بعد ساعات من تمكينه في وزارة "الاستغلال" أعلن وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان ل "روترز"، أنه ينوي بيع مزيد من الأراضي السودانية على المستثمرين الأجانب، بزيادة تصل إلى 35% في موازنة 2014م، عما كانت عليه العام الماضي ( وصولا إلى ثلاثة مليارات دولار في 2014م، بدلا من ملياري ريال في 2013م). ويعكس هذا الإعلان تحديا حكوميا جديدا للشعب السوداني، في وقت ترفض الغالبية بيع الأراضي السودانية للمستثمرين، حيث أنه لا فائدة تعود على المواطن، خاصة أن حكومة البشير تهدي الأراضي للمستثمرين فيما يعرف بالترضيات السياسية للحيلولة دون أي ضغوط خارجية، وذلك وفق قانون جديد استصدرته باسم قانون الاستثمار، الذي يحرم السودانيون من أي عوائد من تلك الأراضي، ويمنح المستثمر حق تصدير كل المحصول الزراعي، دون أن يكبل بأي ضرائب أو جمارك أو زكاة أو عوائد مالية، الأمر الذي اعتبره السودانيون بأنه نهب للأراضي بلا مقابل. وكانت الاحتجاجات الغاضبة قد اجتاحت مناطق زراعية عدة في السودان في أبريل الماضي، بسبب التضرر من بيع الأراضي للمستثمرين، آخرها في منطقة أم الدوم شرق النيل بولاية الخرطوم ، حيث خرج المئات من الأهالي غاضبين ومحتجين على هذا البيع، مطالبين الحكومة بإلغاء الصفقات التي تبيع أراضيهم لمستثمرين، الأمر الذي واجهته الحكومة بالقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين، والذين قطعوا طرقا رئيسية، فيما أمطر المحتجون الشرطة بوابل من الحجارة محتجين على قطع أرزاقهم ومصدر دخلهم. وكانت أنباء غير رسمية لمحت إلى أن أشقاء الجنرال البشير هم من وراء الصفقة، حيث بينت مصادر إعلامية وقتها إلى أن "الأهالي عندما حاصروا نائب الدائرة وعضو المؤتمر الوطنى (حسب الرسول عامر عبدالمجيد) قال لهم : الموضوع ده جاى من فوق ! ردوا عليه : فوقنا إلا الله .. فقال لهم : انتم كده بتحرجونى المستثمر ده جابوهُو اِخوان البشير". ويستثمر رجال اعمال عرب من الخليج في الأراضي الزراعية في السودان الذي يواجه أزمة اقتصادية لتأمين الإمدادات الغذائية مثلما يفعلون في دول افريقية أخرى . ويقول منتقدون إن بعض المستثمرين يستغلون الدول الفقيرة والمزارعين. وأكد عثمان على هامش حضوره الملتقى العربي للاستثمار، أن حكومته تسعى لان يكون القطاع الزراعي المقصد الأول للاستثمارات الجديدة، حيث أنه استحوذ عام 2013م على 15% من الاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أنه حجم الاستثمارات كان في عام 2010 بلغ 3.4 مليار دولار، لكنه انخفض إلى 1.6 مليار في عام 2012، دون أن يذكر الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذا الانخفاض، والذي ربما ربطه الكثير من المحللين بأنه نتاج للربيع العربي مع عام 2011 م، وخوف المستثمرين من التورط في صفقات مع حكومة ربما ينقلب عليها الشعب فيخسرون استثماراتهم. لكن الحكومة التي نجحت في قتل الشعب في مظاهرات يوليو الماضي، بدأت ترسخ أقدامها عسكريا للحصول على ترضيات سياسية لمنع أي تحالفات خارجية يمكنها أن تتعاطف مع الشعب لاسترجاع الحكومة المنتخبة التي انقلب عليها الجنرال البشير في عام 1989م، وظل حاكما للبلاد أكثر من 24 عاما، ليبقى رئيسا ويختار أحد رفاقه في الانقلاب نائبا له، فيما وصف بأنه حكومة عسكرية بالكامل. وسبق أن أعلن مصطفى اسماعيل أن بلاده على استعداد لمنح رجال أعمال خليجيين أكثر من مليوني فدان لتنفيذ مشروعات استثمارية. ويعر ف السودانيون أن الكثير من الخليجيين لهم استثمارات ضخمة في بلادهم، دون أن ينتفعوا بأي من انتاجها أو محصولها، سواء مزارع خضروات أو ألبان أو دواجن، الأمر الذي يفسره غلاء الأسعار لتلك المنتجات في السودان إلى أكثر من ضعفي سعرها في تلك البلدان الخليجية، حيث يتم ترحيل المنتجات بالطائرات إلى عواصم الدول دون أن تخضع لأي رسوم إنتاج أو جمارك أو ضرائب أو زكاة، فيما يتخم المواطن السوداني بالكثير من الأعباء، مما جعل الترشيحات تؤكد أن هناك صفقات جانبية من وراء بيع تلك الأراضي، ما دامت لا تحمل أي صفة السيادة والفائدة، خاصة أن ما تعلنه حكومة الجنرال البشير حول توظيف العاطلين، يناقضه السماح لتلك الشركات باستقدام الأيدي العاملة والماكينات المطلوبة وفق ما تريد ودون أي تعطيل، وكذلك الاعتماد شبه الكلي على الماكينات التي لا تسمح باستيعاب الكثير من الأيدي العاملة في المشاريع الكبرى.