ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشركات الحكومية ليست مدخلاً للفساد بل هي الفساد بعينه..محافظ البنك المركزي السابق : سياسة التحرير في السودان لم تؤتِ أكلها لافتقارها للرؤية المتكاملة
نشر في الراكوبة يوم 02 - 03 - 2011

حوار: محمد صديق أحمد: ٭ ظلت مسيرة الاقتصاد السوداني محفوفة بكثير من المخاطر التي طالما أحكمت قبضتها على مفاصل الاقتصاد السوداني بغية إضعافه منذ تسنم حكومة الإنقاذ سدة الحكم في عام 1989م، غير أن سفينته سارت غير عابئة بما يعترضها من شلالات وجنادل للحد من حركتها، فتارة بالحصار خارجياً وتارة بتشتيت الموارد داخليا بالصرف على الحروبات والنزاعات، وثالثاً جراء الأزمة المالية العالمية، وأخيرا بانفصال الجنوب، فكثير من المراقبين يرون أن الأخير يمثل أكبر معضلة للاقتصاد السوداني، رغم تقليل القائمين على أمره من تأثيراتها.. ولتلسيط الضوء وتبيان الرؤى عقب انفصال الجنوب، جلست «الصحافة» إلى أحد عرابي النظام الاقتصادي في بواكير تسعينيات القرن الماضي الذي عهد إليه الوقوف على رأس هرم إدارة بنك السودان المركزي محافظاً.. الأستاذ الشيخ سيد أحمد، حيث لم يطل مكوثه به فغادره إلى دنيا الأعمال الاقتصادية، غير أنه ظل مراقباً عن كثب لما يجري في الساحة الاقتصادية بالسودان، فخلص إلى أن غياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة هي أس البلاء وبيت الداء في هيكل الاقتصاد السوداني.. فإلى ما دار في الحوار:
٭ ما تقييمك للشأن الاقتصادي بالبلاد الآن؟
إن الناظر للمسار الاقتصادي السوداني يمكنه تقسيمه إلى حقبتين أساسيتين منذ تولي الإنقاذ الحكم في 1989م، حيث يمكنه أخذ الفترة التي امتدت من 1992م وحتى عام 1999م التي تم فيها استخراج البترول السوداني، فالفترة قبل استخراج البترول كانت تقوم على توجه فكري، إذا صح التعبير، إذ فيها كان التدخل الإداري في إطار ضيق، غير أن التدخلات السياسية قادت إلى تفكيك الإطار التحريري وأفقدته معناه، لأن التوجه السياسي يرمي بظلاله على الإدارة الاقتصادية إذا كانت تتبع سياسة تحرير أو غيرها، لجهة أنها تؤثر بصورة كبيرة على مستوى الخيارات ورسم السياسات، لكن أكثر ما يمكن أن يؤخذ على تلك الفترة وما أعقبتها افتقارها للرؤية بعيدة المدى، وبالتالي لأجل هذا ظل الاقتصاد يتقدم خطوة للأمام وخطوتين للوراء، فالنظام يؤثر في التوجهات والاستقرار بشكل عام، وفي السودان غابت عن الإدارة الاقتصادية رؤية التنمية، حيث تظن الحكومات أن ارتفاع معدل النمو عالياً يغني عن الاهتمام بالتنمية، وهذا الفهم المغلوط يشكل خللاً رئيسياً في عدالة توزيع التنمية رغم صحة المنطلق الذي هو سياسة التحرير إذا قصد به رفع كفاءة القطاع الخاص وحشد الموارد، غير أنه إذا انهزم الاستقرار السياسي فإنه ينهزم تبعاً له الاستقرار الاقتصادي وبالتالي كل سياسات التحرير تصبح خصماً وسلباً بالسطو على التنمية، لأجل هذا لا بد من استصحاب رؤية متكاملة للنهوض بالاقتصاد السوداني، بإحداث اختراق فعلي في كل المجالات الإنتاجية والخدمية يمكن من الوصول للتنمية المنشودة، مع ضرورة التفريق بين معدل النمو والتنمية.
٭ هل يعني حديثك هذا فشل سياسة التحرير؟
إن سياسة التحرير في السودان لم تؤتِ أكلها ولم تعطِ النتائج المتوقعة جراء افتقادها للرؤية المتكاملة المتجسدة في التنمية، لأن سياسة التحرير يفترض أن تستخدم في إطار يعمل على ضبطها عبر مفهوم أكبر من الآليات والوسائل، لجهة أنها الآلية الرئيسة للتنمية.
