سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الشعبية وأزمة غياب المنهج
نشر في الراكوبة يوم 06 - 08 - 2017

لم يكد العام1983م يتصرم مودعاً السودانيين، بعد أن رزئوا فيه بمحاولة السفاح نميري تطبيق قوانين سبتمبر، التي أحالت حياة السودانين، إلى جحيم، بتطبيقها المشوه والمنتقاة لنصوص دينية بعينها، إلا وشهدوا فيه ميلاد أول حركة مسلحة في الجنوب، ترفع شعارات(قومية) تخاطب جذور أزمات السودان ككل، بعد أن كانت الحركات الجنوبية ترفع شعارات إما إقليمية أو انفصالية. والجديد في هذه الحركة أنها ترفع شعارات ماركسية واشتراكية لحل المسألة القومية، وفي القلب منها المسألة الجنوبية، وفوق ذلك فإنها أول حركة لا تطالب بالانفصال، إنما تطالب بحل مشكلة الجنوب كجزء لا يتجزأ من المشكلة القومية، وبذا فقد جذبت الحركة إليها الآلاف من السودانيين، التوُّاقين لمثل طرحها الذي طرحتهُ، وانتظروه طويلاً، ومضت مسيرة سفينة الحركة- رغم الأنواء- تبحر، و مروراً بكل التفاصيل التي طرأت على سودان ما بعد 83، وأبرزها انفصال الجنوب، وإنقسام الحركة لجزئين جنوبي وشمالي والأخير هو ما نحن بصدد تركيز الضوء عليه في هذا المقال، نظراً للتطورات الأخيرة التي تشهدها صفوفه، هذا بالطبع دون أن ننسى جذور هذا القطاع وتأثير وتأثر القطاع الجنوبي به:
(1)
بدأت الحركة الشعبية، في بدأيتها الأولى1983م بمنفستو ذو توجهات أعتبرت بمثابة توجه ماركسي، ولقيت على إثر ذلك المساعدة والدعم السياسي والإعلامي، بل والفكري والتنظيمي، من قوى يسارية وماركسية داخل وخارج السودان، يمثلها في الداخل الحزب الشيوعي السوداني، وفي الخارج كان نظام منقستو في أثيوبيا، وعلى نحو نسبي الإتحاد السوفياتي، وأعتبرت جميع هذه القوى، الحركة الشعبية لتحرير السودان، كحركة تحرر وطنى، وبالفعل فقد كانت هي كذلك، وذلك بالنظر للشعارات التي كان ترفعها، فهي كانت حركة تحرر وطنى بحق وحقيقة، فلا جدال في ذلك. وبدأت بطرح متقدم لحل الأزمة السودانية، جعلها تتبوأ مقعدها بجدارة، ضمن قوى المشروع الوطنى الديمقراطى، وبحسب ما يقول منفستو الحركة:المشكلة ليست مشكلة جنوب السودان، وإنما مشكلة السودان: نحن ننظر إلى السودان كبلدٍ سيظل موحداً وترتكز هويته على هذين النوعين من التنوع التاريخي و المعاصر. وهكذا فأنه منذ العام1983م عندما أسسنا الحركة قمنا بهذه التحليلات وطرحنا هذه القناعة، ثم إنطلقنا بعيداً عن النضال التقليدي في الجنوب من أجل الاستقلال. فهذا ما كان عليه الحال دوماً منذ عام 1955م حين بدأت حرب حركة الانيانيا، والتي جاهرت بأن هدفها هو استقلال جنوب السودان.. تعريف المشكلة وكأنها مشكلة الجنوب فقط هي محاولة لتهميش البعض، وقد وقع الجنوبيون بدورهم في هذا الفخ وأصبحوا يرددون لنا:مشكلة الجنوب، ومن هنا يبدأ البحث عن حلول وعما يقدم لهم حتى يصمتوا. إنطلقنا بعيداً عن هذا الطرح وقلنا أن السودان ملكنا كلنا بالتساوي، وأننا جميعا يجب أن نشترك في تقرير مصيره، أن دعوتنا لوحدة البلاد قامت على هذا الأساس، وكانت هذه مفاجأة للكثيرين في الجنوب وفي الشمال على حد سواء(*الشهيد العقيد/د.جون قرنق، منفستو الحركة الشعبية، تحرير وتقديم الواثق كمير*).
