حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكُتاب،التكنولوجيا، والمستقبل .. بقلم: إدوارد تينر
نشر في سودانيل يوم 02 - 01 - 2013


خريف 2012
هذا زمن صعب بالنسبة لأولئك الذين يكسبون عيشهم من وراء قلمهم. لكن التكنولوجيا لن تقرر مصيرهم. إن مستقبل الكتاب – والمقالات، والروايات، والكتب الواقعية التي يقدمونها – يكمن في نهاية المطاف لدى أولئك الذين يقرؤونها.
" الكتابة من أجل لقمة العيش مهنة فريدة. كما أنها حديثة العهد نسبياً، يعود تاريخها بشكل أساسي إلى القرن الثامن عشر؛ وقد سمّىالمؤرخ الأدبي آلفن كيرنان رسالةصامويل جونسون عام 1755 للورد تشسترفيلد ، التي أعلن فيها جونسون بفخر استقلاليته عن المحسوبية الارستقراطية باسم"ماغنا كارتا المؤلف الحديث". هناكمشهد(كاليدوسكوب) من الأجناس الأدبية ومن حجم مداخيل لأجور سبع شخصيات تشبه الحد الأدني بشكل مؤثر. الأهم من ذلك كله، هو أن الكتابة مهنة يود ملايين الناس الانضمام إليها، بدوام جزئي على الأقل. وبالنسبة لدق ناقوس الخطر من قبل ناقدين ككاتب المقالات جوزيف إبستين، فقد كشفت إحدى دراسات المسح عن أن أكثر من 80 بالمئة من الأميركيين يعتقدون بأن لديهم كتاباً في داخلهم.
اليوم، يساور القلق الكثيرين من أن لا التكنولوجيا، حليف التأليف منذ أن خفضت ابتكارات القرن التاسع عشر من كلفة الطباعة، أمراً صحياً بعد اليوم بالنسبة للمثل العليا للكتابة لدى صامويل جونسون، المدعومة بعمليات الشراء من قبل العامة المتعلمين. فبعد خمسين عاماً، وقبل جيل تقريباً من تقديم الحاسوب الشخصي، كانت فرص التأليف تبدو مشرقة. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في العام 1966 أن المدراء التنفيذيين للنشر كانوا قلقين من أن تجعلهم قدرتهم على الربح من الصناعة هدفاً لعمليات استحواذ الشركات الخصم عليهم. في السنة التالية ، دفعتCBS سعراً ممتازاً بلغ 280 مليون دولار في عملية اكتساب ودية للبصمات الأدبية الجليلة ل Holt، Rinehart، و Winston. وكانت IBM و RCA قد سبق واشترتا حصة في صناعة النشر المزدهرة، مع اعتقادهما بأن تزايد التسجيل في الكليات يعد بتوسع سوق الكتاب.
بدت حقبة " المجتمع العظيم" منجم ثراء بالنسبة للناشرين والمؤلفين، فقد احتفل مُعلم الإدارة المحبوب بيتر دروكر بطليعة " عمال المعرفة". وشهد الناشرون لتجارة الكتب تنامي العائدات من 10 إلى 12 بالمئة سنوياً في تلك السنوات الذهبية، بما فيه قفزة ال 18 بالمئة في العام 1966 وحدها. وحصد ناشرو الكتب المدرسية عائدات أفضل حتى. لقد كانت الكتب من كل نوع وصنف مطلوبة بشدة.
