من حق وزير الاستثمار الجديد مبارك الفاضل أن يحلم باستقطاب الاستثمارات الأجنبية، واستجلاب رؤوس الأموال للبلاد. ومن حقه - أيضاً - أن يجهر برغبته في توسيع نطاق الاستثمار في السودان. لأن كل ذلك مكفول في العرف الاقتصادي الدبلوماسي. ومن حق الحكومة أن تحرِّض سفراءها لتشجيع رأس المال الأجنبي للدخول إلى السودان عبر نافذة الاستثمار، لأن ذلك لا يُعد "شحدة دبلوماسية"، بل هو ذلك طموح مشروع..! حسناً، فمن حق الحكومة أن ترنو إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السودان، ولكن هل أوفت الحكومة بكل الشروط المطلوبة لإقناع رأس المال الأجنبي بالدخول إلى سوق العمل السوداني..! نظرياً، قد يبدو ذلك حادثاً بنسبة كبيرة. أما عملياً فالأمر معقّد بدرجة كبيرة جداً، بدليل أن هناك غيوماً وضباباً كثيفاً يغطي ملف الاستثمار في السودان. حيث تتقاطع القوانين بصورة مُنفِّرة، ما بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات. وكثيراً ما سقط المستثمرون الأجانب في فخ التداخلات والتقاطعات بين القوانين الاتحادية والتشريعات الولائية. والسجل في هذا المنحى عامرٌ بفواجع كثيرة، حطت على رأس المستثمرين الأجانب، وجعلتهم يتأبطون رؤوس أموالهم مغادرين من حيث جاؤوا، بعدما وقع فأس التشريعات المتناقضة على رؤوسهم..! ولكل ذلك ينبغي على الحكومة أن تنشط في إزالة العقبات والمتاريس التي تعترض الاستثمار الأجنبي في البلاد، بدلاً من إسراج خيول الأماني والتشهي، بأن يتدفّق رأس المال الأجنبي إلى السوق السوداني. بل على الحكومة أن تشرع في تنقية المناخ القائد إلى رسو الأموال الأجنبية في المراسي السودانية، لأنّ الأجواء المناسبة هي الضامن الحقيقي لتلافي تمدد المُنفرِّات التي تقود إلى عزوف المستثمرين عن طرق أبواب السودان. ولا ننسى أن هناك حوادث مفزعة حدثت مع بعض الأجانب ممن جاء بهم الطموح الاستثماري إلى السودان، فخاب ظنهم وفألهم، وحصدوا خسارة كبيرة. ولكل ذلك لا بد من تنقية أجواء الاستثمار بحفز المستثمرين من خلال تقديم التسهيلات المطلوبة والضرورية.. نعم التسهيلات الضرورية لأن هناك بعض الوزراء يقومون بمنح المستثمرين ميزات تفضيلية فوق المعقول، تجعل البلاد تحصد صفراً كبيراً من غلة المشاريع الاستثمارية الأجنبية المقامة في السودان. ببساطة لأن الوزير يكون قد أعفى المستثمر الأجنبي من كل الرسوم والضرائب والجمارك، على نحو ما حدث مع شركة "أمطار"، أو أن يتم منحه مزايا طويلة الأجل، على نحو ما جرى في مشروع "الجاتروفا" بالنيل الأزرق. وهذا يقودنا إلى المناداة بضرورة ردع الأيادي المرتعشة التي تخصصت في العبث بمكتسبات هذا الوطن. وظني أن ذلك أمر واجب وحتمي، على اعتبار أن هناك بعض المسؤولين ينظرون إلى مصالحهم الشخصية، قبل مصالح الوطن والمواطنين، حينما يتعاقد مع أحد المستثمرين. فكثيراً ما رأينا مشاريع سودانية عملاقة تنهار وتستحيل إلى خراب، لأن أحد المسؤولين قام بتوريط الحكومة في صفقة خاسرة، وهو يعلم أنها خاسرة، لمجرد أنه حصل على عمولة في تلك الصفقة.. نعم فهناك من يبيع الوطن ب"كوميشن" زائف..! الصيحة