البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    مساعد البرهان يتحدث عن زخم لعمليات عسكرية    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالفيديو.. من أعلى المنبر.. شيخ "الجنجويد" يفاجئ الجميع ويطلب من قائده "حميدتي" أن يزوجه من المذيعة تسابيح خاطر وساخرون: (متعودين على الشفشفة ومبروك يا سبوحة)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل خطاب البشير 1 يناير 1990
نشر في الراكوبة يوم 31 - 12 - 2014

حرية.. سلام وعدالة، الثورة خيار الشعب، هي أبرز الشعارات التي رددها شابات وشباب السودان الذين خرجوا في تظاهرات عارمة في سبتمبر الماضي2013، تظاهرات بذلوا فيها دماءهم فداء للحرية، صودرت حريتهم، أودعوا المعتقلات في سبيل مطالبتهم بالعدالة، وعُذبوا حين نادوا بالسَّلام!
لكن، ليس من الغريب على هذا النظام أن يريق الدماء ويستلب الأرواح جهاراً نهاراً وسط الخرطوم ومدني ومدن أخرى برصاصٍ حيٍّ توجَّه نحو الرأس والصدر بقصدية مسبقة، ليس غريباً عليه، فدماء أهل دارفور تسيل من عشرة سنين، كما لم تعش جنوب كردفان والنيل الأزرق فترات طويلة من الهدوء والسلام، وإنما معارك تستمر وتحصد أرواحاً يتخذها هذا النظام جسراً في رحلته نحو العروبة.
رحلة بدأت في عام 1989، فرَّقت الشمل وقسّمت الجمع وشوهت الخارطة الاجتماعية وأرجعتها القهقري لتدخل كهوف العنصرية المظلمة حالكة الكُره. تبنَّى هذا النظام منذ مجيئه خطاباً عروبياً واضحاً وعنترياً أحمقاً، عندما تغنَّى بدنو عذاب أمريكا وعودة جيش محمد لبني صهيون، وفي الحقيقة الجيش العرمرم المغوار الذي توعَّد أمريكا وإسرائيل لم ينُازل سواء أبناء الوطن، ولم يتوجَّه سلاحه سوى إلى صدورهم ورؤوسهم.
في بدايات هذا العهد السلطوي سادت أدبيات ساعدته في إذكاء نار الحرب بأجساد الشباب، سادت الأدبيات الجهادية في الأناشيد والبرامج التلفزيونية مثل (ساحات الفداء) وكثرت الوعود بالحور العين، وكنا نستمع في بداية تكوين وعينا إلى أن رائحة دماء الشهداء في الجنوب تتحول إلى رائحة مسك يضوع في الغابة، وإلى قصص فدائية كانت تغسل عقول الشباب وتدفع بهم إلى الحرب، ضد مَنْ؟ ضد جزء من خارطة الوطن، وضد جزء من أبنائه.
وإن حوَّل النظام حرب الجنوب إلى حرب دينية بين مسلم ومسيحي برفع بطاقة الدين لكسب تأييد العامة من البسطاء، فإن الإبادة في دارفور رُفعت فيها بطاقة العنصرية لإشباع خيلاء العروبة وأوهامها عند البعض في إبادة جماعية، مسلم يقتل مسلماً، مليشيات (الجنجويد) مدعومة من الحكومة وقواتها تفتك بأهل دارفور، تحرق القرى ببيوتها وناسها ودوابها وزرعها حتى حيواناتها لا تسلم من الحرق.
بذات العقلية أديرت المعركة في مدن الوسط، الخرطوم ومدني لإخماد نار الثورة التي التهبت في صدور الشباب فخرجوا للتعبير عنها سلمياً، ولأن خزينة الذرائع للقتل لا تنفد من خزينة الدولة، مثل نفاد الأموال منها، تُوجِد السُّلطة لنفسها ذرائع مختلفة للقتل، كذريعة الشغب والتلف والإزعاج العام والإخلال بالأمن والسلامة العامة! ترفع عالياً هذه البطاقة، في حين عليها أن ترفع أخرى مكتوب فيها: نقتل من أجل البقاء على سدة الحكم.
