بصفحة الحراك الاصلاحي كتب م اواب أحمد المصباح توقفت عن الكتابة فترة ، وهنالك الكثير مما يستحق أن يكتب عنه مما يستجد في أرض الواقع ، وكثير من الأفكار تتقافز هنا وهناك ، ولكن لابد أن اختار واحدة منها في كل مرة ، وأرجو ألا يجف قلمي قبل أن تجف ما تنقدح من أفكار في مقبل الأيام ، كما أرجو أن يفتح ما كتبته نقاشا واسعا ، لا يهمني فيه أي المواقف يتخذ الناس ، بقدر ما يهمني ابتدار حوار نقدي بناء. -1- ظهرت منذ أواخر يونيو الماضي ما عرفت ب"قوى الحراك الإصلاحي" ، والتي يتقدمها د.غازي صلاح الدين ومجموعة من الإسلاميين ، وتقدمت بمجموعة من الأطروحات تباينت وجهات النظر أمامها بين الداعمين والمرحبين والمتوجسين والرافضين. لكن ثمة نقاشات دارت أثارت كثيرا من الغبار حول المبادرة حال دون التعامل النقدي معها بصورة مثمرة. لذا ، فإننا نحتاج أن نلقي بعض الضوء على بعض ما دار من مناقشات حتى نجلي الصورة لمناقشة أكثر جدوى وفعالية لهذه المبادرة ، بما يدفع العمل في الساحة قدما إلى الأمام ، من خلال استعراض بعض المقولات التي قدمت ، ومناقشتها نقديا. إن ما يهمني في هذه المناقشة هو أن أزيح النقاش حول المبادرة من ميدان التقييم المبدئي إلى ميدان المناقشة السياسية ، حتى يكون الحوار أكثر فعالية ، إذ أن المباديء اليوم في حالتنا الراهنة يصعب الاختلاف حولها. -2- قد نسألهم ابتداءا : "أين كان هؤلاء منذ 24 عاما؟" ، آلآن وقد غرقت السفينة؟ وما إن يطرح السؤال حتى تلحقه الإجابة ، إنكم شركاء في الجرم إذ صمتم عنه ، بل إن منكم من شارك فيه. إنه تساؤل مشروع ، أين كان هؤلاء "الإصلاحيون" طيلة هذه الفترة؟ ومن المهم أن يقدموا لنا إجابة عن هكذا سؤال. لكن ، أن يحول هذا السؤال بيننا وبين النظر ابتداءا في ما يطرحون من مبادرة ، فهذا ما لا مبرر له. إن الاعتراض المبدئي على المبادرة من هذا المنطلق مؤسس على جملة افتراضات : أولا : إن دعاة مبادرة "الحراك الإصلاحي"، لم يتخذو يوما أي فعل من أجل تغيير الواقع منذ 24 عاما ، بل إنهم لم يستجيبوا إلا بعد أن تبينوا غرق السفينة ، كذلك فإن تعجل الإجابة على السؤال يتضمن القول : وإن قاموا بذلك من داخل أروقة النظام أو من مواقعهم ، أو لم نسمع به فلا شأن لنا به ، أو أنه لم يكن بالطريقة التي نريد. ثانيا : وهنا افتراض آخر ، أن كل سعي لأجل التغيير في 24 عاما الماضية لابد أن يكون على شاكلة جهدنا ، ولابد أن يتمظهر في المفاصلة الكاملة والرفض التام للنظام ، وإلا فإن الداعين إلى الإصلاح شركاء في جرم النظام. ثالثا : وبالتالي ، وطالما أن مقدمي المبادرة أعضاء في المؤتمر الوطني وجزء من هذا النظام ، وطالما أننا لم نعرف عنهم أي عمل من أجل الإصلاح في 24 عاما الماضية بالطريقة التي ترضينا ، فإننا لن نقبل منهم شيئا اليوم. وفي حال سلمنا جدلا بالمقدمات السابقة ، فإن هذا الموقف يتضمن أيضا أننا نقول لهم : لن تقبل توبة تائب عن ماضيه مع الانقاذ مهما فعل ، وأن الانتباه متأخرا إلى الخلل لا قيمة له ، وأن الدعوة إلى الإصلاح حكر على أولئك السابقين بالمعارضة. وهذه رسالة إلى كل عضو في المؤتمر الوطني اليوم ظل صامتا بحسب معاييرنا طيلة الفترة السابقة : إياك أن تتعقل وتقف موقفا إيجابيا من التغيير ، إذ أنك جئت متأخرا ، ولن نقبل منك! -3- قد نعلق قائلين : "إنما تقدمون طوق نجاة للنظام ، وهي حيلة قديمة لن تنطلي علينا ، كما أننا نبحث عن التغيير لا الإصلاح" أما قول البعض بأن المبادرة تقدم طوق نجاة للنظام ، فكثيرا ما يلقى على عواهنه دون شرح أو تبرير ، كيف يقدمون طوقا للنجاة؟ خاصة وأن مجريات الأحداث تقول بغير ذلك. أما المفارقة "بين التغيير" و"الإصلاح" وأننا نريد التغيير وليس الإصلاح فحسب لنظام قائم ، فإنها تكون ذات مغزى في حال المقارنة بين مطلوباتهما ، فربما كانت مطلوبات تحت شعار الإصلاح أشد وطأة من أخرى تحت مسمى التغيير ، أو العكس ، أما أن نبني موقفنا على منهم على أساس مسماهم ودون نظر موضوعي إلى ما يطرحونه من أجندة فهو ما لا يسنده عقل. هنا لا أخوض في مناقشة مطلوباتهم التي قدموها تحت شعار "الإصلاح" ومدى جدواها ، وإنما أقول : إن الحكم عليها لابد أن يتم من خلال النظر إلى مضمونها ، وليس محض الاعتراض على عنوانها. -4- كما قد نسألهم مجددا : "إن كنتم صادقين ، لماذا لا تزالون في المؤتمر الوطني؟" هنا أقول إن اتفاقنا معهم على مباديء لا يعني بالضرورة الاتفاق على كيفيات تنزيلها ، والبقاء في المؤتمر الوطني من عدمه يخضع لحسابات السياسة والقوة والنفوذ والفعالية ، وإن تحويل الخلاف حول هذه النقطة إلى خلاف مبدئي لا يستند إلى تبرير ، خاصة وأن كثير من المنتقدين اليوم هم أعضاء في أحزاب سياسية مشلولة وعجازة عن الفعل ، والأولى مغادرتها لولال أن لكل موقف حساباته من وجهة نظر كل منا. من حقنا أن نختلف مع هذا التيار في رأيه بالاستمرار في العمل من داخل المؤتمر الوطني على الرغم من قناعتنا بانسداد كامل إمكانات التغيير من الداخل في رأينا إذا كان يرى أن ثمة مساحات ممكنة ، لكن أن نحول الخلاف حول هذه النقطة إلى خلاف مبدئي نمايز الصفوف على أساسه فهو أمر غير مقبول. -5- وقد نقول : "إنما تريدون القفز على الثورة وسرقتها ، ولن نسمح لكم بهذا" هنا نقول إن الدعوة إلى التغيير ليست حكرا على أحد ، كما أن الجميع هم حماة للتغيير المنشود ، والخوف من احتمالية سرقتها هو تعبير عن ضعف دعاة التغيير في المقام الأول ، وبدلا من أن نكيل الاتهامات للآخرين بأنهم يريدون سرقة ثورتنا من الأفضل أن نلتفت إلى ما يمكن أن يقدموه في سبيل انجاح التغيير المنشود. كذلك فإن أيا من مذكراتهم التي قدمت أو حديثهم المنقول عنهم لم يتضمن إدعاءا بأحقية قيادة التغيير ، أو أنهم يطلبون من قوى التغيير أن تنصبهم قادة لهم ، إنما طرحوا أنفسهم كإحدى القوى السياسية في الساحة ، وهو ما لا تثريب عليه ، وإن من الظلم أن نحمل خطابهم ما لم يتضمنه. أيضا ، فإن التصدي لقيادة التغيير يجب أن يكون رهينا بإرادة الجماهير ، لا بأمنيات النخب ، واستنادا على ذلك ، فإن من حق الجميع الدخول في منافسة على تصدر مواقع القيادة بحسب ما يطرح من رؤى يراها الأصلح للخروج من نفق الأزمة. أيضا ، فإن من أهم مطلوبات التغيير هو إنفاذ حكم القانون ، أي تحقيق العدالة ، وبالتالي فلا أحد فوق القانون ، لذا ، فمن المعلوم أن الدعوة إلى الإصلاح والتغيير لا تسقط الخطيئة في حق الشعب إن ثبتت ، وبالتالي فلا يقبل من "ٌقوى الحراك الإصلاحي" وأي من دعاة التغيير أن يظن أنه يلتمس مكانا فوق القانون. كما أن من المهم كذلك أن نتذكر أن أحدا منهم لم يطلب أن يكون فوق القانون ، أو ادعى أن نداءه من أجل الإصلاح يتضمن إعفاءه من خطأ ارتكبه ، وإن فعل فقد أخرج نفسه من دعاوى التغيير. -6- وقد نتخوف : "إن غازي لن يصمد في هذه المعركة ، إذ لم نعهد عنه ذلك" إن هذا التخوف كذلك تخوف مشروع ، إذ ربما له ما يبرره لدى البعض ، لكنه كذلك لا يصح أن يقف حائلا أمام فهمنا الموضوعي لما يطرحه ، إن الفيصل في تخوفنا من تردده هو ما سنراه منه على أرض الواقع. -7- بعد ذلك ، من المبرر تماما أن نطلب من كل داع للتغيير عامة ، ومن كل سياسي في الساحة له تاريخه خاصة ، ألا يخرج علينا بطرح جديد حتى يقدم ضمانة لعدم إعادة انتاج الماضي ، وهذه الضمانة تتمثل في المقام الأول في ما يقدمه من نقد موضوعي للتجربة يتجاوز به تاريخ الأزمة. وهذا ليس حكرا على "قوى الحراك الإصلاحي" ، بل مطلوب من كل فاعل في الساحة السياسية له كسب وتاريخ. -8- بعد كل هذا ، وعندها فقط ، يمكننا أن نتوجه من منظور نقدي إلى مضمون المبادرة ، وإلى السياق الذي طرحت فيه ، وإلى الممكنات المتاحة أمامها ، وما يمكن أن تحققه بما يحقق وعيا أكبر بحركة الواقع واتجاهاته. وكما بينت في البداية ، تكون هذه المقالة قد استوفت مطلوبها إن هي نجحت في ابتدار حوار نقدي بناء ، دونما نظر لأي المواقف اتبع المناقشون ، طالما اجتهدوا في اتباعها بحجاج المنطق والدليل.