٭ من هو المناط به إجراء الضبط هذا؟
النظام السياسي هو صاحب القرار في الضبط، لجهة أنه أعلى المستويات وتليه المستويات الفنية والإدارية، كما تتحمل وزارة المالية والإدارة الاقتصادية المالية أو النقدية كِفلاً من الخلل الحاصل، لأن سياسة التحرير إذا غاب عنها المفهوم الكلي، فالواقع عندنا يحكي عن أن السياسات المالية تشتغل عكس سياسة التحرير التي تقوم على عدم الاحتكار واختيار الكفاءة وتوزيع الموارد بعدالة، غير أنها جافتها وابتعدت عنها، فانتشر الاحتكار، ولم تهتم برفع الكفاءات ولم تراعِ توزيع الموارد بعدالة، لعدم وجود إطار وموجهات تعمل على ضبط سياسة التحرير، وعملت سياسة التحرير بعيدا عن القانون، وحتى إن وجد فإنه غير مفعل، لأجل هذا لا بد من تفعيل الإطار الضابط لسياسة التحرير الكلية أو الجزئية، نظرياً وتطبيقاً وعلى مستوى الرقابة.
٭ حديثك يشي بأن الإدارة السياسية تهيمن على الإدارة الاقتصادية.. فما المخرج؟
المخرج يكمن في وجود نظام سياسي يمتلك الفكر الشامل الذي يعمل على ضبط الإدارة الاقتصادية، بما يتوافق مع تحقيق التنمية التي ليست هي إرساء البنيات التحتية من طرق وجسور وسدود وخدمات مختلفة وخلافه من بنيات تحتية، رغم أهميتها في إحداث التنمية، غير أنها تصبح قليلة الجدوى استراتيجيا إذا لم تمتلك الطاقات الأساسية لاستخدام هذه البنيات والاستفادة منها. وأكبر دليل على ذلك أنه يمكن الاستشهاد بأن القطاعات الإنتاجية الحقيقية من زراعة وصناعة لم تستفد بعد من الطاقة الكهربائية المنتجة من السدود، لاسيما سد مروي، بسبب أن تلك القطاعات متخلفة جدا في استخدام الكهرباء، فالقطاع المروي لا يتعامل مع الكهرباء إلا في نطاق ضيق، ويلجأ لاستخدام الوقود الذي يعني إضافة تكلفة أكثر على العملية الإنتاجية، لأجل هذا لا بد من إعادة النظر في السياسات النقدية والمالية، حتى تتمكن من إحداث الاختراق المرجو من سياسة التحرير.
٭ هل معنى ذلك أن هناك بوناً شاسعاً بين السياستين النقدية والمالية، وأن بنك السودان المركزي يعمل بمعزل عن وزارة المالية؟
نظرياً بنك السودان المركزي ليس بمعزل عن وزارة المالية، لجهة أن السياسات النقدية يقوم بها البنك المركزي والسياسات المالية تنهض بها وزارة المالية، وذلك لأن التنسيق وتبادل المعلومات بينهما نظريا، لكن في الإدارة الفعلية وتصميم السياسات لكي تنزل لمستوى تخطيطها فالمسألة متباعدة جدا، لأن الهيكل السياسي في إدارة الدولة بالسودان ليست لديه نقطة قرار تتسم بالرؤية والبعد الصحيح، لما يترتب عن الخلل المالي والنقدي في تنفيذ السياسات، فصارت وزارة المالية عند تصميم المالية تظهر الموازنة كأنها جامدة لا تتأثر بالمتغيرات، وكذا الحال في السياسة النقدية، لأجل هذا على الناس الانتظار عاما كاملا بالطريقة التقليدية، لمحاولة إعادة ضبط وتنسيق السياسات.
