بسم الله الرحمن الرحيم اعتقد ان المشكلة التي يعانيها شعب السودان حاليا ويعجز عن تجاوزها تماما, مردها إلى محاصرته بين حكومة الحزب الواحد الأحد, ومعارضة القائد الواحد الأحد. فالحكومة مشغولة بأمور سلطتها وكيفية الإبقاء عليها كاملة تحت قبضتها, وبصورة لا تسمح لها بالالتفات إلى أي قدر من الاهتمام بكيفية إنقاذ المواطنين من ضنك الحياة الخانقة التي وضعتهم فيها, فهي غارقة حتى إذنيها في عملية الاستعداد للوصول لذلك الهدف, إذ لا نسمع ولا نشاهد إلا ما يتصل بأمر الانتخابات التي لا زال حزبها المنافس الوحيد فيها. بينما الأحزاب المعارضة هي الأخرى غارقة في شبر مياه الحوار الحائر من جانب, والبحث عما يحقق حلمها في إسقاط النظام بعيدا عن صناديق الانتخابات من جانب آخر. وقبل ان ننتقل إلى حديث آخر لابد من ان نستفسر عن بدعة الإنقاذ المتمثلة في دعوتها لثلث دول العالم ومائة شخصية اعتبارية لحضور مؤتمرها العام كما تفاخر, بينما المؤتمر هذا يعتبر شان داخلي وخاص وليس احتفالا بأحد أعيادها أو أعياد البلاد يمكن ان يدعا للمشاركة فيه. فما هو الهدف من مثل تلك الدعوة وما هو العائد من ورائها بما يبرر نفقاتها؟ فان كان الغرض هو نفى الحصار والعزلة المضروبة على السودان, فان المدعوين من الدول المحددة ليس من بينهم ما جاء ممثلا لدولته بما يوج بتخليها عن فكرة الحصار أو العزلة, بل جاؤوا كمواطنين فى إطار تبادل الزيارات بينهم وبين الداعين. فأحزاب المعارضة لا زالت مشغولة وعلى مدى عمر الإنقاذ المتطاول, بالحديث عن إسقاط النظام واقتلاعه من جذوره وغيرها من التعابير التي تظل مجرد جعجعة بلا طحن. قلنا من قبل بان إسقاط اى نظام حكم غير مرغوب فيه, لا يتم إلا عبر طرق محددة ومعروفة, لا تخرج عن الانقلابات العسكرية أو الهبات الشعبية, إضافة إلى أفضلها الذى يتم عبر التبادل السلمي للسلطة وقلنا بان الإنقاذ قد احتاطت لكل تلك الطرق عبر بدعة التمكين التي أبطلت مفعولها جميعها, كما وأبطلت مفعول التبادل السلمي للسلطة ايضا. ومن ثم كان على الأحزاب المعارضة البحث عن أي طرق أخرى تحقق هدفها في إسقاط النظام. مشكلة الأحزاب المعارضة وعجزها عن تحقيق أي قدر في اتجاه تحقيق هدف إسقاط النظام الذى اغتصب سلطتها بليل, وحرمها حتى من حقها في مجرد التعبير عن ذلك الفعل الخاطئ, يمكن إرجاعه وبصورة أساسية إلى عدم ثبات المعارضة على رأى محدد ومتفق عليه تنصرف بموجبه إلى عملية تنفيذه دون التفات للوراء بين حين وآخر لتغييره. فبعض من أحزاب المعارضة تعلن رفضها لفكرة إسقاط النظام بالعنف وتتبنى ما أسمته الكفاح المدني, حزب الأمة مثال, وأخرى ترى في اقتلاع النظام بأى صورة كانت جائزا حتى باستخدام السلاح, كالجبهة الثورية وما يشاطرها من أحزاب, بينما آثرت أحزاب أخرى السلامة السياسية فهادنت النظام لدرجة مشاركته اسميا في السلطة, الاتحادي الديمقراطي الأصل مثال. لكن المدهش ان هذه الأحزاب لا تلتزم حتى بما تعلن ولا تعمل بموجبه, بل تستطيع تغيير مواقفها في اى وقت متى رأت قيادتها ذلك. وبالطبع وفي مثل هذا الجو الملبد بأشكال وألوان الاختلافات في الرؤى والأهداف ووسائل تحقيقها, بين مختلف الكيانات المعارضة, يصبح من الاستحالة بمكان مجرد الأمل في الوصول إلى هدف إسقاط النظام. لذلك كثر الحديث هذه الأيام عن ضرورة توحيد صفوف المعارضة بما يمكنها من تفتيت صف النظام. جاء بالصحف ان