السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. بكري خليل : قيام دولة ديمقراطية مدنية يقتضي استعادة كل الأدوات النضالية للشعب السوداني
نشر في الراكوبة يوم 30 - 01 - 2011

هو أكاديمي متخصص في الفلسفة المعاصرة وعلى وجه التحديد في مجال الابستيمولوجيا والمذاهب الفكرية، قدم للمكتبة السودانية والعربية العديد من المؤلفات والدراسات في المعرفة والتصوف والفكر العربي المعاصر، كما كتب في النقد الاجتماعي والثقافي، وشارك ومازال في المؤتمرات والندوات العلمية داخل وخارج السودان. والدكتور بكري خليل مفكر سوداني وأستاذ للفلسفة بجامعة النيلين، وقام بالتدريس في عدد من الجامعات، كما أنه عضو في بعض الجمعيات المتخصصة كالجمعية الفلسفية العربية والجمعية الفلسفية السودانية المصرية والجمعية الفلسفية اليمنية، والمؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الاسلامي.. التقت به «الصحافة» للوقوف على رؤيته للواقع السوداني.. فكانت هذه الإفادات.
٭ ما هى رؤيتك للوضع الحالي في السودان والوضع ما بعد الاستفتاء؟
السودان دخل في مرحلة صعبة أشبه بآلام المخاض وميلاد وضع جديد، وفي تقديري انه وضع مقبل على الانفصال. وعلى الرغم من أن مصائر الشعوب ينبغي ألا تكون محل تخمين وتكهنات مجردة، الا أن مسار السياسة السودانية عموماً مسار مفعم بالمراهنات والمفاجآت باستمرار، لذلك يقتضي الانطلاق من واقع المعطيات المباشرة وتقدير جملة العوامل التي أدت إلى وصول السودان لهذا المطاف الذي هو في المحصلة لا يمكن أن ينتهي إلى بقاء الأحوال على ما هي عليه. وهكذا أرى أن الكيان السوداني بوضعه السابق لا يمكن أن يستمر على ما كان عليه قبل الاستفتاء، وذلك يعني أننا على أعتاب مرحلة لا سبيل إلى تدارك نتائجها الانفصالية، ولسان حالي يقول «فات ميعاد الإبقاء على دوام الحالة الوطنية كما هي»، وهذا أمر يؤسف له لما تحملها من نتائج ومخاطر جمة.
٭ الانفصال طُرح من قبل الأنانيا ون، وحتى مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا 1995م ورد فيه إقرار بحق تقرير المصير، بالإضافة إلى قانون المناطق المقفولة وتأثيراته.. فهل يمكن اعتبار هذه مؤشرات تؤكد أن الانفصال مرتب له منذ أمد بعيد؟
ما وصلنا إليه هو حصيلة لعدة عوامل، ولذلك يصعب رده إلى عناصر بسيطة يمكن توصيفها بسهولة، وهو نتاج لمشكلات تأسيسية وتاريخية تتصل بالجانب التكويني لدولة السودان الحديثة، وبعضها مشكلات تتعلق بتجربة ما بعد الاستقلال التي كانت تدور على محور ممارسة العنف المعنوي والمادي من قبل الدولة وإدارة الحكم في أنظمتها السياسية، مما انعكس على مسار التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى جملة التحديات التي تواجه الدول الحديثة الاستقلال أمنيا واستراتيجيا، وما ترافق مع كل ذلك من متغيرات في المحيط الإقليمي والدولي، وهي عوامل في مجملها تتعدد إفرازاتها السلبية وتؤدي بالنتيجة الى ما يسمى بأزمة التطور الوطني، وأكبر مضاعفاتها ظهور الأعراض المرضية التي أصابت الوحدة الوطنية بفعل تعاقب النظم التسلطية التي شكلت ضغطا مستمرا على مختلف الهويات والكيانات، مما أدى إلى انتشار المواجهات المسلحة والاستقطاب الجهوي والتدخلات الأجنبية بعد احتكار الدولة لأدوات القمع وبسط نفوذها وسيادتها. وإذا وضعنا كل هذا إلى جانب مرحلة ما بعد الحرب الباردة وهيمنة المشروع الامبريالي الصهيوني على المنطقة في الاعتبار، فإن مثل الواقع الهش لا بد أن تصيبه هذه العوامل بانكسارات وتشظيات متنوعة.
