تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    إبراهيم نصرالدين (درمي).. صخرة دفاع أهلي الكنوز وطمأنينة المدرجات    والي ولاية كسلا يشهد ختام دورة فقداء النادي الاهلي كسلا    بعثة نادي الزمالة (أم روابة) تغادر إلى نيروبي استعدادًا لمواجهة ديكيداها    الخارجية البريطانية: مستقبل السودان يقرره شعبه    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان    توجيهات مشدّدة للقيادة العسكرية في الدبّة..ماذا هناك؟    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغيير السياسي عند المودودى - 1
نشر في السودان الإسلامي يوم 17 - 05 - 2010

شغلت مسألة الإصلاح بال عدد كبير من المفكرين والمثقفين‎ الإسلاميين في العصر الحديث، واختلفت الآراء وتعددت الاتجاهات في تحديد جذور الداء‎ السياسي وأبعاده ومنهج العلاج المطلوب للخروج منه. ومن المفكرين‎ الإسلاميين الذين عنوا كثيرا بمسألة الإصلاح والتغيير السياسي المفكر الباكستاني "‎ أبو الأعلى المودودي ، وقد جعل هذا الموضوع هدفا رئيسا وقف حياته للوصول إليه كما‎ يذكر هو نفسه . وعلى الرغم من أهمية كتابات المودودي وأثره الكبير في‎ الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، إلاّ أن عددا قليلا من الباحثين والمفكرين تناولوا‎ منهجه في التغيير وكتبوا دراسات حوله..

من هذه الكتابات: كتاب غازي‎ التوبة والذي يتناول موضوع التغيير عند المودودي؛ لكن الكتاب لا يرق إلى مستوى‎ البحث العلمي إذ يقتبس من نصوص المودودي ويعقب عليها بملاحظات. وهناك كتاب أليف‎ الدين الترابي "أبو الأعلى المودودي عصره حياته دعوته"، وأيضا الكتاب الذي ألفه‎ الندوي "التفسير السياسي للإسلام" يناقش فيه كثيرا من أفكار المودودي برؤية نقدية‎ .
في هذا المقال سأحاول الاقتراب من رؤية المودودي لمفهوم التغيير من‎ خلال عدة محاور أساسية:‎
‎ 1- شذرات من حياة المودودي‎ وكفاحه.‎
‎ 2- قراءة المودودي للواقع وأسبابه ومظاهره.‎
‎ 3- منهج‎ التغيير السياسي وأدواته‎
‎ 4- مناقشة عامة لأفكار المودودي في ضوء مسيرة‎ الفكر الإسلامي الحديث الإصلاحية .‎
‎-1- شذرات من حياة المودودي‎ وكفاحه‎
‎ ولد المودودي عام 1903، وكانت الهند خاضعة للاستعمار الإنجليزي،‎ وكان أبوه رجلا تقيا لديه إلمام ببعض العلوم الشرعية، محاميا لا يقبل إلاّ القضايا‎ التي يطمئن إليها، ولا تعارض الدين؛ لذلك كان دخلهم قليلا، وتوفي أبوه وهو ما يزال‎ يدرس. لقد درس المودودي منذ صغره على يد والده وعدد من المشايخ جزءا من العلوم‎ الشرعية، واللغة العربية، ودرس في المدرسة عددا من العلوم الغربية.‎
وعند وفاة والده اضطر المودودي إلى ترك الدراسة والعمل لتحصيل الرزق،‎ وحيث كان قلمه سيالا فقد عمل في المجال الصحفي عام 1918، في عدة صحف فبدأت مقالاته‎ تشتهر وتنال حظوة عند القراء، وفي ذات يوم ناشد الرمز الإسلامي محمد علي جناح‎ المسلمين أن يتصدى أحدهم لاتهامات غاندي للجهاد، حيث زعم غاندي أن الإسلام قد انتشر‎ بالسيف، فأخذ المودودي هذه المناشدة على محمل الجد، وألف كتابه "الجهاد في الإسلام‎ "، وهو الكتاب الذي لقي صدى كبيرا عند المسلمين في ذلك الوقت، وشكل نقطة تحول عند‎ المودودي حيث وجد أثناء مراجعته للقرآن الكريم أن كثيرا من العلوم التي تعلمها لا‎ قيمة لها إذا لم يقرأ القرآن ويفهمه.‎
