د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الدولي د. التجاني الطيب : يديرون الإقتصاد بعقلية وفهم الأفندية لا بفكر وخبرة المهنيين لذا ستظل الساقية مدورة.

خبير إقتصادي، صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين سابقاً، ووزير دولة أسبق للمالية والإقتصاد الوطني أبان فترة الديمقراطية الثالثة. حاليا، مستشار إقتصادي ومالي لعدة منظمات دولية وإقليمية.
إصلاح الدعم: خطأ التوقيت وعكس الخيارات
بقلم: د. التجاني الطيب إبراهيم
مقدمة
دعم الأسعار المعمم أو الشامل، خاصة للغذاء والمحروقات، أمر شائع في الإقتصادات النامية والناشئة، والإقتصاد السوداني ليس إستثناءً في هذا الإطار. فجاذبية الدعم لحكومات هذه الإقتصادات تنبع من سهولة إداراتها، رغم أنه يخلق تشوهات هيكلية تتمثل في تشجيع الإستهلاك بدلاً من الإنتاج، وعدم الوصول بفعالية إلي الطبقات الإجتماعية الفقيرة المستهدفة. والحكومات تلجأ لهذا النوع من الدعم لتخفيف حدة تداعيات إرتفاع الأسعار العالمية للسلع كإجراء مؤقت بهدف إستبداله لاحقا بآليات أكثر فعالية في توظيف الدعم. لذلك لجأت أكثر من ستين دولة (مثل المكسيك، إندونيسيا، الأردن، وإيران) في العقدين الماضيين لإقامة شبكات أمان إجتماعي تعمتد علي التحويلات النقدية المشروطة ووسائل أخري (مثل رفع معدلات الإستثمار في الإقتصاد الكلي) لدعم مداخيل الطبقات الإجتماعية الفقيرة الأكثر تضرراً من إزالة الدعم الشامل، ما يعني الإنتقال من دعم الإستهلاك إلي دعم الإنتاج.
الدواعي المالية والإقتصادية لإصلاح الدعم
.التكلفة المالية للدعم الشامل تزاحم الصرف العام ذو الأسبقية القصوي مثال: (التنمية) والإستثمار الخاص. فبالتالي فهي تعيق التوسع في الصرف التنموي علي البني التحتية كالصحة والتعليم، وتحد من مقدرة الموازنة العامة علي تنفيذ برامج أمان إجتماعي فعالة لحماية الفقراء.
.الجزء الأكبر من فوائد الدعم الشامل يذهب للأسر ميسورة الحال، الشئ الذي يعزز من عدم المساواة الإجمتاعية السائدة في المداخيل والإستهلاك. في السودان مثلاً، تشير بعض المعلومات المتوفرة أن 50% من الدعم تذهب لأغني 20% من الأسر مقارنة مع 24% لأفقر 20% من الأسر. هذا بدوره يصعب من حماية الأسر الفقيرة وإنتشالها من دائرة الفقر.
.دعم الأسعار لا يشجع الأسر الفقيرة علي الخروج من براثن الفقر بمجهوداتهم الخاصة. لهذا لابد أن تشترط برامج الأمان الإجتماعي علي المستفيدين منها الإستثمار في رأس المال البشري (مثال: التعليم، الصحة، والتدريب المهني).
.دول الجوار التي لا تدعم الأسعار كلية أو بقدر قليل، قد تكون المستفيد الأكبر من دعم الأسعار المحلية عن طريق التهريب عبر الحدود، ما قد يتسبب في خلق أزمات عرض داخلياً، سوق أسود نشط، وأوكار للفساد المالي والإداري. وهذا ما يحدث الآن في السودان، رغم أن الفوارق الهائلة في الأسعار بين الأقاليم المختلفة، خاصة أسعار المحروقات، تقلل كثيراً من جاذبية التهريب عبر الحدود نتيجة للصراعات المسلحة التي تدور في بعض تلك الأقاليم.
.خبير إقتصادي، صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين سابقاً، ووزير دولة أسبق للمالية والإقتصاد الوطني أبان فترة الديمقراطية الثالثة. حاليا، مستشار إقتصادي ومالي لعدة منظمات دولية وإقليمية.
