... لعل مستقبل السياسة في السودان هو الشغل الشاغل للنخب السياسية.. والشغل الشاغل للمراقبين لمآلات الوضع السياسي في السودان.. خصوصاً وأن هذا العام الجديد الذي أطل منذ الجمعة هو عام التأسيس للسياسة وحراكها في السودان.. بمعنى أن هذا العام سيشهد إنتخاب رئاسة الجمهورية في حدود مائة يوم من الآن بإذن الله تعالى.. وسيشهد كذلك الإنتخابات المركبة التي سيتشكل فيها السودان على أساس الشورى والمشروعية السياسية وإرادة الناخب السوداني من خلال صندوق الإقتراع. وهو السودان الذي كان ينتظره المحاربون والمتحاربون والمعارضون والمختلفون.. وكانت تنتظره «الإنقاذ» ومفاصل البناء السياسي كافة.. وكل هذا التراكم التاريخي سيتم فرزه في المائة يوم القادمة بإذن الله.. ولعل المائة يوم بحساب الأجيال وبحساب تاريخ السودان السياسي تمثل أياماً معدودات وستمضي. ولكن يبرز السؤال المهم.. ما هي ملامح المولود الجديد من خلال ما هو حادث.. وما هو كائن.. ومن خلال الوضع السياسي وخارطته السياسية.. بل ومن خلال الحوار السياسي؟ ولا بأس أن نبدأ هذا الحوار السياسي بما كتبه صديقنا وعزيزنا الدكتور الواثق كمير في مقالتين ب«الرأي العام» أسماهما «دعوة للحوار مع النفس.. الحركة الشعبية والعودة لمنصة التأسيس». ----- مجهودات كمير وبادىء ذي بدء نثمن عالياً مجهودات الأخ الواثق كمير واجتهاداته الفكرية والتحليلية التي تتخم أحياناً بتداعيات عديدة وثمينة وتصويبات موضوعية ومعقولة يحملها قلمه السيال، لتثير إنتباهات كثيرة تحرك العقول لتثمر حواراً نرجو أن يكون في غالبه الأعم مثمراً وبناءً.. ولأول مرة يخرج علينا أحد أعضاء الحركة الشعبية ليتحدث من خلال أكسجين الإعلام عن الحركة الشعبية وما يدور في أوعيتها السياسية.. بعد أن كان الحوار في أعمه منغلقاً واعتذارياً.. وبعد أن كان الحوار في طابعه هجومياً دائماً.. ضد الحركة السياسية.. وضد الحركة الإسلامية.. والحديث عن تخليص الخرطوم من العوائل والأسر الخرطومية وتحريرها لمصلحة السودان الجديد. ومثل هذه «الأكلشيهات» التي لا تطعم ولا تسمن من جوع ولا تقي من برد. ومهما يكن لا نملك إلا أن نشيد بمنهج الحوار حتى إن جاء متأخراً.. ونسأل صاحب الدعوة للحوار مع أنه برز ليحاور رفاقه الذين حملوا السلاح معه، ولكن ما كتبه أصبح ملكاً مشاعاً لكل السودانيين، ولذلك نسأله.. أولاً: هل كان هناك إنقلاب ضد الراحل الدكتور جون قرنق وأفكاره أم هي مجرد حرب قبلية.. ونحن بذلك نتطرق ابتداء لما حدث في العام 1991م.. حينما قامت مجموعة النوير بقيادة د. رياك مشار ومجموعة الشلك بقيادة الدكتور لام أكول وآخرون بحربها ضد المتحكمين في زمام الحركة الشعبية من قبيلة الدينكا. ونسأل: ما هي علاقة النخب الشمالية في الحركة الشعبية بتلك الحرب؟ مزاج إنفصالي ثانياً: هل تملك النخبة في الحركة الشعبية تشخيص واقع الجنوب.. ألم تخرج الحركة الشعبية من رحم الحركات الجنوبية منذ العام 1955م بمزاجها الإنفصالي والتبعية للخارج والكراهية للثقافة العربية الاسلامية.. أين مكونات التقدم والخطاب النهضوي في هذه العناوين.. وهل الوقوف ضد الثقافة الاسلامية يُعد تقدماً.. وهل الوقوف في صف الكنائس وإسرائيل يُعد تقدماً.. هل التبعية للخارج تُعد تقدماً.. بل نسأل الأخ الدكتور الواثق كمير: لماذا تفادى السؤال الأساسي الذي كان مطلوباً ان يجد محاولة للإجابة عليه وهو كيف مات «جون قرنق؟».. ونحن في ذلك لا نتحدث عن المنهج الفيزيائي للحدث كاصطدام طائرة بجبل أو توقف محرك.. ولكن سؤالنا ينطوي على التساؤل عن هل كانت هنالك جريمة.. ومن قتل جون قرنق..؟ ونسأل عن العلاقة بين موت «جون قرنق» ودفن النهج الوحدوي للحركة الشعبية.. ألا توجد علاقة منطقية.. ونسأل أيضاً عن الإنقلاب الذي وقع داخل الحركة الشعبية يوم اغتيال «جون قرنق».. ومن خلال المعطيات نسأل.. هل ما حدث لجون قرنق مجرد حادث طائرة؟ وإلا، فلماذا كان كل شيء جاهزاً ومعداً كبديل له في المنهج وفي الأشخاص.. ولماذا كانت المجموعة التي خلفت جون قرنق موجودة بغالبها في «نيروبي».. ولماذا أصبح الإنفصاليون في ذات اليوم سادة الموقف؟ حضن الإرساليات لو كانت المجموعة الشمالية ومن بينهم الدكتور الواثق كمير الذي كتب كتاباً ضخماً عن حياة الراحل جون قرنق، تملك أدوات التحليل وتملك الرؤية لعرفوا أن النخبة الجنوبية التي تقود الحركة الشعبية سواء كان قائدها جون قرنق أو سلفا كير أو جوزيف لاقو أو جوزيف أدوهو.. إنما تمثل مساراً تاريخياً كونها خرجت من رحم ذات الحركات الجنوبية التي تربت في حضن «الإرساليات».. وتربت في حكم وتوجهات الأجنبي.. وتربت من خلال المناطق المقفولة.. وأخذت جرعات كبيرة في هذا الإطار. ولعل الرؤية في الفترة منذ العام «1983 - 2005م» وفرت الأدوات الصحيحة للتحليل مما مكن من يريد التحليل أن ينجح في تشخيص الأوضاع.. فهل ذلك صحيح أم أن الحركة تحركها الشعارات.. وحتى الآن من هو الذي يقف من أهل الحركة على أرضية فكرية صلبة وإرادة مرجعية رافعاً صوته بالوحدة.. بل أننا نفاجأ من أن صوت الوحدة الآن يأتينا ممن كان يرفع في العام 1991م شعار الإنفصال، وهو الدكتور لام أكول الذي تصنفه الحركة نفسها كإنفصالي.. علماً بأنه يردد الآن حديثاً لا لبس فيه، من يريد الإنفصال سينتظر طويلاً.. بينما الذي يقود الواثق كمير وياسر عرمان ويقود الحركة كلها وقف بصوت عالٍ في كنيسة «كاتور» وقال إننا مواطنون من الدرجة الثانية، ومن الأفضل أن ينفصل الجنوب ونصبح أسياداً على بلدنا.. ولم نر أية محاولة أو تعقيباً من داخل الحركة الشعبية لما ذكره سلفا كير، مما يعني أن الحركة الآن لا تستطيع ان تصحح رئيسها، علماً بأن السودان الآن يموج بالجدل السياسي.. ونرى المؤتمر الوطني كثيراً يصحح ما يقوله قادته.. ونرى تيارات تخرج من عباءة السيد الميرغني.. وأخرى من عباءة المهدي.. وفي إطار الجدل السياسي يقول الناس ما يريدون إلا أصدقاءنا في الحركة الشعبية.. الذين يسكتون طويلاً ولا نكاد نعرف هل يتعاملون بصورة مرحلية وتكتيكية مع القيادة الحالية في الحركة الشعبية أم أنهم ينظرون إليها كمرجعية وكقيادة. بل نسأل السؤال الذي كان ينبغي ان تسأله النخبة الشمالية داخل الحركة الشعبية التي بايعت جون قرنق.. هل كان الراحل جون قرنق وحدوياً أم أنه كان يتعامل أيضاً بصورة تكتيكية.. ألم يرهن جون قرنق حركته لشروط «منقستو» ومانفستو «منقستو»، حتى أصبح الرئيس