وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الشعبية وأزمة غياب المنهج
نشر في الراكوبة يوم 06 - 08 - 2017

لم يكد العام1983م يتصرم مودعاً السودانيين، بعد أن رزئوا فيه بمحاولة السفاح نميري تطبيق قوانين سبتمبر، التي أحالت حياة السودانين، إلى جحيم، بتطبيقها المشوه والمنتقاة لنصوص دينية بعينها، إلا وشهدوا فيه ميلاد أول حركة مسلحة في الجنوب، ترفع شعارات(قومية) تخاطب جذور أزمات السودان ككل، بعد أن كانت الحركات الجنوبية ترفع شعارات إما إقليمية أو انفصالية. والجديد في هذه الحركة أنها ترفع شعارات ماركسية واشتراكية لحل المسألة القومية، وفي القلب منها المسألة الجنوبية، وفوق ذلك فإنها أول حركة لا تطالب بالانفصال، إنما تطالب بحل مشكلة الجنوب كجزء لا يتجزأ من المشكلة القومية، وبذا فقد جذبت الحركة إليها الآلاف من السودانيين، التوُّاقين لمثل طرحها الذي طرحتهُ، وانتظروه طويلاً، ومضت مسيرة سفينة الحركة- رغم الأنواء- تبحر، و مروراً بكل التفاصيل التي طرأت على سودان ما بعد 83، وأبرزها انفصال الجنوب، وإنقسام الحركة لجزئين جنوبي وشمالي والأخير هو ما نحن بصدد تركيز الضوء عليه في هذا المقال، نظراً للتطورات الأخيرة التي تشهدها صفوفه، هذا بالطبع دون أن ننسى جذور هذا القطاع وتأثير وتأثر القطاع الجنوبي به:
(1)
بدأت الحركة الشعبية، في بدأيتها الأولى1983م بمنفستو ذو توجهات أعتبرت بمثابة توجه ماركسي، ولقيت على إثر ذلك المساعدة والدعم السياسي والإعلامي، بل والفكري والتنظيمي، من قوى يسارية وماركسية داخل وخارج السودان، يمثلها في الداخل الحزب الشيوعي السوداني، وفي الخارج كان نظام منقستو في أثيوبيا، وعلى نحو نسبي الإتحاد السوفياتي، وأعتبرت جميع هذه القوى، الحركة الشعبية لتحرير السودان، كحركة تحرر وطنى، وبالفعل فقد كانت هي كذلك، وذلك بالنظر للشعارات التي كان ترفعها، فهي كانت حركة تحرر وطنى بحق وحقيقة، فلا جدال في ذلك. وبدأت بطرح متقدم لحل الأزمة السودانية، جعلها تتبوأ مقعدها بجدارة، ضمن قوى المشروع الوطنى الديمقراطى، وبحسب ما يقول منفستو الحركة:المشكلة ليست مشكلة جنوب السودان، وإنما مشكلة السودان: نحن ننظر إلى السودان كبلدٍ سيظل موحداً وترتكز هويته على هذين النوعين من التنوع التاريخي و المعاصر. وهكذا فأنه منذ العام1983م عندما أسسنا الحركة قمنا بهذه التحليلات وطرحنا هذه القناعة، ثم إنطلقنا بعيداً عن النضال التقليدي في الجنوب من أجل الاستقلال. فهذا ما كان عليه الحال دوماً منذ عام 1955م حين بدأت حرب حركة الانيانيا، والتي جاهرت بأن هدفها هو استقلال جنوب السودان.. تعريف المشكلة وكأنها مشكلة الجنوب فقط هي محاولة لتهميش البعض، وقد وقع الجنوبيون بدورهم في هذا الفخ وأصبحوا يرددون لنا:مشكلة الجنوب، ومن هنا يبدأ البحث عن حلول وعما يقدم لهم حتى يصمتوا. إنطلقنا بعيداً عن هذا الطرح وقلنا أن السودان ملكنا كلنا بالتساوي، وأننا جميعا يجب أن نشترك في تقرير مصيره، أن دعوتنا لوحدة البلاد قامت على هذا الأساس، وكانت هذه مفاجأة للكثيرين في الجنوب وفي الشمال على حد سواء(*الشهيد العقيد/د.جون قرنق، منفستو الحركة الشعبية، تحرير وتقديم الواثق كمير*).