إصلاح الدعم: التأثير علي مداخيل الأسر والتحديات
تأثير إصلاح الدعم علي المحروقات برفع أسعارها علي مداخيل الأسر، فيتم عبر قناتين: (1) ينخفض الدخل الحقيقي للأسر مباشرة عند زيادة أسعار الطاقة المستهلكة بواسطة تلك الأسر (الأثر المباشر)، و (2) ينخفض الدخلي الحقيقي للأسر أيضاً نتيجة لزيادة أسعار السلع والخدمات الأخري التي تستعمل الطاقة في إنتاجها وتوزيعها الأثر غير المباشر نتيجة الإرتفاع في أسعار الإنتاج والترحيل. وأكثر ما تهتم به الحكومات عادة أثر رفع الدعم عن الأسر الفقيرة وإحتمال حدوث عدم إستقرار إجتماعي، في حين أن المستفيدين غالباً ما يكونوا غير مستعدين للتخلي عن الدعم. صناع القرار يهتمون أيضاً بالأثر السلبي لرفع الدعم عن المحروقات علي تنافسية الصناعات المحلية التي تعتمد إلي حد كبير علي الطاقة. معدلات التضخم العالية جداً والوضع السياسي غير المستقر كانت دائماً عائقاً أساسياً لإجراء الإصلاحات الضرورية للدعم.
في السودان، هناك عدة أسباب لعدم التقدم المضطرد في معالجة مشكلة الدعم حتي الآن تشمل: -
.عدم توفر المعلومات الكافية عن الحجم الحقيقي للدعم الشامل والمستفيدين منه وتفاخر الحكومة بالدعم علي أنه من سمات الحكومة البارة الرحيمة بمواطنيها أدي إلي عدم الإلمام بالتشوهات التي يسببها هذا النوع من الدعم.
.إستمرار الدعم لزمن طويل نتجت عنه مصالح مكتسبة يصعب التغلب عليها بسهولة.
.مقاومة إصلاح الدعم تعكس جزئيا ضعف توفير الخدمات العامة. فمعظم الأسر أصبحت تعاني كثيراً من صعوبة الأوضاع المعيشية لأنها لا تستطيع الإعتماد علي الخدمات العامة، خاصة في مجالات الصحة، التعليم، والمنافع العامة. في هذا الإطار، فإن دعم الأسعار ينظر إليه كواحد من المنافع القليلة مقابل دفع الضرائب الباهظة، ولهذا تقاوم إزالته بشدة.
دفع عجلة الإصلاح وتوسيع قاعدة ملكيته
إذا نظرنا إلي الأمام، فالهيكل المناسب لشبكات الأمان الإجتماعي المطورة وسرعة الإصلاح الجذري لسياسة دعم الأسعار سيعتمدان علي أوضاع السودان الداخلية، بما في ذلك طاقة البلاد الإدارية، المناخ السياسي العام، والوضع المالي والإقتصادي الكلي. رغم ذلك، فإن تجارب البلدان الآخري (مثل الأردن، العراق وإيران) قد تفيد في رسم مبادئ عامة تساعد في وضع إستراتيجيات ناجحة لإصلاح
الدعم تشمل: جمع وتحليل المعلومات عن تكلفة الدعم والمستفيدين منه مع تحديد هدف الإصلاح؛ وضع وتنفيذ إستراتجية تواصل عام شاملة، تقوية حاكمية (محاربة الفساد) وتوصيل الخدمات العامة، تحسين إستهداف الدعم تدريجياً؛ تعويض الفقراء المتضررين من إصلاح الدعم، وتقوية شبكان الأمان الإجتماعي الشاملة؛ وإنشاء آليات لتكييف الأسعار تلقائياً للتأكد من عدم رجوع دعم الأسعار مرة أخري.
كل المبادئ أعلاه تحتاج إلأي عمل فني مكثف لا يمكن إنجازه في أقل من عام ونصف إلي عامين، علي أقل تقدير. غياب هذا العمل الفني الهام قلل كثيراً من مصداقية صناع القرار الإقتصادي وجدية الحكومة في التعامل مع الهاوية المالية التي تقف البلاد علي حافتها. لهذا ليس غريباً أن الحوار (وهو فكرة جيدة في حد ذاتها) الذي تجريه الدولة مع قوي المجتمع المدني حول رفع الدعم أصبح أشبه بحوار الطرشان، ولم لا والحكومة لم تقدم أي عمل فني متكامل يقنع حتي الكثير من أنصارها، بل ظلت تردد نفس أغاني الحقيبة الإقتصادية (مثل البرنامج الثلاثي الذي شبع موتاً) وبأصوات نفس فناني الأمس الذين أصبحوا أصحاب مصالح خاصة تتضارب مع مبدأ وأخلاقيات العمل العام.