٭ هل تقصد أن السياستين المالية والنقدية تفتقران للمرونة؟
قبل فقدانهما للمرونة فإنهما تفتقران إلى الإدارة التي تديرهما معا باعتبارهما جهة واحدة لأجل هذا فقدانهما للمرونة يجعلهما غير قادرتين على إحداث التغيير النقدي أو المالي. وخير نموذج وشاهد ما حدث لموازنة العام الحالي 2011م، فبعد أقل من شهر من إجازة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، اضطرت السلطات الاقتصادية إلى إحداث تغيير كبير جداً، فهذا يوضح أنها كانت في غيبوبة، وهناك تغييرات كثيرة حدثت في السياسات المالية أو النقدية، حيث يفترض وضع التغييرات العالمية من الأزمة المالية العالمية والتحوط لها منذ أو قبل حدوثها لتجنب تداعياتها، لكنها للأسف تركت إلى أن تفاقمت، وأصبح أي إجراء إصلاحي لديه نتائج وتأثيرات عميقة وقوية وسلبية على إدراة الاقتصاد وإدارة الدولة من جوانبها الاقتصادية والاجتماعية، ففي هذا تضييع للوقت، مما يدلل على غياب الرؤية والتناغم والتنسيق بين السياسات حسب المتغيرات. فعدم القراءة للمتغيرات في اي وقت خاصة في دولة ضعيفة اقتصاديا وسياسيا كالسودان، يجعل تكلفة ذلك عالية جدا على الوطن والمواطن، وهذه سمة الإجراءات الاقتصادية في عصور السودان كلها، والنموذج الثاني في كثير من الأحيان الآن أننا ننظر للمشكلة كأنها في الموارد، لكننا ظللنا نمارس تخصيص الموارد عبر السياسات، وبالتنفيذ الفعلي عملنا على نقل الموارد من القطاع الخاص إلى القطاع العام، حتى بعد إعلان وتبني سياسة التحرير للأسف، سواء بالموازنة التي يجسدها عجز الموازنة عبر التمويل بالعجز أو اللجوء إلى الصكوك والسندات، حيث نأخذ التمويل من موارد حقيقية لسد عجز الميزانية الذي هو في الأصل عجز موارد طباعة عملة، فكان سد العجز خصماً على حركة القطاع الخاص الذي أوكلت إليه السياسات إدارة «70%» من إدارة الاقتصاد، فهذه السياسة عملت على سحب الموارد لتترك القطاع يدور في فلك فارغ، والجانب الخطير في ظني أن القطاع الخاص ظل وكأن لديه من الكفاءة والرؤية لإحداث التغيير في الاقتصاد المحلي أو اقتصاد الصادرات أو للمنافسة خارجيا عند تبنينا سياسة التحرير، فغابت أو قلت القيود على التجارة الخارجية، وللأسف كان قطاعنا الاقتصادي غير مؤهل، لأنه على مستوى الإدارة والمؤسسات أو التكنولوجيا أو فهمها لمتغيرات العالم أو لكل المفاهيم الأساسية التي تجعله مؤهلا للمنافسة حتى داخل السودان، ظل متخلفاً. ولم نفعل أي شيء لتخطي هذه المعضلة حتى يواكب القطاع الخاص سياسات التحرير التي تعني أن يكون لك قطاع خاص قوي، أو أن تؤهله ليكون قويا للقيام بالدور المناط به في إدارة الشأن الاقتصادي، لا سيما أننا أوكلنا له نسبة «70%» من الحركة الاقتصادية، لأجل هذا إذا لم تكن له قدرة أو موارد حتى يستطيع المنافسة، وإن لم نفعل ذلك، فمعنى ذلك إننا نهدر موارد القطاع العام، فالقطاع الخاص عندنا أسوأ من ذلك، فالإدارة الاقتصادية على مستوى الدولة والقطاع الخاص إدارة عاجزة، بالتالي أي خيارات لا تهتم أو تستصحب بناء القدرات والتأهيل في معيتها ستكون في فراغ، أو ستأتي بنتائج ضعيفة جدا. وللأسف هذا ناتج عن الخلل المستمر الذي لم يجد المعالجة العملية الصحيحة.
