وفق رواية ديدور الصقلي كان ملك مملكة مروى أركامانى قد أعلن ثورة على الكهنة وقام بمهاجمة معبد آمون النبتى فى جبل البركل حيث كانت تتم عملية تتويج ملوك كوش، وأعلن أركامانى الإله الأسد أبادماك إلهاً رسمياً لمملكة مروى. وكان أركامانى قد نال قدراً كبيراً من التعليم الإغريقى مما دفع ببعض الباحثين الى القول بأنه سافر الى مصر طلباً للعلم. لكن الحقائق المتوفرة تشير الى ازدهار الصلات التجارية بين مملكة مروى وعالم البحر الأبيض المتوسط، وأن الكثيرين من التجار الإغريق والمصريين تواجدوا فى أراضى المملكة، بالإضافة الى المغامرين من الانتهازيين الإغريق الباحثين عن الشهرة، وكذلك العديد من العلماء والرحالة والكتاب الإغريق. فمن المعلوم، على سبيل المثال ، أن العالم الإغريقي سيمونيد كان قد عاش خمس سنوات كاملة فى مروى ووضع كتاباً كاملاً عن كوش وثقافتها، وهو الكتاب الذى استفاد منه بلينى واستخدمه مرجعاً له فى تناوله لمملكة مروى. الأمر كذلك لا نعتقد بأن أركامانى كان بحاجة الى الارتحال الى مصر طلباً للعلم، بل الأغلب أن يكون قد نال معرفته باللغة والثقافة والفلسفة الإغريقية فى مدينة مروى (البجراوية). على كل فإن ديدور الصقلى لم يذكر شيئاً بهذا الخصوص، ولو كان أركامانى قد تواجد فى مصر لما تجاوز ديدور ذكر مثل تلك الواقعة. عظمة أركامانى أنه كان الأول من بين ملوك كوش الذى أعلن ثورة على الدولة الدينيَّة ونادى بفصل الدين عن الدولة، وثبت واقع الفصل بين الممارستين الدينية والسياسية. ما كانت ثورته على الكهنة وتدمير معبد آمون النبتى، مركز سلطاتهم الفعلية، ثورة ضد الدين ديناً، لكنها كانت ثورة للقضاء على ادعاء الطبقة الكهنوتية احتكار السلطتين الدينية والدنيوية، واحتكار الحق فى تعيين الملوك وإقصائهم عبر تقاليد الاغتيال الطقوسى للملوك وفق ما يدعونه من حق فى تفسير الوحي الإلهي. هكذا فإن أركامانى قام بعد القضاء على كهنة آمون النبتى بإصدار مرسوم يحظر ممارسة اغتيال الملك الطقوسى، وألغى دور الإله آمون، راعى هذا التقليد، كإله أساسي للمملكة، وأحل محله الإله الأسد أبادماك راعياً للدولة وسلطتها، معلناً بذلك عن رفضه مقولات عقل الرجعة لبقايا التركيب الاجتماعي العشائري البدائي الذى مثلَّ قاعدة للنفوذ الأيديولوجي والسياسي للطبقة الكهنوتية. مات أركامانى ليجد جثمانه مثواه الأخير فى هرمه الرائع (البجراوية رقم 7) والذى يعكس هو وأهرام خلفائه أديكالامانى (البجراويَّة رقم 9) والملكة شناكداخيتى (البجراوية رقم 11)، وباكرينسانا (البجراوية رقم 13)، وتانيدامانى (البجراوية رقم 20) مدى الإزدهار الإقتصادى والتطور الفنى والتقنى الذى حققته مملكة مروى. موقع اركماني/الراحل بروفسر اسامة النور