تكلفة الدعم وتضارب الأرقام
الملعومات الإحصائية عن إجمالي التكلفة الحقيقية للدعم شحيحة، والمتوفر منها في الموازنة العامة للدولة لا يعكس الحجم الحقيقي للصرف علي الدعم المعمم والفاقد الإيرادي للخزينة العامة. حسب الجدول أدناه، المضمن في موازنة العام 2013م، بلغت إعتمادات دعم الأسعار حوالي 5,6 مليار جنيه في العام المالي 2012م ( 2,4% من إجمالي الناتج المحلي) وظلت علي هذا المستوي في موازنة العام 2013. 48% من هذا المبلغ تعكس تكلفة دعم المحروقات بينما إستحوذ دعم الغذاء علي حوالي 21% مع ذهاب باقي الدعم للكهرباء، المنافع الإجتماعية، والولايات.
هذه الأرقام تبدو في غاية التواضع مقارنة مع تضريبات خبراء صندوق النقد الدولي (جدول2)، التي قدرت دعم المحروقات وحدها بحوالي عشرة مليار جنيه في العام 2012 م وإحدي عشر مليار جنيه في العام 2011م قبل الإجراءات المالية والإقتصادية التي نفذت في يونيو 2012م. هذا يعني أن تكلفة الدعم الكلية 13 مليار جنيه إذا إعتبرنا الفرق (7.3 مليار جنيه) في تكلفة دعم المحروقات بين أرقام الحكومة وتضريبات الصندوق، التي ليس هناك مبرر للشك في صحتها لأنها بنيت علي إحصائيات رسمية. وبغض النظر عن من الذي "دقس" في هذه الحالة، فإن التضارب الشديد في الأرقام المتداولة بين المسئولين في الدولة عن تكلفة الدعم يشير إلي غياب المعلومة الإحصائية الصحيحة لحجم الصرف الحكومي علي الدعم، مما يقلل كثيراً من مصداقية صناع القرار الإقتصادي والسياسي وجدية الحكومة في التعامل مع الهاوية المالية التي يقف علي حافتها إقتصاد البلاد.
فوائد إصلاح الدعم
يختلف حجم فوائد إصلاح الدعم حسب نسب التدرج في رفع الأسعار، فإذا إفترضنا أن الرفع سيتم بمعدل 50% من تكلفة الدعم الكلية، فإن الموارد التي يمكن توفيرها عبر هذا الإجراء قد تصل إلي حوالي 6,5 مليار جنيه. حوالي 51% (3,3 مليار جنيه) من هذا المبلغ سيبتلعها الإنفاق التشغيلي للحكومة لمواجهة الزيادة في : فاتورة إستهلاك الدولة من الطاقة علماً بأن الدولة تستهلك أكثر من نصف الإستهلاك الكلي للمحروقات؛ المواهي والأجور؛ الحد الأدني للأجور؛ دعم شبكات الأمان الإجتماعي؛ وتكلفة بنود الدعم الأخري نتيجة للأثر غير المباشر لرفع الدعم. أما إذا عملنا بتضريبات صندوق النقد الدولي، فإن تلك النسبة ترتفع إلي 90% وهذا قد يكون الأقرب للحقيقة. وفي كلا الحالتين، فمن الواضح أن الفوائد المتوقعة من إصلاح الدعم لن تغير كثيراً في الوضع المالي المتردي، خاصة إذا إعتبرنا ضآلة التقديرات المتوقعة في زيادة الإنفاق التشغيلي خاصة في مجال دعم المتضررين من إصلاح الدعم عن طريق شبكان الأمان الإجتماعي، وعدم إضافة تقديرات أخري لمساعدة القطاعين العام والخاص لتحسين إستعمال الطاقة في الإنتاج، وللمنح الرئاسية.
كثير من الصناعات السودانية سوف تحتاج إلي تغيير نمط وأسلوب إنتاجها، وكذلك الحال بالنسبة للقطاع العام والزراعة لخفض تكلفة الإنتاج نتيجة لإرتفاع أسعار الطاقة. هذا التكييف يحتاج عدة سنوات ويتطلب دعم سياسات إقتصادية كلية وجزئية، بالإضافة إلي حزمة من الحوافز (مثل إزالة كافة القيود الضريبية وواردات المدخلات الزراعية والصناعية). لهذا، فلابد للحكومة من تقديم الدعم الفني والمالي للمساعدة في تحقيق مجهودات التكيف هذه.