٭ لكن كثيرين يرون أن السبب الرئيس في ألا تؤتي سياسة التحرير الاقتصادي أكلها، أن الحكومة مارست سياسة الاحتكار لبعض الجهات الحكومية أو المقربة؟
هذا صحيح، لكنها حتى لو أزالت هذا الاحتكار، وهذا نموذج لعدم الرؤية طويلة المدى، حيث ذكرت أنها ستنقل بناءً على سياسات التحرير الحركة الاقتصادية التي ليست لها علاقة بالسيادة من القطاع العام الحكومي إلى القطاع الخاص، وبدأنا ذلك بسياسات الخصخصة منذ فبراير 1992م واستمرت، لكن حدث تدخل من الإدارة السياسية على مستوى مجلس الوزراء أو الأجهزة دونه عسكرية أو أمنية أو خلافها، فأصبحت تعاد إلى الأنشطة الاقتصادية عبر أسماء شركات ومؤسسات ظاهرة أو غير ظاهرة لتتدخل في الحركة الاقتصادية. وهذا عكس التوجه الرئيسي لسياسة التحرير، وتم ذلك في عدم شفافية تامة، وحتى الآن لا يدري أحد حجم التدخل الحكومي أو شبه الحكومي، وكل من يقول به يكون من باب الانطباع رغم صحة وجوده، حيث أنني لم أقرأ أو سمعت شيئاً غير أن هذا التدخل قد تفشى، لكن دون تحديد لحجمه أو نسبته وأثره، لكن ما أؤكده أنه عنصر من عناصر انحراف سياسة التحرير ونقل الكفاءة والموارد للقطاع الخاص، لكن يظل الإشكال موجوداً إذا تحدثنا عن القطاع الخاص داخل أو خارج الحكومة، أو القطاع الاقتصادي داخل الحكومة، فعندي ثلاثة قطاعات خاصة، قطاع خاص خاص، وقطاع حكومي خاص غير معروف الحجم رغم قناعة كل أهل السودان بأنه منتشر جداً ومسيطر وغائب عن أية رقابة، ثم قطاع حكومي اقتصادي معروف، لكن القاسم المشترك بين ثلاثتها غياب الرؤية للانتقال أو إحداث التنمية، وعدم القدرة على استخدام الموارد عند اتاحتها بكفاءة لصالح البلد، وهنا تكمن المشكلة وأس البلاء.
٭ هل إنشاء الحكومة مفوضية لمحاربة الفساد يشكل حلاً ويمكن من القفز فوق هذه المعضلة؟
أولا لا بد من الاعتراف بأنه ما دام هناك بشر فسيكون هناك فساد، وما دام الأمر كذلك فعلى أي نظام اتخاذ التدابير الواقية من الفساد، عبر تهيئة البيئة والإطار الذي يتمتع بالشفافية وتحفه وتحرسه جيوش العدل، مع ترسيم الحدود لأي نشاط، لجهة أن هذا ركن أساسي لمحاربة الفساد قبل وقوعه، لأنك إن فعلت ذلك تكون قد أسست لنظام خالٍ من الفساد، ومن ثم تترك القوانين واللوائح لمتابعة فساد الأفراد الذين بطبيعتهم مجبولون على الفساد، غير أنه إذا كان الإطار الأساسي للسياسات المتسمة بالشفافية والمشتملة على مبدأ العقاب والمحاسبة موجوداً فإنه يقلص المساحات لفساد الأفراد، لكنه إذا غاب أو لم يكن موجوداً فإن المفوضية لن تجدي فتيلا، وستصبح قليلة الفعالية، لجهة أن النائب العام والمراجع العام والقضاء الذين يناط بهم معاقبة المفسدين أياً كانوا لم يوقفوا الفساد، مما يعني أن هناك شيئاً، لأجل هذا المفوضية إذا انطلقت ولم تؤثر على البيئة العامة للسياسات والإجراءات والنظم بصورة أساسية، ستكون مجرد عبء إداري إضافي في ظل غياب البيئة الشفافة والحرة، وستظل شبيهة بالآليات السابقة لها، ولن تفعل شيئاً. ولأعطيك نموذجا للفساد، حينما تكون البيئة غير صالحة، فالكل يقرأ عن عطاءات من قبل المؤسسات الحكومية لتأهيل مقاولين أكفاء، فهذه الإعلانات من حيث الشكل جيدة جدا، ويقول الكل إنها ستوفر على مؤسسات الدولة الوقت والمال لجهة توفير قائمة قصيرة منهم تستعين بخدماتها متى ما لزم الأمر، لكن من يدري أنها بوابة للفساد في حد ذاتها.
٭ هل تعنى أنها مجرد واجهة؟
لا أنا أقصد أنه يمكن استغلالها في إطار عدم وجود الإطار الكبير للشفافية والحرية والنزاهة، لكن ما الذي يضبط ويضمن لنا أن اختيار القائمة القصيرة قائم على النزاهة والشفافية والكفاءة؟ وإذا لم يكن لدينا ما يضبطها فهي تعتبر من أقوى آليات الفساد والإفساد والإقصاء في الحركة الاقتصادية للقطاع الخاص، ولنفرض أنك أعلنت أن مدة العطاء سنة وأنشأ القطاع الخاص شركة تمتلك المؤهلات والمواصفات التي تؤهلها للدخول في المزاد، فبتحديد مدة السنة تكون قد حرمت صاحب الكفاءة من الاشتراك فيه لمدة سنة.
