بعد شهور قليلة من رفع الدعم عن السلع الأساسية للمواطنين، وزيادة الأسعار، أعلنت الحكومة السودانية أنها بدأت في مرحلة ثانية للتضييف على السودانيين، في محاولة لتأمين مقاعدها على كراسي الحكم، وذلك بإلغاء نهائي لأي ضرائب أو رسوم جمركية على الصادرات أو الواردات القادمة في صفقة حملت مسمى "منطقة زراعية حرة لدول الخليج العربي"، والتي أعلن عنها مؤخرا وزير الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل. وفيما لن يستفيد السودانيون من المنطقة المذكورة، وذلك في ظل حاجة الدول الخليجية لتأمين المنتجات الزراعية، والحرص على توريد 100% من المنتجات التي يستثمرها رجال الأعمال، لا يعرف المختصون أي فائدة للشعب السوداني، سوى باستغلال أراضيه، دون الاستفادة منها ولا من منتجاتها، أو حتى من عوائد الصادرات الممثلة في الرسوم والضرائب والجمارك، والتي ستبقى على رقبة السودانيين، فيما يعفى منها المستثمر الأجنبي. وفيما يعتبر المحللون أن حكومة البشير بهذه الخطوة تنوي كسر العزلة التي تعاني منها بوقف التحويلات المالية من دول الخليج، ببيع علني للأراضي السودانية دون أي فائدة تذكر، بما في ذلك أي عائد للمنتجات على السوق المحلية، توقع المحللون ألا يتفاعل الكثير من المستثمرين الخليجيين مع تلك الصفقة الخيالية والعرض المجنون، لمآلاته السياسية وليست الاقتصادية، خاصة أن تجارب المستثمرون الخليجيون مع الحكومة لطالما انتهت بالفشل، ولم تحقق مبتغاها، ومنيت بالخسارة دائما، خاصة أن المستثمرون يعرفون جيدا أن الاستثمار في مناطق نزاعات تعتبر خسارة واضحة، فما بالنا بحكومة لا يتفق عليها أي من السودانيين، والذين ينوون إسقاطها بكل السبل، الأمر الذي يضع أموالهم في مهب الريح، مع أول انتفاضة قادمة أو ربيع سوداني، أو حتى بانقلاب عسكري، وهي سيناريوهات باتت أقرب للسودان. والمعروف أن المناطق الحرة لا تخضع صادراتها ووارداتها لأي رسوم جمركية أو ضريبية وتتمتع بحرية تنقل عمال الفلاحة منها وإليها. وكانت خطة السودان مع نظام الأخوان المسلمين في مصر تقضي ببيع الأراضي السودانية في نفس الإطار المعروف بالمنطقة الزراعية الحرة، وبدأت حكومة البشير فعليا ترتيباتها لتنفيذ ذلك، لتأمين كراسي حكمهم وتأمين حكم الأخوان المسلمين في مصر، إلا أن انقلاب الشعب المصري على الأخوان حال دون ذلك. وأشار المحللون إلى أن ما يدعيه الوزير السوداني من أن المنطقة الحرة خضعت للدراسة أمر يستحيل، لأن الموضوع برمته يحتاج لسنوات لتأمين المصلحة الاقتصادية لأي بلد ينوي القيام بهذه الخطوة، لكن السرعة في تنفيذ المشروع يأتي حتما لتمرير أجندة سياسية واضحة، وهو أيضا ما يتنافى مع حديث الوزير من أن تنمية الاقتصاد السوداني ستعتمد على تلك المناطق، بدليل أن الاستثمارات الخليجية التي بدأت في السودان حاليا رغم قلتها ووجود العراقيل الكثيرة في الجمارك والضرائب والرسوم، لم تنعكس أي إيجابيات لها على السوق السوداني أو اقتصاد البلاد، فلم يشهد المواطن أي وفرة يصاحبها تدني الأسعار خاصة في اللحوم البيضاء أو الحمراء أو البيض أو الألبان وكلها مشروعات لها استثمارات كبيرة من مستثمرون خليجيين. ويؤكد المحللون أن استفادة أي بلد من المناطق الحرة يكون عادة بزيادة الوارد من النقد الأجنبي، وهو أمر يستحيل مع الوضع الاقتصادي والبنوك السودانية، خاصة في ظل اهتزاز الحكومة وعدم شرعيتها واقرار حكومات تلك الدول بذلك، مما يجعل هناك تخوفات واضحة من مصير الأموال في البنوك، والحذر بما يعرف بتقليل أي وارد من العملات. وفي الفائدة الثانية لأي دولة يأتي من الرسوم والإيجارات التي يتم تحصيلها من المستثمرين كما في الشأن الإماراتي الذي فتح المجال لآلاف الشركات الأجنبية، والتي وجدت في الاستقرار السياسي والاقتصادي فرصتها، وهو أمر أيضا لا يتوفر لحكومة السودان والتي لن تتقاضى بالطبع أي رسوم. وفي الفائدة الثالثة تدريب القوى العاملة، فإن الاستثمار الأجنبي في المنطقة الحرة المزعومة وفر استفطاب أيدي عاملة من الخارج، مما يؤكد الاستغناء عن أي كوادر وطنية سودانية يمكنها أن تعمل في المشروعات تلك، لتبقى نسبة العطالة كما هي. يذكر أن السودان سبق أن ميز المستثمرين فيما يعرف بقانون الاستثمار الجديد الذي تبناه وأسس فكرته مصطفى إسماعيل، لتثبيت أركان النظام السوداني في الحكم، بالسماح لهم بتصدير ما نسبته 100% من الصادرات مما فوت الفرصة على السوق المحلي في توفير أي مواد غذائية، وفتح المجال لرجال الأعمال السودانيين المحسوبين على النظام باستيراد نفس المنتجات التي يزرعها أو ينتجها السودان، بأسعار خيالية، ليتحمل المواطن السوداني عبء الفاتورة كاملة.