خطبة الجمعة1 نوفمبر 2014ممسجد الهجرة بودنوباوي بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي 1 نوفمبر 2014م الموافق 7 محرم 1436ه الخطبة الأولى الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم، قال تعالى: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ( نزلت هذه الآية الكريمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء معركة أُحد، وكما هو معلوم فإن أُحد جاءت بعد بدر ببضع أشهر وكان بعض الصحابة الذين لم يشهدوا بدرا كانوا تواقين للقاء العدو حتى ينالوا من الخير والبركة ما ناله إخوتهم البدريين لذلك عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحصن بالمدينة فإذا دخل العدو شارك الجميع في صده إلا أن بعض الشباب كانوا متحمسين للقاء العدو خارج المدينة وظلوا على رأيهم فتنازل رسول الله لرأي الأغلبية فدخل بيته ولبس لامته. وكانت أحد وفي غزوة أُحد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة ألا يبارحوا أماكنهم مهما كان الأمر ولكن عندما رأى الرماة أن الدائرة قد دارت على كفار قريش نزلوا من على الجبل وتركوا أماكنهم فكانت خطة خالد بن الوليد التي ألحقت بالمسلمين شبه الهزيمة وأشيع أن رسول الله قد قُتل ففر أغلب الناس وقد وقع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حفرة حفرها كفار قريش وشُج على وجهه صلى الله عليه وسلم وكُسرت رباعيته ورغم كل هذا نزل عليه الوحي بقوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ). أي رغم كل هذا يا محمد لا تكن فظا غليظ القلب ولا تترك الشورى تلك الفريضة السياسية. الإسلام دين الرحمة والعدالة والمساواة والسلام وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد ذلك فقد نعته ربه في محكم التنزيل (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). والآيات في هذا الصدد تفوق حد التواتر وفي سيرته صلى الله عليه وسلم تُرجمان لتلك الرحمة التي لا تخطئها عين المتفحص لسيرته صلى الله عليه وسلم. وجاء في أثره (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وقوله (في كل كبد رطب أجر) وقوله (من قطع سدرة في فلاة يستظل بها الناس إلا صوب الله رأسه في النار). إذا رحمته سبحانه وتعالى تعدت الإنسان لتشمل الحيوان والنبات، أما العدل فيكفي قوله سبحانه وتعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). وقوله صلى الله عليه وسلم (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها). أما السلام فيكفي أنه اسم من اسماء الرحمن يتعبد به المسلمون آناء الليل وأطراف النهار. والإسلام ما جاء ليفرض على الناس عنوة بل هو دين يختاره الإنسان عن طوع واختيار وفي طياته يكمن الإيمان وللإيمان حلاوة ولذة لا تضاهيها لذة فقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواحد منهم يحب الله ورسوله أشد من حبه لأمه وأبيه بل ونفسه التي بين جنبيه قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ). وقال الإمام المهدي (وحببنا فيك وفي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أشد من حبنا لأرواحنا وجميع ما لدينا من النعم). وقد انتشر الإسلام بالقدوة الحسنة والمعاملة الطيبة ودخل الناس في دين الله أفواجا طوعا واختيارا لا جبرا وإكراها قال تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، وخرج الإسلام من