السيد فاروق أبو عيسى رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني, قد التقى السيد الإمام الصادق المهدي بالقاهرة, حيث اتفقا على تسريع خطوات توحيد المعارضة من اجل تصفية نظام الحزب الواحد, وإقامة سلام عادل وتحول ديمقراطي كامل, يحقق عبر وسائل سياسية, إما حوار منتج باستحقاقاته أو انتفاضة شعبية سلمية. إضافة إلى الحديث عن حلم الحكومة الانتقالية والمؤتمر الدستوري للاتفاق على كافة قضايا البلاد مؤسسا لمرحلة الديمقراطية المستدامة. أما كيفية تسريع توحيد صفوف المعارضة والتي لم يشرع فيه بداية, فلم يحدثنا الخبر عن المعجزة التي ستجعل قوى الإجماع الوطني التي لم تجمع على أي أمر أو رأى أبدا, ان تجمع على هذا الطرح الذى تم في غيابها وبدون تفويض منها, العذر الدائم؟ أظنكم تذكرون الدعوة إلى حوار تشارك فيه كل الأحزاب السياسية بما فيها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان, بادرت بها بعض الأحزاب المعارضة, على ان يتم انعقاد ذلك الاجتماع بجوبا, ولعل تلك الدعوة أن لو قدر لها النجاح لأثمرت نفعا كثيرا ربما يصل إلى إبدال فكرة انفصال الجنوب بالوحدة, وكالعادة بدا العد التنازلي لقبول الدعوة الذى ابتدره الحزب الحاكم برفضه لها, ولحق به الاتحادي الديمقراطي الأصل, الذى كثيرا ما يفقد أصالته بمثل تلك التصرفات وغيرهم. ورغم ذلك فقد خرج ذلك الاجتماع بفكرة لإسقاط النظام شرعيا عبر صناديق الاقتراع لانتخابات عام 2010م, فكانت بارقة أمل لم يسمح لها بالتحقق. فلأحزاب التي اتفقت على توحيد صفوفها وكيفية المشاركة في تلك الانتخابات ابتداء من الاتفاق على المرشح الذى سيمثلها منافسا لمقعد رئاسة الجمهورية, وإلى مرشحيها لعضوية المجالس التشريعية ودون اى منافسة بين عضويها تعمل على تشتيت الأصوات, ما ان عادت من جوبا إلى الخرطوم, وما ان جاء موعد الانتخابات حتى شاهدنا انقلابها العجيب على تلك الفكرة الأمل.إذ عادت الأحزاب إلى اختلافاتها العقيمة, حيث أعلن بعضها مقاطعته للانتخابات بينما خرج بعض من عضويتها على قرار المقاطعة وترشح مستقلا, ومنها من قرر خوضها دون قراءة واقعها. وكانت المفاجأة الفشل الذى لحق بالحزب الاتحادي الديمقراطي الذى أعلن خوضه للانتخابات بعد ان عمل على فرز عيشته من أحزاب المعارضة الأخرى منذ البداية ولحق بالحزب الحاكم, فسقط مرشحوه وفى دوائر كانت مقفولة له إذ هي موطن جماهير الختمية الموالية للحزب وزعامته كدوائر شرق السودان , المدهش ان الآلاف المؤلفة التي خرجت لمقابلة زعيم الحزب, مولانا محمد عثمان الميرغني عند زيارته لكسلا, هي ذاتها التي أحجمت عن التصويت لمرشحي حزبه وانحازت لمرشحي المؤتمر الوطني, وذلك سر لابد من كشفه. الآن هنالك دعوة لانتخابات جديدة غير متفق على موعدها بين جميع الجهات المعنية بها, بسبب الحوار الوطني الدائر اليوم, والذي ترى الغالبية إلا تجرى تلك الانتخابات قبل الوصول به إلى نهاياته التي قد يكون من بين توصياتها الدعوة إلى تأجيلها. لكن الحزب الحاكم ولشيء في نفسه قرر منفردا إجرائها في موعدها, بل سار في طريق تنفيذها حتى مرحلة اعتماد مرشحيه لرئاسة الجمهورية ورئاسة الولايات. يحدث ذلك دون أدنى اثر للأحزاب الأخرى التي لم يشرع اى منها في إقامة مجرد ندوة لتنوير جماهيره بما سيفعل في هذا الأمر. بل كل الذى يدور في الساحة السياسية هو ما يصدر من بعض كوادر الأحزاب المعارضة