السياسة في أبسط تعريفاتها هي فن الممكن ، ففي ضوء المعطيات السياسية الحالية على ارض الواقع يبدو الاحتفاظ بالوحدة بين شمال وجنوب السودان مطلبا سياسياً عسيرا ، غير أن هذا المطلب ليس مستحيلاً والعملية السياسية الناجحة ليست سوى موازنة بين منطقي الربح والخسارة ، بعيدا عن عين السياسة الحصيفة التي تركز دوما على ما يسمى المصالح الوطنية العليا ، فبقاء السودان موحدا ليس معجزة ، لان في السياسة لا مجال للمعجزات رغم أن حتمية الانفصال تطغى على المشهد السوداني ، الذي تنصب أكثر من طاولة للتفاوض المعلن والمستور له ، فكل الوسطاء والمعنيين بالأزمة السودانية يلحون على الشريكين اللدودين في شمال وجنوب السودان تقديم تنازلات بغية بلوغ السلام في حال الانفصال ، والإلحاح نفسه قابل للممارسة السياسية من أجل البقاء تحت مظلة السودان البلد الموحد ، وتقديم التنازلات ليس غير الموازنة بين منطقي الربح والخسارة على المدى البعيد. انفصال جنوب السودان عن شماله يتجسد في القراءات الخاطئة لكلا الطرفين ، فالقراءة الخاطئة لدى قطاع الجنوبيين مبنية على رؤى وضغوط غربية هدفها استعماري اقتصادي ، والقراءة لدى القطاع الشمالي ظلت تستبعد خيار الانفصال عن الجنوبيين ، في خلاصة غير ناضجة استندت إلى حيثيات القبلية المطعمة بالتناحر والانغلاق الإقليمي ، ولا تخرج عن مسار القراءة الخاطئة ايضاً ، فالجنوبيون في نظر هؤلاء يدفعون بالأمور إلى حافة الهاوية بغية انتزاع أكبر قدر من المكاسب ، ومثل هذه القراءات أفضت إلى اختزال قضية الوطن العريض والشعب العريق في حقول نفط "أبيي" ، فلماذا التنازلات ممكنة تجاه هذه المنطقة ومستحيلة في حق الوطن؟. الشماليون والجنوبيون يتحملون مسؤولية وصول الأمر السوداني إلى حافة الانفصال ، وربما يكون تفادي السقوط في الهاوية مهمة شاقة ، غير أنها ليست مستحيلة ، والتنازل عن نصيب النفط لا يشكل عقبة أمام مجموعة المؤتمر فالأزمة تكمن في بند المواطنة والاستجابة لها من قبل المجموعة نفسها حفاظاً على وحدة السودان وهذا ما تستطيع الجامعة العربية السعي لانجازه قبل فوات الاوان ووقوع الانفصال ربما عن الجامعة العربية ايضاً ، وعند ذلك لا يمكن ان يفكر الجنوب بالعودة الى حضن البلد الام بعد ان يصبح بلداً منفصلاً له كينونته الخاصة ، وهذا موقف أبعد ما يكون عن الحصافة السياسية وحالة السكوت العربي عن هذا الانفصال وتقسيم السودان الى دولتين يدعم مساعي وخطط دول غربية في تقسيم جديد لدول عربية اخرى لنفس الغاية وبدون تردد. * حسان خريسات [email protected]