(2)
ولكن بعد تبدل الظروف السياسية الدولية والإقليمية، إقليمياً: بعد إنهيار نظام منقستو هيلا مريم في إثيوبيا، والذي كان أبرز الداعمين لمسيرة الحركة، من منطلقين الأول: خلافه مع السفاح نميري.والثاني :المنصة الفكرية الواحدة التي تجمع ما بينه والحركة الشعبية. ودولياً: بعد سقوط التجربة الروسية الاشتراكية في الإتحاد السوفياتي. الشاهد أن إنهيار نظام منقستو وسقوط الإتحاد السوفياتي، هذان ، حملا- ظاهرياً- الحركة نحو التخلي تدريجياً عن الرؤية الماركسية لحل الأزمة الجنوبية والقومية، والتوجه نحو الولايات المتحدة،والدول الغربية، بعد أن إدعت دول الغرب هذه أنه قد دانت إليها السيطرة على العالم، بعد سقوط الإتحاد السوفيتي؛ وأيضاً محاولات أمريكا والغرب(حشر أنوفهم) في الصراع السياسي الإجتماعي الدائر في السودان، وذلك نظراً لأهمية الموارد الموجودة في السودان، و يرى مراقبون كثر، أن إدارة الحركة ظهرها للقوى الإشتراكية وقوى التحرر الوطني، المناهضة للإمبريالية، وتوجهها نحو الغرب الرأسمالي هو محض إنتهازية سياسية، بل وذهب كثيرون إلى أن تلقف الشعارات اليسارية الماركسية، ما كان سوى مسايرة للموضة، الجارية في ذات الوقت، والتي تتطلب في أي حركة تحرر وطني، أن تكن ماركسية وشيوعية. الشاهد أنه وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي، أبحرت سفينة الحركة غرباً، بإتجاه المعسكر الجديد، الذي إدعى سيادته على العالم. ويقول في شأن هذا التحول د.الواثق كمير:(لا غرو إذن أن البدايات الأولى لرؤية د. قرنق للسودان الجديد كان يشوبها بعض النزوع للاشتراكية. وكان الرأي آنذاك بأن الحل الوحيد لعلل البلاد يكمن في إطار سودان موحد تحت مظلة نظام اشتراكي يراعي الحقوق الإنسانية لجميع القوميات، ويكفل الحريات لكل الأديان والمعتقدات والرؤى).*(السودان الجديد:نحو بناء دولة المواطنة السودانية، الواثق كمير، ورقة بحثية)*.
(3)
وسنوات ما بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، وإنهيار نظام منقستو، شهدت قطيعة كاملة ما بين الحركة، والفكر الإشتراكي التقدمي، وإرتد خطابها بعد ذلك رجوعاً نحو البدايات الأولى للتفكير الإقليمي المحدود؛ الذي كانت حركات الجنوب الأولي أسيرة له، وهذا الإرتداد تبدي في البحث عن أصول وجذور المشكل القومى ورده إلى سيطرة الإتجاه العربي- المسلم، وبينما كان الشهيد العقيد/د.جون قرنق في المنفستو يقول:(المشكلة بأنها نتاج طبيعي لظاهرة الاستعمار التي وضعت الشمال في كفة وبقية القطر في كفة أخرى في إطار التنمية غير المتوازنة)يؤكد في واشنطون أن الحكومات العربية الإسلامية هي أس المشكل) *بابكر فيصل بابكر، في نقد خطاب السودان الجديد* (2).