عن تأكيد مقاطعة أحزابهم للانتخابات التي حالما ينفيها زعيم الحزب الذى بيده كل خيوط اللعبة, ويبدو ان المشهد السياسي سيستمر بهذه التناقضات حتى موعد الانتخابات التي تم التمهيد للحزب الأوحد لاكتساحها. ومرة أخرى ولتدارك الموقف الحرج الذى يعيشه الوطن والمواطن اليوم, برزت للسطح الدعوة لتوحيد صفوف المعارضة لتلافى الأخطار المترتبة على قيام انتخابات غير متفق ومجمع على قيامها, ويغيب عن المشاركة فيها غالبية الأحزاب الهامة, ومن ثم سيقود ذلك إلى عدم الاعتراف بنتائجها مستقبلا فتزيد من حالة الاحتقان السياسي الذى قد يقود إلى الانفجار. وكانت الدعوة الأخيرة التي تبناها احد رجال الطرق الصوفية, الشيخ عبد الله ازرق طيبة, من اجل توحيد الكيانات المعارضة, السياسية والمسلحة, للحوار والخروج برؤية موحدة لكيفية إسقاط النظام. الملاحظ ان هذه الدعوة والرامية لتوحيد صفوف المعارضة, قد بدأت بوادر فشلها منذ البداية, وهو متوقعا, إذ غابت عنها بعض الأحزاب, وفى مقدمتها غياب أكثرها معارضة للنظام, أي الحزب الشيوعي, بينما استجابت الحركات المسلحة للدعوة ووقعت على ما أسموه (ميثاق طيبة) وكالعادة أيضا, فقد اجمع المشاركون على ضرورة بناء سودان ديمقراطي حر يسوده الاستقرار, والى آخر المعزوفة إياها, وقد أعلن ممثلوا الأحزاب التي وقعت على تلك الوثيقة, رفضهم للانتخابات الجاري الإعداد لها من جانب المؤتمر الوطني حاليا, كما دعوا إلى تغيير النظام بوسائل النضال المجربة في إنهاء حكم الطغاة.ونلاحظ هنا الإصرار على تجريب المجرب. من كل ما سبق نخلص إلى ان مشكلة تغيير نظام الحكم ترتبط إلى حد كبير بتوحيد صفوف ورؤى وأهداف المعارضين له كشرط أساسي لتحقيق الهدف, وهو العامل المفقود تماما حاليا. ولعل الإنقاذ عندما ركزت جهدها في تشتيت صفوف المعارضة وبعثرة كوادرها, كانت تعلم بان ضعفها, اى الإنقاذ, يرتبط تماما بقوة المعارضة, فاستثمرت الكثير من جهدها ووقتها ومالها في جانب إضعاف المعارضة, خاصة العمل على فضل قيادات الأحزاب عن قواعدها, حتى أصبحت استجابتهم لرغباتها مقدمة على رغبات جماهيرهم. فكم من قيادة حزب أعلت عن تجاوبها مع السلطة الحاكمة في أمر ما فأعلنت قواعدها عن رفضها القاطع لذلك الأمر ومن بعد ظل رأى القائد هو السائد؟. اعتقد ان العمل الموجب الذى حققته الإنقاذ بجدارة ودون فصد منها, هو ما اتصل بأمر شعارها الداعي لإعادة صياغة المواطن السوداني, وبصرف النظر عن الصياغة السالبة التي نشاهدها في سلوك وعادات الكثير من المواطنين الان, إلا انه ومن الجانب الآخر قد أعاد صياغة الكثير من الشباب السوداني, خاصة الذين ولدوا وترعرعوا في ظل حكمها. هؤلاء وبسبب ما شاهدوا وعايشوا من مشاكل وماسي أحاطت بهم وبأسرهم وبكل الوطن من جانبها, وفى ذات الوقت مشاهدتهم ومعايشتهم لما آل إليه حال الأحزاب المعارضة وعجزها عن الوقوف في وجه تلك الكوارث, دفعهم كل ذلك للكفر بالجانبين, الحكومة والمعارضة. ويبدو ان هذه الكيانات الشبابية هي التي قد ستقود إلى التغيير المنشود إذا تمكنوا هم أيضا من توحيد صفوفهم. ولكم في هبة سبتمبر التي اعتمدت الفعل بديلا من القول ,ابلغ دلل على وطنية هؤلاء الشباب وعلى وعيهم بقضية وضرورة التغيير التي ضحوا بأرواحهم من اجل تحقيقها. فكم من أحزاب المعارضة الغارقة في بحور الجدل البيزنطي قد دفعت بشبابها للمشاركة في تلك الثورة ؟ [email protected]