شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    سقوط منتخبنا.. اليوم والايام التالية..!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرار الجمهوري والنصف الممتلئ من القنينة
نشر في الراكوبة يوم 22 - 04 - 2014


نبيل أديب عبدالله المحامي
في إعلان إشتهر في السبعينيات تبدو في الصورة قنينة لأحد المشروبات غالية الثمن، موضوعة على منضدة يجلس حولها ضيف ومضيفه، وقد بلغ المشروب منتصف القنينة. يقول الإعلان بالنسبة للضيف القنينة نصف ممتلئة، أما المضيف فيراها نصف فارغة. لا أعتقد أن القرار الجمهوري بتنظيم الأنشطة الحزبية مبرأ من كل عيب، كما يراه المؤيدون، كما ولا أعتقد أنه لا خير يرجى منه كما يراه المعارضون. الحقيقة تقع في منطقة بين الإثنين، فقد رأى المعارضون النصف الفارغ من القنينة، ورأى المؤيدون النصف الممتلئ. لقد رأيت في القرار، من أول وهلة ومن قراءة لتقرير صحفي، أثر من سلطوية، وإفتقاد للدستورية جعلني أعارضه، ولكن حين توفر لي النص والوقت، تبينت أنه من حيث المحتوى يحمل أحكاماً في مجملها جيدة. ولنبدأ بالنصف الفارغ من القنينة.
. سلطة تنظيم الأنشطة الحزبية في الدستور:
أول مايعيب القرار هو إسمه فكون أن رئيس الجمهورية قد أصدر قراراً بتنظيم الأنشطة الحزبية، أياً كان ذلك التنظيم، هو أمر مخالف للدستور. ما يجعله كذلك، هو أن النشاط الحزبي هو أحد الحريات التي تضمنتها وثيقة الحقوق في المادة (40) من الدستور، والتي قررت في فقرتها الأولى حق الأفراد في تكوين الأحزاب السياسية، ومنحت سلطة تنظيم تكوينها وتسجيلها للقانون وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي. من جهة أخرى فإن الفقرة الرابعة من المادة (27) من الدستور تجيز تنظيم الحقوق والحريات المضمنة في وثيقة الحقوق للتشريعات، بشرط أن لاتصادر تلك الحقوق ولا تنتقص منها. إذاً فرئيس الجمهورية لا سلطة له في تنظيم الأنشطة الحزبية. ويدعم هذا النظر أن رئيس الجمهورية حتى حين يتولى سلطة التشريع بصفة إستثنائية بموجب سلطته في إصدار المراسيم الجمهورية المؤقتة، بموجب المادة (109) من الدستور، فإنه لا يجوز له بموجب ال فقرة (2) من نفس المادة، إصدار مراسيم تمس وثيقة الحقوق، وحرية النشاط الحزبي بلا جدال جزء من وثيقة الحقوق. وذلك يعني مسألتين: الأولى أن المسائل التي تتعلق بتنظيم الحقوق الواردة في وثيقة الحقوق تُنظّم بالقانون. والثانية أن السلطة الإستثنائية الممنوحة لرئيس الجمهورية لإصدار مراسيم لها قوة القانون، لاتشتمل على المسائل المتصلة بوثيقة الحقوق. وأذا كان لا يجوز لرئيس الجمهورية أن ينظم النشاط الحزبي بمرسوم بقانون، فهذا يعني من باب أولى أنه لا يجوز له أن ينظمه بقرارات جمهورية لآن القانون اعلى درجة من القرار من أي جهة صدر. وقد أشار القرار لأن الرئيس أصدره عملاً بأحكام المادة 58 (1) من دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005، وهي مادة تتحدث عن سلطات الرئيس بإعتباره رأس الدولة، وقائد السلطة التنفيذية، لذلك فإن كل الإشارات فيها هي لإختصاصاته فيما يتعلق بسلطات الدولة وأجهزتها. ولكن ليس بها أي إشارة لسلطة تنظيم ممارسة الأفراد لحرياتهم. وهذا حكم تجمع عليه الدساتير الديمقراطية، لأن وثيقة الحقوق هي في واقع الأمر مجموع مالا تستطيع الدولة أن تفعله. وعليه فقد قصر الدستور سلطة تنظيمها على التشريعات في حدود لاتتعداها، وتحت رقابة المحكمة الدستورية والقضاء ( أنظر المادة 48) .