٭ في رأيك، هل يمكن أن يُحدث الانفصال تغيرات في هوية السودان الثقافية؟
أتصور أن العوامل السياسية التي أتينا عليها ستؤثر قطعاً بهذا القدر أو ذاك في التشكل المستقبلي لصورة السودان الشمالي والشق الآخر الجنوبي وتطورهما الثقافي، ولكن ليست المسألة بالشكل الذي يجعل أهم ملامح المستقبل منصباً بالضرورة على مصير الهوية الثقافية، لأنه في الأصل قضية الهوية الثقافية لم تكن من مشكلات البلاد او الموضع المباشر المتكيف سلبيا لبقاء السودان موحدا. ودليلي على ذلك أن واقع الانتشار الأفقي والعمودي للثقافة العربية الإسلامية، كان انتشاراً مضطرداً على الرغم من كل مساوئ مسار التطور السياسي الانقسامي، وهذا ما يشهد به الواقع، إذن لن تكون المعادلة الثقافية معادلة عكسية مع حالة الوحدة، بل هي معادلة طردية. والوحدة لم تكن حاجزا أمام وحدة الثقافة الوطنية واتجاهها التكاملي وديناميكيتها.
مقاطعة: هل الانفصال يمكن أن يحسم الجدل الدائر حول الهوية الثقافية لشعب السودان؟
ربما يؤدي الانفصال الى احداث بعض المتغيرات على صعيد مداخلات التنازع الافتراضي أو المتصور حاليا في إطار اللغة والمقومات الدينية وغيرها، فقط تتقلص وتنكمش بهذا القدر أو ذاك على المساحة الجغرافية او تزول بعض الشواهد والاحتكاكات، وبالمقابل من الطبيعي أن تتأثر التجربة الثقافية تبعا لانعكاسات الانفصال السلبية، لكنه في نفس الوقت قد يفرز نتائج مؤثرة على مستوى تماسك النسيج الثقافي واستقرارالعملية التفاعلية بين الثقافية العربية والإسلامية وثقافات التنوع فيما اذا جرت مراجعات جادة لاعتماد تخطيط ثقافي متوازن بين مختلف التعبيرات والهويات المتعايشة في شطري السودان.
وعموما فإن مدار القضية الثقافية في السودان لن يكون مرتبطاً بالضرورة بمشكلات الممارسة السياسية العينية والنزاعات المترافقة بالحكم والإدارة التي قد يسفر عنها الانفصال، لاسيما أن التغيب الفوري ومحو الصلات الثقافية القائمة أمر غير وارد، وربما اصبح هذا الجانب هو الذي سيظل ماثلا في ظل المفارقات التي تجري على الارض، وعلينا التفتيش المستمر عن المشتركات الثقافية لكي لا تستمر قدرة السياسة على اهدار ما تجنيه الثقافة. ولعل المستقبل قادر أيضا على أن يعكس بعض ما كان في الماضي، حيث كان الواقع يدلنا على ان ما تعطيه الثقافة بيد تأخذه السياسة باليد الأخرى «الثقافة توحد والسياسة تفرّق».