(2)
ولكن بعد تبدل الظروف السياسية الدولية والإقليمية، إقليمياً: بعد إنهيار نظام منقستو هيلا مريم في إثيوبيا، والذي كان أبرز الداعمين لمسيرة الحركة، من منطلقين الأول: خلافه مع السفاح نميري.والثاني :المنصة الفكرية الواحدة التي تجمع ما بينه والحركة الشعبية. ودولياً: بعد سقوط التجربة الروسية الاشتراكية في الإتحاد السوفياتي. الشاهد أن إنهيار نظام منقستو وسقوط الإتحاد السوفياتي، هذان ، حملا- ظاهرياً- الحركة نحو التخلي تدريجياً عن الرؤية الماركسية لحل الأزمة الجنوبية والقومية، والتوجه نحو الولايات المتحدة،والدول الغربية، بعد أن إدعت دول الغرب هذه أنه قد دانت إليها السيطرة على العالم، بعد سقوط الإتحاد السوفيتي؛ وأيضاً محاولات أمريكا والغرب(حشر أنوفهم) في الصراع السياسي الإجتماعي الدائر في السودان، وذلك نظراً لأهمية الموارد الموجودة في السودان، و يرى مراقبون كثر، أن إدارة الحركة ظهرها للقوى الإشتراكية وقوى التحرر الوطني، المناهضة للإمبريالية، وتوجهها نحو الغرب الرأسمالي هو محض إنتهازية سياسية، بل وذهب كثيرون إلى أن تلقف الشعارات اليسارية الماركسية، ما كان سوى مسايرة للموضة، الجارية في ذات الوقت، والتي تتطلب في أي حركة تحرر وطني، أن تكن ماركسية وشيوعية. الشاهد أنه وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي، أبحرت سفينة الحركة غرباً، بإتجاه المعسكر الجديد، الذي إدعى سيادته على العالم. ويقول في شأن هذا التحول د.الواثق كمير:(لا غرو إذن أن البدايات الأولى لرؤية د. قرنق للسودان الجديد كان يشوبها بعض النزوع للاشتراكية. وكان الرأي آنذاك بأن الحل الوحيد لعلل البلاد يكمن في إطار سودان موحد تحت مظلة نظام اشتراكي يراعي الحقوق الإنسانية لجميع القوميات، ويكفل الحريات لكل الأديان والمعتقدات والرؤى).*(السودان الجديد:نحو بناء دولة المواطنة السودانية، الواثق كمير، ورقة بحثية)*.
(3)
وسنوات ما بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، وإنهيار نظام منقستو، شهدت قطيعة كاملة ما بين الحركة، والفكر الإشتراكي التقدمي، وإرتد خطابها بعد ذلك رجوعاً نحو البدايات الأولى للتفكير الإقليمي المحدود؛ الذي كانت حركات الجنوب الأولي أسيرة له، وهذا الإرتداد تبدي في البحث عن أصول وجذور المشكل القومى ورده إلى سيطرة الإتجاه العربي- المسلم، وبينما كان الشهيد العقيد/د.جون قرنق في المنفستو يقول:(المشكلة بأنها نتاج طبيعي لظاهرة الاستعمار التي وضعت الشمال في كفة وبقية القطر في كفة أخرى في إطار التنمية غير المتوازنة)يؤكد في واشنطون أن الحكومات العربية الإسلامية هي أس المشكل) *بابكر فيصل بابكر، في نقد خطاب السودان الجديد* (2).