انقطع المودودي عن العمل الصحفي‎ منذ عام 1929 إلى 1932 جاعلا منها فترة اعتكاف للدراسة والمطالعة وقراءة الكتب،‎ ويبدو أن المودودي جعل هذه الفترة أيضا مجالا لمراجعة طريقه العلمي والتأمل في‎ طبيعة حركته المستقبلية.‎
وفعلا عاد المودودي إلى الحياة الصحفية، لكن‎ وفق رؤية جديدة مختلفة عن السابق، حيث أسس مجلة ترجمان القرآن ، والتي رافقته معظم‎ حياته وكان يفسر القرآن الكريم على صفحاتها ، وينشر أفكاره وآراءه الدينية من‎ خلالها .‎
وقد كتب في الثلاثينات عدد من الكتب التي تعتبر محور اجتهاده المعاصر‎ ومنها : نحن والحضارة الغربية، مباديء الإسلام، المصطلحات الأربعة في القرآن، موجز‎ تجديد الدين وإحياؤه، النظرية السياسية الإسلامية، كيف تقام الحكومات الإسلامية .‎
‎ وكان المودودي قد قابل الشاعر المعروف محمد إقبال عام 1937، وتركت وفاة‎ إقبال بعد عامين عام 1939 فراغا كبيرا لدى المسلمين في الهند، مما حدا بالمودودي أن‎ ينظر إلى سد النقص، فأسس عام 1941 الجماعة الإسلامية – التي تولى إمارتها إلى قبل‎ وفاته بأعوام-، وكانت قراءاته ولقاءاته في الفترة السابقة قد أوصلته إلى قناعة أن‎ الدولة الإسلامية لا تقوم إلاّ بواسطة حركة تأخذ الإسلام‎ وتتبناه.‎
واعتكف المودودي وجماعته في قرية أطلق عليها "دار الإسلام"؛‎ وقفها صاحبها للدعوة الإسلامية – قبيل استقلال الباكستان عن الهند في الأربعينات–‎ وقام المودودي وقادة الجماعة خلال هذه الفترة بإلقاء المحاضرات وتربية أعضاء‎ الجماعة على مباديء الإسلام وقيمه.‎
وعلى الرغم من معارضة المودودي‎ استقلال الباكستان عن الهند وفق أسس قومية، خلافا لتوجه محمد علي جناح، إلاّ أن‎ المرحلة الجديدة فرضت نفسها على تفكير المودودي وحركته، فبدأ هو وجماعته جهادهم من‎ أجل جعل القرآن دستور البلاد، ودخل المودودي في صراع مع السلطة والجيش بسبب توجهاته‎ السياسية أدى إلى سجنه عدة مرات.. وتركزت جهود المودودي في تلك الفترة على تبيان أن‎ الدستور والقانون الإسلامي يقبل التطبيق في كل مكان وزمان، واستطاع بقيادة الجماعة‎ إلى وضع نص في دستور باكستان: أن الله هو الحاكم الأعلى في الباكستان.‎
‎ توفي المودودي عام 1979 بعد إسهامات علمية وفكرية وسياسية كبيرة، ويعد‎ بحق أحد عمالقة الفكر الإسلامي المعاصر؛ إذ تأثر عدد كبير من المفكرين الإسلاميين‎ في المشرق العربي بالمودودي وممن يلحظ تأثرهم به سيد قطب خاصة في كتابه معالم في‎ الطريق، ومحمد قطب خاصة كتابه واقعنا المعاصر. ويعتبر المودودي من المفكرين‎ الإسلاميين الذين أثروا بشكل كبير على تفكير وثقافة الشباب الإسلامي بالإضافة إلى‎ حسن البنا وسيد قطب وتقي الدين النبهاني.‎
2- قراءة المودودي‎ للواقع أسبابه ومظاهره‎