٭ على صعيد شخصية السوداني وهويته.. ماذا ترى في مستقبل السودان بعد الاستفتاء؟
الذي أظنه أن هذا الوضع الانقسامي كان دائماً على حساب ما أسميه بالقواسم الممكنة التي لم تحسن السياسة التعامل معها كرصيد خاضع لقانون التلاحم، إذ أن مجمل الظروف العدائية الطابع، قد ألقت ظلالا أخفت إلى حد كبير المزايا المتصلة بالمتحد الثقافي الذي تمثله الثقافة العربية الإسلامية، إذ أصبحت المغالاة في تعداد التنوع والتعددية بديلاً عن التأكيد على الجوامع التي هي رأس مال رمزي لممكنات التطور الموحد. ومن هنا كان دائماً خطر استهلاك هذا المستودع الثقافي للتاريخ الحضاري، سواء الذين حسبوا على مواقع العروبة والإسلام أو الذين وقفوا موقفاً مضاداً للشعارات التي انبثقت مع نظام الإنقاذ، إذ أصبح ما يسمى بالخيار الحضاري أداة أيديولوجية للسلطة، أضرت في المدى القريب بوعي هذا الانتماء بالدائرة الثقافية والحضارية، وعلى المدى البعيد بمستقبل التلاقي التاريخي التكاملي بين السودان كنطاق وطني والمنطقة العربية كنطاق استراتيجي وثقافي حضاري يلبي نداء التوحد المستقبلي وحاجات البقاء في عالم الأطر والوحدات الكبرى الثقافية والمعرفية. ومن هنا يصبح على جدول أعمال سودان ما بعد الاستفتاء تحويل هذه القواسم نحو واقع يعالج إشكالية الثقافي والسياسي بتخطيط علمي ثقافي جديد يضبط معادلة التنوع في التوحد على قاعدة الترابط الديمقراطي بين خصوصيات الواقع الوطني وحوامل التعبيرات المختلفة للثقافات والاثنيات التي بدأت تعبر عن ذاتها بالظروف الاستثنائية السابقة عن كبريائها وخصوصيتها بطريقة صدامية وأحياناً مناهضة لمقومات التوحد الوطني وعلى رأسها الثقافة العربية الإسلامية.
٭ استشرافك لما يمكن أن يحدث حال الانفصال من اتجاهات المشروع الحضاري المطروح من قبل الإسلاميين؟
اعتقد أن مثل هذه المنعطفات المصيرية فرصة كبيرة لتقويم التجربة السابقة، وذلك من أجل الاعتبار منها والاستفادة من دروسها، لذلك يتطلب معالجة قضايا الحكم وإعادة تأسيس الدولة السودانية بإعادة النظر في العديد من المقولات إن كان على مستوى السلطة الحاكمة أو على مستوى معارضيها. ولقد آن الأوان لقيام ما يشبه التسوية التاريخية لترتيب التوازنات الوطنية وضبط معادلتها، على مستوى علاقات قواها أو على مستوى المفاهيم المتصلة بتصحيح واقع العلاقات السلبية بين الدولة والمجتمع، حتى يمكن تصور عقد سياسي تاريخي يحول دون المزيد من الانفصالات والمزيد من الخسائر على مستوى الجهد البناء للبعث الوطني. وهذا التصور أساسه الحيلولة دون استمرار الإقطاع السياسي الحالي في السودان الذي فاق الشمولية، بحيث هيمنت النخبة الحاكمة على الدولة وعلى موارد البلاد، وبحيث لا تعود القوى الوطنية تحت ظل الإكراه، الى اي شكل من اشكال التسول السياسي الذي يسيء الى الانتماء والكرامة الوطنية من خلال الاستعانة بأية أسلحة طارئة على النضال الوطني وعلى رأسها الاستقواء بمراكز النفوذ العالمي. وذلك يعني إعادة النظر في جدلية السياسة الوطنية السودانية من أساسها، بحيث تتوجه الإدارة الوطنية كلها لبناء الدولة الحديثة على أساس دستوري، وإعطاء الفعالية المجتمعية حجمها ودورها حتى تتحول إدارة البلاد إلى مشاركة فعلية بلا استئثار من أية جهة كانت، ووضع حد واضح للخلط بين الدولة ومشكلات الحكم والمنظورات السياسية لقوى العمل الوطني بمختلف توجهاتها وعقائدها. وهكذا فقيام دولة ديمقراطية مدنية في السودان يقتضي استعادة كل الأدوات النضالية للشعب السوداني، وفي المقدمة من ذلك حق التنظيم السياسي والنقابي لمختلف تعبيرات وفئات الشعب السوداني، وتحرير الدولة من تسلط الزبونية الفئوية والإقطاع السياسي. وهنا بالضبط يتجسد الإسلام الذي كان دوماً يسوس المسلمين بالرضاء وبولاية تصدر عن قبولهم. لقد كان الدين تاريخياً وفي كل الحضارات مطية للسياسيين، لذا يبقى حسم قضايا الديمقراطية ومدنية النظام السياسي بعيداً عن الإرهاب الفكري، وألا يوضع السودان بين خيارين لا محل لهما أصلاً «العلمانية أو الإسلام»، فلا توجد دولة لا في السابق ولا في الحاضر إلا وهي في صميمها دولة إنسانية مدنية تعبر عن أحوال الناس وحاجاتهم، وذات قوانين وضعية بأنظمتها وأهدافها وسياساتها. كما أن مفهوم العلمانية نفسه كما يطرح على النسق الغربي أمر غير وارد، فضلا عن أن العلمانية الحديثة قد أصبحت بدورها موضع مطاعن في البيئة التي نشأت فيها حتى كادت تدخل في مجال المابعديات في فكر ما بعد الحداثة وتقديراتها النظرية.