. الأحكام عامة:
بدأ القرار بأحكام عامة أوردها في المادة الثانية المكونة من ستة فقرات تنص الفقرة الأولى منه علي أن "حرية التنظيمات والأحزاب السياسية في إقامة الأنشطة السياسية والفكرية حق مكفول ويمارس وفقاً لأحكام الدستور والقانون". وهي فقرة لا تغير من الواقع القانوني شيئاً. وهو نفس حكم الفقرتين ج " احترام القانون والمحافظة على الأمن والسلامة والطمأنينة العامة واجب على الكافة و "د "عدم قيام أي حزب سياسي بأي عمل من شأنه تأجيج الصراعات وإثارة الفتن والدعوة للكراهية والتحريض على استخدام العنف أو دعم الجهات التي تحارب الدولة أو إحداث التوتر بين الطوائف الدينية أو العرقية أو الإثنية المختلفة" فالفقرتان تكرار لأحكام قانونية لا خلاف حولها. تنص الفقرة الثانية على "معاملة الأحزاب السياسية على قدم المساواة وبحياد تام وبما يضمن تكافؤ الفرص بينها". وهي فقرة جيدة المحتوى وواجبة النفاذ، إذ أنها لا تفرض قيداً على حرية الأحزاب بل هي قيد على السلطة العامة التي يرأسها رئيس الجمهورية، و يجوز له ذلك بموجب سلطاته في المادة (58) من الدستور. وبالتالي فهذا الحكم واجب الإحترام من قبل الأجهزة التنفيذية .
. أحكام تقيد النشاط الحزبي:
تعرض القرار الجمهوري بعد ذلك في أجزاء منه لمحتوى ممارسة الأحزاب السياسية لأنشطتها، وهذا تدخل غير دستوري في الحريات العامة، ونبادر فنقول أن تدخل القرار بالتقييد لم يكن تدخلاً خشناً، ولكنه يظل بلا سند من الدستور. ولعل أبرز مثل لذلك هو الفقرة (ه) من المبادئ العامة ونصها كالتالي :- "يجب أن ينحصر النقد الذي توجهه الأحزاب السياسية في سياق الحراك السياسي على السياسات والبرامج الحالية والمستقبلية على ألا يمس ذلك الجوانب الشخصية لقيادات الأحزاب أو رموزها بأي حال من الأحوال".
نحن لا إعتراض لنا على ذلك إلا من حيث إفتقاد السلطة، أما من الناحية الموضوعية فإنه ليس أحب لنا من التمسك بالموضوعية في النقاش السياسي لأن خروج الناس إلى العمل العام لا يعني أن يفقدوا حياتهم الخاصة، ولكننا ضد فرض ذلك بالقانون دعك من القرارات التي لاترقى لمرتبة القانون. لا بد لنا أن نلاحظ أنه في بعض الأحوال يختلط سلوك الناس الخاص بما يفرضه عليهم وضعهم ومناصبهم العامة ،لعل أبلغ مثل لذلك ما هو معروف في التاريخ السياسي البريطاني بفضيحة كريستين كيلر .