جزيرة العرب منطلقا كالشهاب في كل أنحاء المعمورة حتى بلغ بلاد الإفرنج وبلاد السند وغياهب إفريقيا وأدغالها مبشرا بالرحمة والعدل والسلام والمساواة فاعتنقه الكثيرون وفي بلادنا السودان دخل الإسلام عن طريق رجال الطرق والمصلحين فكانت الممالك الإسلامية في سنار ودارفور وغيرها من بقاع السودان المختلفة حتى جاءت المهدية فوحدت تلك الممالك تحت دولة إسلامية واحدة بلغت حدودها من أقصى شمال السودان إلى أقصى جنوبه وشرقه وغربه فبلغت المليون ميل مربع في كل هذه الفترة من الزمان لم نسمع عن أن الإسلام يفرض بالقوة ويلزم الناس به حتى أن المهدية أبقت الأقباط المسيحيين على حالهم ولم تلزمهم باقتناع الإسلام عنوة وبقى الحي الذي يعيشون فيه في مدينة أم درمان يعرف باسم حي المسالمة وظلوا على حالهم وشارك بعضهم في فترة النضال الوطني عقب زوال دولة المهدية فكان من شعرائهم جوزيف لطيف صباغ وغيره وأسلم بعضهم على يد الإمام عبد الرحمن المهدي وظل الإسلام في السودان متعايش مع غيره من الديانات وخاصة المسيحية واليوم نحن نعيش في زمان فيه المقارنة وفيه الحريات المطلقة والحريات الفردية فلا يمكن لحكومة أو جماعة أن تفرض رأيها أو معتقدها فإذا حاولت ذلك وجدت نفسها معزولة بل ومحاربة من كل الأسرة الدولية ومن كل منظمات المجتمع المدني ونحن معشر المسلمين نعتقد جازمين أن الإسلام يحمل في داخله المنطق والقوة والحجة والبرهان الساطع الذي يجعله ينازل كل الأفكار والمعتقدات وينتصر عليها لا بقوة السلاح ولكن بقوة المنطق ورجاحة البرهان، إذا لماذا معشر المسلمين نلجأ إلى العنف والذي هو أصلا الإسلام منه براء ولماذا نلجأ إلى سلاح نحن فيه اليوم ضعفاء فالسلاح الذي نحارب به كله يصنعه الأعداء. وكان التوجيه الإلهي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يجادل بالحسنى ويذكر بالقرآن وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها فُتحت المدينة بالقرآن. فماء أحوجنا اليوم أن نعيد قراءة سيرة الحبيب المصطفى قراءة نتدبر فيها المقاصد والتوجيهات التي يمكن أن تكون لنا مدخلا لكل الناس قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). الخطبة الثانية قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). في القرآن الكريم قصص تحكي عن الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين وكذلك قصص تحكي عن الطغاة والمجرمين وكل ذلك من التاريخ الذي هو قدوة وعبرة كما قال الحكيم: من له فضائل فهو قدوتي ومن له رذائل فهو عبرتي وتاريخنا الإسلامي حافل بالمعاني العظيمة وعلينا بتعليم أجيالنا لها حتى تكون لهم ذخرا وفخرا في مقبل مستقبلهم وعلى صعيدنا القطري فإن سوداننا كان رائدا ومعلما للأقطار والأمصار في نيل الحرية وصون الكرامة والحفاظ على معاني الإنسانية وذلك منذ معركة أبا الأولى في العام 1881م عندما شهر الإمام المهدي عليه السلام سيفه ضد الغزاة المستعمرين، وهذه الأيام تمر علينا الذكرى الواحد والثلاثين بعد المائة لمعركة شيكان الشهيرة والتي كانت في 5 نوفمبر من العام 1883م إن معركة شيكان كانت حدثا غير مجرى التاريخ وكانت محطة وقف عندها المستعمر ملياً متأملاً ومراجعاً ومدبراً ومفكرا في ما يأتي بعدها، إن بريطانيا العظمى كما كانت تسمى نفسها أعدت أعظم قوة حربية وأوكلت قيادتها لأقدر وأجدر قائد عسكري وهو الجنرال هكس باشا وكانت الإدارة