في خطوة غير مسبوقة وجه الأمين العام للجامعة العربية الدعوة لوزير خارجية دولة جنوب السودان لحضور الدورة الأخيرة لوزراء خارجية الدول العربية التي انعقدت في القاهرة هذا الأسبوع لتنوير أعضاء المجلس الوزاري العربي حول مجريات الأمور في جنوب السودان، ولبى وزير خارجية دولة جنوب السودان برنابا بنجامين الدعوة وخاطب المجلس وعقد اجتماعات ثنائية مع وزير الخارجية المصري حول العلاقات بين البلدين على ضوء العلاقات التاريخية بين مصر والسودان الموحد الذي كان يضم جنوب السودان. وبحكم تلك الصلة باتت لجنوب السودان علاقة بالشرق الوسط عامة والدول العربية خاصة، ومن المهم تقوية تلك العلاقات بعد انفصال جنوب السودان الذي أصبح عقب انفصاله وتأسيس دولته حلقة وصل هامة بين إفريقيا والعالم العربي، إذ إن للجنوب بعدا ثقافيا اكتسبه بحكم المعايشة في السودان الموحد، وربما كانت تجليات الصراع الداخلي في جنوب السودان هي التي شجعت حكومة الجنوب على تلبية هذه الدعوة، ولكن الحركة الشعبية حرصت على تدعيم علاقاتها بالدول العربية حتى أيام تمردها على الخرطوم، وقاد تلك الاتصالات الراحل جون قرنق. وستظل علاقة الجنوب مهمة من ناحية المبدأ للدول العربية ومرشحة لتحقيق بعد استراتيجي وعلاقات اقتصادية وثقافية متطورة تسهم فيها كل الدول العربية، إضافة لخصوصية العلاقة بين مصر وجنوب السودان بحكم الارتباط بنهر النيل وبحكم أن الجنوب هو المرشح ليكون المصدر الأوحد لزيادة حصيلة النيل إذا جفف مستنقعاته وهو -أيضا- المرشح ليلعب دوراً وسطياً مهماً في علاج الصراعات الراهنة بين دول الحوض، خاصة تلك الخاصة بسد النهضة الإثيوبي. وإذا أرادت الجامعة العربية أن تلعب دوراً مهماً في هذه العلاقة فيجب أن تتفادى الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع الداخلي في جنوب السودان، وحرصها على العلاقة مع الحكومة يجب ألا يجعلها تخرج عن مبدأ الحياد تجاه الفرقاء في جنوب السودان، بل على العكس ينبغي أن يحفزها ذلك على لعب دور الوسيط الذي يساعد في إعادة الهدوء والاستقرار والمصالحة الوطنية في الجنوب. وإذا كانت الناحية الرسمية تحتم على الجامعة العربية أن تتواصل مع الحكومة القائمة فهي لا بد أن تحرص على خلق قنوات مفتوحة مع الأطراف الأخرى والسعي لحسم الصراع الحالي المعقد بمصالحة داخلية. والجنوب إذا استقرت أحواله سيحتاج إلى عون كثير لبناء مرتكزات دولته وهو أرض بكر تحتاج إلى كثير من الاستثمار، وإذا توفر الاستقرار ستكون المنافسة الاقتصادية حول فرص الاستثمار كبيرة ومتنوعة وواعدة، لكنها تحتاج لمعرفة ولتواصل ولرؤية ثاقبة تستطيع الجامعة العربية أن تساهم بالترويج لها بين الدول العربية. وقد تنبهت إسرائيل لذلك وظلت تواصل جهودها لبناء علاقة استراتيجية هناك وهي تعمل على أن تباعد بين الجنوب والدول العربية، والدول العربية لا تزال بشكل كبير غائبة عن الساحة وستكون اجتماعات القاهرة هذا الأسبوع قد حققت نجاحاً كبيراً لو استطاعت أن تخلق اهتماماً كبيراً بهذه العلاقة، من خلال مشاركة وزير خارجية جنوب السودان في هذه الاجتماعات، وتستطيع الجامعة في أعقاب هذا اللقاء أن تؤسس لها وجوداً على الأرض في جوبا وتسعى لمعرفة الحقائق على أرض الواقع وتصبح مصدر معلومات لكافة الدول العربية التي تنوي مزاولة النشاط في الجنوب أو تسعى لخلق علاقات ثنائية متميزة. ولا نريد لاجتماعات الأمس أن تتحول إلى مجرد ظاهرة طارئة وتمرين في العلاقات العامة، بل نريد لبعدها الاستراتيجي أن يعبر عن نفسه بأعمال على أرض الواقع، خاصة أن دولة الجنوب ستخرج من أزمتها الحالية منهكة وأكثر تخلفاً بعد الدمار الذي أصاب الكثير من منشآتها وبنياتها الأساسية، وستحتاج إلى كثير من الدعم الذي تستطيع الدول العربية القادرة أن تقدمه، وسيتوقف ذلك على مدى الجهد الذي يبذل الآن وإبان تصاعد الأزمة في مساعدة أطراف الصراع على إحداث اختراق في الأزمة والوصول إلى توافق ومصالحة داخلية مهما كانت الصعاب. محجوب محمد صالح [email protected] العرب