. كريستين كيلر:
كانت كريستين كيلر فتاة صغيرة إنتقلت للندن من الأقاليم في بداية حقبة الستينات من القرن الماضي بحثاً عن عمل، وجدته أولاً كنادلة في مطعم، ثم قادتها زميلة لها للعمل في نادي ليلي كعارضة عارية الصدر، حيث تعرفت على طبيب شهير في ذلك الزمن، ما لبثت أن إنتقلت للعيش معه في منزله، الذي عُرِف بالحفلات المنفلتة. تعرفت كريستين في تلك الحفلات على جون بروفمو وزير الدفاع البريطاني، وعلى يفجيني إيفانوف الملحق العسكري السوفيتي، وأقامت علاقات حميمة معهما في نفس الوقت. بعد إنتهاء تلك العلاقات وبسبب علاقاتها المتعددة هاجم أحداً عشاقها الغيورين منزل الطبيب الشهير وأطلق النار، مما أدى لتدخل الشرطة. بدأ الرأي العام بالإلتفات لكيلر في صيف 1963م حين نشرت إلا يكونومست في عناوينها البارزة ( أزمة رئيس الوزراء ) وصورة كريستين كيلر دون إفصاح عن أي شي. عندما ظهر للرأي العام أن كرستين كيلر كانت على علاقة في نفس الوقت مع وزير حربيتهم والملحق العسكري لعدو محتمل، أثار ذلك موجة من الإحتجاج. إضطر بروفمو للإستقالة بعد محاولة للإنكار لم تستمر طويلاً، وتلاه رئيس الوزراء ماكميلان. وفي العام الثاني سقط حزب المحافظين في إنتحابات 1964م. حدث كل هذا رغم لجنة التحقيق التي كوِّنت برئاسة اللورد دننج المعروف لأهل مهنة القانون لدينا،لم تجد مايدل على أن تلك العلاقة تسببت في تعريض الأمن القومي لأي خطورة .
إذاً فما قد يؤدي إليه السلوك الخاص من مخاطر على المصالح العامة يشمل مستويات مختلفة، بعضها لا يظهر للعين المجردة، وكان الأجدر بالرئيس أن لايدخل نفسه فيها. عموماً فإن هذه الفقرة بالتحديد تفتقد العنصر اللازم للأحكام القانونية وهو عنصر الجزاء لأن القرار في مجمله لم ينص على عقوبة أو جزاء .
. الإجتماعات العامة:
أكثر الإحتجاجات ضد القرار الجمهوري قادت لها أن التقارير الصحفية الأولى التي حملت خطأ طباعياً في الفقرة (1) من المادة المتعلقة بالإجتماعات العامة والتي وضعت "لايجوز" بدلاً من "يكون لأي من الأحزاب السياسية الحق" فأصبحت تبدو وكأنها قيداً على ممارسة الأحزاب السياسية لنشاطاتها داخل دورها، مع أن المادة تؤكد حرية الأحزاب في ممارسة تلك النشاطات. ونعيد فيما يلي إيراد النص الصحيح وهو " يكون لأيٍّ من الأحزاب السياسية الحق في عقد اجتماعات عامة وندوات ولقاءات داخل دُورها أو مقارها دون الحصول على موافقة مسبقة من السلطة المختصة ". ثم تنص الفقرة 2 من المادة على" يكون للأحزاب السياسية الحق في عقد وتنظيم الندوات واللقاءات الجماهيرية في الميادين والأماكن العامة." ثم تأتي الفقرة 3 لتنص على " على الرغم من أحكام البند (2) يجب الحصول على الموافقة من السلطة المختصة قبل وقت كاف لا يقل عن 48 ساعة لأغراض التأمين والحماية وتنظيم حركة المرور " وهنا يأتي التقييد. ورغم أن التقييد يأتي خارج سلطة القرار الجمهوري، إلا أن المحتوى لاغبار عليه، لولا أنه تطلب الموافقة بدلاً من الإخطار. إلا أن ذلك أيضاً يمكن تجاوزه لأن تحديد أغراض الموافقة بالتأمين والحماية وتنظيم حركة المرور يلزم السلطة المختصة بإبداء سبباً للرفض يتصل بتلك الأسباب، وهذا رفض يمكن تجاوزه عادة بتغيير المواعيد المقترحة، أو مكان الإجتماع، ولكن لا يجوز رفض الموافقة لغير الأسباب المتعلقة بالغرض من الموافقة. القرار في واقع الأمر يلزم السلطة المختصة بتنظيم الحماية للإجتماع وهذه محمدة له.