ولزوماً لمسايرة الموضة، وحرصاً على كسب ود حكومات الغرب، وتأكيد على هذه القطيعة، ومضياً نحو الوجهة الأمريكية، والتوجه نحو الغرب، قام السيد/ياسر عرمان، القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان؛ بالتدخل التحريري وذلك بشطب بضع كلمات تحتوي على كلمات (شيوعي) أو (شيوعية) في العدد الوحيد من (مسارات جديدة)- مجلة الحركة الشعبية في الخارج- دون الرجوع إلى أي واحد من محرري المجلة الذين كانوا في القاهرة. و لدى مساءلته فيما بعد رد بأنه فعل ذلك لئلا يثير حفيظة السلطات الأمريكية(منبر السودان للجميع، بوست لعادل القصاص) وتأكيداً لما ذهبنا إليه في صدر هذا المقال، فإن د. الواثق كمير نجده يقول في هذا الشأن : (فالاشتراكية كانت إلهام دفعت به الظروف الموضوعية التي كان لا بد من التفاعل معها والمحيط االسياسى الذي كان قرنق يعمل في إطاره، وهي على أي حال لا تلقي بأي ظلال أيديولوجية على رؤية السودان الجديد) (المصدر السابق نفسه) وكأني بالدكتور/الواثق هنا يؤكد حين ينزع من الحركة الشعبية بعدها الأيدولجي الإشتراكي/الماركسي، ويشدد على أن الحركة هي حركة/حزب برنامج، لا تأثيرات إيدولجية عليه. وهنا مكمن الضعف الذي وسم مسيرة الحركة منذ البدء وحتى الآن.
(4)
مما تقدم أعلاه نخلص إلى أنه وعلى طول هذه المسيرة والتي،إمتدت سنين عديدة، غدت الحركة الشعبية، أسيرة للتغييرات في الظروف السياسية، داخلياً وخارجياً، وهي في تقلبها هذا، تغير طريقها يميناً ويساراً، وهنا يظهر جلياً الأثر الكبير والمدمر لغياب المنهج والبرنامج، الثابتين، حيث أن وجودهما بصورة (راكزة) كان سوف يعصم الحركة الشعبية من جملة الخلافات والمشاكل، والتي إعترضت طريقها طوال مسيرتها اللاحقة لما بعد التأسيس. وما يعني به هذا المقال هو البحث عن آثار غياب المنهج والفكر الثابت، عن الحركة الشعبية، ويفترض فى أن غياب هذا المنهج كان سبباً أساسياً من أسباب تخبط مسيرة الحركة الشعبية، و رؤية السودان الجديد التي تتبناها الحركة الشعبية.
و بالرغم من أن الحركة الشعبية، وفي محاولتها لسد الفجوات الناتجة عن غياب المنهج الفكري والسياسي والتنظيمي السليم، عبر اللجوء في أحايين كثيرة، بل وغالبة في مسيرة الحركة، نحو منهج التحليل الثقافي، والنظر للمشكلة القومية على أساس أنها مشكلة(قوميات)متصارعة، ينتج عنها قوميات(مُستَغِلَّة) وقوميات (مُستغَلَّة) وليس النظر بمنهاج التحليل والتصنيف الطبقي، إلا أن هذا المنهج للغرابة هو المنهج الذي أودى بالحركة الشعبية لما هي فيه الآن، وبل أن الصراع الأخير في الحركة الشعبية، رغم عن محاولات تجميله إلا أنه وبصورة واضحة ولا تقبل مؤاربة، يشكل صراعاً(قومياً وإثنياً) وهذا حصاد غرس قادة الحركة الشعبية ومنظروها، الذين حاولوا الإبتعاد عن وعورة البحث والتنقيب عن جذور المشكلة القومية، في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وركنوا إلى السهل وهو: تصنيف المشكلة كمشكلة صراع قومي/ثقافي، وتهميش، دون النظر في الجذور التاريخية و الطبقية لهذا التهميش.
