تظل قضية تقاطعات السياسة والقانون احدى ابرز مقعدات النشاط الاستثماري في السودان.. فكم من التشريعات والموجهات الداعمة لحركة الاستثمار في بلادنا أُجهضت بواسطة جهات وقيادات نافذة.. الأمر الذي شكل فهمًا عامًا لدى المستثمرين المحليين والأجانب بأن البيروقراطية وسلحفائية الإجراءات وتقاطع السلطات عقبات أساسية لا يمكن القفز من فوقها دون استخدام أقصى درجات الدهاء والخداع ودفع «المسهلات» . ربما أن الحكومة وعلى مستوى قيادتها العليا فطنت مؤخرًا أن هناك أمرًا عصيًا وأن هناك عقبة كؤودًا لا بد من ازالتها او تخفيف حدتها فجاءت بعبقرية جديدة وهي المجلس الاعلى للاستثمار ووضعت على رئاسته احد القادمين من القصر الرئاسي الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل المستشار السابق للرئيس والفكرة تعني في ذاتها تجميع كل السلطات والاختصاصات في نافذة واحدة تسهيلاً لأمر المستثمرين ولكن لابد ان نفهم ان ازمة الاستثمار في بلادنا ستنتهي هنا على عتبة هذا الجهاز فهناك امبراطوريات تتقوى بسلطانها على سلطان الدولة وتعمل على تضخيم ذاتها على الذات الحكومية.. نقول ذلك وبين ايدينا بعض الحقائق والافادات التي تشير الى ان بعض الجزر تغرد خارج السرب .. وهذا واقع تجلت ملامحه بشكل واضح داخل وزارة الزراعة الاتحادية التي يقودها الوزير «البلدوزر» الدكتور المتعافي فالأنباء التي رشحت من هناك ان المتعافي يتجه لاستكمال كافة استثماراته بعيدًا عن بوابة جهاز الاستثمار وهذه الصفة يبدو انها ظلت لازمة في فكر وسياسات المتعافي في كل المناصب الدستورية التي تولى قيادتها فهو يخطط وينفذ خارج عقل الحكومة ويحاول كذلك ان يحدد المفاهيم والاشتراطات للاستثمارات التي يعقدها مع المستثمرين. والقضية هي اذن ليست في اللوائح او التشريعات القانونية بقدر ما انها قضية ذات اصول راسخة في كيفية التعامل مع المستثمرين.. قد يتحقق قدر من الإصلاح والعلاج لأمراض الاستثمار عبر الآلية التي تم تشكيلها مؤخرًا من قبل الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وفكرة هذه الآلية ان تخاطب جذور الأزمة وتعيد تصحيح الاوضاع وتتعامل برشد ومرونة ومنطق المصلحة العامة لا منطق الأشخاص .. كم من رؤوس الأموال هجرت السودان ..؟ وكم من المشروعات الاستثمارية توقفت قبل ان تبدأ؟ فالحكومة اذن مطالبة باعادة انتاج واقع جديد يتوافق مع معايير واشتراطات الاستثمارات الأجنبية ومهما عقدت الوفود الرسمية من تنويرات وشروحات لجذب المستثمرين الى بلادنا فانها لن تجني شيئًا طالما ان العقل الذي تفكر به الحكومة هو ذات العقل الذي كان فكره سببًا في هروب قطاع كبير من الاستثمارات الى الخارج.