منقستو الذي يعيش حالياً في «زيمبابوي» شريان الحياة للحركة الشعبية.. وأن تبنِّي جون قرنق لشروط «منقستو» كان تبني المكره وليس البطل.. لأنه تبنى الخيار الاشتراكي.. وتبنى الخيار الوحدوي، لأن «منقستو» كان يرفض إنفصال جنوب السودان الذي يمهد لإنفصال أريتريا.. وتمزيق أثيوبيا.. ولأن الاستخبارات الاثيوبية تسللت داخل الحركة الشعبية ودعمت جون قرنق وقاتلت أعداء جون قرنق، وإلا فمن قتل «جوزيف أدوهو»، لقد قتلته الاستخبارات الاثيوبية. رؤية (خُردة) ونستنتج من ذلك بأن الرؤية الفكرية في الحركة الشعبية كالخردة.. ونحن نعلم الفرق بين العربة الكاملة وقطع الغيار.. فأنت لا تستطيع أن تصنع عربة من قطع الغيار.. ولا تستطيع أن تذهب الى سوق «الخردة» وتشتري قطع غيار لتبني منها «عربة».. ولذلك نسأل الآن المجموعة المتحلقة حول الرئيس سلفا كير.. ما هي رؤيتها في البناء الفكري لسلفا كير.. أليس مجرد بناء عسكري يقوم على «الضبط والربط» دون مرجعية فكرية، اللهم إلا إذا كانت مفردات الاستخبارات ومعلوماتها التي كان يقف عليها في الجيش الشعبي تُعد مرجعية فكرية. ونسأل أيضاً أين الاشتراكية في برنامج الحركة.. بل وأين العدالة الإجتماعية التي شنّفت بها الآذان.. ألم تكن الحركة طيلة الوقت في مصانعة ومداهنة مع الظهير الخارجي.. سواء كان ذلك الظهير الخارجي هو الرئيس «منقستو» أو كان «موسفيني» أو كان «القذافي» أو كان «كاسترو» كوبا أو كان أمريكا وإسرائيل.. أين الحركة الشعبية الحقيقية.. أين برامجها.. وأين خطابها.. أين تاريخها؟ ثم نسأل أصدقاءنا من الشيوعيين واليساريين في الشمال: كيف دخلوا الحركة الشعبية.. ألم يدخلوا على الحركة لتوظيفها.. ولكن أصبحت الحركة «أشطر» منهم فجعلتهم موظفين فيها.. بل الحقيقة أيضاً أنها ليست من جعلتهم كذلك بل الذين خلف الحركة.. الذين يمولون الحركة سواء كانت إسرائيل أو كان «منقستو».. ونريد من هؤلاء المتنورين بالحركة أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم ويعكسوا لنا بكل شفافية من أين كان يأتي تمويل الحركة الشعبية.. هل كان يأتي من حكومة السودان هل كان يأتي حقيقة من إشتراكاتهم..؟ هل كان يأتي من استثماراتهم.. ومن أين كانت تأتيهم التسهيلات الدبلوماسية والإعلامية.. ومن كان يتواصل معهم؟ ما هو القاسم المشترك ونسأل النخبة اليسارية في الحركة الشعبية.. ما هو المشترك بين إشتراكية الدكتور منصور خالد إن جاز لنا التعبير بذلك، واشتراكية ياسر عرمان.. وقد كان الدكتور منصور خالد مع حبنا واحترامنا وتقديرنا له -فهو على الأقل له مرجعية فكرية وقدرة على التحليل وله فهم لتاريخ السودان السياسي ولم يدّعِ في يوم من الأيام أنه ماركسي أو شيوعي أو غير ذلك.. ويظل السؤال ما هو المشترك بينهم وبين الدكتور منصور خالد.. وما هو المشترك بين جون قرنق ومنصور خالد؟ وما هو المشترك بين إشتراكية منصور خالد إن كانت هناك اشتراكية لمنصور خالد واشتراكية الواثق كمير؟ والآن.. مع من يتحاور الدكتور الواثق كمير.. هل يتحاور مع النخبة في المؤتمر الوطني التي كان يراها أكبر عائق لمآلات السودان الجديد.. أم يتحاور مع مجموعته التي همشته داخل الحركة الشعبية.. مع منصور خالد وعرمان أم مع المهمشين في الحركة الشعبية.. أم مع إدوارد لينو وباقان وسلفا كير.. وهل يملك القائد سلفا كير حتى أدوات التحليل والمراجعة والمراهنة على ما يكتبه الأخ الواثق كمير.. أم أنه يتحاور مع الأمريكيين والإسرائيليين الذين أصبحوا سادة الجنوب.. أم مع الجميع؟ الحركة اليسارية ونحن نعلم أن الحركة اليسارية وعلى الأخص الطرف الشيوعي منها بنوا نضالهم في كل تاريخهم السياسي ضد أهم مكون للشخصية السودانية وهو الثقافة الإسلامية.. وحتى حينما تحدث د. الواثق كمير عن إتفاقية نيفاشا كانت كل تحفظاته على الشريعة الاسلامية في الشمال ونعجب لذلك!.. فكيف ينظر الواثق كمير للسودان بدون إسلام.. أيريد للسودان ان يكون نموذجه يوغندا أم الكونغو أم كينيا؟.. ونسأله كيف يتم تكوين الأسرة في السودان.. وكيف يكون الزواج في السودان بدون الشريعة الإسلامية.. وكيف تكون طقوس الموت وتنشئة الأطفال بدون الشريعة.. الطفل والإنسان السوداني يرضع الشريعة مع حليب أمه.. يرضعها في أغانيها وأهازيجها.. وبدون الإسلام يمكن ان يكون الإنسان عولمياً ويمكن ان يعترف به العالم ويأخذ مواقع كبيرة كما نرى في الذين كانوا مع محمود محمد طه وكانوا ضد الثقافة الاسلامية، أصبحوا الآن في المنظمات العولمية.. ك«آفريكا ووتش» ومنظمات حقوق الإنسان ولكنهم يفتقرون الى المزاج السوداني وأصبحوا كلهم يفتقرون الى المزاج السوداني والأصالة السودانية، فالثقافة الاسلامية واللسان العربي هما أساس المزاج السوداني. ولذلك نقول للدكتور الواثق كمير لكي يفهم ما هي الحركة الشعبية، وما هو أساس التمرد في الجنوب وما هو دور الكنيسة والإرساليات.. عليه ان يقرأ كتاباً صغيراً لا تتجاوز صفحاته الثلاثين كتبه القس الشهير «سبنسر بيرمنهام» أسقف الكنيسة الاسقفية في السودان في الثلاثينيات واسمه: (Acristian Approach to Islam in Sudan) أي «مدخل مسيحي على الإسلام في السودان».. حيث يقول إننا يجب ان نبني جنوباً محصناً بالكنائس ومحصناً بالإرساليات حتى نوازن الثقافة الإسلامية في الشمال، وحتى لا نجعل فرصة لخروج إسلام مجاهد في الشمال.. وأن النخبة المسيحية الجنوبية هي التي ستحدث الموازنة مع الشمال.. ولذلك لم يتم فصل الجنوب عن الشمال ليس لأنهم يريدون السودان قوياً أو يكون عمقاً للثقافة الاسلامية أو جسراً مما يتحدث به الناس أو يكون رواقاً، ولكنهم كانوا يريدون أن يصبح الجنوب محجماً لحركة الثقافة الاسلامية في السودان. للأسف الشديد والقارىء لتاريخ حركة التمرد في جنوب السودان يرى أنها لم تكن أبداً حركة تعمير كما كانت الحركة الاريترية مثلاً.. لم تبن مدرسة واحدة بل كانت تخرب حتى المدارس الموجودة.. كانت تنظر الى منطقة (Buffer Zone) «أو المنطقة العازلة» والى الآن انتقلت المنطقة العازلة من واقع جغرافي الى واقع سياسي حتى للأسف الشديد في عقل سلفا كير الرئيس المحترم الذي أصبح يتحدث عن أن الجنوبي مواطن من الدرجة الثانية.. بينما الإنقاذ جعلته النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب.. واعطته كل الموازين التي تجعله فوق السودان.. ولكنه لا يزال ينظر الى وضعه كمواطن من الدرجة الثانية.. وماذا يقول أهلنا الهدندوة