٭ وفي هذا نوع من الاحتكار؟
نعم نوع من الاحتكار والفساد، لأن أي إجراء يقيد المنافسة عددا أو زمنا أو نوعا هو ضد التحرير، لأن التحرير ليس فوضى، ويمكن الموازنة بين التكلفة المتكررة لعقد المزاد وإجراء آخر، والآن حقيقة كلهم حتى بعد الاعلان لا يفقدون موارد، بل أن الإعلان والعطاءات أصبحت مورداً للجهة المعلنة، لأن تكلفة شراء كراسة العطاء أكثر من تكلفة عملية إجرائه، فالأسلم أن يتم الإعلان عن حجم احتياجات المؤسسة خلال السنة، لا سيما إذا كانت هناك أشياء تنتج داخل البلد ولا تحتاج لفترة توريد طويلة، حتى لا تحتج المؤسسة أوالجهة باتخاذ التدابير منذ زمن طويل لاستيرادها، لكن عملية قفل العطاءات تفتح الباب لحدوث المشكلات، فأنا أعلم أنها موجودة عالميا.. لكن إدارتها خارج إطار الشفافية والعدالة واندماجها مع رؤية سياسة التحرير، سيجعل الممارسات بوعي أو بدونه بفساد أو بدون فساد، مسألة «جايطة».
{ أعلن رئيس الجمهورية حل كل الشركات والمؤسسات التجارية الحكومية بنهاية العام الحالي علما بأنها كانت تستأثر بالعديد من الامتيازات فهل كانت برأيك مدخلا للفساد ؟
- ليس مدخلا للفساد فحسب بل وجودها في الأصل ضرب من الفساد ومجرد قرار إنشائها هو الفساد بعينه حتى لو لم تفسد وتساوت مع الآخرين بعد حصولها على امتيازات، لأن وجودها ضد سياسة التحرير المعلن عنها التي أولى أبجدياتها نقل الحركة الاقتصادية إلى القطاع الخاص وقد خصصت الحكومة وباعت كثيراً من المؤسسات التابعة لها مثل سوداتل والخطوط الجوية السودانية والنقل النهري والبحرية ومن بعد ذلك تنشيء شركة تعمل طعمية أو سكر أو تبني شارع زلط فهذا يوضح أن الحكومة لا تعرف ما تتحدث عنه أو تعرفه ولكن في غياب الرؤية الشاملة وفي غياب الشفافية والعدالة تريد أن تعمل تحت الشعار والسياسة التي طرحتها ما شاءت .أما الجانب الآخر الخاص بالاحتكار فسهل جدا لأن يمكن أن يأتي متنفذ وزير أو غيره وتحت حجة عدم ذهاب الربح المعين من أي مشروع يقول إنه يريد أن يعود إلى القطاع العام ولنفترض ذلك فهو إما أن يعطي الجهة الحكومية امتيازاً والامتياز الأكبر ليس بإعفائها من الضرائب لكن بأن يشوب ممارسة فرض الضريبة عليه يكون فيه الفساد مما يوقد لخلل البيئة التنافسية أو حتى على مستوى إعلام الجهة الحكومية بتوقيت عطاء معين يحتاج لوقت لترتيب الأوضاع والتجهيزات للدخول فيه فترتب نفسها قبل الآخرين فتظفر بالعطاء بكسبها لعامل الوقت والتجهيز المسبق قبل الآخرين، وفي ذلك ضرب من الفساد البين مما يقلل المنافسة بناء العدالة والكفاءة والشفافية حيث أن كثيراً من العطاءات والمزادات مفصلة على جهات معينة وتشريح كل حدث إذا أمسكت به تجد فيه كثيراً من الخروقات والممارسات الخاطئة الفاسدة ولعلم الجميع أنه لم يعد هناك احتكار 100% على مستوى العالم لكن يمكن ببعض الممارسات الخفية أن تتيحه لبعض الجهات بنسب متفاوتة قد تصل إلى 70% من خلال تقوية مواقفها وتقويتها على إقصاء المنافسين لها من خلال الاحتكار أو عدم الشفافية وللأسف عندنا ليس لدينا قانون لمحاربة الاحتكار وحتى لو وجد ليس هناك من يطبقه إذ أنه لم نسمع أن قيل للرأي العام أن هؤلاء محتكرون تم ضبطهم ومحاسبتهم أو معاقبتهم لو لمرة واحدة . وهناك أشياء أخطر من الاحتكار.
