كأس البطولة الذي توشّح باللون الأزرق يتوشح الآن بالأحمر وذات الأيادي تحمله، وبذات الفانيلة رقم (8)، الرقم الذي أصبح صعب التجاوز في معادلة الكرة والتاريخ السوداني.. ثمانية ومن فوقها عشر هي الأعوام التي قضاها فتي بحري راكضاً في الميادين الخضراء جامعاً بين الشمال والجنوب، في معادلة للعشق فقط، يمكنك أن تكتبها تحت ذات الرقم، قبل أن تمضي لتكمل التعريف (هيثم مصطفي كرار)، الفتى المقسم عشقه بين القلوب والألوان، ويمكنك أن تقول الثابت عشقه في دواخل السودانيين وهو يقود منتخبهم إلى النهائيات بعد غياب، ويرتدي شارة القيادة. في حضرة لاعب المريخ وقائد الهلال السابق تجد نفسك في جدلية العام في مقابل السبعة عشر عاماً.. يحسم الجدل تباين الأحاسيس حين الصعود إلى منصة التتويج ببطولة السودان الأولى قبل يومين.. ذات الأيادي التي حملت الكأس في العام الماضي من تحت شارة القيادة الهلالية حملته في العام الحالي من ضمن الكوكبة المريخية مما دفع البعض للقول إن (الكأس) بحلوه ومره اسمه هيثم. أحدهم كتب على صفحته الشخصية في الفيسبوك (حتى البطولة التي يفوز بها المريخ سيرفع تاجها كابتن الهلال).. صاحب الحروف كان يؤكد على شيء واحد هو أن تاريخ (البرنس) في الهلال لن يمسحه ارتداء فانيلة المريخ فهو ما زال هناك معشوقاً للجماهير وإن غادر قلعتهم الزرقاء.. الصورة بلونها الأحمر كانت تشير إلى شيء آخر وعشاق المريخ ينطقون بما في دواخلهم: ما أجمل الممتاز بالاحمر وما أجمل الاصفرار حين تكسوه ابتسامة سيدا وقدمه الخضراء!. في العام 1977 ولد الفتى في حواري بحري التي شهدت إبداعاته الأولى وكما أن (الأمراء) يختارون صفاتهم وأماكنهم اختار أن تكون بدايته مع الأمير البحراوي الذي غادره في العام 1995 الذي بدا الفتى يرسم فيه تفاصيل تاريخه الجديد في القلعة الزرقاء.. سبعة عشر عاماً والفتي يمارس الركض في الميدان وخارجه ومع كل خطوة يزداد وجوده في قلوب الأهلة معيداً تاريخ الأمير صديق منزول وتحول بعدها إلى (البرنس) في زمن ترافق وسيادة قبضة (نسيم المصارعة اليمني حميد) فضربات اليساري القاضية تشابهت وتمريرات هيثم القاتلة، وفي الحالتين هو الهدف والرغبة في الانتصار والعشق اللا متناهي.. مضي الرجل بمسيرته في صفوف الهلال حتى وصل مرتبة القائد وهو يضع (العصابة) على كتفه ولا يهبط من كتوف العشاق عقب كل مباراة.. فمن غير المعتاد أن يدخل هيثم مباراة ويخرج منها دون أن يضع بصمته وتمريرته المؤثرة أو هدفاً ملعوباً داخلياً أو خارجياً بلباس الهلال أو بشعار المنتخب الوطني؛ فقد ظل هيثم هو سيد الميادين المتوج.. في تلك الفترة تعاقب على الفريق عدة لاعبيين وعلى دست الإدارة عدة رؤساء وظل هيثم هو العلامة المسجلة للثبات في المستوى والبقاء داخل الميدان. الترجل من الحصان الأبيض إن كانت زعامة إسماعيل الأزهري من الثوابت الوطنية كما العلم والنشيد الوطني فعلى ذلك قاس البعض هلالية هيثم وانتماءه للأزرق، وحين بدأ غارزيتو يبعده من التشكيل خرجت الهتافات من أعلى المدرجات تطالب بأمير حسنها مما وضع الرجل وخطته في المحك ودفع الهلال لإغلاق بوابة إستاده امام جمهوره واستمرت القطيعة التي انتهت في آخر مطافها بإصدار رئيس الهلال البرير القرار الأصعب وهو أن يكون هيثم الهلال خارج كشوفاته مشطوبا، وانقسم المجتمع الهلالي