الذين يكافحون لإيجاد لقمة العيش في الشرق.. وماذا يقول النازحون في دارفور.. وماذا يقول كل سوداني في الشمال لا يشتغل بالسياسة، حينما يقول القائد سلفا كير الذي يملك بين يديه ثروات الجنوب ولا يستطيع البرلمان الجنوبي أو المثقفون الجنوبيون ان ينتقدوه حتى على صفحات الجرايد إذا كان ينظر الى نفسه كمواطن من الدرجة الثانية.. أليس هذا نجاحاً لبذور الفكر الإرسالي والكنائس.. أليس هذا ضد المزاج السوداني والوعي القومي السوداني والقومية السودانية.؟ ولكن، وعلى أي حال تظل مراجعات الدكتور الواثق كمير جهداً مقدراً وربما تعيد اليه وعيه بالذاتية السودانية ووعيه بتاريخ السودان ووعيه بالمزاج السوداني وبمكونات القومية السودانية. خصوصاً ونحن نحتفل هذه الأيام بالعيد الرابع والخمسين لاستقلال السودان.. ونسأل الدكتور الواثق كمير: هل يعي تماماً ماذا يعني إستقلال السودان في دفاتر الحركة الشعبية التي تعودنا منها أنها لا تحترم إستقلال السودان.. وهل رأيت في كل خطابات الحركة الشعبية إشارة لاستقلال السودان.. بل إنهم يعتبرون استقلال السودان مجرد إنتهازية من النخبة الشمالية، ولذلك فإن مدينة «جوبا» لا تحتفل باستقلال السودان.. ولا تحتفل برفع العلم السوداني.. وربما يتمنون لو دامت دولة الإنجليز كما كان يفعل بعض المصابين بلوثة التبعية للغرب.. والمصابين بوباء التغريب. وما هي رؤية الواثق كمير لمؤتمر الخريجين.. وما رؤيته للجدل السياسي من قبل مؤتمر الخريجين وبعده.. وما هي رؤيته للجدل السياسي والنضالية السياسية في الأربعة وخمسين سنة الأخيرة من تاريخ السودان الحديث.؟ تاريخ مهمل هل كل هذا التاريخ «مهمل» ولا يعني له شيئاً.. ولا يعني نضال الآباء بالنسبة له شيئاً.. وأن السودان يبدأ من «مهديهم» في العام 1983م حينما بدأ قرنق. هل هناك رؤية عند النخبة الشمالية داخل الحركة الشعبية للإستقلال.. وهل طالع الدكتور الواثق كمير الحوار الخفيف الظل والعميق الدلالة مع الاستاذ علي عثمان محمد طه حينما قال إنه عندما كان طفلاً كان يهرول وراء عربة الزعيم الأزهري.. وما ذا يعني هذا.. ألا يعني أنه حتى عقل الطفل الذي تشكل في الخرطوم كان يرى أن آمال الشعب السوداني مرتبطة بهذا الأزهري.. وأن التقدم مرتبط بالأزهري.. وأن الخرطوم تلك القرية الكبيرة كانت تتطلع لأن تكون شأناً كبيراً.. وملتقى للنخبة السياسية.. ونسأله مع اعتقادنا الجازم أننا لا نقول هذا الحديث تملقاً لنائب الرئيس أو غيره.. لماذا ظلت القوى الجديدة في قلب الخرطوم تختار الاستاذ علي عثمان محمد طه منذ أيام الرئيس نميري ممثلاً لها.. وهل كل هذه النخب لا تعرف من هو علي عثمان محمد طه؟ ونسأل الواثق هل مجرد الإنتماء الى الحركة الشعبية يمكن ان يكسب النخب خاصية التقدم والنهضة والنظرة المستقبلية والخطاب النخبوي.. وكذلك نسأله في لحظات صدق مع النفس هل يملك الذين رأيناهم يحرقون الخرطوم ويخربونها ويرفعون أعلام الحركة الشعبية في الاثنين الأسود والكئيب عند سماعهم موت الزعيم قرنق هذه الخاصية.. الخاصية النهضوية التي تملك القدرة على التحليل والخطاب السياسي؟ والآن نرى الحركة الشعبية جزئياً تتحالف مع الدكتور حسن الترابي.. هل يمكن ان يكون خطاب الترابي الجديد أساساً لتحالف مع الحركة الشعبية؟ والدكتور الترابي ينقض كل الثوابت التي قام عليها خطابه والتي قامت على رفع الاسلام ومحاربة النخب الدهرية والعلمانية ونقض خطاب الدهريين.. ولكن.. الترابي الآن ولأسباب واهية ترتبط بمسائل شخصية يبرز ليؤكد خطاب الدهريين ويتحالف حتى ضد تلامذته، ضد الاستاذ فتحي خليل والدكتور عبدالرحيم إبراهيم الخليفة في إنتخابات المحامين.. فماذا نقول عن ذلك؟ بينما الكثير من أعضاء المؤتمر الشعبي أصابهم الذهول وأصبحوا يكتفون وعلى استحياء بالمراقبة من بعيد ولا يعلقون لأنهم مصدومون.. ونخشى تحول المؤتمر الشعبي الى حزب طائفة يتحرك بالإشارة. ونسأل الواثق كمير والمجموعة التي تتحالف مع الأمريكان داخل الحركة الشعبية وللأسف فيها كثيرون من الشماليين.. ماذا يريد الأمريكيون من السودان.. هل يريدون مصالح السودان أم يريدون تقويض النظام.. ولماذا يؤيدون من الداخل وفي مجالسهم الخاصة ويؤلفون الكتب كما فعل ذلك «المحامي» الذي أيد «أوكامبو» وكتب كتاباً مع حركة حقوق الإنسان القاهرية وغيرهم. سيد اللحظة ونقول لهم جميعاً إن الرئيس البشير أصبح سيد اللحظة ليس اعتباطاً ولا خبط عشواء.. الرئيس البشير تزداد مكانته نسبة لإضطراب خطابهم ونسبة لأن الناس أصبحوا يخافون على السودان منهم.. وأصبحوا يرون الرئيس البشير والإنقاذ صمام الأمان ضد هذا الطوفان الفوضوي والعبثي الذي بات يتحرك بدون مسؤولية، وتحرر خطابه مكونات خطاب الكنائس والإرساليات. الشعب السوداني يلتف حول البشير لأنه يمثل المزاج السوداني ويمثل الوعي القومي السوداني ويمثل القومية السودانية.. ويمثل الاستمرارية التاريخية لجيل الاستقلال الذي رفع العلم.. جيل الإنعتاق من الثقافة الأجنبية بمثل ما يجسد مبادىء الإمام محمد أحمد المهدي التي دفعته للثورة.. ولفترة ما كان الشعار «تحرير ولا تعمير» ورضى الناس وقتها بهذا الشعار.. ولكن هذا الشعار مع أنه فارغ من المعاني فقد احترمه السودانيون لأنهم كانوا يريدون الإنعتاق من الأجنبي.. ولكن أخذ هذا الشعار مضمونه بين يدي الرئيس البشير فأصبح «لا تحرير بدون تعمير».. وفي إطار ثورة البشير، تم إعمار العلاقات الروحية ببناء المساجد والكنائس التي قد لا يكترث لها الدكتور الواثق ومن معه من النخب الدهرية.. وتم إعمار العلاقات الاقتصادية والتعليمية والتنموية.. والآن يمكن لشخص ما ان يمتطي سيارته فيجد نفسه في «أسوان» أو «غندر».. ويركب سيارته ويجد نفسه في النهود وكادوقلي.. وبجهاز التلفون يمكنه أن يتصل بكل العالم.. وهذا لم يحدث في اثيوبيا مثلاً التي لا توجد فيها الآن ثورة «الجوال» أو اتصالات أو طرق.. مع أن اثيوبيا تضم ثمانين مليوناً من البشر.. وليست فيها ثورة تعليم عالٍ بحجم السودان. ولنقارن ما يجري في السودان بدول الجوار، فها هي كينيا وفي يوم احتفالها بيومها الوطني تشكر السودان على منحها منحاً دراسية.. وها هي تشاد واريتريا واثيوبيا تهفو قلوبهم للتعليم في السودان.. السودان بوعي الذين يقودونه أصبح قوة إقليمية عظمى في المنطقة يقود النهضة، وفي إطار هذا على الدكتور الواثق كمير ان يعيد قراءته لثقافة الحركة الشعبية ولتاريخ السودان.