{ مثل ماذا ؟
- مثل زيادة الحكومة لأسعار الوقود مؤخرا بواقع جنيهين تقريبا للجالون غير أن حجم الزيادة في تعرفة المواصلات لم تكن بالحجم الموازي لزيادة أسعار المحروقات ولننظر إلى تكلفة الوقود في تكوين منظومة النقل ستجد أن العائد الذي يؤخذ تحت مظلة زيادة المواد البترولية كبير جدا من جيوب المواطنين إلى جيوب أخرى حكومية أو غير حكومية، لأن النتيجة واحدة وهذا يبرهن على غياب فهم التكاليف سواء من متخذ القرار أو مطبقه ومثال آخر منحة المئة جنيه التي قدمت للعاملين بالقطاع العام وبعض الخاص تجد أنها لا توازي حجم الزيادة الناتجة عنها في أسعار السلع الاستهلاكية ولا ننسى مقارنة عدد الذين يأخذون مرتبات من القطاع الحكومي والخاص ونسبتهم إلى بقية قطاعات الشعب ستجد أن نسبتهم ضئيلة مقارنة بحجم الزيادات التي نتجت عن منحة المئة جنيه.
{هل معنى ذلك أن سياسة التحرير أهملت القطاعات الإنتاجية الحقيقية ورمت بظلال سالبة على المنظومة الاجتماعية ؟
- سياسة التحريرعنيت في المقام الأول رفع أهل الإنتاج غير أن ثمة خلط للمفاهيم قد زاع بين الناس عن ماهية سياسة التحرير ومقاصدها وخير شاهد على قولي لأول مرة السودان يتم إعلان سياسة سعر صرف في فبراير 1992 منذ إعلان الاستقلال حيث فشلت كل الحكومات في ذلك وسعر الصرف هو الأخطر لجهة تأثيره على كل شيء في الاقتصاد وربما كانت هناك سياسة ضمنية لسعر الصرف فحتى سنة 1992 كانت الحكومة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق القانوني في تملك النقد الأجنبي وكان يعتبر تملك أو حيازة النقد الأجنبي خارج البنك المركزي جريمة لأجل هذا كان تحرير سعر الصرف في صالح المنتج زراعيا أو صناعيا لجهة أن الحكومة كانت تحدد السعر وتأخذ النقد الأجنبي عندها وكانت تحدد سعر الصرف بعد النظر إلى مواردها الحقيقية مضافا إليها الضرائب والجمارك وكم تساوي بالسوداني حسب تقديراتها وتقارنه بما يحتاجه تسيير الاقتصاد الكلي من النقد الأجنبي ( الدولارات)،ومن ثم تقدم على تحديد سعر الصرف بناء على قدرتها على شراء النقد الأجنبي فقد تكون قدرتها في أن تعلن أن يساوي الدولار 3 جنيهات أو اثنين أو خلاف ذلك فهي إذا تحكم على تحديد سعر الصرف بناء على قدرتها وكان معظم النقد الأجنبي يذهب لتغطية استيراد أو إنتاج سلع استهلاكية (السكر - الرغيف - البنزين ) تخص أهل المدن الذين لهم أثر في القرار والحراك السياسي لأنهم هم من يقودون المظاهرات والانقلابات والثورات ضد الحكومات رغم أن الحكومة لا تعطيهم مرتبات مجزية غير أنها تدعمهم عن طريق سعر الصرف الذي تتحصل عليه من الصادرات التي ينتجها في السودان القطاع الزراعي التقليدي، فكأن السياسات في سعر الصرف أن المنتج الذي ليس له صوت في الحراك السياسي يدعم ناس المدن ولما حررت أنا سعر الصرف كان الانحياز للمنتج الذي ينتج ما يجلب الدولار فعند ارتفاع سعر الصرف يرتفع دخل المنتج فعملت على رفع تلك الجزئية من تدخل القرار السياسي لينحاز تلقائيا لمن ينتج الدولار
{ لكن الحكومة رفعت يدها عن المنتج ؟