ربط عدد من المفكرين الإسلاميين بين حالة الأمة الحضارية‎ والسياسية وبين واقع تاريخي معين، محاولين إسقاط الأحكام الشرعية التي تنطبق على‎ ذلك الواقع على الحالة السياسية العامة للأمة وبناء مقاربات أولية لسبيل النهوض‎ السياسي بناء على ذلك. فلقد جعل الشيخ تقي الدين النبهاني من الحالة العامة للأمة‎ اليوم أقرب إلى الواقع المكي وبالتالي قام بإسقاط الأحكام الشرعية المرتبطة بالواقع‎ المكي على الواقع الحالي وحدد منهج التغيير السياسي بناء على ذلك واستبعد العمل‎ المسلح وقال بالصراع الفكري، في حين ربط مفكرون وحركات أسلامية بين الواقع المدني‎ وبين الواقع الحالي ودعوا إلى قتال الفئة الممتنعة والخروج المسلح على الحكام‎ متجاوزين تعقيدات الواقع الحالي وحيثياته.‎
خلافا لذلك عمل المودودي على قراءة‎ الواقع في إطار شروطه الموضوعية التي أنتجته وفي ضوء "الميكانزمات" المحركة له‎ والمتحركة فيه، والتي تشكل العوامل الحقيقية المؤثرة في هذا الواقع. وقد انطلق في‎ تحديده لطبيعة الداء وجذوره والأسباب التي أدت إليه من تتبع الصيرورة التاريخية‎ للأمة العربية والإسلامية وصولا إلى المرحلة الحالية.‎
وفي تتبعه للمراحل‎ التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلامية قام المودودي بتقسيمها إلى أربع مراحل‎ رئيسة تحمل كل مرحلة منها خصائص وسمات معينة وتحمّل المرحلة التي تليها شيئا من هذه‎ السمات التي جاء الواقع المعاصر مختزنا بها، وبالتالي يمكن القول: أن الواقع‎ المعاصر عنده هو نهاية مسار التاريخ، وهذا ما يقوله المودودي نفسه في خطابه للشباب‎ ( بين يدي الشباب: 30-36 ) إذ يقول: " وإن شئت فقل إن الذي نحصده في العالم هو ما‎ غرس في ماضينا الغابر، وهذه هي سنة الله في الكون ولن تجد لسنة الله‎ تبديلا|.‎
أما المراحل التاريخية الأربعة فهي :‎
1- مرحلة الدعوة والتربية‎ وإقامة الدولة الإسلامية.‎
2- مرحلة الملكية.
3- مرحلة الاستعمار.‎
4- مرحلة‎ ما بعد الاستعمار.‎
في المرحلة الأولى كانت الدعوة وإقامة الدولة الإسلامية‎ والفتوحات، وهي المرحلة التي تمثل "الإسلام النموذج" في أنقى صوره، عندما بدأ‎ الرسول في الدعوة إلى عقيدة الإسلام وهديه، فآمن به ثلة من الصحابة الصادقين‎ الفطنين، فابتلوا وعذبوا وصبروا، وثبت منهم من ثبت، وكانوا القادة الذين اختبروا‎ وأقاموا بنيان الصرح الإسلامي الشامخ.‎
وتشمل هذه المرحلة أيضا بداية الدولة‎ الإسلامية "دولة المدينة" ودولة الخلفاء الراشدين، حتى أواخر عهد عثمان بن عفان، ثم‎ بدأت نار الفتنة والجاهلية تأكل هذا النموذج حتى قضت عليه. وشهدت هذه المرحلة بداية‎ الفتوحات الإسلامية وقد امتاز الفاتحون الأوائل بخلق رفيع وتمثّل عميق للمباديء‎ والقيم التي جاء بها الإسلام. بيد أن الأمر لم يستمر على هذا النحو، إذ إن كثرة عدد‎ الداخلين الجدد في الإسلام، والذين لم يتلقوا التربية الإسلامية اللازمة، أدى إلى‎ التحول إلى المرحلة الملكية في المرحلة التالية، والتي قلبت الحكم وقضت على فكرة‎ الخلافة ليحل محلها "الملك العضوض".‎
