الجحيم ليس امرأة – كما في عنوان الفلم المصري القديم – الجحيم هو أن "تكوني" ضمن مجموعة "بنات" ... عزّابة.. والقصة تبدأ عندما تفكر مجموعة من الطالبات في استئجار "منزل" يقوم مقام داخلية تعذرت أو استحالت ويقوم مقام بيت "الأقارب" الذي لم يعد فيه، كما كان في السابق، متسع لاستقبال الطالبات اللواتي تضطرهن ظروف الدراسة إلى البقاء بعيداً عن ذويهن سنوات ربما تتطاول... ولكن البيت لن يكون بعد ذلك حكراً على الطالبات وحدهن، وهن لا يستطعن، بطبيعة السودانيين الودودة والمسالمة، وبضغط الظرف المادي أحياناً، لا يستطعن صد أولئك اللواتي يعرضن عليهن مشاركتهن السكن، وبعدها – ربما – يقع المحظور ولا تصبح الطالبات الساكنات بنفس البراءة القديمة! (2) لسلمى رأي إيجابي تجاه هذه الظاهرة على الرغم من أنها تملك خيارات للسكن مع أقارب من الدرجة الأولى لكنها تعتقد أن السكن مع الأقارب يجلب للبنت الكثير من المعاناة وانعدام الراحة (وقد تعاني كثيراً جدا ً لي حدي ما تكمل دراستها ) وتقول سلمى إنها (ريحت روحها) من البداية وقامت باستئجار بيت صغير مع مجموعة من زميلاتها وإنها مرتاحة جداً لهذا الوضع الآن على الرغم من أنها – كما تقول – عانت في البداية من نظرات أهل الحي المستريبة والذين كانوا يعتبرونها وزميلاتها (أي كلام) على حد تعبيرها. وخلاصة موقف سلمى أنها ترفض تلك النظرة التي تجرِّم البنت التي (تكون ساكنة خاص) وأنها من الممكن أن (تفعل ما يحلو لها: تطلع في أي وقت وترجع في أي وقت ما في زول يسألها) وتحرم – بالتالي – البنت من خصوصيتها وراحتها في السكن. وهو تفكير- بحسب الباحثة النفسية سلوى الأمين – يتأثر بمجتمعات تختلف عن المجتمع السوداني الحالي إلا أنه طبيعي إذا افترضنا أن هناك عوامل أخرى تساعد البنت على تقوية شخصيتها وإرادتها من ناحية وعلى تنمية الوازع الديني والأخلاقي من ناحية أخرى ولكن هذه العوامل غير متوفرة في الغالب – والحديث ما زال لسلوى – ولسوء حظ بنتنا سلمى فإن المجتمع مليء بالمنحرفين والمنحرفات الذين سيكون أمثال سلمى لقمة سائغة لهم ولهن طال الزمن أو قصر. (3) (أنا كنت ساكنة في الداخلية السنة الأولى، بس المشكلة الوحيدة في الداخلية الإزعاج وعدم الراحة. يعني عشان تنومي شوية لازم تجتهدي وتعملي ما سامعة حاجة وتتقلي أضانك شديد. فأنا بطبعي لا أحب الإزعاج ، واتحملت لحدي ما جوا بنات خالتي الجامعة وأجرنا لينا بيت لكن طبعاً البيت ما زي الداخلية. واجهتنا شوية مشاكل أهمها ناس الحي والخوف الشديد في الأيام الأولى كنا ما بنقدر ننوم .. مرات تنوم واحدة وتصحي واحدة.. لحدي ما اتعودنا). بهذه الكلمات البسيطة والمعبرة تحكي نهى كيف أنها تعبر من نفس الطريق الذي عبرت منه سلمى مع فروقات طفيفة أن نهى هنا "تهرب" من مجتمع الداخلية بينما كانت سلمى تهرب من "قيود " بيت الأقارب والحالة المزعجة لكونك "ضيفة" لعدد متطاول من السنوات ولكن الخطورة تظل هي نفس الخطورة فمشكلة السكن الخاص أنه يظل بلا حماية من أي نوع ! (4) أما مهاد فتفتح جراح هذه المشكلة على أخرى وتظل هي ونحن نتفرج عليها "فقط" مع أن هذه الجراح تعمل في دواخلنا جميعاً كمجتمع ، تقول مهاد ( لما جيت الجامعة كان معاي مجموعة من بنات حينا فأجرنا لينا بيت وسكنا فيه وقاعدين مرتاحين والمشكلة الوحيدة البتواجه البنات الساكنات خاص هي نظرة المجتمع والناس الحوالين محل السكن!) وتختم بجرأة وشفافية مبينة وجهة نظرها الخاصة ( لكن أنا شايفة انو المجتمع ظالم للبنت كثيراً فالبنت لو هي محترمة لو سكنت في الشارع ماعندها مشكلة والأصلها غير كده لو سكنوها في قزازة بتطلع وبتعمل ألفي راسها ! ولا شنو ؟) (5) كثيرون منا سيتمسك ب(شنو) التي لخصتها الباحثة سلوى الأمين لكن، للأسف الشديد، تظل هذه الظاهرة الخطيرة تعمل وتفاقم جنباً إلى جنب مع منظومة مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية بعيداً عن أي أفق قريب أو بعيد لمعالجات موضوعية تتسم بالمنطق.. والمسئولية الوطنية تجاه مجتمع سوداني قادم ستكون هؤلاء الطالبات هن أمهاته وجداته. الخرطوم: سماح علي الأمين صحيفة الحقيقة