٭ إذن كيف ترى وضع الدين في المجتمع في وجود الإسلام السياسي؟
إذا كان المقصود بالدين ما يطلق عليه تطبيق الشرع الإسلامي، فهذا تعبير تصوري لمفهوم يجري تصريفه كاحد خيارات النهضة والتجدد وكاحد العناوين الإيديولوجية، وهو أمر خلافي في هذا الإطار. وارى ان اعتبار الدين قوة روحية تدخل في صميم تنظيم وتنهيج الحياة وبث قيمها العليا، هو الكفيل لتحقيق العقائد السماوية وإدامة دورها الروحي والزمني باعتباره ثروة هائلة لترشيد الحياة وتساميها. وقد كان الإسلام بالذات أكثر الديانات التوحيدية تعبيرا عن الحاجات الواقيعة للبشرية، لذا كان انفصال السلطات وتكاملها الذي تم تاريخياً واقعاً في العصور الإسلامية الزاهية تأكيداً على هذه الحقيقة وعلى افضل ما يكون، اذ كانت ولاية التشريع والقضاء بيد المجتمع، ولم تكن بيد السلطة، وهذا ما يشهد به التقليد الفقهي كله ومنظومة الوقف الإسلامي، ولم يكن للحاكم ولا للسلطة شأن بهذا القطاع الا في مراحل متأخرة ظهرت مع الدولة السلطانية في الاسلام كمظهر للتراجعات والانحطاط. ولهذا فمن الناحية النظرية ليست هناك مشكلة في ما يتعلق بتطبيق الشرع الإسلامي عندما تتوفر تلك الظروف التي تهيئ ممارسة فقه المعاملات وتكييف التشريع على ضوء مستجدات العصر واحوال العباد حتى تتمثل اهم قيم الاسلام قاطبة بعد التوحيد وهو العدالة، وهي السمة التي ميزت الإسلام عن كل ما عداه من عقائد ومذاهب. فمطالب الإسلام السياسي في الانطلاق من مفهوم الدولة وما يستتبعه والنزعات التسلطية هو ذات المحتوى العقابي والقهري، وهى التي قلبت مسار الاتصال بأدوات الشرع الإسلامي وتحويل خطابه الدعوي الى خطاب ممعن في رجوعيته من جهة وتهافته وراء الكسب السياسي، فضلا عن انه اصبح سوط عذاب بيد السلطات والانظمة الحاكمة. وفي ظل التخلف الاجتماعي الثقافي والعلمي، فإن هذه القوة ستسخر وتحول المسألة الدينية إلى تصوراتها، فتتحكم في رقاب الناس وتسعى للهيمنة على مصائرهم وتوجيهها إلى غير ما تريد بعكس تطلعاتها وضميرها وأشواقها الروحية، وهذا هو التناقض بين عموم الأنظمة التي ترفع شعارات الحل الإسلامي على أنه الحل، وجماهير المسلمين التي ذاقت الكثير من هذه الأنماط على صعيد الأنظمة وعلى صعيد جماعات الاحتجاج والفعاليات المحسوبة على الإسلام السياسي. فالمسألة إذن ليست هي موقع الدين من الإعراب، وإنما تتلخص في موقف هذه الجماعات والأنظمة من مصالح المسلمين وحقوقهم وقضاياهم وحاجاتهم في التقدم والتحرر والعدالة.