أشاعت هذه السلطة ثقافة التدين الشَّكلاني الذي يعتمد على المظهر دون الجوهر، اطالت اللحى وعصبت الرؤوس لتغطية شعر النساء وأسبلت ثيابهن، واستحدثت قانون النظام العام الذي يدَّعي الحفاظ على المظهر العام على حساب إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله عز وجل، وانتهكت كرامة النساء بالضرب علناً، كما تقوم بإذلالهن وإهانتهن وسبِّهنّ وتهديدهنّ بل، اغتصابهنّ داخل المعتقلات وخارجها! أي تدَيُّن هذا؟ وأي دين يجيز هذه الانتهاكات؟ طغى التدين الاقصائي وغاب التدين السمح المتسامح الذي يقبل بالجميع تحت ظلَّه الوارف.
تَدَينهم دفعهم إلى تقديم الزمن ساعة فيما يسمى ب(البكور) كي يصلي الناس صلاة الفجر حاضراً ويخرجون إلى أعمالهم مبكرين! متجاهلين أن التوقيت مرتبط بخطوط الطول والعرض وليس بموعد الصلاة. يطالبون الناس بالذهاب مبكراً للعمل وقد أغلقوا المصانع كمصانع الغزل والنسيج في مدينة مدني، المصانع التي كانت تشغِّل آلاف العمال والموظفين، ودمروا مشروع الجزيرة الذي كان تقتات منه آلاف الأسر والمزارعين، وشرّدوا كل من خالفهم الرأي والتوجُّه بفصلهم عن العمل أو التضييق عليهم حدّ الاختناق، واستبدلوهم بكوادرهم فيما سُميّ بسياسة التمكين، التي مكّنت لهم في كل مفاصل الدولة الحيوية ومرافقها ومؤسساتها.
تغيرت بمجيئهم ملامح الساحة الفكرية والثقافية والإبداعية، تناسلت المجموعات الغنائية الدينية والفرق الكوميدية التي تقدم نكات تعزز الجهوية والفُرقة، طفت أسماء لا نصيب لها من الإبداع وفتحت المنابر أمامها ومهدت لها الطُرق، في حين أُغلقت المسارح وجُففت، وأغلقت دور السينما وصارت مبانيها خرابات ماتت فيها الحياة، وزال عنها سحر وجمال الفن السابع كأنه لم يكن، حورب المبدعون والمثقفون وشُردوا في جهات الأرض الأربعة، وفُقدوا مثل الشاعر أبو ذر الغفاري، وفقد البعض توازنه العقلي والنفسي وغاب عن الساحة. صادروا الحريات، حرية التعبير والنشر وكثرت الكتب الممنوعة عن النشر والمحظورة من الدخول والمصادرة بعد أن تمَّ نشرها، وتكرر منع إقامة الندوات العامة، وإلزام استخراج إذن لإقامة ندوة، كما أُغلقت في أواخر عام 2012 المراكز الثقافية مثل مركز الدراسات السودانية، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، وبيت الفنون وغيرها من مراكز التنوير في مدن السودان قاطبة.
من أولويات هذا النظام ضرب مؤسسات الإشعاع الثقافي بإغلاقها ومحاربتها ومصادرة ممتلكاتها، في حين سُمح بخطاب واحد سائد ومستيِّد وكافر بالتعددية؛ لأنه هشّ ولا يستند على دعائم معرفية راسخة، وجَّه الشعب إلى الإلتهاء بكل ما هو قشري والاستجابة المتعاظمة لكل ما هو فارغ المحتوى.
للوقوف على صدقية خطاب البشير ووعوده وما يحدث الآن على أرض الواقع لنقرأ مقتطفات من خطابه.
الكلام بين قوسين من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة أشهر:
سيشهد احتفالنا هذا بدء نفاذ قانون الثراء الحرام ، وسأبدأ بنفسي وأخوتي في مجلس الثورة والوزراء التوقيع على إقرارات الذمة عقب هذا الاحتفال ، وسنلزم به.