ولزوماً لمسايرة الموضة، وحرصاً على كسب ود حكومات الغرب، وتأكيد على هذه القطيعة، ومضياً نحو الوجهة الأمريكية، والتوجه نحو الغرب، قام السيد/ياسر عرمان، القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان؛ بالتدخل التحريري وذلك بشطب بضع كلمات تحتوي على كلمات (شيوعي) أو (شيوعية) في العدد الوحيد من (مسارات جديدة)- مجلة الحركة الشعبية في الخارج- دون الرجوع إلى أي واحد من محرري المجلة الذين كانوا في القاهرة. و لدى مساءلته فيما بعد رد بأنه فعل ذلك لئلا يثير حفيظة السلطات الأمريكية(منبر السودان للجميع، بوست لعادل القصاص) وتأكيداً لما ذهبنا إليه في صدر هذا المقال، فإن د. الواثق كمير نجده يقول في هذا الشأن : (فالاشتراكية كانت إلهام دفعت به الظروف الموضوعية التي كان لا بد من التفاعل معها والمحيط االسياسى الذي كان قرنق يعمل في إطاره، وهي على أي حال لا تلقي بأي ظلال أيديولوجية على رؤية السودان الجديد) (المصدر السابق نفسه) وكأني بالدكتور/الواثق هنا يؤكد حين ينزع من الحركة الشعبية بعدها الأيدولجي الإشتراكي/الماركسي، ويشدد على أن الحركة هي حركة/حزب برنامج، لا تأثيرات إيدولجية عليه. وهنا مكمن الضعف الذي وسم مسيرة الحركة منذ البدء وحتى الآن.
(4)
مما تقدم أعلاه نخلص إلى أنه وعلى طول هذه المسيرة والتي،إمتدت سنين عديدة، غدت الحركة الشعبية، أسيرة للتغييرات في الظروف السياسية، داخلياً وخارجياً، وهي في تقلبها هذا، تغير طريقها يميناً ويساراً، وهنا يظهر جلياً الأثر الكبير والمدمر لغياب المنهج والبرنامج، الثابتين، حيث أن وجودهما بصورة (راكزة) كان سوف يعصم الحركة الشعبية من جملة الخلافات والمشاكل، والتي إعترضت طريقها طوال مسيرتها اللاحقة لما بعد التأسيس. وما يعني به هذا المقال هو البحث عن آثار غياب المنهج والفكر الثابت، عن الحركة الشعبية، ويفترض فى أن غياب هذا المنهج كان سبباً أساسياً من أسباب تخبط مسيرة الحركة الشعبية، و رؤية السودان الجديد التي تتبناها الحركة الشعبية.
و بالرغم من أن الحركة الشعبية، وفي محاولتها لسد الفجوات الناتجة عن غياب المنهج الفكري والسياسي والتنظيمي السليم، عبر اللجوء في أحايين كثيرة، بل وغالبة في مسيرة الحركة، نحو منهج التحليل الثقافي، والنظر للمشكلة القومية على أساس أنها مشكلة(قوميات)متصارعة، ينتج عنها قوميات(مُستَغِلَّة) وقوميات (مُستغَلَّة) وليس النظر بمنهاج التحليل والتصنيف الطبقي، إلا أن هذا المنهج للغرابة هو المنهج الذي أودى بالحركة الشعبية لما هي فيه الآن، وبل أن الصراع الأخير في الحركة الشعبية، رغم عن محاولات تجميله إلا أنه وبصورة واضحة ولا تقبل مؤاربة، يشكل صراعاً(قومياً وإثنياً) وهذا حصاد غرس قادة الحركة الشعبية ومنظروها، الذين حاولوا الإبتعاد عن وعورة البحث والتنقيب عن جذور المشكلة القومية، في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وركنوا إلى السهل وهو: تصنيف المشكلة كمشكلة صراع قومي/ثقافي، وتهميش، دون النظر في الجذور التاريخية و الطبقية لهذا التهميش.