وإن فرضية الهامش والمركز تقود بالضرورة الى عنصرية مضادة وتخرِّبُ أي محاولة للوحدة الوطنية القائمة على حقوق المواطنة، هذه نغمة قديمة ففي مؤتمر المائدة المستديرة في العام1965م خاطب السيد/أقري جادين الشماليين ب"الجلابة" وأحفاد الزبير باشا" فرد عليه السيد/عبدالخالق محجوب:"إن بعض أحفاد الزبير يشكلون الآن أحزابا تدعو للتقدم والاشتراكية) فالتناقض ليس بين المركز والهامش، بل هو صراع اجتماعي - اقتصادي حول التقدم والتخلف أو التحديث والتقليدية.*(د. حيدر إبراهيم علي، خلافات الحركة الشعبية : حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد)*.
إن هذه الأزمة الناتجة عن غياب المنهج السليم، أو الإرتكاز إلى المنهج المادي-الجدلي، الذي صاغ رؤية حركات التحرر الوطني، التي رفعت شعارات إشتراكية، وخاطبت جذور أزمات بلادها، بدلاً من قشرياتها، هذه الأزمة هي عن حق أزمة لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، وتحديداً تلك التي شهدت بين يديها تفكك الكتلة الإشتراكية، وبدت تتنازعها، رؤيتين الأولى هي: تغيير المنهج والبرنامج. والثانية هي الإبقاء عليهم، وفي معظم الحالات – كما في حالة الحركة الشعبية- إنتصرت الرؤية الأولى، وطفقت جميع هذه الحركات تبحث عن رؤية بديلة، تارة بالإنكفاء على الماضي أو البحث عن جذور قبلية أو قومية للاشتراكية، وهو إتجاه كان سائد في المدارس الاشتراكية في أفريقيا، وتحديداً مدرة يوليوس نايريري في تنزانيا؛ أو بدأت بعض هذه الحركات النظر للمستقبل بعين ورؤية متأثرة بالتغيير في الفكر والسياسة الدولية بعد تفكك الكتلة الإشتراكية، وسيادة مفاهيم الرؤية الليبرالية الجديدة، والتي عدت الرأسمالية هي بمثابة نهاية التاريخ (ميشيل فوكو).
(5)
وإسقاطاً على الصراع الدائر في الحركة الشعبية الآن، نخلص إلى أن جذور هذا الصراع، ومكونه الأساسي، هو غياب المنهج، وبالضرورة غياب البرنامج الواضح والمحدد، للتعاطي مع التطورات السياسية.
وفى رأينا إن الدعوة التي يطلقها القائد عبدالعزيز آدم الحلو،الآن، ورؤيته هي أقرب للسودان الجديد، ولكن فقط أن نزعت منها، الميول العنصرية والجهوية، وسيادة هذا المفهوم بصورة أو بأخرى، يجعل من دعوته قاصرة عن تحقيق المرامي والأهداف الكلية لمشروع السودان الجديد، فالأوجب الآن وليس غداً، أن يشذبُ القائد الحلو رؤيته، وينقحها، ويراجع دعوته لتقرير مصير جديد لهذه المناطق، لأنَّ حزام الحرب الآن، رغم حمله لأنواء الحرب، ومعاناة ساكنيه دون غيرهم من الحرب بصورة مباشرة، إلا أن جميع المواطنين في السودان يعانون من هذه الحرب الدائرة الآن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هذا لا جدال حوله. فمن الواجب أن يترك الحديث عن تقرير مصير الآن، وأن يناقش في وقت غير هذا، بالطبع سيأتي وقته، لكن المهام العاجلة والتي قامت من أجلها الحركة الشعبية ورؤية السودان الجديد، على رأسها يردُ :البحث عن حل سياسي شامل لقضايا السودان، ومخاطبة جذور الأزمات، كل هذه القضايا لن تحل إلا في إطار واحد، ضمن جهود القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد، لحل أزمة السودان عامة. وهذا بالطبع لن يتأتَ للحركة الشعبية، إن لم تربط كفاحها ونضالها مع نضال هذه القوى الوطنية الديمقراطية، وليس إدارة ظهرها لها وفرز عيشتها عنها، وإن حدث هذا، فالخاسر هو الحركة الشعبية، ورؤية السودان الجديد. إن أي محاولة للإرتداد بقضية حزام الحرب، وحصرها في كونها قضية، تخص إثنية محددة، هو قصور في الرؤية نحو مشروع السودان الجديد. إن المشروع وحسبما تقول أدبيات الحركة: أتي لكل السودان، ولتحرير كل السودان. إذا فليكن لكل السودانيين.