من يقرأ خطاب البشير في أول عيد استقلال بعد ستة أشهر من الانقلاب الذي غيِّر خارطة الوطن السياسية والاجتماعية ولاحقاً الجغرافية، عليه أن يسبق كل جملة بأداة نفي، فالبشير الذي قال: (سيشهد احتفالنا هذا بدء نفاذ قانون الثراء الحرام، وسأبدأ بنفسي وأخوتي في مجلس الثورة والوزراء التوقيع على إقرارات الذمة عقب هذا الاحتفال، وسنلزم به.) الشاهد بعد 26 سنة من الحكم أن المقصود كان: إباحة الثراء الحرام وليس إنفاذ قانون الثراء الحرام، من منا بإمكانه إنكار أن أعضاء مجلس الثورة آنذاك أو الوزراء الحاليون ليسوا أثرياء ولا يتنعَّمون بخيرات هذا البلد، هم فقط لا سواهم، من منهم يعوزه المال كي يشتري علبة دواء لابنه أو كي يدفع رسوم الدِّراسة لابنته؟! بل من منهم لا يجد ما يدفئه في ليل الشتاء أو يقيِّه إنهيار منزله في عزِّ الخريف؟! ليسوا هم، بل نحن أبناء هذا الشَّعب المقهور والممَّكون بحمى زارتنا قبل أكثر من ربع قرن ومازالت تستشري في مفاصلنا ومفاصل البلاد.
وعندما قال في خطابه في ذات عيد الاستقلال 1990: (فلا تهاون بعد اليوم في طمأنينة المجتمع وسلامة المرافق العامة( هل كان يقصد أنه بدأ التَّهاون في سلامة المرافق العامة وبيع ممتلكاتها، وأنه بدأت زعزعة المجتمع وترويع أمنه وسلامه؟! وقتل مواطنيه بذرائع شتى، وأن طائرات الانتنوف تتهيأ للانطلاق من منصاتها صوب المواطنين في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ وأن حرباً وإبادة عرقية تطهيرية ستعُّم دارفور وتشتِّت من نجا من أهله في بقاع الأرض قاطبة؟ هل قصد هذا؟ بإمكانكم أن تجيبوا على السؤال.
البشير قال كذلك: (وقد قدمت الثورة البديل الصالح، والمنهج القويم في الحرية المسؤولة والمشاركة الصادقة.. والروح الإجماعي والطرح الموضوعي السليم لمعالجة قضايا الوطن( أيَّة حريَّة وأيَّة مشاركة قدَّمتها حكومة ما يسمى بثورة الإنقاذ؟! حرية الرأي والتَّعبير؟ بالأحرى تكميم الأفواه ومصادرة الحريَّات وقمع كل رأي مخالف لا يصفق للطغمة الحاكمة ولا يطبِّل لها، كيف نفسِّر يحدث الآن من اعتقال ومحاكمات للصحفيين وإغلاق للصحف ومصادرة لممتلكات منظمات المجتمع المدني وإغلاق دور التنوير والثقافة والفن؟ هل هذا في بند تقديم الحرية المسؤولة؟ وما هو المقصود بال (المسؤولة)؟ أهي حرية العمائم والذقون والتّدين الشَّكلاني؟
وقال أيضاً عن (المشاركة الصادقة) أية شراكة وقد ظلَّ الحزبُ يحكم منفرداً طيلة هذه السنين؟ وحتى إن كانت هناك مشاركة من قِبل بعص الأحزاب، فأيِّ المناصب هي من نصيبها؟ أليست مشاركة صورية ومناصب تشريفية بدعوى أننا أتحنا المشاركة؟! فعلى أي العقول تلعبون أيُّها السّادة؟
إقرأ معي أيها القاري الكريم ما بين القوسين:(إن من معاني الاستقلال أن يشعر المواطن في وطنه بالأمن من غائلة العدوان والطغيان لهذا نهضت الثورة بواجب تأمين المواطن في نفسه وماله وعرضه) هذا مجتزأ آخر من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990، هل تشعر أنت بالأمن في وطنك؟ أنت الآن في مطلع 2015، هل تشعر بالأمن؟ هل أنت آمن؟ في مدينتك؟ في بيتك؟ في وظيفتك؟ في جامعتك؟ آمن اقتصادياً؟ صحياً؟ اجتماعياً؟ أترك لك الإجابة
هل كان البشير واعياً عندما قال: (إن الحرب التي اشتعلت في جنوب بلادنا ، قبيل الاستقلال . وظلت تتجدد كلما أخمدت لها نار . كانت عاملاً في إحباط مشروعنا الوطني لتحقيق الاستقلال الكامل . وأراد مدبرو الفتنة شق الصف السوداني وتفتيت وحدته ، وإنهاك قوته . . وعجزت الحكومات المتعاقبة من علاج بالجد في الدفاع . . أو السلام . . وبالخطة الجذرية التي تحسم أصول المشكلة . . بل اكتفت بمعالجات عرضية . . ومساومات إجرائية . . ومسكنات وقتية (.