البريطانية متأكدة وواثقة من أن هذه الحملة ستقضي على المهدية فجاء هكس بعدته وعتاده يتبختر حتى وصل إلى مدينة الدويم وعندها سمع بتجمع للأنصار في مرابيع ود اللبيح بقيادة الأمراء ود برجوب وعامر المكاشفي وود كريف فذهب إلى مرابيع ود اللبيح وقضى عليهم واستشهد ثلاثتهم وجموع من الأنصار مما جعل هكس يزداد غرورا وطغيانا ولكنه لا يدري ما يكمن له القدر وكانت شيكان قد أظهرت العناية الإلهية التي تستصحب المهدية حيث قال الإمام المهدي كلاما سماه بعض المؤرخين نبوءة صادقة ودقيقة حيث قال الإمام المهدي عليه السلام (نحن كالأرض والتُرك "أي جيش العدو" كالبصاق ونحن كالأرض والترك كالطير أيها الناس أثبتوا واطمئنوا وأنزلوا رواحلكم واستريحوا فإن التُرك لا قدرة لهم مع قدرة الله. ثم قال غدا يوم الأحد نتوجه إليهم وفي صبيحة يوم الاثنين بعد أمرنا لكم بمحاربتهم إذا تأخر أحدكم لإصلاح نعله لا يدركهم أحياء). وقد صدقت هذه النبوءة بحذافيرها حيث قُضي على جيش العدو في بضع دقائق لم تتجاوز نصف الساعة، وفي نفس هذا الشهر أي نوفمبر في ال24 منه من العام 1899م كانت معركة أم دبيكرات والتي كانت نهاية الدولة المهدية ولم تكن نهاية الدعوة لأن الدعوة ظلت كامنة في صدور الرجال والنساء والأطفال حتى بعثها الإمام عبد الرحمن المهدي مرة ثانية والذي كان طفلا عندما كانت أم دبيكرات. أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز هذا هو تاريخنا الذي نفتخر به عبر الأجيال والأزمان فلا يمر علينا مرور الكرام علينا أن نحتفل بهذه المناسبات ونحيي ذكراها ونعلمها لأجيالنا وكذلك بعض الأحداث الوطنية التي صنعها شعبنا الأبي مثل ثورة اكتوبر 21 من العام 1964 تلك الثورة التي مرت ذكراها الخمسون قبل اسبوع دون أن يذكرها الشعب وقد مرت الذكرى في صمت كأن لم تكن ولم يحتفل بها الشعب ربما لم يذكرها بعضهم.. حقا أصبح شعبنا يمتلك ذاكرة مشلولة كما كتبت إحدى السيدات السودانيات كتابا بهذا العنوان ((الشعب السوداني والذاكرة المشلولة)) وقد عددت تلك السيدة في كتابها ذلك عدد من مسالب نظام الإنقاذ.. نعود ونقول إن اكتوبر كانت أول ثورة ضد الاستبداد الداخلي في إفريقيا والمنطقة العربية قاطبة فقد انتفض شعبنا الأبي في وقت لم تعي شعوب المنطقة معنى الثورة ضد الإستبداد والظلم فكانت أكتوبر التي تحرر فيها الشعب من نظام طُغمة نوفمبر 1958م. والمتتبع لتاريخ شعبنا الأبي يعلم أن أجدادنا كانوا أول من ثار ضد الاستعمار في مطلع القرن الثامن عشر عندما هزم أهل السودان امبراطورية بريطانيا التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها فكانت معارك العز والكرامة فكانت شيكان وأبا من قبلها وحصار الخرطوم وتحريرها وكثير من معارك العز والكرامة ما بين أبا الأولى وتحرير الخرطوم على يد الشرفاء الذين علموا الشعوب معنى الحرية. إن ذكرى أكتوبر لن تموت ولم ينساها عشاق الحرية والكرامة وستظل نبراسا ومنهاجا يقتدي به المناضلون وعشاق الحرية والكرامة فقد تغنى باكتوبر كل الشعب وتسلحوا باكتوبر فكان النصر حليفهم وكانت اكتوبر وعاء جامعا حمل في داخله الذين نذروا أنفسهم لتحرير البلاد من الاستبداد ومن حكم الفرد والخلاص من الظلم والهوان فهلا استيقظ شعبنا وجمع صفه ووحد كلمته ليتخلص من الظلم والهوان. اللهم ارحمنا وارحم آباءنا واهدنا واهدي أبناءنا واجعل لبلادنا خلاصا يا رب العالمين. [email protected]