الموت في دارفور يأبى أن يتوقف،وبات عزيز جداً على المواطن أن ينعم بسلام حقيقي في الإقليم لمدة شهر واحد،حادثة قبيلتي الرزيقات والمعاليا بشرق دارفور والتي راح ضحيتها حوالي مائتين شخص ترسم صورة قاتمة للمستقبل القريب والبعيد للإقليم،حكومة شرق دارفور نفت وقوع الحادثة بين القبيلتين وقالت إن المعارك دارت بين حركات مسلحة وقبيلة الرزيقات،وكالعادة،الوضع تحت السيطرة،رغم البارود والدم والموت..قبيلة المعاليا تتهم والي شرق دارفور وحكومته بالتواطؤ مع الرزيقات ضدها،اتهامات عديدة وُجهت لمنتسبين للقوات النظامية من أبناء الرزيقات بالمشاركة في المعارك بعتادهم،قطعاً هذه الأخيرة تعتبر أخطر المراحل في الصراع،أن تنسحب قوات نظامية لتقاتل لصالح حماية أهلها،وهذه بداية تمرد جديد على الدولة،وهذه الحادثة ربما تفتح الباب لمزيد من التمرد داخل القوات النظامية حال استشعرت مجموعة بخطر قادم على أهلها،ولتتحول القوات النظامية إلى قوات قبلية لفقدان عقيدة القتال،وهذا نتيجيته تعميم الدم على كل السودان. المشهد في دارفور يسير نحو صراع وقتال قبلي مستمر،ورغم ما يُوقّع من اتفاقيات صلح قبلي لا تحصى،إلا أن النتائج عادة تسير نحو الأسوأ عقب كل صلح،وكأن الصلح قائم على استمرار القتال،يُضاف إلى المشهد في دارفور،الحرب القائمة بين القوات الحكومية والقوات التي تتبع للحركات المسلحة،ثم حرب بدت تبين ملامحها بين القوات النظامية ذاتها،وحرب تصفيات بين الحركات المسلحة فيما بينها،ثم حرب ضد القوات الأممية حارسة السلام في الإقليم،الحروبات هذه تأخذ أشكالا متعددة،منها ماهو صراع طبيعي،وصراع تصفية،وصراع فتنة بين القبائل وهذا الأخطر تماماً،وللأسف هذا الصراع أصبح هو المسيطر على المشهد الدارفوري ككل،وهذا يمثل انتكاسة كبرى في القتال في الإقليم. الحرب القبلية الدائرة الآن في الإقليم هي نتائج طبيعية لكل الحروبات التي ظل يشهدها الإقليم منذ بداية الأزمة فيه،وهي التي ستححد الملمح الختامي للصراع في الإقليم كما أنها فيما يبدو ستحدد مستقبل الإقليم وفي يدها قيادة الإقليم إلى جحيم دائم..الخطورة الآن في دارفور ليست هي الحاجة الطبيعية إلى اتفاق سلام حقيقي شامل ينهي الصراع،وليس كذلك الحاجة لاتفاق صلح قبلي يشمل كافة القبائل المتناحرة،الخطر الآن تجاوز كل هذه الحلول،ولابد من الإقرار بذلك،دارفور الآن خارج السيطرة تماماً،خارج سيطرة الحكومة،وخارج سيطرة قوات حفظ السلام المتهمة من كل طرف بانحيازها للآخر،وبعيدا عن الاتهامات فهي أثبتت فشلاً منقطع النظير في تحقيق أدنى حد من حماية المدنيين،بل هي أصبحت في حاجة لحماية نفسها مؤخراً،دارفور الآن يتقاتل بنيها فيما بينهم،صراع لأجل الأرض،صراع على السلطة،وصراع لأخذ الثأر القديم،وصراع فتنة،الكل في يده سلاح والكل يشتم رائحة الدم،يحدث هذا والصمت مطبق على كافة الأطراف المعنية بتحقيق السلام،المفهوم الآن أن الوضع في دارفور تجاوز الحلول المتعارف عليها. == الجريدة [email protected]