ما من أمر يشغل الساحة هذه الأيام سوى الحوار الوطني الذي دعا اليه رئيس الجمهورية عمر البشير في يناير الماضي.. دعوة حملت كل الصدق.. حوار يتوقع أن تكون أولى خطواته بدأت مساء أمس رغم اللقاءات التي سبقته بين الحزب الحاكم وبعض الأحزاب في الفترة السابقة، والتي كانت بمثابة (فرشة) لما هو قادم.. كل من الانشغالات الوطنية تم التعويل على حلحلتها عبر الحوار الوطني الذي تراجعت عنه بعض الأحزاب المعارضة، ومن بينها البعث العربي الاشتراكي، ولذلك كان لابد من قراءة دفتر أحوال المعارضة مع القيادي بالبعث ورئيس اللجنة السياسية بتحالف المعارضة محمد ضياء الدين، والذي أدرنا معه هذا الحوار الصحفي لأجل تلمس ملف الحوار الوطني.. لماذا رفضتم دعوة الحوار المقدمة من المؤتمر الوطني؟ - نعم رفضناها رغم وصول عشرات الدعوات لنا مباشرة وغير مباشرة، لأننا ملتزمون بالحوار الجامع وفق الاشتراطات والمطلوبات المعلنة. هل رفضتم الدعوة لتلمسكم أن المستهدف من الحوار الأمة والشعبي والإتحادي فقط؟ - هذا رأي خاطئ بدليل أن خطاب الرئيس شمل دعوة كل القوى السياسية دون استثناء. كيف تقيمون الدعوة بشكل عام؟ - مبدأ الحوار من المبادىء التي يمكن أن تقود الى تسوية سياسية إذا خلصت النوايا، لكن نحن عندما نتحدث عن الحوار مع النظام تعود بنا الذاكرة الى الحوارات التي أفضت الى اتفاقيات كانت نتائجها صفراً، وعلى رأسها نيفاشا والقاهرة وغيرها الكثير من الاتفاقات، وعطفاً على ذلك نؤكد أن المؤتمر الوطني غير جاد في قضية الحوار وليست لديه استراتيجية واضحة بشأنه، والمؤتمر الوطني أثار غباراً سياسياً وحراكاً في المشهد السياسي بالدعوة للحوار دون أن تكون لديه مبادرة بشأنه، وبعد خطاب الرئيس البشير بدعوته للحوار، كل الممارسات تؤكد أن الوطني غير جاد، فمثلاً مصادرة الحريات لا تتأتى مع دعوة الحوار. لكن حدث تغيير داخل الوطنى تلته الدعوة للحوار أليس هذا مؤشر للاصلاح السياسي ؟ - هذا صحيح لكن المؤتمر الوطني عندما قام بالاجراءات التنظيمية والإدارية الأخيرة هي في نهاية الأمر لا تعبر إلا عن رؤيته، ولم يستصحب ذلك اي تغيير في السياسة العامة، كما أن الذين خرجوا عن المؤتمر الوطني بدعوى الإصلاح هم أيضاً ينادون باصلاح الحزب والنظام، ونحن عكسهم تماماً فنحن دعاة تغيير جذري وليس إصلاح، وبالتالى لا يمكن أن نعتبر الإصلاحيين الذين خرجوا من المؤتمر الوطني جزءاً من المعارضة، فهم يتحملون وزر ما ارتكبه حزبهم خلال (25) عاماً، ولا يمكن أن يخرجوا من الوطني ويعملوا (شولة) ويعتبروا أنفسهم معارضة ..! وسنتعامل مهم باعتبار أنهم إصلاحيون يطالبون بإصلاح النظام. حتى وإن كونوا حزباً خاصاً بهم؟ - حتى وإن كونوا حزباً.. فالحركة الإسلامية تريد أن يكون لها حزب يحكم وحزب يمارس المعارضة، فهي تتمدد في الساحة السياسية بغرض احتكارها رغم أنها ظلت المسيطرة ل25 عاماً. بعض قوى المعارضة تفاوض الوطني خلف الكواليس.. لماذا ؟ - الذين قرروا المشاركة فى الحوار دون الالتزام بالاشتراطات التي وضعتها قوى الاجماع الوطني أعلنوا ذلك صراحة لم يتجهوا نحو الحوار خلف الكواليس، ونحن لا نتفق معهم بتجاوزهم الاشتراطات، وهذه رؤيتهم واجتهادهم وكل ملزم باجتهاده.. ونحن لدينا موقف مع قوى الاجماع الوطني عبرت عنه قيادة أحزاب المعارضة في اجتماع بدار المؤتمر السوداني مؤخراً، وأكدت فيه موقفها الثابت بأن لا حوار مع المؤتمر الوطني قبل أن ينفذ المطلوبات والاشتراطات للمعارضة كمدخل للحوار على ذكر المؤتمر السوداني ظهر فجأة في المعارضة واعتلى المنصة رغم وجود أحزاب عريقة؟ - لكل مجتهد نصيب، وأعتقد أن كل القوى السياسية التي أخذت موقفاً وطنياً واضحاً وملتزماً بقضايا الشعب تقدمت الصفوف الآن رغم محاولات التضييق واعتبار أن خروج حزب الأمة والشعبي من دائرة الفعل السياسي المعارض هو إضعاف له، ومن يلتزم بقضايا الشعب يمثل الأغلبية حتى لو كان حزباً ضعيف العضوية، هل صحيح أن الزيارات الإجتماعية لقيادات الوطني لبعض قيادات المعارضة فسرت بإلاختراق؟ - أعتقد أن الموقف الصلب الذي اتخذته قوى الاجماع الوطني دفع بعض قيادات وكوادر الوطني الى الاعتماد على المداخلات الاجتماعية، باعتبار أن السودانيين بطبيعتهم يستقبلون كل ضيف يطرق بابهم، لكن استغلال هذه الجزئية في الحوار لأجل اختراق المعارضة مرفوضة ولا يمكن أن تفضي الى أية نتائج واعتقد أن الطريق المباشر هو الأجدى للحوار. كيف ترى التقارب الأخير بين الوطني والشعبي؟ - الوطني والشعبي لديهم علاقات ذات طابع اجتماعي وسياسي وعقائدي وهذه حقيقة لا أحد يستطيع أن ينكرها رغم الخصومة بعد المفاصلة... الآن الشعبي قرر الدخول في حوار مع الوطني، وذكر بأنه مع اشتراطات المعارضة وخلافه معنا إجرائي هم يرون طرح هذه الاشتراطات على طاولة الحوار، ونحن قلنا.. على النظام أن ينفذ هذه الاشتراطات أولاً ونحن ننتظر ما يسفر عنه الحوار بين النظام والقوى التي قبلت به.. ولا نتهم اي طرف من أطراف المعارضة بأنهم مهرولين للسلطة مالم يحدث ذلك فعلاً.. والأيام القليلة القادمة من شأنها أن تكشف كل الحقائق وعلى ضوئها يمكن أن يحدث اصطفاف جديد في الساحة السياسية. وأين أنتم في البعث الاشتراكي، تأتون دائماً مقرونين بموقف الأحزاب أو من منصة المعارضة؟ - بالعكس نحن حزب عريق وموجود في الساحة ولدينا مواقفنا بل تضحياتنا الكبيرة جداً على مدى تاريخ السياسة السودانية، ولسنا مقرونين بأحد، بل هو تحالف سياسي اقتضته المرحلة ونحن مؤسسين للتحالف ولدينا أيضاً كوادرنا الشبابية والطلابية والمرأة في الداخل والخارج، ونلتقى مع حلفائنا في قوى الاجماع الوطني في إطار برنامج البديل الديمقراطي ووثيقة الدستور الانتقالي، ونقول إن حزبنا مشارك ورغم محاولات التكسير من خلال مصادرة ممتلكاتها مقاطعاً.. على ذكر ممتلكات الحزب هل تتوقعون إرجاعها من الحكومة كبادرة تسهم فى الحوار؟ - نحن لا نساوم على مواقف حزبنا أو شعبنا من خلال ممتلكات أو أي اغراءات لنغير مواقفنا.. والممتلكات المصادرة منذ 1989 أكبر في قيمتها المادية من ممتلكات حزبي الأمة والاتحادي وأنا مسؤول عن ما أقول ونحن صودرت منا مطبعة النيلين، وفي ذلك الوقت كانت قيمتها 7 ملايين دولار، وصودرت منا ممتلكات لأكثر من 70 داراً في أنحاء السودان وعدد من السيارات، كما صودرت العديد من الممتلكات الخاصة بكوادر الحزب، وتم فصل البعثيين من الخدمة المدنية، وما استطيع أن أؤكده لك الآن بأن حزبنا هو الحزب الوحيد الذي لم تُرد له ممتلكاته حتى الآن، ولم تُعاد لكوادره ممتلكاتهم الخاصة، وحزبنا الوحيد الذي لم يُعاد توظيف كوادره من جديد ونحن نعرف أن الغرض من هذا الضغط إرغام الحزب على التفاوض مع الوطني لكن نحن نقول هيهات أن ينحني البعث في موقفه الوطني من أجل عودة ممتلكاته. ماهو موقفكم تجاه الجبهة الثورية للحوار؟ - الجبهة الثورية مجموعات مسلحة حملت السلاح دفاعاً عن قضايا اجتماعية وسياسية ونحن حريصون على أن يشمل الحوار كل القوى السياسية، بالتالي يشمل الجبهة الثورية، وبدون مشاركة كل أبناء السودان والمعارضة الداخلية والخارجية في إيجاد حل لمشاكل السودان وعلى رأسها الحرب في دارفور ومناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان لن نتمكن من الوصول الى تسوية سياسية تقود الى حل شامل، خاصة إن التجربة أكدت أن تبضيع القضية وتجزئتها وقيام الحوارات المبتورة عن السياق العام تقود الى اتفاقات هشة سرعان ما تنهار وتنتكس كيف ترون الأوضاع في دارفور؟ - ما يحدث في دارفور مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة والمطلوب الآن على وجه السرعة من الحكومة والحركات المسلحة الاتفاق الفوري على وقف اطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإغاثة النازحين والمهجرين بفضل سياسات الحرب التي دمرت الأخضر واليابس، وخلقت غبناً اجتماعياً ذا طابع قبلي بغيض، لذلك نحن نطالب بتوفير الإعانات للمواطنين وإغاثتهم فوراً، وكذلك توفير المعينات للموسم الزراعي منذ الآن، وإذا لم تتوفر لهم فإن المجاعة ستكون كارثة على السودان. مسألة الحوار أحدثت انقساماً في صفوفكم يبدو أن المعارضة ستترنح؟ - اعتقد أن التحالف الآن يمثل المعارضة السودانية بحق وحقيقة رغم ما يتعرض له من تضييق، لكن في نهاية الأمر ما دام مرتبطاً ومتمسكاً بقضايا الشعب يصبح الأمل عليه وعلى الشعب، ونستطيع أن نقول إن تجربة تحالف قوى الاجماع الوطني استطاعت أن تتجاوز تجارب العمل الجبهوي السوداني منذ الاستقلال والاتفاق لأول مرة على كيفية إدارة مرحلة مابعد إسقاط النظام بالاتفاق على تكوين سلطة وطنية انتقالية بوضع انتقالي كامل لفترة زمنية محددة.. والأهم من هذا وذلك تم الاتفاق على وثيقة دستور انتقالي حتى لا يحدث فراغاً دستورياً في مرحلة مابعد إسقاط النظام وتستطيع أن تنفذ من خلاله بعض قوى الردة وتصعد مرة أخرى، وحتى لا يحدث فراغ كما حدث في اكتوبر وبعد انتفاضة مارس ابريل، وكما حدث في الانتفاضات العربية. إذن هذا هو الطريق الثالث إذا استبعدنا المواجهة المسلحة وكذلك ماراثون الحوارات؟ - هو الطريق الأول بالنسبة لنا وليس الثالث. أين الكرة بالضبط في الملعب الذي يجمعكم بالحكومة ؟ - إذا اعتبرنا أن هناك كرة بين الطرفين لابد أن نفترض أن يكون هناك ميدان، وإذا كان هناك ميدان لابد أن يكون هناك أيضاً قانون يحكم اللعبة، وبما أنه ليس هناك قانون ولا حكام، وممنوع دخول المشجعين أعتقد أن المباراة من طرف واحد وغير محايدة، وبالتالي مرفوضة وأن الكرة مازالت في ملعب الحكومة، وعليها أن تمررها الى المعارضة، إذا استكملت شروط المباراة السياسية، وخطنا الآن واضح لا لبس فيه، ونحن على ثقة بأن الحوار مع النظام لن يفضي إلا لابقائه إذا تم بالصورة التي يريدها.. ولذلك لا بديل غير العمل الوطني الذي يلبي استحقاقات الشعب في بديل وطني ديمقراطي يحقق العدالة والحرية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. آخر لحظة