تفاءلت القوى السياسية بخطاب الرئيس الأخير ودعوته لهم للحوار من أجل حل قضايا السودان، وكان التفاؤل الأكبر بدعوة الحكومة لتأجيل الانتخابات المزمع قيامها مطلع العام المقبل، ولكن تفاؤل القوى السياسية لم يدم طويلاً؛ حيث أكد الرئيس عمر البشير أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا ينوي تأجيل الانتخابات العامة، وبالرغم من أن الرئيس البشير جدد دعوته للأحزاب السياسية خلال مخاطبته لاجتماع المجلس القومي لشورى المؤتمر الوطني أمس السبت للحوار والمشاركة في الانتخابات لتكون حرة ونزيهة، ووعد الرئيس خلال اجتماع الشورى بأن الحكومة ستشرع - خلال الفترة المقبلة - في إدارة حوار واسع مع القوى السياسية بلا استثناء حول أربعة محاور هي: السلام والأوضاع الاقتصادية والحريات السياسية، بالإضافة الى قضية الهوية السودانية، بل ذهب الى أكثر حينما أكد أن الحكومة لا تمانع في محاورة ومفاوضة الحركات المسلحة، ولكنه اشترط عليها ترك السلاح ونبذ العنف. إلا أن الأحزاب السياسية اعتبرت حديث الرئيس عن تأجيل الانتخابات تراجعاً لخطابه أمام القوى السياسية أواخر الشهر الماضي. وبالرغم من إقرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، أنه لا يريد أن يكون قوة محتكرة، واعترافه بأنه من دون توافق مع الأحزاب لا يمكن أن تتحقق الأهداف الوطنية، والآن – وفي ذات الوقت – يصف المؤتمر الوطني الذين يتحدثون عن تأجيل الانتخابات بأنهم من الأحزاب الصغيرة التي لم تحكم أصلاً. وأجمعت قوى المعارضة الرئيسية في السودان على رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2015م، مطالبين بتشكيل حكومة انتقالية وإقرار دستور ديموقراطي، وتهيئة المناخ السياسي عبر كفالة الحريات ووقف الحرب. وطالبت المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بضرورة تهيئة المناخ السياسي قبل الحديث عن الانتخابات. القيادي البارز بالحزب الاتحادي الأصل علي السيد وصف حديث الرئيس البشير عن عدم نية الحزب الحاكم تأجيل الانتخابات بالمؤسف، وقال ل(الخرطوم) أمس إن إصرار المؤتمر الوطني على إقامة الانتخابات في الوقت الذي حدده، يعد نسفاً لخطاب الرئيس البشير لأنه لا يوجد حل لأزمة البلاد إلا بحكومة انتقالية لمدة سنتين بعد انتهاء الفترة التشريعية التي تنتهي في أبريل 2015م لإنشاء الدستور خلال هذه الفترة، وأردف قائلاً إن إصرار الحزب الحاكم بإقامة الانتخابات تعني عدم مشاركتنا في الانتخابات المقبلة "لن نلدغ من الجحر مرتين"، وكما أننا نرفض المفوضية الحالية وبالتالي لن نخوض الانتخابات. وأمن على حديث علي السيد رئيس تحاف قوى الإجماع فاروق أبو عيسى، وقال ل(الخرطوم) أمس سبق وأن ناقشنا مسألة تأجيل الانتخابات، وأكد أن مشاكل البلاد لن تحل بالانتخابات، وأظن أن الحزب الحاكم جاد في حل الأزمة من خلال دعوة الرئيس البشير للقوى السياسية في خطابة للمشاركة في الحل، ولكن قيام الانتخابات في ذات الموعد يعني إصرار المؤتمر الوطني على البقاء بانتخابات يديرها بالمفوضية التي تتبع له، وبالتالي الحديث عن حوار ما كان إلا تمثيلية لإقناع المجتمع الدولي بأنهم يقبلون الحوار. وزاد: "نحن لم نكن نضرب الرمل حينما خلنا أن كل ذلك ليس حقيقة وأن المؤتمر الوطني يريد السيطرة على الأمور ويدعو الآخرين ليكونوا مجرد تابعين"، وأردف أن المؤتمر الوطني يصر على البقاء عبر انتخابات ودستور جاهز، ونحن نعلم ذلك، وبالتالي فلماذا الحوار وهذا "المولد" والإصرار على الحديث مع القوى السياسية الأخرى طالما أن الحكومة مقبلة على انتخابات بقانون وآليات تجعل من الحزب الحاكم منفرداً بالسلطة. ودعا الأحزاب الأخرى للانتباه وإجماع صفوفهم من جديد في معارضة ضد النظام لاسيما وأن كل مؤهلات بقاء الحكومة قائمة، وأن الحوار سيكون مجرد "حقنة فايتامين" لإطالة عذابات أهل السودان، على رأسها الحرب والفقر. واشترط المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام خلال ندوة عن الدستور والانتخابات، إرساء أسس الوضع الانتقالي قبل الدستور والانتخابات، وقال إن صناعة الدستور تتطلب وضعاً انتقالياً لا يستثني أحداً، وحمَّل حزب المؤتمر الوطني الحاكم مسؤولية إفراغ الدستور الحالي من محتواه. ورفض القيادي في الحزب الشيوعي صديق يوسف، الخوض في أي احتمالات لمشاركة حزبه في الانتخابات قبل تهيئة المناخ السياسي. فيما دعا القيادي في حزب الأمة المعارض عبد الجليل الباشا إلى إعداد دستور يُعبر عن الإرادة الشعبية والانتخابات عبر التنافس، ورأى أن النظام الحاكم يسعى إلى شرعنة وضعه من خلال انتخابات زائفة، معتبراً أن الوضع الراهن لن يسمح بإجراء انتخابات نزيهة. إلا أن القيادي بحزب المؤتمر الوطني د. أمين حسن عمر، عضو مجلس الشورى، اعتبر أن من يروجون تأجيل الانتخابات يريدون أن يذهبوا إلى فكرة الحكم الانتقالي، ويحكموا بدون تفويض من الشعب، محدداً الذين يتحدثون عن التأجيل بأنهم من الأحزاب الصغيرة التي لم تحكم أصلاً، وأصر على قيام الانتخابات في موعدها، وقال: "التوافق الذي ينادي به الحزب ليس فقط من باب الوفاق بل يشكل قناعة راسخة للحزب". ودافع عن رؤية حزبه خلال برنامج "مؤتمر إذاعي" أمس الأول بقوله إن البعض يعتقد أن الإصلاح فقط هو إصلاح في العلاقة بين القوى السياسية، ولكن وثيقة الإصلاح شاملة لكل الأمور التي تتأثر بالعلاقات السياسية أو التي لا تتأثر بها، محدداً بأن الوثيقة تتحدث عن إصلاح الحياة السياسية والأجهزة والهياكل العدلية والنظامية والأمنية، قاطعاً بأن الوثيقة تضم فصلين، الفصل الأول الإصلاح في الحزب وعلاقاته مع الآخرين ومع الحياة السياسية بصورة عامة. والفصل الثاني يشمل الإصلاح السياسي في السودان، وأكد أن المؤتمر العام للحزب الذي سيعقد في أكتوبر القادم سيحدد مرشحه العام لرئاسة الجمهورية، وزاد بأن المرجعية التي يستند عليها المؤتمر الوطني في الحوار مع القوى السياسية هي الأعراف الديمقراطية المستقرة، مؤكداً أن المدة المتبقية لقيام الانتخابات عام وربع العام، وهي كافية للاستعداد لها.