- لا لا الحكومة لم ترفع يدها عن المنتج لأن تحرير سعر الصرف كان أكبر من أي دعم في تأريخ السودان فالحكومة حتى سنة 1992 لم يكن لها أي دعم للمنتج إلا في الزراعة المروية التي لا يتعدى عدد مزارعيها بما فيها مشروع الجزيرة نصف مليون مزارع أما مزارعو القطاع غير المروي لا يجدون أي دعم ، الحكومة ظلت تدعم القطاع الصناعي الذي يملكه الأثرياء بالإعفاءات الجمركية والضرائبية رغم أن إنتاجه ليس به علاقة بالمنافسة داخليا أو خاجيا بل تكلفة إنتاجه أعلى من المستورد فمساهمة القطاع الصناعي في الناتج القومي الإجمالي لم تتجاوز 7% قبل إنتاج البترول في وقت وصلت مساهمة القطاع الزراعي 50% فظل المنتجون الحقيقيون يواجهون تدني سعر الصرف والجمارك والضرائب لأجل هذا غياب الرؤية هو المشكلة في الاقتصاد السوداني
{ هل تقصد أن الدعم لم يكن محفزا للإنتاج ؟
- الدعم كان محفزا لعدم الإنتاج ولعدم الجودة وعدم بناء القدرة التنافسية للاقتصاد السوداني نسبة للاحتكار وعدم تحرير سعر الصرف فبمجرد تحريره تم منح أكبر حافز للمنتجين أو على الأقل منحته شيئا يخفف عليه من دون تدخل إداري أو سياسي .
{ لكن ما زالت المشاريع الإنتاجية تترنح ؟
- يا أخي المشاريع الإنتاجية تترنح نسبة لسوء إدارتها في المقام الأول ومن ثم تأتي العوامل الأخرى ولنأخذ مثالا أقوى وأكبر المشاريع الزراعية مشروع الجزيرة فهو منذ انطلاقه في 1925 ورغم ما يقدم له من دعومات هل استطاع نقل مزارع واحد من مزارعيه من إلى دائرة الغنى بل إلى دائرة سترة الحال فهذا يدلل على أن نموذج مشروع الجزيرة نموذج خطأ فخطأوه قد يكون في اختيار التركيبة المحصولية به أوالحزم التقنية التي توصي بها الأبحاث الزراعية وفي رأي أن الحزم التقنية التي يوصى بها في مشروع الجزيرة غير اقتصادية وللاسف يدفع ثمن تكلفتها المزارع البسيط وقد يكون الخلل أيضا في إدارة العمليات الإنتاجية أو العمليات التسويقية أو السياسات العامة للدولة وإن اختلفت وتباينت درجات تأثيرها وخلاصة القول سياسة التحرير دون أطر سياسية عامة تطبيقها سيكون خصما عليها وعدم التحرير كذلك لأنه قبل التحرير لم يتحسن وضع مزارع مشروع الجزيرة وسائر المشروعات المروية الأخرى
{هل بالإمكان تخطي معضلات المشاريع الزراعية عبر مشروع النهضة الزراعية ؟
- إذا لم يكن لديك رؤية أو فهم أو رسم خطة لمستقبلك عبر أية خطة أو مشروع وحددت ما تريد بوضوح فإنك لن تحقق شيئا وحتى إن سرت سيلازمك التخبط ،ففي غياب المرجعية لتحقيق الهدف لن تفعل شيئا ولو كتب لك الوصول ستكون أي كلام فالذي أريد أن أخلص له إن هذا الحال ينطبق على مشروع النهضة الزراعية ففي رأي أن الزراعة في شقها النباتي لم تعد ذات جدوى اقتصادية بالسودان نسبة لعدة عوامل على رأسها الزحف الصحراوي والذي على حسب تقارير الأمم المتحدة سيغطي جوبا بحلول 2030 بجانب التغييرات المناخية علاوة على العوامل الأخرى منها على سبيل قلة أو ضعف البحث العلمي غير أنه يمكن للنهضة الزراعية أو خلافها التركيز على الإنتاج الحيواني استغلالا واستفادة من الميزات النسبية التي يتمتع بها السودان على عكس ما هو متوفر للإنتاج النباتي .
