وجدي رياض يرى أن شخصية المحرر العلمي هي تلك الشخصية المؤهلة علمياً، ويفضّل أن يكون خريج علوم، وأن يكون عاشقاً للأدب ويمتلك حاسة الخيال العلمي. ميدل ايست أونلاين كتب أيمن رفعت حرية الكلام ليست كحرية البحث العلمي هذا الكتاب ترجمة لجانب من حياة مؤلفه، هو الجانب المهني، وليس مسبوقا في اللغة العربية، على الأقل في الإصدارات المصرية، فنحن أمام محرر صحفي علمي، يتحدث عن اشتغاله بهذه المهنة التي كانت نادرة وقت أن بدأ مسيرته فيها. ولا يكتفي مؤلف الكتاب وجدي رياض، بسرد ما يتصل بعمله بوصفه محرراً علمياً في مؤسسة صحفية عملاقة هي "الأهرام"، فهو يجيد تضفير الشأن الشخصي بالأحداث العامة، فيسجل لنا مشاهد من تاريخ الوطن، كما يحدثنا عن الآليات التي تسيّر العمل في هذه المؤسسة الصحفية التي لعبت دوراً خطيراً في الأحداث التي مرت بها مصر. يذكر الكاتب: من أهم صفات الصحفي العلمي هو الإصغاء، وهنا مثل إنجليزي يقول "من الإصغاء تأتي الحكمة ومن الكلام الندامة"، فإذا كنت محرراً علمياً فأنت تتعامل مع علماء ومفكرين، الإصغاء لهم مهم، سجل كل ملاحظاتك واطرحها في آخر اللقاء، لا تكن مُقلداً، وابحث عن الجديد والمستقبل، ابحث من خلال أسئلتك عن الإنسانيات والعطاء النقي، ولا بد من السعي إلى تركيز الأضواء على الفكر النقي الشفاف الذي يسعى للخير. ويذكر المؤلف وظائف الصحافة العلمية، فيقول: الصحافة العلمية مُهمتها هي تمويل البحث العلمي والتطبيقي التكنولوجي، من لغة معقدة يصعب فهمها على العامة إلى مفاهيم ممتعة يستوعبها المواطن العادي، مثلاً إذا عرف الناس أن كل ما هو موجود حولنا من صنع العلم، أو هو فكرة لعبقري تحوّلت إلى آلة لكي تسعد الإنسانية، مثل: الطائرة والسيارة والقطار والكهرباء والمحمول والكمبيوتر والكاميرا.. إلخ. أما عن مواصفات المحرر العلمي، فهناك تبايُن واضح بين المندوب العلمي والمحرر العلمي، وهنا فإن مواصفات المحرر تمثل ثقافة وحضوراً واطلاعاً وسفريات وورش عمل ودورات تدريبية، ومكتبة زاخرة بالكتب العلمية وأرشيف علمي، ومصادر في كل تخصص غنية بالمعرفة، مع المواظبة على حضور المؤتمرات العلمية المتخصصة، وحضور مُستمر في المحافل العلمية. ويضيف المؤلف: كانت كلمة "المحرر العلمي" نادرة، ففي عصر التخصص الدقيق الذي نعيشه بالطبع، يتفاخر الصحفي بقدرته على إتقان عمله من خلال تمكنه من السيطرة على مصادره ومعرفة تحركاتهم، وعلى اتصال يكاد يكون لصيقاً بالمصدر وإدارته وأفراد أسرته، صحيح أن رؤية العمل الصحفي لا ينبغي أن تكون في زاوية واحدة، فالحياة تحفل بالعديد من المتع، كالموسيقى والغناء والرقص والتمثيل والمسرح، والأدب والشعر والسياسة والاقتصاد، وفي نفس الوقت، إن إتقان أكثر من تخصص أمر صعب، ولم يعُد هناك الصحفي الكشكول، ومن هنا نقتنع بأن التخصص الصحفي مُهم، ولكن بإتقان دون تعمق خارج تخصصه في الفروع الأخرى. ويجيب المؤلف على هذا السؤال، وهو كيف يعمل الصحفي العلمي؟ قائلاً: شخصية المحرر العلمي هي تلك الشخصية المؤهلة علمياً، بمعنى أن يفضّل أن يكون خريج علوم، وأن يكون عاشقاً للأدب، ويمتلك حاسة الخيال العلمي، ويحب القراءة ويعشق العلم، وهنا لا يوجد صحفي علمي مُتخصص في كل علم من العلوم، أي لا يوجد صحفي مُتخصص في الكيمياء أو الفيزياء، ولكن صحفي علمي على دراية، ويملك المعلومة من خلال القراءة والمؤتمرات العلمية، سواء كانت جيولوجيا أو فيزياء أو كيمياء أو فلك أو نبات أو جراحة أو عظام.. إلخ. ويضيف: ولا عيب أن يحصل المحرر العلمي على أي دورة تدريبية في فنون العمل الصحفي العلمي، وكم من دورات تدريبية مُستمرة على كتابة الخبر والفيتشر والمقال والتحقيق الصحفي والتحقيق المصور والتعليق على الأحداث، وهي دورات تؤكد باستمرار أن الصحافة تتطور في كتابة الخبر، وإذا قمنا بمقارنة بين الخبر الذي كان يُنشرفي "الأهرام" منذ مائة عام والآن، فسنجد أن هناك فارقاً كبيراً في طريقة العرض والأسلوب، وتقديم الفعل عن المبتدأ والعنوان والمصدر وغيره. ويجيب عن هذا السؤال: كيف صنع الأخوان رايت الطائرة؟ قائلاً: يقول الأخوان "قُمنا بإجراء الاختبار الأول للآلة اليوم، جميع أجزاء الآلة تعمل بطريقة مرضية تماماً ويمكن الاعتماد عليها، ولا يوجد الآن سبب يعرقل نجاحنا النهائي.."، هذه كلمات ويلبر رايت، وهي من خطاب كتبه يوم 14 ديسمبر/كانون أول 1903 لأخته كاترين ووالدهما الأسقف ميلتون رايت. كان الأخوان رايت شخصين غريبين، حيث يقضيان مُعظم أوقاتهما على شاطئ كارولينا الشمالية المنعزل، وكانا يرتديان حللاً وقمصاناً ذات ياقات منشاة وأربطة عنق، وكان يراقبهما عدد قليل من سكان المنطقة. قرأ الأخوان كل ما يستطيعان عن الموضوع، وبدأت تجاربهما على طائرة ورقية، وباستخدام الخشب والسلك ونسيج خفيف الوزن صنع الإخوان سلسلة من الطائرات الشراعية، وقاما باختبار هذه الطائرات بغير محركات على رقعة رملية خارج ضفاف شاطئ كارولينا الشمالية، ونجحا في تسيير طائراتهما، وتعلّما الأخوان رايت كيفية التحكم في طائرة ثم أصبحا سادة الجو. وفي خاتمة الكتاب، يقول مؤلفه الدكتور مجدي رياض: إن حرية الكلام شيء يتوق إليه الإنسان، وهي ظاهرة عامة، وبعض الكلام يرفع الروح المعنوية ويؤدي إلى المعرفة، وفي المجتمعات المفتوحة فإنها تواجه تحدياً من التطورات الآخاذة، مثل تكنولوجيا الاتصالات وشقيقتها تكنولوجيا المعلومات وهي تطورات ثورية مثل اختراع الطباعة منذ 500 سنة على يد العظيم جوتنبرج في ألمانيا. وللعلم أن، سيرة حياة المكتشفين العظام الذين غيّروا من مسيرة الحياة هؤلاء طريقهم لم يكن مفروشاً بالورود، ولم يكتشفوا ما أعلن من الألف للياء، ولكن عندما نقّبوا في طريق الإبداع كان آخرون يتجهون في نفس الطريق، وتتوقف على سرعة أيهما لبلوغ نقطة النهاية ويعلن ثمار جهده، فبينما نحن نتحرّك مع بدايات العقد الثاني من القرن 21، فإن ما يتوق إليه البشر من حرية التعبير، وقد يرى العلماء أيضاً أن لهم حريتهم في صناعة الحياة، ومن هنا خرجت الدعوة لأخلاقيات البحث العلمي، بحيث يتم مُراعاة حدود الحرية التي تقف عند حرية الآخر ينفي البحث العلمي. السؤال: هل المحرر العلمي له دور في الدعوة لفرض قيود على نشوة البحث العلمي الجامحة، وكيف يلعب دوره؟ فحرية الكلام ليست كحرية البحث العلمي، وفي النهاية كلاهما يصب في مجرى سعادة البشرية، الإجابة: له دوره بالطبع مُستخدماً قلمه في تحريض المجتمع على بعض تجاوزات العلماء. يذكر أن كتاب "كنت محرراً علمياً" للكاتب د. وجدي رياض صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، يقع في نحو237 صفحة من القطع المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)