كثيراً ما يُوجه اللوم للمعارضين بأنهم يُكّرسون جُلّ طاقاتهم في النقد دون تقديم الحلول البديلة، فيم الوقع خلاف ذلك تماماً، فبجانب أنّ جُل الأطروحات النقدية التي ظل يقدمها المعارضون تحمل في متونها الحلول الجذرية للقضايا محل التناول، فإنّ النقدَ بحد ذاته يُعدُّ تنبيهاً لتحسُسُ الخطى وتصويب المسار، وبشكلٍ مُجمل فقد ظل المعارضون كأفراد أو تنظيمات سياسية يقدمون الحلول الجذرية لمعضلات الوطن، أكانت في شكل رؤى وكتابات نقدية تحمل في حناياها الحلول الجذرية أو مبادرات من الكتل والتنظيمات السياسية، لكن ظلّ كل ذلك "بكل أسف" محل سفه من النظام الحاكم لا يعيرها أدنى اهتمام بل يعمل لتنفيذ عكسها أو في أحسن الحالات تطبيقها بصورة مشوهة لقتل الفكرة من أساسها وإفشالها. ثمة قضايا مهمة مُلِّحة تشغل بال الوطن والمواطن والمعارضة والحكومة على حد السواء هذه الأيام، محورها فشل النظام الحالي في إدارة شؤون الدولة والشعب، ونتائجها الأزمة الراهنة في البلاد التي لم يتبق من فصولها سوى الانفجار الكبير الذي يمزق الوطن إلى أشلاء تتطاير في كل بقعة، أما تجلياتها فتتمثل في الحروب الدائرة في الأطراف والأزمة الاقتصادية الخانقة واستعلاء النبرة العنصرية والجهوية، أضف إليها سوء العلاقات الدولية مع جُل المحيط الإقليمي والدولي. وفي معرض ذلك يأتي الحديث الدائم عن العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد جراء سلوك النظام في دعم الإرهاب الدولي العابر للقارات وانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، وقد ظل النظام يتخذ من تلك العقوبات مبرراً للرأي العام المحلي، كسبب أساسي في التدهور الاقتصادي المريع في البلاد، وبالتالي فاستراتجياً بقاء هذه العقوبات تخدم النظام كي يستمر بموجبها تبرير فشله المستمر وصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لذلك الفشل ممثلاً في الفساد الكبير في أدارة اقتصاد البلاد ونهب ثرواته من طرف رموز النظام، هذا بجانب الصرف الكبير على تكلفة الحرب الدائرة في أطراف البلاد. واهتمام النظام برفع هذه العقوبات لا ينصب على الجانب الاقتصادي منها والتي باتت عملياً في حكم الماضي بعد قرار الرفع الجزئي من الإدارة الأمريكية التي شملت كل الجوانب الاقتصادية والتجارية فيما تتعلق بالتعاملات المصرفية مع الدول والاستثمارات الأجنبية وخلافها، لكن اهتمامها الأكبر ينصب في الجانب المتبقي وهو الجانب السياسي المتمثل في وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وقانون سلام دارفور الذي بموجبه تم إصدار قرارات من الجنائية الدولية ضد رئيس النظام وبعض النافذين من أركان حكمه، هذه الجزئية هي التي تؤرق مضاجع النظام وتجعله يسعى لدفع أي ثمن للانعتاق منها. وعلى ضوء ذلك فقد برزت إشارات هامة من بعض الرموز الاقتصادية المحسوبة على النظام مثل السيد عبد الرحيم حمدي، تنادي بدفع النظام لفدية مالية لأمريكا تعتق بها رقبتها من تلك العقوبات، والمعروف أنّ الدول الغربية هي دول مؤسسات وكل تعاملاتها لابد أن تمضي وفق الشروط القانونية، لذلك فلا يمكن لدولة مثل أمريكا أن تقبل مبالغ مالية من أي جهة كانت دون مسوغ قانوني ملموس. وفي حال السودان فلابد من وجودِ مسوغٍ بموجبه يتم قبول تلك الفدية كحال دول سابقة مثل ليبيا (الزعيم القذاقي) التي دفعت تعويضات لوكربي وبانام الأمريكية وخلافها. ولأنّ تاريخ نظام الإنقاذ ظل حافلاً بالانجازات في كافة المجالات ! فليس من الصعوبة وجود قضية يمكن أن تشكل طوقاً للنجاة في هذه الحالة، فهنالك حادثة المدمرة الأمريكية في اليمن (يو اس اس كول) وضحايا السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام وخلافها، هذه هي الممسكات التي بموجبها يمكن أن تتم قبول فدية النظام لفك رقبتها من تهمة دعم الإرهاب وعلى ضوء ذلك صدر قرار دفع تلك المليارات العشر الذي تم تأييده من محكمة الاستئناف العليا في واشنطن ديسي تأييداً لقرار سابق من محكمة في واشنطن حكمت بمبلغ عشرة آلاف ونيف مليار دولار كتعويضات وجزاءات أخرى، لكن السؤال المهم هنا هو: هل دفع الفدية المالية، بل وتسليم الأسلحة الكيمائية وتدميرها يمكن أن تشكل طوق نجاة للأنظمة المغضوب عليها غربياً وتجعلها في مأمن عن الملاحقة؟ الإجابة بالتأكيد تجدونها في العراق وليبيا وسوريا وخلافها !!. إنّ طوق النجاة الحقيقي لأيما نظام حاكم هو شعبه في المقام الأول، فمتى ما تواجدت ثمة جبهة داخلية متماسكة يستصعب الاختراق والإزاحة، لكن لهذا التماسك اشتراطات كثيرة أهمها السياسة الراشدة التي توفر للشعب أجواء من الحرية الشخصية ورغد العيش والأمان، وهذه لا يمكنها التحقق إلا بتحقيق السلام الشامل العادل وإيجاد نظام ديمقراطي راشد يتراضى عليه الجميع، واعتقد أنّ تلك المليارات العشر التي حتماً سيدفعها النظام كفدية، كانت كفيلة بتحقيق السلام في بلادنا لتفتكّ تلك القيود من تلقاء نفسها بزوال الأسباب التي بموجبها تم التكبيل . نواصل شريف ذهب