم قوميون في المقام الأول وكل ما عداهم جهوية وربما عنصرية. لقد بدأت تلك الاحتجاجات منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ولكن بشكل أوضح في النصف الاول من الستينات عندما ظهرت حركات من الهامش تطالب بالعدالة في توزيع الموارد وفي المشاركة في السلطة واتخاذ القرار منها اتحاد جبال النوبة، اتحاد البجة وجبهة نهضة دارفور. ويمكننا أن نشير علي الأقل إلى أهداف واحدة من هذه الحركات المطلبية وهي جبهة نهضة دارفور.
جاء في كتاب الدكتور يوسف تكنة-2013-" دارفور- صراع السلطة والموارد 1650-2002) ما يلي "كانت مطالب كل من منظمتي جبهة نهضة دارفور ومنظمة سوني السرية (وكلاهما انشأ في عام 1964) عقب ثورة اكتوبر- تتمحور حول المساواة بين أبناء دارفور وأبناء الشمال في الحقوق والواجبات، المساواة في الوظائف العسكرية والمدنية، في مجال تقسيم السلطة والثروة وفي مجال التنمية والخدمات والطرق والبنيات التحتية" (ص 89). ويضيف في مكان آخر" استشعرت الأحزاب السياسية خطرها (جبهة نهضة دارفور) فاتهمتها بالعنصرية والجهوية وأنها حركة انفصالية. وقد شملت الحملة الدعائية في الصحف أن مثل هذا التنظيم الإقليمي المطلبي لا يمت إلى الوطنية السودانية بصلة، مما أضطر لجنتها التنفيذية إلى عقد مؤتمر صحفي لتوضيح موقفها المطلبي المتمثل في حق مواطني دارفور في المشاركة السياسية ونيل دارفور نصيبها من الثروة من خلال مشاريع التنمية والخدمات الاجتماعية حتي تلحق بباقي مديريات السودان الشمالية ويطمئن المواطن بدارفور علي عدالة الدولة." (ص 84). وللأسف فإن مواطن دارفور (والهامش عموما) مازال يبحث عن ذلك الاطمئنان بعد أكثر من ستين عاما من الاستقلال.
مما يجدر ذكره أن قيادة حركة سوني العسكرية السرية قد تشكلت حينها من قبائل مختلفة عربية وغير عربية، كما أن لجان جبهة نهضة دارفور قد ضمت علي وجه التقريب كل أعيان مدن دارفور الرئيسية من كل الأحزاب والمجموعات الاثنية المختلفة. والمطالب المشروعة أعلاه لم تقابل إلا بالاستنكار والاتهام بالعنصرية والجهوية ، صب الملح علي الجرح، أو في قول الخواجات –معدَّل-"وكمان جابت ليها إساءة". وهو سلوك كان متواترا في رفض مطالب الهامش في المشاركة واستنكار ذلك وكأنما الهامش تحت الوصاية) انظر الفقرة حول "التضامن النيلي" أدناه). إن النخب السياسية كانت ولازالت مصابة بحمى الاستئثار بالسلطة ومزاياها، والسلطة في الدول النامية هي المصدر الأول للثروة كما هو معلوم . أنظر إلي النخبة الحاكمة اليوم، أين كانوا وأين هم الآن.؟ للسلطة في الدول النامية بريق هو بريق الكنوز التي ترقد تحت أسنِّة أقلام متخذي القرار والمقدرة علي تنفيذ ما يريدون، ولذلك ينظر هؤلاء إلى المشاركة في السلطة علي أساس أنها تفريط و"اختراق" ودون ذلك فلتدم الحروب أو يتمزق الوطن "ما مهم. "
إن تأييد ودعم الحركات المسلحة من قبل غمار الناس في الهامش ضعيف في رأي وكثير من أبناء الهامش وأنا منهم لا يؤيدون الحركات المسلحة، وقد ازداد عددهم خاصة بعد الدمار الهائل للبنى التحتية في الهامش وللخسائر المادية والبشرية الجسيمة وإهدار حقوق الانسان وللجرائم المختلفة المصاحبة للحرب، مما لا يمكن تعويضه تحت أي تسوية كانت ومما لا يعيد مناطق الصراع إلى ما كانت عليه بعد عشرات السنين. وزادت كذلك بعد خيبة أملهم في القيادات التي شاركت في السلطة ولم تستطيع تحقيق أي شيء يذكر لأبناء الهامش، وسقوط كثير منهم في "نعيم" السلطة أو "مستنقعها". كذلك عدم اختلاف أولئك المشاركين في السلطة عمن سبقوهم فيها من الحزب الحاكم سواء كان ذلك فسادا أو غيره من سوءات الحكام. ولكن في جميع الأحوال، في وجود المظالم، تبقى خيارات التعبير مفتوحة كل حسب قناعاته، ويتحمل مسئوليتها بالمشاركة، الناكرين والمستخفِّين بتلك المظالم من النخب الحاكمة.