ابتدأت الملكية منذ أرسى دعائمها معاوية بن‎ أبي سفيان، عندما عهد إلى ابنه يزيد بالخلافة من بعده، متجاوزا أهم قواعد شرعية‎ السلطة في الإسلام وهي مشورة أهل الحل والعقد. وتميزت المرحلة الملكية التي امتدت –‎ عند المودودي– إلى مرحلة الاستعمار الحديث، بعدة مميزات منها :‎
1- حدوث شرخ كبير‎ في العلاقة بين الفقهاء والعلماء وبين السلطة السياسية .‎
2- انتشار العصبية‎ الجاهلية والعرقية .‎
3- تضاؤل الولاء لله وللرسول وحلول الولاء للنفس والقبيلة .‎
ويرى المودودي أن أصنافا من الجاهلية تسربت إلى المجتمع المسلم في هذه المرحلة‎ كالاهتمام بالعلوم الإغريقية والفلسفة الجاهلية وتم تدوينها، كما انتشرت ألوانا من‎ الشرك الخطير كالطواف حول القبور، وانتشرت الرهبانية إلى البلاد الإسلامية عن طريق‎ الوعاظ والصوفيين .‎
ومن أبرز مظاهر الانحراف السياسي في تلك المرحلة – بالإضافة‎ إلى تحول مصادر الشرعية من القبول والاختيار الشعبي إلى القوة والإكراه– مفهوم‎ الطاعة المطلقة وتسويغ الاستبداد السياسي من خلال الفقهاء استنادا إلى أدلة واهية‎ كالحديث المنسوب إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – " السلطان ظل الله في الأرض ".‎
من الواضح مما سبق أن المودودي يعتبر أن المرحلة الملكية قد قضت على كثير من‎ المفاهيم الإسلامية الحاكمة، وتلاشت معها روحانية الدعوة الإسلامية في مقابل انتشار‎ الروح العصبية والقبلية في الجانب السياسي والتني ألقت بظلالها على مختلف منا حب‎ الحياة العامة في المجتمعات الإسلامية.‎
ثم جاءت مرحلة الاستعمار على أنقاض‎ مرحلة الملكية السابقة، ويرى المودودي أن الاستعمار ينبغي النظر إليه من ثلاث زوايا‎ :
1- هل الاستعمار فجأة أم جاء نتيجة عوامل متعددة ؟‎
2- هل كان الاستعمار‎ عسكريا محضا أم شمل جوانب مختلفة: سياسيا، ثقافيا، اقتصاديا، اجتماعيا .. ؟‎
3- ما هو رد الفعل الذي كان ضد الاستعمار: هل كان موحدا أم من طرائق متعددة ؟ ..‎
في‎ الإجابة على الأسئلة السابقة، يرى المودودي أن الاستعمار جاء نتيجة عوامل ذاتية في‎ العالم الإسلامي مهدت الطريق له، أو على حد تعبر مالك بن نبي "القابلية للاستعمار"؛‎ حيث كانت الحالة الدينية والثقافية والاجتماعية تعاني من انحطاط كبير. ففي ذات‎ الوقت الذي كان يعاني فيه العالم الإسلامي فسادا سياسيا وجمودا علميا واضحا،‎ وانتشار مظاهر الفساد الأخلاقي والابتعاد عن الروح الإسلامية الفعالة لصالح روح‎ الخمول والكسل كانت أوروبا تشهد نهضة علمية واقتصادية كبيرة وكانت تشق طريقها نحو‎ التقدم الحضاري متسلحة بالفلسفة المادية الإلحادية والعلمانية السياسية التي تفصل‎ بين الكنيسة والدولة.‎
