سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هناك تجربة متكاملة كان يمكن أن تشكل مادة نموذجية للنقد وآلياته..المفارقة أن رموز الإسلام السياسي لا يرون في الثمار المسمومة للتجربة السودانية شرا يذكر.
شهدت الندوات الثقافية على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالسعودية لهذا العام (الجنادرية 29) اهتماما مكثفا بموضوعة الإسلام السياسي. تحدث فيها بعض الكتاب والمفكرين المهمين وغير المهمين؛ حتى بدا واضحا أن تداعيات أوضاع الإسلام السياسي وتجاربه في السلطة التي شكلت المشهد الأبرز في أعقاب ثورات الربيع العربي، أصبحت موضع اهتمام كثير من الأنظمة والمحاور الإقليمية والمراقبين لصيرورة ومآل حركة الربيع العربي في المنطقة. بيد أن الإسلام السياسي في ظل هذه التجربة العنيفة والعاصفة خضع لتأويلات كثيرة، وتصنيفات جعلت منه مادة شهية للتنظير والقراءة والتحليل بمناسبة وبغير مناسبة وتمت استعادات متأخرة للعديد من كبار مفكري الإسلام السياسي من أمثال (سيد قطب) أهم مفكر لجماعة الإخوان المسلمين بعد حسن البنا و(أبو الأعلى المودودي) مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان والمتوفى في العام 1979م. وإذا كان مفهوما (الجاهلية) و(الحاكمية) يشكلان الجذر التأويلي الأعمق لفهم حراك الإسلام السياسي فإن كلا من (سيد قطب) و(المودودي) هما من أسسا فكريا ونظريا لذينك المفهومين. والمفارقة هنا أن أغلب النقد الذي تم تعويمه ضد الإسلام السياسي عبر نقد هاتين الفكرتين تجلى في بعض أطروحات المتحدثين من خلال قراءات أهملت السياقات الآيدلوجية والتاريخية التي أنتجت ذينك المفهومين دون أن ينتبهوا أن مثل ذلك النقد لن يؤدي بالضرورة إلى نتائج موضوعية في تحليلاته، أوإلى صورة معرفية أقرب للواقع منها إلى الوهم حيال أطروحة الإسلام السياسي في المنطقة. بالطبع لا تخلوا مثل هذه الندوات من استجابة ما لمناخ عام وضع الإسلام السياسي في زاوية ضيقة، كانت في الأساس نتيجة للممارسات الفجة، والرؤى القاصرة التي قدمتها تجربة أحزاب الإسلام السياسي في الحكم؛ مثل حكومة الإخوان المسلمين التي حكمت مصر تحت قيادة الرئيس المعزول (محمد مرسي) والتي تم القضاء على تجريبها السياسوي عبر انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو؛ فيما تم تفكيك قبضة حكومة النهضة في تونس عبر إجماع وطني دستوري؛ كان أقرب إلى التصالح الوطني منه إلى الصراع الذي كان في مصر. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم : ماهي الخانة التي يجب أن يتم فيها موضعة الإسلام السياسي في مستقبل المنطقة العربية ؟ وبالرغم من صعوبة الإجابة على سؤال كهذا إلا أنه كان بالإمكان الخروج برؤية واضحة لتناقضات الإسلام السياسي ومأزقه الأصلي إذا ما تم منح أحزابه دورة انتخابية كاملة في السلطة، كانت ستفضي بالضرورة إلى خروج تلك الأحزاب الإسلاموية من المنافسة الانتخابية في أقرب انتخابات جديدة. كان ذلك ممكنا بالطبع، لكن من ناحية ثانية كان ممكنا أيضاً لو قبلت حكومة الإخوان المسلمين بقيادة مرسي الاستجابة لانتخابات مبكرة أن تتفادى مصر مثل تلك الأحوال الأمنية والسياسية المتردية التي آلت إليها الأوضاع اليوم. بناء على هذه التحولات السائلة في المنطقة العربية، ربما كان الأجدى اللجوء إلى مقاربة ظاهرة الإسلام السياسي ومحاكمتها عبر منطقها البنيوي المغلق. والحال أن ما حدث في كل من مصر وتونس، رغم اختلاف السياق، أفضى في النهاية إلى كسر هيمنة هذا التيار نتيجة لتناقضاته البنيوية . لكن الحال التونسية كانت هي التي ينبغي أن تكون موضوع الدرس والنقد لتجربة الإسلام السياسي؛ فهي حالة تسمح بالتعمق في القراءة، والهدوء في ممارسة النقد الفكري للظاهرة. ربما كانت تونس، لبعدها من ناحية، ولمكانتها الأقل تأثيرا، قياسا بمصر من ناحية ثانية، أقل حضورا في سجالات الإسلامي السياسي التي تشهد تسخينا على وقع تحولات الوضع في مصر. لكن غاب عن المراقبين والمتحدثين والمنظمين في مهرجان الجنادرية، أن هناك تجربة متكاملة كان يمكن أن تشكل مادة نموذجية للنقد وآلياته بما توفرت عليه تلك التجربة من زمن كاف وتجريب صاف لسلطة الإسلام السياسي كشف عن أهم خاصية له أي : البنية الآيدلوجية الانشقاقية التي تشتغل بكفاءة في تدمير النسيج الوطني.لكن للأسف لم يحدث ذلك؛ نقصد بتلك التجربة : واقع ومآل الإسلام السياسي في السودان (التي وان اختلف شكل وصولها للحكم إلا أنها مارست نفس طرائق السلطة الآيدلوجية للإسلام السياسي ومفاهيمه على مدى ربع قرن ) وأنتجت انقساما وحروباً أهلية، وفسادا، وتدميرا للهوية الوطنية. ولا تزال قابلة لإنتاج المزيد من تلك الكوارث في مستقبل هذا البلد. والمفارقة أيضا أن رموز الإسلام السياسي مثل الشيخ يوسف القرضاوي لا يرون في الثمار المسمومة للتجربة السودانية شرا يذكر، بحسب تصريحاتهم المتوفرة والموثقة في العديد من الصحف ووسائل الإعلام ؟! ومن لم ير في حال السودان شرا يذكر، لن يرى شرا فحين يحكم بلدانا أخرى مثله. [email protected] ايلاف