{ ماهي ميزات الإنتاج الحيواني التفضيلية ؟
- يستهلكها أصحاب الدخول العالية وكذا الطبقة الوسطى التي تهتم بتجويد ثقافة الغذاء وأنها تلبي الحاجة المضطردة لاستهلاكها جراء الزيادة المتلاحقة لعدد سكان العالم لا سيما ان الطلب على الغذاء في زيادة متلاحقة يوما إثر آخر، ففي ظني يجب أن ينأى القائمون على أمر الاقتصاد بالسودان بأنفسهم من الاستماع إلى الاسطوانة المشروخة التي ظلت تشنف الآذان ردحا من الزمان أن السودان سلة غذاء العالم فهذا وهم كبير استمرأ السودانيون التكيف معه فنحن للأمانة لانحسن التعاطي مع الزراعة حيث أن المساحات الصالحة للزراعة تتقلص رقعتها يوميا جراء الزحف الصحراوي بجانب تناقص إنتاجية الفدان من 300 كيلوجرام في 1985 إلى 67 كيلوجرام من المحاصيل في القطاع غير المروي مما يعني حاجتنا لزيادة المساحة المزروعة بمقدار 17% هذا بجانب عدم قدرتنا على المحافظة على ما ننتج حيث نفقد ما يناهز ثلث إنتاجنا جراء عدم إجادتنا لمعاملات ما بعد الحصاد لأجل هذا كله أرى الأفضلية للإنتاج الحيواني لكونه أقرب للصناعة منه إلى الزراعة التي لم نعد لنا فيها القدرة على المنافسة في مضمارها فبقليل من الاجتهاد في مجال الإنتاج الحيواني يمكن التغلب على كثير من المعضلات الغذائية والأمنية إذ أنه بالإمكان التوصل لحل مشكلة أبيي بنقل مسار الرعي من الجنوب إلى الشمال عبر توفير المراعي في أراضي الولاية الشمالية البكر لتحقيق الإكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير لدول الجوار مثل مصر وإرتريا وأثيوبيا وخلافها غير أن أخطر ما يعاني منه الاقتصاد السوداني تضارب السياسات والرؤى التي تجب كل منها ما قبلها .
{ ما رأيك في سياسة تعويم سعر صرف الجنيه التي اتبعها البنك المركزي مؤخرا ؟
- ضرورية جدا للمنتجين والتنافس داخليا وخارجيا فارتفاع سعر الصرف مهم جدا لصالح المنتج عموما وأي حركة اقتصادية لاسيما أن الدولة تتبنى سياسة تحرير اقتصادي والتي تعني فتح الباب للمنافسة دون تدخل من الدولة إلا في إطار ضبط حركة الاقتصاد وترك المجال لآلية حركة السوق لتحديد الأسعار، فسعر الصرف إذا كان إيجابيا فإنه يقلل تكلفة الإنتاج وبالتالي يعمل على حماية المنتجين والذي إن لم يستطع المنافسة لابد من إعادة النظر في عوامل الإنتاج غير أن ثمة سؤال يجب الإجابة عنه بصراحة هل المنتج السوداني مؤهل للمنافسة داخليا وخارجيا ؟ فسعر الصرف دوره الأساسي توجيه الموارد نحو الطلب لجهة أنه سعر تكلفة وأنه السعر المشترك المؤثر على كل الأسعار .
{ الكل يخشى قلة احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي عقب انفصال الجنوب فبرأيك ما المخرج من هذا المأزق ؟
- المخرج عندي تجنيب بعض الدخل والإيرادات خاصة وأن السودان يعاني هشاشة عظام اقتصاده وتتعدد عليه الكثير من الهزات التي على رأسها هزات تغير المناخ والأسواق مع ضرورة توجيه الاقتصاد لإنتاج العملات الحرة والعمل على ترتيب أولويات صرفه .
{ برأيك ما هي أسباب تدهور الصناعة بالسودان ؟
-إن معضلة الصناعة بالسودان الأولى افتقارها للرؤية والنظرة الاستراتيجية المتكاملة التي يحدد على ضوئها ما ينتج وبأية كيفية ولمن ننتج للاحتياج المحلي أم الخارجي وكيفية توفير رأس المال الدوار الذي يمكن المنتج من استمرار صناعته دون تأثر بعامل الزمن جراء تأخر دورة الاستيراد نسبة لبيروقراطية المعاملات والإجراءات هذا بجانب علو تكلفة الإنتاج جراء تذبذب سعر الصرف وقلة دعم المدخلات فنحن باختصار لدينا مصانع وليست صناعة جراء ضعف الفهم الفني والإداري الذي تقاصر عن إدراك العمل في بيئة تنافسية فعجز عن تغيير الإطار الاقتصادي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.