تعيين مبعوث خاص ليس أمراً مثيراً للريبة بقدر ما هو مثير للاهتمام خاصة في بلد مثل السودان يحفل بالقضايا الخلافية مع جيرانه خاصة دولة الجنوب الوليدة. منذ أن عين الرئيس الأميركي باراك أوباما دونالد بوث مبعوثاً أميركياً خاصاً لدولتي السودان وجنوب السودان في 28 أغسطس الماضي ووزارة الخارجية السودانية تدعي عدم الاهتمام به. ودونالد بوث الذي جاء وهو يحمل قلقه من عدم التوصل لحل قضية أبيي، هو أحد الدبلوماسيين الذين يمتلكون خبرة في تعزيز السلام في أفريقيا من خلال عمله سفيراً في إثيوبيا وزامبيا وليبيريا. لن يكون في وسع الدبلوماسية السودانية الاستمرار في مظاهر اللامبالاة، خاصة وأن المبعوث الأميركي السابع يواصل ما بدأه سابقوه من الاهتمام بقضايا الخلافات بين السودان وجنوب السودان العالقة ومسألة حقوق الإنسان وقضية دارفور. جاء دونالد بوث بعد المبعوث الأميركي السابق للسودان برينستون ليمان الذي شهد انفصال جنوب السودان وتوصل الدولتين لاتفاق مبدئي حول القضايا العالقة. توقعت الحكومة السودانية أن تُجازى على تسهيلها عملية الانفصال بأن يتم طي ملف المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس عمر البشير، ولكن ليمان صرح بأن ذلك لن يكون ضمن حوافز الولاياتالمتحدة للسودان حال إكماله ما تبقى من اتفاقية السلام الشامل. كما قوبل أمل السودان بتطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، بمطالب جديدة تتعلق بالنزاعات في منطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق وأوضاع الحريات في البلاد. إنّ تعيين مبعوث خاص ليس أمراً مثيراً للريبة بقدر ما هو مثير للاهتمام خاصة في بلد مثل السودان يحفل بالقضايا الخلافية مع جيرانه خاصة دولة الجنوب الوليدة. وتجيء كثرة المبعوثين الأميركيين تبعاً لتعدد قضايا السودان ذلك المسرح السياسي الجاذب والذي يحتاج إلى متابعة لصيقة وفورية في حالات الأزمات والتوترات. فلا يمكن غض الطرف عن قضية دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وقضية شرق السودان. وفي انتظار الحكومة السودانية من الولاياتالمتحدة أن تنفذ وعودها المتمثلة في رفع العقوبات عن السودان وشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتجميد قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، يتأرجح موقف الحكومة بين اعتبار تعيين مبعوث أميركي جديد أمراً عادياً، وبين اتجاهها لتوطيد التعاون مع دولة الجنوب تحت رعاية أميركا. إنّ الواقع الذي يحكم هذه العلاقة يسلط الضوء على حقيقة أنّ الولاياتالمتحدة الأميركية هي الدولة الفاعلة الأعظم في الشأن السوداني شماله وجنوبه. وقد لعبت ورقة جنوب السودان خلال فترات الحكم المختلفة دوراً أساسياً في تأجيج المشاكل بين الدولتين غير المتكافئتين. ويعود ارتباط أميركا بالسودان في هذه الجزئية إلى عهد الفريق إبراهيم عبود عندما قام بطرد القساوسة الأجانب لتدخلهم في مشكلة الجنوب، فوقفت الولاياتالمتحدة ضد نظام الفريق عبود كما وقفت فيما بعد ضد نظام الرئيس الأسبق جعفر محمد النميري بعد أن كان حليفاً لها. أما نظام الإنقاذ فمنذ انقلابه على الحكم الديمقراطي عام 1989، ما تزال حمى الخلافات بين السودان والإدارة الأميركية تستعر ابتداءً من عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الأب ثم بيل كلينتون ثم جورج دبليو بوش، ثم الرئيس الحالي باراك أوباما. وزاد هذا الدور بدخول أميركا كفاعل أساسي في توقيع اتفاقية السلام الشامل 2005 والتي ترتب عليها انفصال الجنوب عن شمال السودان. والناظر إلى الاهتمام الذي توليه أميركا لأفريقيا عموما وللسودان خاصة، يرى أنّ الاهتمام ازداد في الفترة الأخيرة. وأهم تجلياته خطاب باراك أوباما عام 2009 في القاهرة. تطرق ذلك الخطاب الموجه للعالم الإسلامي لقضايا «السلام والتطرف والإرهاب»، ثم تلاه خطابه في غانا. وفي خطابه الموجه لشعب أفريقيا، تحدث عن الدول النامية والأزمة الإنسانية في دارفور وضرورة إيلاء القضايا الحيوية الأولوية القصوى مثل الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة. وبإرسال المبعوث السابع دونالد بوث يؤكد أوباما ما جاء في خطابيه الذين عمّ بهما العالم الإسلامي وأفريقيا وخصّ بهما السودان شماله وجنوبه، من أنّ السودان بشقيه مسرح للنزاعات ومسائل حقوق الإنسان لذا يظل جاذباً لإرسال مبعوثي العناية الأميركية. ولأنّ بوث جاء لمهمة خدمة تعزيز العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان، لعدم النكوص نحو دوامة العنف، فإنّه سيمضي في هذه المهمة التي لن يجليها التقدم النسبي والموسمي في العلاقات بين السودان وجنوب السودان. كما لن يصرفه عنها لقاءات الرئيسين السودانيين عمر البشير وسلفا كير وهي عبارة عن شهر عسل قصير سينتهي عند عقبة أبيي. كاتبة سودانية العرب