بالنسبة للمادة الخامسة ونصها " تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية نشاطاتها وما ينجم عنها من أضرار على الأفراد أو ممتلكاتهم أو الممتلكات والمنشآت العامة". فهي في واقع الأمر فضلة زائدة من حيث الحكم، لولا أن سوء الصياغة يجعلنا نستحسن إلغاءها، لأن مسؤولية الأحزاب السياسية كشخص معنوي عن الأضرار التي يتسبب فيها، هي مسألة فصّلها القانون وليس للسلطة التنفيذية التدخل فيها. صحيح أن المادة لا تقرر نوع المسئولية ولا عناصر إثباتها ، إلا أن ذلك يجعل منها فقرة مُربِكة ومرتبكة. موضوع الملصقات هي أيضاً مسألة لاخطورة منها على الحريات العامة، ولكن يستحسن أن تترك لقانون ينظمها بشكل أكثر شمولاً ويحدد المسئوليات. عموماً فإن بعض ما فيها يجب أن يبقي مثل منع إستعمال الشعارات الحكومية، ووضع الملصقات الحزبية على العربات الحكومية، لآن ذلك من المطلوبات ضمن تحييد جهاز الدولة بالنسبة للمعترك السياسي. كذلك يجب أن يبقى حكم الفقرة 4 من المادة 4 والتي تمنع " الاعتداء المادي على مظاهر الأنشطة السياسية عن طريق الملصقات أو المطبوعات المسموح بها، سواء كان الاعتداء بالشطب أو التمزيق أو التشويه أو الإزالة أو غير ذلك ".
. تنظيم المواكب التي تدعو لها الأحزاب:
البند 1 من مادة تنظيم المواكب ونصه "يكون لأي حزب سياسي الحق في تسيير المواكب السلمية وذكر تسيير المواكب بإعتباره حق" هو محمدة للقرار بعد مرور زمن كان فهم السلطات العامة فيه، هو أن المواكب ممنوعة ما لم تكن تهدف لتأييد السياسات الحكومية. وينص البند 2 على أنه "على الرغم من أحكام البند 1، يجب الحصول على الموافقة من السلطة المختصة قبل وقت كاف لا يقل عن 48 ساعة لأغراض التأمين والحماية وتنظيم حركة المرور، على أن يتضمن طلب الحصول على الموافقة هدف الموكب السلمي وزمنه وخط السير".
تطلب الفقرة إبراز الهدف من الموكب قد يسبب إشكالات، إذا ما تدخلت السلطة بغرض منع مواكب بعينها. ولكن ذلك التدخل لايسنده نص القرار. فتطلب إيضاح غرض الموكب قد يكون ضرورياً من أجل توفير الحماية للموكب، عندما يكون الهدف منه خلافي، فقد يعترضه المخالفون في الرأي. يجب على السلطة المرخصة أن تعلم أن موافقتها رهينة فقط بالغرض الذي منحت سلطة الموافقة بسببها، وهو التأمين والحماية وتنظيم حركة المرور . ويدعم من هذا النظر ما جاء في الفقرة 7 والتي نصت على " على الأجهزة التنفيذية ذات الصلة تنفيذ واجباتها وفقاً لاختصاصاتها وسلطاتها الممنوحة لها بموجب القوانين واللوائح."
أن نزع السلطة المطلقة عن لجنة أمن الولاية، والتي كانت تستخدمها بغرض ممالأة الحزب الحاكم، هي محمدة في القرار يجب الإشادة بها. وهكذا ينتهي، ونرجو أن يكون إلى الأبد، العهد الذي لم تكن فيه هنالك حاجة لطلب التصديق، لأسباب خاطئة، فالمعارضون يعلمون أن طلبهم سيقابل بالرفض، والمؤيدون على يقين أنه لن تعترضهم الشرطة سواء حصلوا على التصديق أم لم يحصلوا .