هل انفصال الجنوب هل الحل الجذري والعبقري والناجع للحرب؟
من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة أشهر :
(ولا بد أن يرتبط بهذه الفلسفة طلب الرزق الحلال ، ومن مصادره المشروعة ، بالابتعاد عن شبهة الربا في المعاملات الاقتصادية ، واجتناب الظلم ، وأكل أموال الناس بالباطل .(لا تعليق! فليس هناك كلام أقوى من الواقع، يظلُّ الكلامُ نافلةً، قِسّ وتأمَّل وتدبَّر في الواقع وستعرف لماذا عجز الكلام ولماذا عجزتُ عن التعليق!
من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة اشهر :
(لقد سعت الثورة إلى جمع شتات أبناء الشعب . . وأولت الوحدة الوطنية اهتمامها . وجعلت منها مرتكزاً أساسياً للانطلاق باتجاه التقدم والعمران . . فعالجت بالحكمة أسباب الصراع . . وقيدت بالقانون شرور التحزب . . وسدت بذلك ثغور التدخل الأجنبي الذي كان يغري بعضنا ببعض . . ويستغل صراعاتنا . . ويهدد استقلالنا في أصول البناء والقرار السياسي (.
بل الصحيح: لقد سعت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وحقن النفوس بالعنصرية والقبليَّة وإعادتهم للتمترس في مضارب القبيلة، وضربت الوحدة الوطنية في مقتل، فصار الكل يجد ملاذه الآمن بعيداً عن الآخر، والاخوة باتوا أعداء بصراع دائم ومتجدِّد ومحتدّ.
(وسنحرص ، كل الحرص ، على (تمكين) سلطان الدولة وهيبتها ، وتوطيد حكم القانون (والنظام العام))
نعم، لذا أفشوا ثقافة (تمكنَّا) وصمموا لها حقائب بذات الاسم، وصار كل من يرغب في التَّمكين أن يطلق لحيته ويكبِّر ويهلل، أو ينخرط في معسكرات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية وغيرها من مؤسسات أنبتوها من رحم الخواء كي يغازلوا الشعور الديني في الشعب السُّوادني المتدين التَّدين السمح في أصله.
أمَّا قانون النظام العام في جلد الفتيات وإلزامهن بلبس زي معين، ونسوا أن النظام العام ليس في اللبس، ولكن في تنظيم المدن، وشق الطرق، وتعبيدها، ونظافة المدن وصيانة المرافق العامة والاهتمام بها.
(واصبح باسنا بيننا شديداً . . وطاقاتنا ضائعة بالتمزق والصراع، وكانت العاقبة المؤسفة أن تضاءل استقلالنا ولم يتكامل . . وغدا السودان عرضة للهيمنة الخارجية . . ترهن قراره السياسي . . والاقتصادي والحضاري . . وتزلزل استقراره ، وتكدر وحدته الوطنية . بل غدا السودان معولاً في غالب شؤونه على يد أجنبية تمنح . . وأخرى تمنع . . ومظللاً بنفوذ أجنبي يغشى أحواله جميعاً (.