نجاح إصلاح الدعم يكمن في وضوح أهدافه، التحضير الفني الجيد، وتسويق الإصلاح بواسطة الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالفوائد المالية للإصلاح وتوزيع تلك الفوائد بالتفصيل. ففي إيران مثلا: بلغ حجم الموارد الموفرة من إصلاح الدعم في عام 2010م 60 مليار دولار وزعت منها 30 مليار نقداً بالتساوي لكل أسرة متضررة، 18 مليار للصناعات وتمويل إعادة هيكلتها للتقليل من كثرة الإعتماد علي الطاقة، و12 مليار للخزينة العامة لمواجهة الزيادة في فاتورة الإستهلاك الحكومي للطاقة ولتحسين إستعمال الطاقة في القطاع العام. وهذا ما ساعد في نجاح برنامج إيران لإصلاح الدعم. فهل لنا أن نتعلم من " أصدقائنا" الفرس شئيا مفيداً؟
. تقديرات الكاتب: (1) خفض الدعم علي المحروقات بمعدل 50%، مع تقدير إستهلاك الدولة بحوالي 50% من الإستهلاك الكلي للطاقة؛ (2) زيادة تعويضات العاملين بنسبة 10% (3) رفع الحد الأدني للأجور من 156 إلي 425 جنيه كما هو معلن؛ (4) 250 مليون زيادة متوقعة لدعم شبكات الأمان الإجتماعي، و(5) 15% زيادة في تكلفة الدعم الكلي وبقة البنود كأثر غير مباشر لزيادة أسعار المحروقات.
.المصدر: تضريبات وتقديرات الكاتب بناءً علي إحصائيات جدول1.
محاربة التضخم و إصلاح الدعم: الخيارات الصعبة
الإجراءات والتدابير الإصلاحية المقترحة ستؤدي إلي المزيد من الإنكماش الإقتصادي، علي الأقل في المدي القصير، لأنها تسير في الإتجاه المعاكس. فالتحدي الأكبر الذي يواجه الإقتصاد الآن هو إرتفاع الأسعار المحموم حيث بلغ متوسط معدل التضخم 41% في النصف الأول من العام الجاري مقارنة مع معدل 22% الذي بنيت عليه موازنة عام 2013م. كيفية معالجة هذا الوضع الخطير إقتصادياً وإجتماعياً أصبح ذو أهمية قصوي لأن التضخم يرفع التكلفة الكلية في الإقتصاد ويضعف النمو والطاقة الشرائية للمداخيل مما يزيد من معدلات البطالة والفقر، خاصة بالنسبة لشرائح المجتمع الضعيفة. لهذا كان الخيار بين إتخاذ إجراءات لخفض التضخم بتقليص الإنفاق الحكومي التشغيلي أو لمزيد من التضخم برفع الأسعار إلي مستويات أعلي وبوتيرة أسرع. لكن الحكومة إختارت الطريق الثاني وقررت النأي بنفسها عن تحمل العبء ودفعت به إلي المواطنين في شكل إجراءات ضريبية وجمركية وزيادات في أسعار المحروقات وسعر الدولار الجمركي الذي تحسب به قيمة الوارد بالعملة المحلية. من المتوقع أن ترفع هذه الإجراءات وزيادة المواهي والأجور معدل التضخم من 23% في الشهر الماضي إلي 50% في
مرحلة الصدمة الأولي وإلي 60% بعد أن تجد الآثار التراكمية لتلك الزيادات طريقها إلي جيوب المواطنين. ومن الواضح، أن الزيادات المزمعة في المواهي والأجور هي مجرد مسكن بلا مفعول إذ أن ضررها في تأجيج نار الأسعار أكثرمن نفعها في دعم الطاقة الشرائية في وجه الغلاء الطاحن. لذلك فإن الإجراءات في مجملها تزيد من تأزيم الوضع الإقتصادي، الشئ الذي سيعقد ويصعب من عملية الإصلاح لاحقاً.
من منظور السياسة الإقتصادية، فالإجراءات ليست كفيلة بمعالجة التردي الإقتصادي لأنها ستؤدي إلي إرتفاع حاد في الأسعار مما قد يضاعف من معدل التصخم في مرحلة الصدمة الأولي وهذا بدوره سيأثر سلباً علي المؤشرات الإقتصادية الرئيسية والتي هي في حالة تراجع أصلاً. صحيح أن القفزة في معدل التضخم ستكون مرة واحدة إلا أن الأسعار ستظل علي مستويات عالية ما يعني أن عملية الإصلاح لتحريك الإقتصاد ستظل مؤجلة إلي مرحلة لاحقة ستكون أصعب وأكثر تعقيداً من الوضع الإقتصادي الراهن، خاصة إذا علمنا أن الحكومة تتوقع أن ينخفض معدل التضخم بعد مرحلة الصدمة التضحمية الأولي إلي أقل من 25% ، وهذا في حد ذاته إعتراف بأن الإجراءات غير كافية لوقف التدهور الإقتصادي، وهذا الرقم ناهيك عن معدلات 50% و 60% يتطلب إعلان حالة طوارئ إقتصادية في البلاد للهبوط به إلي معدل مستدام في خانة الأرقام الأحادية، ما يتطلب المزيد من الإجراءات الصعبة خلال فترة زمنية لا تقل عن 3 سنوات.