-2-
إن ردود الفعل اللفظية العنيفة التي طالت الدكتور حيدر ربما كان لها أسبابها التراكمية (والله أعلم). من هذه الأسباب خيبة أمل عامة لأهل الهامش في عدد كبير من المتعلمين والمثقَّفين من أهل الوسط والشمال النيلي، فيما يبدو عليهم أو يبدر منهم أحيانا من عدم قناعة بأن للهامش قضية أصلا (يرد كثيرا أثناء المناقشات قول "ما كل السودان مهمش" الخ)، وكذلك عدم الشعور بالمواطنة والحقوق المتساوية لأبناء الهامش مثل ما يظهر من خلال قرارات غير مدروسة مثل الكشَّات (في زمن سابق) التي تختار أهدافها للترحيل خارج العاصمة باللون واللهجة (أسمع قصيدة شاعر الشعب محجوب شريف "أدم في الكشًّة")، أو عدم جدِّية الحكومات المختلفة في الاستماع إلى الاحتجاجات التي تتم علي استحياء (حتي لا يوصف قائلها أو يوصم بالعنصرية) أو حتى التي تمَّت بصوت السلاح، ودونك عدم تنفيذ "الانقاذ" لبنود اتفاقيات السلام المختلفة وحتي توصيات مؤتمراتها حول دارفور(مؤتمر كنانة كمثال). وكذلك جراحات الكلام التي لا تبرأ مثلما ينشر في الصحف. فالتعليقات والأعمدة في الصحف السيارة تجد فيها ما يستنكر المطالب "الجهوية" (التي تعني عند الكثيرين الغرب والشرق والجنوب الجديد) ومنها ما يستخِف بها أو يفسِّر المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار والحكم إلى أن المقصود ليس "كَدَّة" في الحكم وإنما الإقصاء أو حتى أكثر منه (الثأر)، ويتم في المجالس تداول قصص الحزام الأسود حول المدن والنوايا المبيتة للانقضاض الخ . والترجمة لكل ذلك "علي الشريط"، وتبدو بوضوح ليس فقط في عدم الجدية في معالجة المظالم التأريخية بل وفي "التضامن" لعدم التفريط في المكتسبات التأريخية للحكم ومزاياه.
وخير مثال لذلك الوصف الدقيق لميكانزمات "الكنكشة" المهلكة عند متنفذي الانقاذ الذي جاء في مقالي الدكتور عبداللطيف سعيد حول ما أسماه "التضامن النيلي" (الصحافة 13 و 27/2/2012 ) من "أن هذا التضامن لا يعتمد على الكفاءة الشخصية، ولكنه يعتمد على التعاضد والتكاتف .... فهذا التضامن يحمي أفراده ويقدمهم ويحفظ لهم المناصب، بل ويتخلص من كل منافس لهم بغض النظر عن مؤهلاته الشخصية والأكاديمية، ففي كل المؤسسات يكون أعضاء التضامن هم القادة ويكون الآخرون هم الكمبارس" ويضيف "هناك واقع (سياسي) موجود بالفعل، خلقته عوامل تاريخية وجغرافية وإثنية وثقافية وجعلت هذه الصفوة النيلية تتضامن وترى لنفسها الحق دون سواها في الحصول على القيادة والثروة والسلطان، وترى أنها بموجب هذه العوامل مسئولة عن الآخرين، وأنها لو تركتهم في السودان يديرون شئونهم بأنفسهم لضاع السودان".
