لا يكاد المؤتمر الوطني يمارس استعلائية سياسية، حتى يتبعها بممارسة تبرهن ميله الصارخ للانفراد بالسلطة، وتدلل على ولعه غير المكنور لاحتكار المشهد السياسي. انظر إلى مقترحات الحزب الحاكم، لتجد أنه يفكر بفوقية سادرة في الإقصاء. وتفحّص مواقفه، لتصل إلى قناعة واحدة هي أن المؤتمر الوطني لا يسعى إلا لشراء الوقت، وأنه غير مهموم بالتوافق على رؤية جماعية لإنهاء أزمات الوطن المتراصة، ومشكلاته الممتدة. أما إذا اعملت تفكيرك في رؤيته للحل، فستتيقن بأن الحزب الحاكم لن يتخلى عن مفاهيمه القديمة، المرتكزة على المحاصصة، وتقاسم السلطة مع الأحزاب، كيفما كانت الوسيلة، ومهما كانت الطرائق. ففي الوقت الذي تدعو فيه "أحزاب الوثبة" التي قبلت بالمشاركة في الحوار الوطني، إلى التواثق على رؤية موحدة بمشاركة الجميع، وتنادي بالتوافق على حكومة انتقالية أو حكومة مهمات أو برنامج وطني، يخرج قادة المؤتمر الوطني ليقولوا للناس إنه غير مسموح بتفكيك الإنقاذ، وإن الحوار الوطني يهدف لمشاركة الأحزاب في السلطة. وإذا تجاوزنا ذلك كله، سنجد أن المؤتمر الوطني طرح فكرة غريبة، لا يسندها منطق، ويُظاهرها الواقع. وذلك على لسان النائب البرلماني محمد الحسن الأمين، الذي قال إنه حزبه سيقوم بتشكيل حكومة مؤقتة، مهمتها إعداد المناخ لانتخابات أبريل 2015م. بل أن "الأمين" قطع بأن الحكومة سيتم تشكيلها بالتعيين، وبمشاركة واسعة من الأحزاب..!!، محمد الأمين يقول ذلك وكأنه لا يدري أن حزبه يدعو حالياً إلى ما سماه بالحوار الوطني. صحيح إن الحوار الوطني لم يجد قبولاً لدى الأحزاب الفاعلة في الساحة السياسية، وإنه ظل محل تشكيك لدى تلك الأحزاب. وصحيح أن الحوار يجري في ظل فاعلية مطلقة للقوانين المقيدة للحريات. لكن مع ذلك كان ينبغي على الحكومة أن تنتظر نتائج حوارها الذي أعلنت عنه. إذ أن الأحزاب ستطلب – بلا أدنى تشكيك – تأجيل الحوار الوطني. وإذا حدث هذا، فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة للاستجابة له، أو أن تمارس سياسة العناد والانفراد، وتضرب بمخرجات الحوار الوطني - الذي في جوهره هو حوار أحزاب ذات مرجعيات متقاربة - عرض الحائط. وهذا يعني انهيار برنامج الوثبة المزعوم، الذي تراهن عليه الحكومة، وتطرحه كخيار لإنهاء الأزمة السودانية. الشاهد أن فكرة الحكومة المؤقتة التي طرحها الحزب الحاكم، سرعان ما وجدت الرفض من غالبية مكونات المسرح السياسي، بما فيها بعض "أحزاب الوثبة". وظني أن هذا القرار صائب وسليم، انطلاقاً من أن المناخ في مجمله سيقود إلى قيام انتخابات معلولة، كما جرت العادة، سواء أن تم تكوين حكومة موقتة أو حكومة انتقالية؛ لأن الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة دونه إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وعدم احتكار الحزب الحاكم لجهزة الدولة وتسخيرها لخدمة مرشحيه. وقبل ذلك كله، منح مفوضية الانتخابات الاستقلالية الكاملة، وإخراجها من الدائرة التي تقبع فيها حالياً. صحيفة (الصيحة)