السياسات المالية والنقدية المطلوبة لمعالجة الطلب الزائد، بالذات في القطاع العام، يمكن البدء في إتخاذها علي الفور بالذات إذا كان الإقتصاد يعاني من صدمات التضخم المحموم كما هو حال الإقتصاد السوداني. لهذا فتركيز الإقتصاد ثم خفض التضخم تدريجياً يجب أن يكون الهم الأول لصناع القرار الإقتصادي.
وبما أن دور السياسة النقدية لمعالجة التضخم محدود في السودان نسبة لعدم إستعمال سعر الفائدة، فإن عبء المعالجة يقع علي السياسة المالية. في هذا الإطار، فلابد من تقليص الطلب الحكومي الزائد في المرحلة الإسعافية عن طريق خفض الإنفاق التشغيلي أو الجاري بهدف خفض معدل التضخم لا زيادته والوصول به إلي عجز كلي مستدام ومعالجة إختناقات العرض بتتوظيف الموارد المتاحة في القطاعات الحقيقية كالزراعة والصناعة. فمثلاً لو خفضت الحكومة الإنفاق الجاري بمقدار 4 مليار جنيه وفق جدول مفصل تم إعداده من موازنة 2013م، فمن الممكن خفض معدل التضخم من 23% إلي 15% مما يؤدي إلي تركيز الإقتصاد وإحداث إنفراج نسبي للأوضاع المعيشية والإقتصادية بدلاً من السير بمعدلات التضخم في الإتجاه المعاكس وتحميل المواطن والإقتصاد عبء أخطاء سياسات الحكومة الإقتصادية والمالية. هذا يعني أن أي إجراء في ظل الوضع الإقتصادي الحالي يزيدمن معدلات التضخم ولا يحل المشكلة بقدر ما يفاقمها ويزيد من تعقيدات الحل. لكن المؤسف إننا نعيش في زمن إدارة الإقتصاد بعقلية وفهم أفندية الإقتصاد لا بفكر وخبرة مهني الإقتصاد. وطالما بقي هذا حالنا، فستظل الساقية مدورة.
وإذا نظرنا إلي أبعد من المدي القصير، فلابد من الإستمرار في سياسات الإصلاح المالي مع البدء في إصلاحات هيكلية لتحسين أداء السياسات الكلية، خاصة التضخم، تتضمن:
.تقوية فعالية السياسة النقدية بالإبتعاد عن تثبيت أو إدارة أسعار الصرف، التأكيد الفعلي لإستقلالية البنك المركزي، تشجيع تنمية سوق المال المحلي للتقليل من الدولرة، وتحفيز المنافسة في القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته وتنظيفه من الشوائب التي ألمت به.
.القيام بالعمل الفني المطلوب لوضع سياسات وإستراتيجيات فعالة لإصلا الدعم بما في ذلك إنشاء شبكات حماية إجتماعية أحسن بهدف دعم مداخيل الطبقات الفقيرة بتكلفة فعالة علي أساس برامج نقدية أو شبه نقدية، بعد التأكد من السيطرة علي غول التضخم.
.تقوية إستجابة العرض عن طريق إصلاحات جذرية، خاصة في قطاع الزراعة، من أجل تحسين التنافس، مرونة سوق العمل، الإنتاجية، تشجيع الإستثمار في تمويل وتخزين وتسويق الإنتاج، وإعفاء كافة مدخلات إنتاج القطاعات الحقيقية من الجمارك والضرائب ما عدا ضريبة القيمة المضافة التي تمثل مصدر إيراد رئيسي للدولة.
.تحسين فهم السياسة المالية: شرح الأسباب الحالية والمتوقعة للتضخم وأهداف التضخم لتخفيف حدة التوقعات.
.وأخيراً، ثبات وإستقرار السياسات الإقتصادية الكلية بهدف تشجيع الإنتاج والإستثمار المحلي والأجنبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.