بينما كانت الحافلة تهم عبور كبري (المنشية) اتجهت عيناي كما إعتادت نحو برج (الهيئة القومية للإتصالات)، ما لفت نظري هذه المرة (شبان) على (سقالة) معلقون بين السماء والأرض يهمون بالإشراف على الكهرباء بالبرج حيث كانوا يقيمون (موانع صواعق) بالمبنى المكون من ثلاثين طابقاً. فرقعت أصابعي إيذانا بالنزول من الحافلة... متوجهاً صوب البرج لأجلس إلى أناس (لقمة عيشهم معلقة بين السماء والأرض) بحسب قول أحدهم. دلفت لبرج الإتصالات لأجلس إلى مشرف عمال السقالة بشركة (الصروح) للأشغال المتقدمة الباشمهندس مجاهد برفقة عماله وهم في (إستراحة محارب) رحبوا بنا رغم أننا أتينا دون ميعاد مسبق وكشفوا لنا بعدها عن تفاصيل مهنتهم. سيد جرسة "كنا بنركب مانعة صواعق" هكذا أجابني (الكهربجي) عمر تاج السر حينما سألته "إنتو كنتو شغالين شنو فوق؟!!". وبالإشارة إلى زميله عمر علي يقول تاج السر "طبعا عمر دا أقدم زول فينا إتعلمنا منو كتير..وهو شجعني عشان أركب السقالة وقال لي ما تعاين (تحت) بس عاين قصادك"... فجأة!! قاطعه زميله محمد أحمد الشهير بينهم ب (تسالية): "طبعا كان معانا ناس كتار لكن كبوا الزوغة بس عمر ثبت".. (تسالية) يذكر لنا تفاصيل قصة زميله (كامل) الذي (ذهب ولم يعد). كامل أول ما ركب السقالة غمض عيونو وبقى يكورك "نزلوني يا جماعة أنا عندي أولاد وتاني من اليوم داك ما شفناه". إستطاع (تسالية) أن يضحك الجميع بسرده وقفشاته ليواصل قائلاً: "برضو عندنا أخونا جمال الإثيوبي مرة قبل ما نركب السقالة قال لينا يا جماعة انا ماشي الصلاة... الغريبة إنو كان باقي ليها أكثر من ساعة ومن ديك وعييييك تاني ما شفناه". مطبات هوائية تحدث إلينا شاب بدت عليه علامات الهدوء، عمر علي يحكي عن المواقف الصعبة التي مرت بهم: "مرة انا وعمر تاج السر وخالد المبارك كنا دايرين نعمل (تست) لإحدى السقالات. وفجأة إتعطلت بينا في الطابق العشرين وقدر ما حاولنا نشغلها ما قدرنا". وعن الفترة الزمنية التي كانوا معلقين فيها يبين أنها من (11صباحا إلى 6 مساء)... وفي كيفية الأكل والشرب يبين أنه كان يأتيهم من الطابق 26 بواسطة (الحبل)... وبسؤاله عن تصرف الشركة يقول عمر: "طبعا ناس الشركة ما قصروا استعانوا بمهندس من شركة أخرى بس كان مرتبط بي شغل تاني عشان كدا جانا متأخر"... لم ينس عمر أن يخبرنا في استثمارهم لهذا الزمن الطويل:"طبعا أنا نمت... وخالد قاعد يطرب نفسه بي محمود عبد العزيز... ومبارك قاعد يطنطن". عمر وهو يضحك يحكي لنا عن طريقة نزولهم: "طبعا المهندس كان بديني التعليمات بي (اللاسلكي) ونزولنا كان (يدويا". ضحاكات مغرية (تسالية) يرجع للحديث ليحكي أنه في مرة كان برفقة عمر تاج السر بالسقالة وفجأة جانا ليك هواء شديد الأمر الذي أدى إلى إلتفاف حبال السقالة ببعضها البعض مما كان سيؤدي إلى إنقلاب السقالة بتسالية وعمر. وعن ردة فعلهم يقول (تسالية): "طوالي إستخدمنا القوابض وهي تستخدم في حالات الطوارئ وهي عبارة عن عصا غليظة تثبت على الزجاج... لترجع إلى السقالة توازنها"... تاج السر قبل أن يستأذن لاعتلاء السقالة إيذانا ببدء العمل أخبرني أن اليومية في السقالة ب (150جنيها) وعلى الأرض (50جنيها) عشان كدة وقت الزول بيكون على السقالة بكون فرحان ب(الضحاكات)... مجيباً بذلك على سؤال جال بخاطري وهم يحكون عن مغامراتهم يا ربي الجابرهم شنو؟!!". السوداني