قد يفهم أن القرار يحصر حق المواكب على الأحزاب السياسية، وهذا غير صحيح لأن حرية التجمع السلمي كحق دستوري، هو حق مقرر للأفراد. ويستحسن أن تقرأ الأجهزة هذا الحكم، بإعتبار أن القرار معني بأنشطة الأحزاب السياسية، وأن حق تسيير المواكب للأفراد مكفول لم يقيده القرار بأي قيد. الفقرة (8) والمتعلقة بإستعمال مكبرات الصوت في مجملها لاغبار عليها وإن كنت لا أدري سبباً لمنعها بالقرب من الأسواق لأن، أليسب الأسواق هي الأماكن المناسبة لمخاطبة الناس؟
. النصف الممتلئ من القنينة:
أما وقد قلنا كل ذلك، فإنه لابد من القول بأن القرار حمل مزايا مهمة بالإضافة لما جاء ضمن النقاش أعلاه، أولها أنه قصر الإختصاص بتنظيم الأنشطة على الشرطة، وهذا يعني أنه منع تدخل جهاز الأمن في ذلك، وهي سلطة إنتزعها الجهاز لنفسه دونما سند من قانون، وخير للمحتجين التعامل مع الشرطة لأسباب لا تخفى على فطنة القارئ، وخير لجهاز الأمن أن يتفرغ لمهامه الحقيقية. كذلك فقد قطع القرار مسافة معتبرة نحو تأمين حيادية الدولة بالنسبة للصراع السياسي الحزبي، لعل أبرزها ما جاء في المادة المتعلقة باستخدام الأحزاب السياسية للوسائل الإعلامية المختلفة في مناشطها السياسية، فقد نصت الفقرة ب على أنه " يجب على وسائل الإعلام الرسمية والخاصة أن تلتزم موقف الحياد التام في تغطية المناشط السياسية والفكرية للأحزاب كافة." والفقرة ج على أنه "لا يجوز لأي مؤسسة إعلامية رسمية القيام بأي نشاط حزبي أو دعائي يمكن أن يفسر بأنه يدعم حزباً سياسياً على حساب الأحزاب الأخرى" والفقرة د " يجب على وسائل الإعلام الرسمية إتاحة فرص متكافئة ومناسبة لكافة الأحزاب السياسية."
. دستورية القرار:
ما ذكرناه حول إفتقاد السلطة يشمل فقط الأحكام البسيطة التي وضعت قيوداً على ممارسة الأنشطة السياسية. وهي أحكام يسيرة ويمكن التعامل مع قيودها لحين إصدار تشريع مناسب. ولكن القرار من الجانب الآخر وضع قيوداً على السلطات التنفيذية لصالح حرية العمل الحزبي وحيادية الدولة. وهذه كلها قيود دستورية، وتقع ضمن إختصاص الرئيس بإعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية.
بالنسبة للمواكب، والإجتماعات في الطرق والأماكن العامة، فإن للرئيس سلطة تنظيمها في حدود القيود الدستورية. وذلك لأن المادة (127) من قانون الإجراءات الجنائية منحت سلطة تنظيمها للوالي أو المعتمد أو المحافظ ، والتنظيم الذي يقوم به أياً منهم يدخل في باب التشريع الفرعي، بموجب المادة (115) من الدستور. لذلك فيمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر ذلك التنظيم على النطاق القومي بموجب الجدول (ه) من الجداول الملحقة بالدستور، والذي يشمل السلطات المتبقية، على أنه يلزم إيداع هذا القرار لدى المجلس التشريعي.
إننا نرى أن الجوانب الإيجابية في القرار تفوق الجوانب السلبية، ويمكن بتعديلات بسيطة أن يتم موافقة القرار مع الدستور. وتتمثل هذه التعديلات في تغيير أسم القرار ليكون توجيه للسلطات العامة بشأن الأنشطة الحزبية. وتستبعد المواد التي تتدخل في نشاط الأحزاب وهي مواد على قلتها غير ذات جدوى لإفتقادها لعنصر الجزاء اللازم بالنسبة للقاعدة القانونية. لأن ما يفرق القانون عن غيره من القواعد التي تضبط السلوك هو أن القاعدة القانونية تحمل جزاءً على مخالفتها تتحقق به إلزاميتها. سيظل الحل الأمثل في نظري هو أن يصدر قانون لتنظيم هذه الأنشطة بالتوافق بين الحكومة والمعارضة. إلى أن يتم ذلك فلنتمسك بما حصلنا عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.