وإن فرضية الهامش والمركز تقود بالضرورة الى عنصرية مضادة وتخرِّبُ أي محاولة للوحدة الوطنية القائمة على حقوق المواطنة، هذه نغمة قديمة ففي مؤتمر المائدة المستديرة في العام1965م خاطب السيد/أقري جادين الشماليين ب"الجلابة" وأحفاد الزبير باشا" فرد عليه السيد/عبدالخالق محجوب:"إن بعض أحفاد الزبير يشكلون الآن أحزابا تدعو للتقدم والاشتراكية) فالتناقض ليس بين المركز والهامش، بل هو صراع اجتماعي - اقتصادي حول التقدم والتخلف أو التحديث والتقليدية.*(د. حيدر إبراهيم علي، خلافات الحركة الشعبية : حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد)*.
إن هذه الأزمة الناتجة عن غياب المنهج السليم، أو الإرتكاز إلى المنهج المادي-الجدلي، الذي صاغ رؤية حركات التحرر الوطني، التي رفعت شعارات إشتراكية، وخاطبت جذور أزمات بلادها، بدلاً من قشرياتها، هذه الأزمة هي عن حق أزمة لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، وتحديداً تلك التي شهدت بين يديها تفكك الكتلة الإشتراكية، وبدت تتنازعها، رؤيتين الأولى هي: تغيير المنهج والبرنامج. والثانية هي الإبقاء عليهم، وفي معظم الحالات – كما في حالة الحركة الشعبية- إنتصرت الرؤية الأولى، وطفقت جميع هذه الحركات تبحث عن رؤية بديلة، تارة بالإنكفاء على الماضي أو البحث عن جذور قبلية أو قومية للاشتراكية، وهو إتجاه كان سائد في المدارس الاشتراكية في أفريقيا، وتحديداً مدرة يوليوس نايريري في تنزانيا؛ أو بدأت بعض هذه الحركات النظر للمستقبل بعين ورؤية متأثرة بالتغيير في الفكر والسياسة الدولية بعد تفكك الكتلة الإشتراكية، وسيادة مفاهيم الرؤية الليبرالية الجديدة، والتي عدت الرأسمالية هي بمثابة نهاية التاريخ (ميشيل فوكو).
(5)
وإسقاطاً على الصراع الدائر في الحركة الشعبية الآن، نخلص إلى أن جذور هذا الصراع، ومكونه الأساسي، هو غياب المنهج، وبالضرورة غياب البرنامج الواضح والمحدد، للتعاطي مع التطورات السياسية.
وفى رأينا إن الدعوة التي يطلقها القائد عبدالعزيز آدم الحلو،الآن، ورؤيته هي أقرب للسودان الجديد، ولكن فقط أن نزعت منها، الميول العنصرية والجهوية، وسيادة هذا المفهوم بصورة أو بأخرى، يجعل من دعوته قاصرة عن تحقيق المرامي والأهداف الكلية لمشروع السودان الجديد، فالأوجب الآن وليس غداً، أن يشذبُ القائد الحلو رؤيته، وينقحها، ويراجع دعوته لتقرير مصير جديد لهذه المناطق، لأنَّ حزام الحرب الآن، رغم حمله لأنواء الحرب، ومعاناة ساكنيه دون غيرهم من الحرب بصورة مباشرة، إلا أن جميع المواطنين في السودان يعانون من هذه الحرب الدائرة الآن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هذا لا جدال حوله. فمن الواجب أن يترك الحديث عن تقرير مصير الآن، وأن يناقش في وقت غير هذا، بالطبع سيأتي وقته، لكن المهام العاجلة والتي قامت من أجلها الحركة الشعبية ورؤية السودان الجديد، على رأسها يردُ :البحث عن حل سياسي شامل لقضايا السودان، ومخاطبة جذور الأزمات، كل هذه القضايا لن تحل إلا في إطار واحد، ضمن جهود القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد، لحل أزمة السودان عامة. وهذا بالطبع لن يتأتَ للحركة الشعبية، إن لم تربط كفاحها ونضالها مع نضال هذه القوى الوطنية الديمقراطية، وليس إدارة ظهرها لها وفرز عيشتها عنها، وإن حدث هذا، فالخاسر هو الحركة الشعبية، ورؤية السودان الجديد. إن أي محاولة للإرتداد بقضية حزام الحرب، وحصرها في كونها قضية، تخص إثنية محددة، هو قصور في الرؤية نحو مشروع السودان الجديد. إن المشروع وحسبما تقول أدبيات الحركة: أتي لكل السودان، ولتحرير كل السودان. إذا فليكن لكل السودانيين.