٭ هل يمكن أن نعتبر مفهوم القومية بأنه غير مواكب للتطور الحديث وبعيداً عن النظرة الإنسانية المعاصرة؟
في كل عصر من العصور التاريخية عبرت الإنسانية عن انتمائها الجمعي الثقافي، وعن شخصياتها بطريقة تتصل بمستوى الوعي والتحديات ونتائج التطور التاريخي في كل مرحلة، لكنها في كل الأحوال ظلت تشعر بوجود رابطة تشدها الى بعضها، هي رابطة الانتماء التي تحقق ذاتها أو شخصيتها. فمنذ القدم كانت الفعالية البشرية تقوم على هذه الأواصر التي تدفع بها للإفصاح عن فهمها واستيعابها وإدراكها لمصالحها وكينونتها، وتجسد صلتها وتعبيرها عن قيمها العليا، وفي نفس الوقت كان الشعور بالانتماء يمر أيضاً عبر التقاليد والأعراف وأشكال السلوك والعلاقات الاجتماعية ووسائل التواصل والترابط والتفاهم وعلى رأسها اللغة، وكذلك العقيدة والمعاني الروحية. وهكذا كان سجل التاريخ ينحو نحو الانتماء، وليس إلى اللا انتماء، وهذا هو شأن المجتمعات في العصر الحديث. إذن الوجود القومي أسس الأوطان على مرتكزات تاريخية سوسيولوجية ثقافية اقتصادية، بعد أن تمكن الإنسان من اجتياز الكثير من الحواجز. فدخل من عصر الإمبراطوريات الدينية الكبرى إلى عصر القوميات ترجمة للمصالح والتطور الطبيعي، وكانت هذه الوحدات الضخمة تحول بشكل ما بين هذه القوميات وتبلور وإبراز كينوناتها الخاصة. ففي الأطر التاريخية التي تجاوزت عصور الدولة الإمبراطورية كان نضج التجربة القومية قد بلغ تطابق الكيان القومي والسياسي إلى نشوء ما يسمى بالأمة الدولة، وفي هذا النطاق أنجزت العديد من القوميات مرحلة تحقيقها لوجودها القومي، وأصبحت قضايا هذه الأمم وشاغلها التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والتحرر الديمقراطي. وعلى العكس من ذلك نجد واقع الشعوب التي وقعت تحت الظاهرة الاستعمارية، ولم تتكامل هوياتها السياسية والقومية التي هي محققة لشخصيتها كمفتاح للتعبير عن وجودها الإنساني وقدراتها على المشاركة في صناعة الحضارة والمجتمع الإنساني المتكامل، لذا فإن التجربة القومية ذات مستويات متعددة، فمنها ما خضع شعوبها إلى الاستعمار والتبعية، ومنها ما جزئت قسراً، ومنها ما اغتصبت أراضيها، ومنها ما جرى توحيده بالقوة مع شعوب اخرى وهكذا. لذا فإن المسألة القومية ذات أوجه مختلفة ينبغي أن نعالجها بالتمييز بين الظاهرة القومية الاستعمارية والقوميات والأمم الكادحة، وتلك المتطلعة للتحرر والوحدة. فالظاهرة القومية من المعطيات التاريخية الكبرى التي يصعب أن نضعها على مستوى واحد أو نحاكمها على أن التاريخ قد تجاوزها بفعل الظروف العالمية والتحولات التي تؤدي بهذا القدر أو ذاك إلى نشوء ظواهر متوازية إلى ما فوق القومية. فحتى الكيانات الدولية الكبرى الأكثر اتصالاً بحقائق الواقع الدولي المعولم، تستند سياساتها ومصالحها إلى معطيات ظروفها القومية، على الرغم من تمددها على المستوى الدولي. بل أن ظاهرة العولمة نفسها تترافق بانبعاث الخصوصيات التي تتقلص إلى مستوى أضيق حتى من القومية. لكن من المؤكد أن الظاهرة القومية المنفعلة والمنغلقة على نفسها عندما تعبّر شأنها شأن الكثير من الحقائق التاريخية عن الصورة الأخرى للحقيقة القومية الإنسانية، فإنها بالتأكيد سوف تسير بالاتجاه المتناقض مع حركة التاريخ. فالحركات القومية التي تناضل من أجل تحقيق شخصيتها لا يمكن أن تكون إلا تعبيراً عن التعايش والتسامح وتنظر للآخر بقدر ما تنظر إلى نفسها، وهكذا ينبغي أن تكون جدلية هويتها مع الآخر.
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.