ولهذه العنترية الهوجاء أنشدوا (أمريكا قد دنا عذابها) و(خيبر خيبر يا يهود. جيش محمد سوف يعود) متى العودة يا ترى، ومتى يدنو عذاب أمريكا؟ وهم على سدة الحكم منذ أكثر من ربع قرن؟ بالهم واسع ياخي!! وهل خرج السودان الآن من مظلة النفوذ الأجنبي؟
(فنحن أمة ذات سيادة . وأساس وجودنا هو استقرار كيان الحياة العامة . . ومفتاح علاقتنا مع العالم الخارجي هو الاحترام المتبادل . . وعدم التدخل في الشؤون الداخلية)
(ونعلن هنا ، أن الضوابط الاقتصادية الصارمة ستستمر حتى نؤمن السوق باستئصال السوق الأسود وتجارة العملة . . والاحتكار والاستقلال . وحتى نؤمن الانتاج بنفي مظاهر التسيب والتعويق والتراخي في أداء الواجب وستعمل الثورة ، ومؤسساتها ، ولجانها الشعبية على تحقيق عدالة التوزيع ، واقتسام المتاح بين الناس بالتساوي( .
الحال يغني عن السؤال، استئصال السوق الأسود قال! ومحاربة تجارة العملة! وقد وصل سعر الدولار 9 جنيه سوداني؟ ماذا لو لم تحُارب، إلى أي مدى كان سيصل سعر الدولار يا ترى؟!
من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة اشهر :
يا جماهير شعبنا الوفية . .
(إن الثورة ستعمل جاهدة على سد الفجوة بين طبقات المجتمع ، بدعمها للفقراء والمحتاجين)
الثورة ستعمل جاهدة لمضاعفة أعداد الفقراء والمحتاجين، إلى أن صاروا هم غالبية الشعب.
وأعلن أننا قد عقدنا العزم على أن يكون عام (1990) عام السلام في السودان .
من خطاب البشير في عيد الاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة أشهر:
(إن الثورة سترفع في عامنا هذا شعار القدوة الحسنة عفة في اليد واللسان . . وسلامة في الصدر . . وعدلاً ومساواة بين الناس في الحق والواجب) صااااااااااح
من خطاب البشير في عيدالاستقلال 1990/1/1 بعد انقلابه المشؤوم بستة اشهر :
(جئنا لقلب المعادلة الظالمة . . فنادينا بأن تكون علاقة المواطن بالوطن هي تقديم العطاء قبل الأخذ . . وأولوية الواجبات من الحقوق . . وإيثار المصالح العامة على المصلحة الخاصة . . ومحاسبة الذين يظلمون أنفسهم وأهلهم بسرقة قوت الشعب، واغتصاب حقوق الجماهير)
جاء البشير ليحاسب سارقي قوت الشعب، لذا يجدد الثقة في والي الخرطوم الذي سرق أفراد مكتبه حوالي 18 مليار جنيه (17835000) ويبتدعوا (فقه التحُّلل) يقصونه ويخيطونه تماماً على مقاساتهم ويحللِّوا لأنفسهم ما قالوا إن سيحرِّموه؟ أي كذب وأي افتراء على الله والناس؟
والحصيف من أعمل عقله وقارن بنفسه، ما بين أول خطاب وما بين واقعنا المعاش، وكأنه كان خارطة زمنية مليئة بالوعود الكاذبة التي تحقَّق عكسها تماماً، لذا قلتُ الأجدى يمن يقرأ الخطاب أن يسبق كل جملة بأداة نفي، أو أن ينفي كل جملة أو أن يقرأ عكس معناها لأنها بالفعل استبطنت عكس المعنى.
حكت لي صديقة محامية بأنها كانت ضمن وفد للمشاركة في مؤتمر للمحاميين العرب في دمشق يوم الإنقلاب 30 يونيو 1989، وإنهم جميعاً تجمعوا في بهو الفندق لسماع خطاب البشير، بتركيز تام وأعين مبحلقة في شاشة التلفزيون، أخبرتني أن مع نهاية الخطاب استبشر البعض وهم قلّة، وأُحبط البعض، وقرأ البعض ما بين السطور وقالوا بأن رائحة الإخوان المسلمين فائحة في الخطاب، أما البعض الآخر وهم الرؤيويون لم يعودوا من دمشق، بل منها توزعوا في البلاد لأنهم رأوا ما سيكون عليه الحال، أما من عاد من هم خرج من المطار، ومنهم من تمَّ اعتقاله فور وصوله.
ولك الله يا وطني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.