وبالتالي عندما جاء الاستعمار إلى البلاد الإسلامية لم‎ يكن استعمارا عسكريا محضا وإنما جاء مدججا بأحدث الأسلحة العسكرية ومتسلحا بالمعرفة‎ والتطور لعلمي والاقتصادي، وفرض الاستعمار رؤيته وفلسفته على الدول المحتلة في‎ مختلف المجالات، ويعلق المودودي على أثر الاستعمار قائلا "إن المستعمرين الغربيين‎ لو سلبوا أموالنا سلبا ونهبوا ثرواتنا نهبا، وقتلونا تقتيلا، وأبادوا أولادنا عن‎ بكرة أبيهم، ودمروا بيوتنا تدميرا لما كان هذا الظلم أشنع وأشد قسوة نتيجة من الظلم‎ الذي اقترفوه نحونا ببث سموم حضارتهم المدنية وثقافتهم الإلحادية وأخلاقهم المنهارة‎ في مجتمعنا " .‎
أما عن تجاوب المسلمين مع الاستعمار فد انقسم إلى اتجاهين‎ رئيسين: الاتجاه الانفعالي؛ والذي تأثر بالغرب والاستعمار دون تمييز بين المفاهيم‎ فقبلوا المفاهيم الغربية الحديثة القائمة على‎ الفصل بين الدين والدولة والمتعلقة‎ بالمدنية والمجتمع، وكان أغلب أبناء هذا الاتجاه من الدارسين في الغرب أو الذين‎ درسوا فقي المدارس الغربية التي أقامها الاستعمار في البلاد المحتلة. بينما الاتجاه‎ الجمودي قاده المشايخ والعلماء، حيث رفضوا ومانعوا ما جاءت به الحضارة الغربية دون‎ تمييز بين الغث والسمين، وعملوا على الحفاظ على التراث الإسلامي لكنهم في الحقيقة‎ كانوا منعزلين عن المجتمع وتطوره. ويرى المودودي أن كلا الاتجاهين على الرغم مما‎ فيهما من سلبيات قد أفاد المسلمين: الأول من خلال إتاحة وتوفير الإطلاع على الثقافة‎ والمعرفة الغربية، أما الثاني فقد ساهم في الحفاظ على التراث والفقه وحمايته من‎ الضياع أو النسيان..‎
أما المرحلة الرابعة والأخيرة؛ فهي مرحلة ما بعد الاستعمار،‎ وتتميز هذه المرحلة بخروج الاستعمار من البلاد العربية والإسلامية لكن مع بقاء‎ أدواته وأثاره وهيمنته غير المباشرة.‎
ويوجه المودودي في هذا السياق انتقادات‎ عنيفة للحكومات العربية والإسلامية التي قامت على أنقاض الاستعمار، ويرى المودودي‎ أن الصراع الذي كان يدور في البلاد الإسلامية كان يتمثل بين حكام يمسكون بزمام‎ السلطة والقوة بعيدين عن هدي الإسلام في السياسة والحكم، وعلماء ودعاة لم يتلقوا‎ تعليما عصريا يجعلهم قادرين على مجابهة التحديات. يقول المودودي "أما الحالة‎ الراهنة التي نحن عليها فخلاصتها أن الحكومات تأبى أن تتبع الوجهة التي تتجه إليها‎ الشعوب. فهناك صراع مستمر عنيف بين الشعوب والحكام في جميع البلدان‎ الإسلامية".‎
ويمكن القوا مما سبق أن التراكمات والخصائص التي تميز حال المسلمين‎ المعاصر في فكر المودودي، تتمثل في:‎
1-‎ هناك جهل كبير في فهم تعاليم الدين‎ ومفاهيمه الرئيسة التي تحكم التشريعات الإسلامية، وبالتحديد المصطلحات الأربعة:‎ الإله، الرب، الدين، العبادة.‎
2-‎ انتشار كثير من مظاهر الجاهلية الدينية‎ والقبلية في مختلف مجالات الحياة.‎
3-‎ جمود وتخلف في مختلف مناحي الحياة.‎
4-على الرغم من خروج الاستعمار إلاّ أن أثاره ما زالت واضحة ومؤثرة في المجتمعات‎ المسلمة، وأبرزها التبعية الواضحة للغرب في السياسة والاقتصاد وحتى الفكر‎ والمجتمع.‎
5-‎ هناك صراع داخلي خطير في البلاد الإسلامية بين الفئة الممسكة بزمام‎ الحكم والسلطة وبين الأمة التي تريد وتحب دين الله على الرغم من جهلها بأحكامه . ..‎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.