انقساماً حاداً وتوالت الجمع المطالبة برحيل البرير من الهلال دفعاً لفاتورة شطب هيثم الذي تمسك بصمته وبعشقه للجمهور الهلالي إلى أن جاء أوان الحديث لقناة النيل الأزرق.. الحوار الذي خرج منه الجمهور الهلالي بأن حبه لهيثم الذي يتبرع بحقوقه عند الهلال لمسجد الهلال هو حب من يملك لمن يستحق دون أن يدور في خلد أي أحد أن هيثم يمكنه ارتداء شعار غير شعار الهلال.. ناموا ليلتهم يحلمون فقط بمغادرة البرير وعودة هيثم ولكن! تغيير الجلد (الأمور كانت مختلفة قبل 17 عاماً.. صحيح أنني كنت مرشحاً بقوة للمريخ وقتها ووقتها ربما كانت هناك رغبات وعواطف.. الآن الأمر أصبح أكثر واقعية.. هناك 17 عاماً شكلّت حياتي قطعاً واستفدت منها ومن تجربة ناضجة في الهلال وبإمكاني خوض تجربة جديدة أطمح فيها إلى النجاح وثقتي كبيرة في نفسي وفي الله وربما ليس هناك مجال للمقارنة بين وضع سابق قبل (17) عاماً والوضع الحالي لكنني اخترت المريخ وأصبحت لاعباً في صفوفه، هذا ما يجب عليّ قوله وينبغي عليّ الاجتهاد مع المجموعة الموجودة.. يجب أن نتعاون كأسرة واحدة وكفريق واحد لنحقق الإنجازات والبطولات).. حديث ما بعد ارتداء الشعار الأحمر في ليلة كانت الأخيرة في التسجيلات ولكنها كانت الليلة الأطول لدى جماهير الفريقين الهلالاب.. وحتى بعد أن جاءت الصورة مترافقة وبصمة هيثم للعب في المريخ كانوا يظنون الأمر مجرد حلم سينهضون الصباح ويتجهون نحو إستادهم ليجدوا الهيثم في انتظارهم.. ولكن هيهات فقد سبق سيف الواقعية عزل الانتماء وتوشح الشاب تحديه الجديد لبداية مسيرة أخرى في اتجاه آخر. ودخل القلعة الزرقاء غازياً بعد أن كان عن حماها مدافعاً ليقول البعض إن ما حدث هو (جنون الكرة). معادلة سيدا وسيبا حين مغادرته صفوف الأزرق تحولت النبرة الزرقاء في خطابها لمعشوقها طوال السنوات، وتغير مصطلح التعاطي معه من (سيدا) إلى (سيبا) وهو خطاب وليد أن عشرين عاماً في الملاعب تكفي وأن على هيثم أن يغادر الملعب الآن تاركاً إكمال المهمة لآخرين في تلك الميادين الخضراء.. ولكن تتبعك لمسيرة الشاب يصل بك إلى نتيجة مختلفة مفادها أن السنوات تزيده لمعاناً وهو ما اثبته بالفعل من خلال الموسم المنصرم مؤكداً قدرته على العطاء والإنجاز بعد تجاوزه سن الثلاثين ليزيد من فرضية أنه أكثر لاعبي الكرة تأثيرا في السنوات الأخيرة بالسودان، بل هو من القلائل الذين واصلوا طوال هذه السنوات المتصلة دون توقف. نهاية الدوري الممتاز وتوشح هيثم بالذهب جعل من يطالبونه بأن (يسيبا) في الجزء الآخر من المعادلة يؤكدون أن واحدا من أسباب فوز المريخ بالدرع وجود القائد هيثم بين صفوفه موجهاً أفراده للعمل من أجل تحقيق تطلعات أهل القلعة الحمراء. وهو ما يجيبك على الأسئلة الدائرة حول الأسباب التي خرج بها هيثم من الهلال ويقول إنها لم تكن أسباباً فنية. وجديد الأمر بعد الانتقال أن من يشيدون بهيثم تزايدوا حين اختلفت الألوان وتغير الشعار.. إداري في لباس لاعب في خضم الاختلاف حول وجهة هيثم وهو يحزم حقائب الرحيل دار جدل حول ما يمكن أن يقدمه الرجل للمريخ على المستوى الفني وهو في هذا العمر إلا أن هناك عبارة ظل يرددها على الدوام الصحفي المريخي (عبد الله كمال) وهو يقول إنهم في المريخ ينتظرون هيثم الإداري والقائد خارج الميدان وتأثيراته الإيجابية.. ولم