وللأسف هذا (فيما يبدو) هو ما يستبطنه كثير من متعلمي ومثقفي الوسط النيلي –ناهيك عن العامة- من حيث عدم قبولهم لمجرد فكرة أن يكون علي رئاسة الدولة شخص من الهامش (عبَّادة وغرَّابة الخ في قولهم). وأرى أن القبول بهذا هو بداية التصالح الحقيقي والمواطنة الحقة. وبالطبع فهذا لا يحلُّ قضية "الهامش والمركز" لكنه يذهب بعيدا نحو تنفيس "بالون" الغبن التأريخي. إن حل القضية رهين بمحاولات جادة لمعالجة جذور المشكلة وتجسيدها في عدالة توزيع الموارد والتمييز الايجابي لِحِين، والمشاركة الحقيقية في السلطة بإعادة هيكلة مؤسسات الحكم ليرى الجميع أنفسهم فيها، وقد يعني ذلك محاصصة المواقع القيادية لفترة طويلة حتي يتم وضع أسس لإدارة الدولة يقبلها الجميع. إليك أمثلة أخري.
الاستاذ إبراهيم دقش في عموده "عابر سبيل" (الخرطوم 10 ابريل 2014) يقول "جاتكم تارَّة، الجهوية،ومن داخل المجلس الوطني وعلي رؤوس الاشهاد فقد طالب (النائب) كمندان جودة رئيس الجمهورية بتعيين مساعدين للرئيس من جنوب كردفان النيل الأزرق أسوة بالسلطة الاقليمية لدارفور والشرق.... وذهب إلى أبعد من ذلك فطلب معرفة نصيب النيل الأزرق من الوزارات الاتحادية" ويضيف السيد دقش "في كل الأحوال الواحد يكتشف أن "قومية" السودان قد ارتحلت وفي غفلة منا (كذا!)بعد أن (تمرمطت) واغفلت تاركة البلاد تحت رحمة الجهويات والقبليات والترضيات .." يعني السيد دقش لم يرى أي جهوية في أن يكون الرئيس ونائب الرئيس ووزراء غالبية الوزارات السيادية من إقليم وجهة واحدة لأكثر من ربع قرن إلا حينما رفع السيد النائب كمندان جودة صوته مطالبا بمساعد رئيس. انظر إلي هذا (الكيْل).
أما سيف الدين البشير فقد كتب غاضبا في عموده-"هذا كتابي" (الوطن 27 اكتوبر 2005) تحت عنوان "ليست ورقة حمدي بل وجدان أُمَّه" ( أنظر كيف تنادوا يستغلون ورقة حمدي (التي اشتهرت فيما بعد بمثلث حمدي) للنيل من الحضارة الغالبة وتقديمها علي أنها متغوِّلة علي حقوق الاخرين؟ ........دعهم يهلِّلون لسماجة مبعوثة حقوق الانسان .. ولخطرفات متمردي دارفور، ولموالاة طلاب الكراسي لكل من يحمل هراوة ضد الحضارة الغالبة... لكن الحضارة الغالبة لن تسكت بعد اليوم .. ليس هنالك تهميش في السودان وإنما فقر ورثناه من ظروفنا وفساد حكوماتنا السابقة.(!).. لا يوجد تهميش ثقافي وليس ذنب المركز الحضاري أنه يحمل ديانة للناس جميعا." السيد سيف الدين لا يرى في الذين انتقدوا ورقة حمدي إلا مجموعة من المغرضين واليساريين والشيء الذي جمعهم هو ربما (حقدهم) علي ما أسماه الحضارة الغالبة وقد عرَّفها بأنها "المديرية الشمالية من بحري حتي أسوان ، بحسبانها بوابة الحراسة والكياسة والسياسة منذ، تهراقا". ويقطع بأنه ليس هنالك تهميش ولا يحزنون، (كلَّو حقد ساي). فماذا يمكن أن يقال لمثله؟
