تمثل سيرة السلطان الراحل دينق مجوك زعيم قبائل دينكا نقوك في منطقة أبيي أحد أهم الأمثلة على التعايش السلمي الذي ساد بين القبائل العربية والأفريقية في منطقة جنوب كردفان، خصوصا في ما يتعلق بجهوده في تعزيز الوحدة بين الشمال والجنوب. ولا يُذكَر الزمن الجميل في العلاقة بين القبائل الأفريقية والعربية في منطقة جنوب كردفان إلا ويُذكَر السلطان مجوك زعيم قبائل دينكا نقوك في منطقة أبيي، كما يقول موفد الجزيرة إلى أبيي أحمد جرار. فالسلطان الذي تسلم زعامة قومه في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي اختار طوعا الانضمام إلى الشمال وسعى دائما للتحرك ضمن سودان موحد، واستطاع أن ينسج علاقات عميقة وقوية مع القبائل العربية هناك ولا سيما في عهد زعيم قبائل المسيرية الأمير بابو نمر. أحب مجوك العرب وأعجب بعاداتهم وتقاليدهم وتعلم لغتهم واحترم دينهم، فلا عجب أن اعتنق عدد من أبنائه الذين قارب عددهم المائة الدين الإسلامي وأتقنوا اللغة العربية. أنا شمالي يقول آدم دينق نجل السلطان وزعيم دينكا محلي في أبيي للجزيرة "الوالد عندما كانت العلاقات طيبة كان يميل للشمال أكثر، وظل وفيا لهذه العلاقات الطيبة". وحتى من أصبحوا اليوم خصوما لأبنائه ما زالوا يتحدثون باحترام عن ذكرى الرجل مستذكرين العديد من المواقف التي تعكس متانة العلاقات التي سادت ذات يوم بينه وبين أبنائهم. يقول مختار بابو نمر ناظر عموم قبائل المسيرية في أبيي للجزيرة إنه حضر مؤتمرا واستمع للسلطان مجوك يخطب في الناس قائلا "أنا سوداني وأنا كردفاني وأنا شمالي"، ويضيف نمر "كان رجلا منصفا كان ينظر للقضايا بين العرب والدينكا باعتبارها بين طرفين هو مسؤول منهما, وكان غيورا على العلاقة بين الطرفين". الحال تغير لكن الحال تغير بعد رحيل السلطان مجوك فجميع أبنائه وأحفاده اليوم يقفون مع خيار الانفصال ويريدون العودة للجنوب بل إن كثيرا منهم باتوا قيادات في الحركة الشعبية لتحرير السودان. واقع تشكل كما يقول أبناؤه "بعد انقلاب قبائل المسيرية وحكومة المؤتمر الوطني عليهم وتنكرهم للتاريخ الطويل من العلاقة الحسنة بين الطرفين". وبحسب آدم دينق فإنه "للأسف بعد وفاة ناظر عموم المسيرية بابو نمر سادت أخلاق سيئة، أصبحنا لا نجد حقنا عند الحكومة ولا عند جيراننا المسيرية". ووفق ميوين دينق نجل السلطان وزعيم دينكا محلي فإن "الجنوب عانى من مشاكل كثيرة من قبل الحكم الشمالي فهناك عنصرية ويتم التعامل مع الجنوبيين كمواطنين من الدرجة الثانية". كلمات قد تشي بأن نتائج الاستفتاء القادم قد لا تحدث انفصالا جغرافيا وحسب بل قد تمتد تجلياتها لتصنع انفصالا آخر بين المكون العربي والمكون الأفريقي داخل الهوية السودانية الواحدة. وبحسب مراسل الجزيرة فإن صورة دينق مجوك تكشف عن نموذج فريد في العلاقات بين القبائل الأفريقية والقبائل العربية وهو نموذج سيدفع كثيرين للتساؤل عن الأسباب التي حالت دون تكراره ولا سيما في هذه الأيام والبلاد تواجه أهم منعطف سياسي في تاريخها الحديث.