(6)
إن المدخل لحل أزمة الحركة الشعبية الآن، هو حل ينهض على أساس فكري متين، يوضح بجلاء ودون مواربة، هوية الحركة الشعبية، وإلتزامها وبرنامجها في مختلف النواحي، خاصة وأن أحد أطراف الصراع الحالي، القائد ياسر عرمان قد قال:( رؤية السودان الجديد أمام خيارين لابد أن ينتصر أحدهما، فأما أن تصعد نحو ميلاد ثانٍ يفتح أمامها أبواب التجديد والانفتاح على الحقائق الجديدة على مستوى الممارسة والنظرية، وأن تستقي دروساً جديدة من الممارسة والنتائج التي تمخضت عنها سلبا وإيجابا لتواصل تقدمها نحو الأمام، أو يصيبها الجمود في عالم متغيرٍ على مدار الساعة واليوم)وهذا إعتراف بأن هناك أخطاء كبيرة، وكثيرة، صاحبت تطبيق رؤية السودان الجديد، ما إستدعى ياسر عرمان للدعوة لتجديدها. وكان حرِّي بالسيد/ ياسر عرمان، أن يذكر في سياق دعوته للتجديد أنه هو أيضا يتحمل مسؤولية كبيرة فيما حصل من خلل وأخطاء في تطبيق رؤية السودان الجديد، خاصة في فترة خوضه للانتخابات وانسحابه الدرماتيكي في 2010، وقبلها وأثناء وبعد قيادته لقطاع الشمال في الحركة الشعبية.
وعليه فإن التناقض الذي يتزايد حدة في صباح كل يوم جديد، والإنقسام الطبقي الحاد بين الأغنياء الذين يزدادون غنى، والفقراء الذين يزدادون فقراً، هو نتاج أزمة الرأسمالية، وإن الإشكالات السياسية اليومية في كل الدول، بما فيها الدول الغربية، هو نتاج قصور رؤية الليبرالية الجديدة عن تلبية إحتياجات الفرد العادى، الذي تحكم بإسمه، وتدعي تمثيلها له، وهي في الأساس الحارس الأمين، لمصالح الرأسمالية والإمبريالية.
وفي السودان هنا: فإن النظام الحاكم، الذي يمثل حامي حمى الإمبريالية العالمية في السودان، يتلون يومياً وبمختلف الصور والأشكال، لكيما ينجز مهمته التي جاء من أجلها، وهي حماية المصالح الإمبريالية في المنطقة، وهو ضمن هذا المخطط مستعد لتقسيم السودان لخمس دول، تحقيقاً لمشروع أمريكا وإستراتيجيتها في المنطقة. نظام كهذا مواجهته تتم بالنضال المشترك بين قوى الثورة الوطنية الديمقراطية، عبر برنامج مشترك، للنضال اليومي، قاعدياً وفوقياً، وفق تنسيق محكم، أساسه الإتفاق على ان برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية، يحقق التطلعات للشعب بأسره في:المواطنة الكاملة، الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع، دون تفرقة على أي أساس كان.
لذلك فإن وجود الحركة الشعبية – موحدة - ضمن قوى هذا المشروع، وببرنامجه المطروح، يشكل صمام أمان لوحدة الوطن، وتحقيقاً لرغبات وتطلعات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة. هذا بالطبع بعد أن تستوي الحركة على مستوى فكري واضح، حول تحليل قضية السودان، والموقف من الإمبريالية والرأسمالية، وأعوانها في الداخل، طبيعي أن هذا سوف يحدث بعد مؤتمر عام للحركة تطرح فيه هذه الأمور، ويخرج حولها رأي واضح جداً. ويرد في الصدارة لمهام المؤتمر: تنقيح المنفستو وتجديد الرؤية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.