ومثال آخر ما جاء في مقال للسد راشد عبدالرحيم في عموده "إشارات" في صحيفة (الرأي العام 14/3/2014) بعنوان "الأزمة هي أبناء دارفور" فيقول" ليست دارفور أكثر تهميشا من بقية السودان ... والشمال هو الذي يعاني بما لا يقارن من الأوضاع المأساوية والتهميش الحقيقي .. ولكن أهل الشمال لا يرفعون السلاح وأبناء الشمالية في الجامعات هم الذين يعانون ويفقدون سنوات الدراسة (هل وحدهم؟) بسبب هذا الصراع الذي يقوم به أبناء دارفور". لو نظر السيد راشد إلي تقارير المؤسسات الدولية التي صدرت بالتعاون مع حكومة السودان وأي دراسات حول التباين في حظوظ الاقاليم المختلفة من التنمية علي ضعفها لرأى أن مؤشِّرات ولايات الهامش هي الأسوأ وأن المظالم حقيقية، وحتي تحت سوء الأحول فإن "الظلم بالمساواة عدل". وفي كل العالم تعمل الدول التي تعرضت لحروب أهلية وصراعات داخلية، علي معالجة المظالم حتي تنعم بالسلام والاستقرار ولا تنفي تلك المظالم جملة واحدة. وإذا كان السيد راشد موضوعيا لرأى بالعين المجردة الاستئثار بالسلطة وتركيزها في مناطق دون أخرى. فهل يعتقد السيد راشد وأمثاله أن ذلك شيء طبيعي ويجب أن يتم تقبله علي طول الخط؟ أم أنه فعلا يرى أن الاخرين (مواطنون من الدرجة الثانية) يجب أن يلعبوا دور "الكومبارس" (كما ورد أعلاه) ولا يشاركوا في السلطة؟
إن الذي يقود إلى عنصرية مضادة (كما أشار الدكتور حيدر) ليس هو فرضية الهامش والمركز وإنما استمرار المظالم وبعضها علي أسس عنصرية واضحة للأسف في النصف الثاني من حكم الانقاذ. ودونك كمثال قول الأستاذ محمد عبدالقادر سبيل ("كيف استجدت العنصرية في حياتنا ومؤسساتنا العامة" الصحافة 18/8/ 2011 ) والذي تقدم إلى عدد من الوظائف هو مؤهل لها فقيل له " انت من وين؟ " وتم حرمانه منها " لأني لست من شعب الله المختار" علي حد قوله (هومن النيل الأزرق). من المعلوم أن استمارة الرقم الوطني تحتوي علي خانة للقبلية، وربما بعض الوزارات ذات الأهمية تحتوي فورمات التقديم للالتحاق بها علي ملء خانة عن القبيلة أيضا.
إن أراء الدكتور حيدر في مقاله الأول قد كتبت علي عَجَل ،فيما يبدو لي، وهو ما يفهم من قوله في المقال الثالث (بل لم يحاول أحد من الهامشيين الكرام فهم مقصدي الحقيقي من الكتابة) مما يعني أنه لم يوضِّح أو لم ينتبه إلى ما يمكن أن تثيره الجمل القطعية الواردة في المقال من سوء/عدم فهم لمقاصده. وجملة آرائه الواردة في المقال قد تنطبق عليها إشارة الأستاذ كمال الجزولي في مقال أخير(درس انتفاضة 1985-سودانايل يونيو 2017 ) من أنه " ما يزال يتحتَّم على قوى المعارضة في المركز استيعاب درس القصور الاساسي لانتفاضة 1985، من حيث ضرورة الاقتراب بدرجة كافية من حركات (الهامش) والتَّعرُّف اللَّصيق على همومها ....حتَّى لا تجد نفسها عاجزة حتَّى عن الاستيعاب السَّليم للأحداث، دَعْ عنك تحليلها بما يمكِّن من اتِّخاذ الموقف السَّليم تجاهها."
أما عن قول الدكتور حيدر في مقاله الأخير عن قندول "وسألت نفسي ناس قندول وهم معارضة زيَّنا يردُّوا على مقال بهذه الطريقة فلمُّا يكونوا في السلطة حيعملوا فينا ايه؟ بالتأكيد سوف يقطعوننا من خلاف أو نرجم تأسيا بأسلوب ردع الجبهة " (نظرة الى المستقبل -سودانايل 7يوليو2017)، فاعتقد أن غضبته قد أدخلته في مكان لا يحب أن يكون فيه وهو الميدان الذي تلعب عليه "الانقاذ" في تخويف أهل الوسط من "شرور" ناس الهامش.
لكن مهما يكن فإن اعتقادي هو أن مواقف الدكتور حيدر يمثلها ما جاء في رده علي الطيب مصطفى من أنه "لم يتغير موقفي الداعم لمظلومية ما يسمى بالمهمشين ولكننا نختلف في التحليل"
صديق امبده
12 يوليو 2017
++++


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.