(6)
إن المدخل لحل أزمة الحركة الشعبية الآن، هو حل ينهض على أساس فكري متين، يوضح بجلاء ودون مواربة، هوية الحركة الشعبية، وإلتزامها وبرنامجها في مختلف النواحي، خاصة وأن أحد أطراف الصراع الحالي، القائد ياسر عرمان قد قال:( رؤية السودان الجديد أمام خيارين لابد أن ينتصر أحدهما، فأما أن تصعد نحو ميلاد ثانٍ يفتح أمامها أبواب التجديد والانفتاح على الحقائق الجديدة على مستوى الممارسة والنظرية، وأن تستقي دروساً جديدة من الممارسة والنتائج التي تمخضت عنها سلبا وإيجابا لتواصل تقدمها نحو الأمام، أو يصيبها الجمود في عالم متغيرٍ على مدار الساعة واليوم)وهذا إعتراف بأن هناك أخطاء كبيرة، وكثيرة، صاحبت تطبيق رؤية السودان الجديد، ما إستدعى ياسر عرمان للدعوة لتجديدها. وكان حرِّي بالسيد/ ياسر عرمان، أن يذكر في سياق دعوته للتجديد أنه هو أيضا يتحمل مسؤولية كبيرة فيما حصل من خلل وأخطاء في تطبيق رؤية السودان الجديد، خاصة في فترة خوضه للانتخابات وانسحابه الدرماتيكي في 2010، وقبلها وأثناء وبعد قيادته لقطاع الشمال في الحركة الشعبية.
وعليه فإن التناقض الذي يتزايد حدة في صباح كل يوم جديد، والإنقسام الطبقي الحاد بين الأغنياء الذين يزدادون غنى، والفقراء الذين يزدادون فقراً، هو نتاج أزمة الرأسمالية، وإن الإشكالات السياسية اليومية في كل الدول، بما فيها الدول الغربية، هو نتاج قصور رؤية الليبرالية الجديدة عن تلبية إحتياجات الفرد العادى، الذي تحكم بإسمه، وتدعي تمثيلها له، وهي في الأساس الحارس الأمين، لمصالح الرأسمالية والإمبريالية.
وفي السودان هنا: فإن النظام الحاكم، الذي يمثل حامي حمى الإمبريالية العالمية في السودان، يتلون يومياً وبمختلف الصور والأشكال، لكيما ينجز مهمته التي جاء من أجلها، وهي حماية المصالح الإمبريالية في المنطقة، وهو ضمن هذا المخطط مستعد لتقسيم السودان لخمس دول، تحقيقاً لمشروع أمريكا وإستراتيجيتها في المنطقة. نظام كهذا مواجهته تتم بالنضال المشترك بين قوى الثورة الوطنية الديمقراطية، عبر برنامج مشترك، للنضال اليومي، قاعدياً وفوقياً، وفق تنسيق محكم، أساسه الإتفاق على ان برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية، يحقق التطلعات للشعب بأسره في:المواطنة الكاملة، الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع، دون تفرقة على أي أساس كان.
لذلك فإن وجود الحركة الشعبية – موحدة - ضمن قوى هذا المشروع، وببرنامجه المطروح، يشكل صمام أمان لوحدة الوطن، وتحقيقاً لرغبات وتطلعات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة. هذا بالطبع بعد أن تستوي الحركة على مستوى فكري واضح، حول تحليل قضية السودان، والموقف من الإمبريالية والرأسمالية، وأعوانها في الداخل، طبيعي أن هذا سوف يحدث بعد مؤتمر عام للحركة تطرح فيه هذه الأمور، ويخرج حولها رأي واضح جداً. ويرد في الصدارة لمهام المؤتمر: تنقيح المنفستو وتجديد الرؤية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.