يكن القول وليد (لحظة الانتظار) آنذاك بقدر ما كان مدعوماً بالمواقف التي سبقته لهيثم في الهلال أو في المنتخب الوطني.. فالأرشيف يحتفظ له بهذه الأدوار فكم من نجم بصم على اللون الأزرق بعد مفاوضات هيثم مصطفى! وكم من آخر أعاد تسجيله في الهلال لذات السبب: نزار حامد كان السبب الرئيس في أن يأتي الهلال البرنس.. وغيره كثيرون بمن فيهم علاء الدين يوسف الذي غادر القلعة الحمراء عن طريق هيثم وعاد إليها على ذات السيارة.. بيانه وانتقاده للحكومة باعتباره قائداً للمنتخب الوطني.. وبيانه الذي أوضح فيه سوء الأحوال بالهلال.. كلها مواقف كانت توضح أن ثمة قائدا يخرج من خلف رقم الكابتن بالإضافة لنجاحه في الابتعاد بفريق الهلال أيام قيادته عن جدل الاختلافات الإدارية التي ضربته آنذاك.. وهذه القدرات الإدارية ظهرت في قدرة القادم من سبعة عشر عاما بالهلال على التأقلم مع أجواء بحسابات الكرة يمكن إطلاق صفة (أجواء الضد) عليها.. هيثم في مقابل العجب بعد ستة شهور من دخول هيثم قائمة المريخ غادرها الخلوق فيصل العجب معتزلاً وهو الحديث الذي يقودك للثنائية فعندما دخل البرنس القائمة سأله البعض عن القيادة فقال: (أعتز بأن أكون في فريق قائده الخلوق فيصل العجب وهو كابتني منذ العشرين من سبتمبر).. لعل المغادرة أعادت للأذهان الاتهامات التي ظلت تلاحق هيثم بأنه يجيد إبعاد الآخرين من طريقه، مرتكزين على بعض الأحداث التي حدثت أيام كان موجودا هناك.. ولعل الأمر ارتبط عند آخرين بالصراع بينه وإدارة الكرة الهلالية في آخر أيامه هناك بجدلية المشاركة القديمة في المباريات، إلا أن من ينتقدون هيثم في هذا الاتجاه يجدون فريقا مضادا لهم يرتكز على قدرته على صنع التماسك في الديار الهلالية منطلقاً من كارزيما القائد التي يحملها ويحسها الآخرون في تعاطيهم معه. الصعود فوق الصعوبات لعل هذا هو التوصيف الحقيقي لحالة هيثم مصطفى وهو ينجح في تحقيق تطلعاته مع المريخ وهو القادم إليه من الهلال بعد سبعة عشر عاماً تجاوز فيها الصعوبات والمضايقات التي اعترضت طريقه، وردات الأفعال على المغادرة نفسها في ظل اشتداد حالة الاستقطاب الرياضي ومحاولة كل طرف تبخيس حقوق الآخر والتقليل من شأنه، إلا أن هيثم في نهاية المطاف مد لسان نجاحه لمن كانوا ينتظرون له الفشل في مهمته الجديدة والعصيبة في وقت واحد، ووقف في نهاية المطاف ملتقطاً لقطة عمره وهو بجانب الكأس الممتاز مدشناً إنجازاً شخصياً خاصا به وهو أن البرنس هو أول كابتن هلالي يفوز ببطولة الدوري الممتاز مع الند التقليدي المريخ وهو من القلائل الذين رحلوا في موسم الهجرة إلى الشمال يرافقهم إنجازهم وأنه صار أميراً بعدة تيجان فتاج واحد لم يكفيه أو لم يكتف به. ونجوم المريخ يقذفون بسيدا عالياً ويتلقفونه قبل السقوط كانوا يشكرونه على مساهمته الفاعلة في جعلهم يتلقفون كأس الممتاز، ليصبح الرقم أحد عشر مع الهلال وواحد مع المريخ رقماً قد يصعب إن لم يستحيل تحطيمه في القريب العاجل. بطولة الممتاز الأخيرة تمثل فقط قطرة في بطولات هيثم الممتدة لسبعة عشر عاماً في تاريخ الكرة السودانية، اختلف فيها الناس على كل شيء ولكنهم اتفقوا على أن هيثم هو رمانة ميزان الكرة السودانية في عهدها المعاصر وأنه بقول إمبيلي: (صاحب تمريرات كما ساعي البريد تصلك حيثما تريد اليوم التالي