المحزن بالأمر أن عمر الملحمة قصير. ففي العام 1969، وعندما دعا الرئيس ريتشارد نيكسون لزيادة الدعم الفدرالي للفنون والإنسانيات، أشار إلى أن عدداً من المؤسسات الثقافية وجدت نفسها تتخبط في " أزمة مالية حادة". وبحلول عام 1971، كان الناشرون يكافحون بسبب التضخم والأسواق الراكدة. ولم تكن خطة " المجتمع العظيم" للاستواء للأعلى تعاني من مشكلة فحسب؛ إذ إن مفهوم FronteirNewعن نشر الثقافة الرفيعة نزولاً إلى الجماهير كانت تخسر أرضيتها أيضاً. لقد جعلت التظاهرات في حرم الجامعة وأنماط الحياة الثقافية المضادة كثيرا ًمن الناس من الطبقة الوسطى ينفرون من الجامعات وما تمثله. ولم يساعد بذلك أن يكون نمط تمرد الشباب قد تغير، مع ناشطين أوائل مثل ماريوسافيو، قائد حركة حرية الكلام في منتصف الستينات في جامعة كاليفورنيا، في بركلي، وطالب دراسات عليا ذهب إلى جامعة أوكسفورد بمنحة دراسية في مادة الفيزياء، مفسحاً المجال لمخادعيYippie من أمثال آبي هوفمانوجيري روبن.
اليوم، النشر هو الحلقة الأضعف في سلسلة حلقات الإعلام- التسلية- التعليم. إن الشركة الإخبارية العملاقة لروبرت مردوختشغل صحفها المختلفة وعمليات نشر كتبها من مؤسستها الترفيهيةFox. وقد تقدم "هوغتونميفلينهاركورت" وهو ناشر كتب جليل، بطلب إفلاس وفق الفصل 11 في وقت سابق من هذا العام، إذ يرزح تحت عبء 3 مليار دولار من الديون.
هناك عدد من الإشارات القاتمة بالنسبة لمستقبل القراءة والكتابة. إن مأزق الصحف معروف جيداً، وملخص بمجمله في تقرير " مركز أبحاث Pew" للعام 2012 بعنوان " حالة الإعلام الإخباري": هبطت عائدات الإعلانات للصحف المطبوعة 2.1 مليار دولار في العام 2011، في الوقت الذي زادت فيه العائدات على شبكة الانترنت 207 مليون دولار فقط - فارق 10:1، أكبر حتى من السنة السابقة. كما كانت المجلات تخسر التداول والإعلانات، لتصل إلى ما سماه ديفيد كار، المراسل الإعلامي في صحيفة نيويورك تايمز، في مبالغة منه بعض الشيء " حافة الهاوية".
قبل عقود قليلة فقط كانت الشركات متحمسة للدخول في نشر الكتب
معظم المؤلفين يعتبرون متاجر بيع الكتب حجر الزاوية لجهودهم الرامية إلى بناء جمهور لكتبهم – أماكن حيث التوصيات الشخصية للأفراد العاملين والاكتشافات العرضية للقراء يمكن أن تفعل العجائب. ( أدهشني جون كينيدي جونيور، باتصال هاتفي يدعوني فيه للكتابة لصالح مجلته "جورج"، وفسر ذلك بقوله إنه صادف كتابي بينما كان يفتش عن آخر في المتجر.) لكن بائعي الكتب يترنحون. فقد أدى إفلاس سلسلة Borders في العام الماضي إلى إغلاق حوالي 400 متجر للكتب.كما أن السلسلة الرئيسة الأخرى، Barnes & Noble، تكافح لأجل البقاء اليوم. أما الأخبار في أوساط متاجر الكتب المستقلة وذات الملكية الخاصة فهي أسوأ. وقد فقدت مجموعتهم التجارية القيادية أكثر من نصف أعضائها ما بين عاميْ 1993 و 2008.
لا عجب أن بعض أكثر المؤلفين نجاحاً على الصعيد التجاري يرون الأفق مظلماً. ففي شباط، قالت الروائية الشعبية جودي بيكولت ( صاحبة 50 مليون نسخة مطبوعة) لمراسل من " التايمز" اللندنية بأن التوجه نحو النشر الالكتروني يخفض مدخولها." إذا ما بعت نفس عدد الكتب الآن كما فعلت قبل عام فإنك ستخسر ثلث الأرباح.ففي أميركا تقترب مبيعاتي من 50-50 بالنسبة للكتب الالكترونية هذا العام"، بحسب ما قالت الكاتبة.
إن الناقدين لصناعة النشر، كالمؤلف واختصاصي التسويق سيثغودين، يستشرفون عالماً جديداً بالكامل: من قال إن لك الحق بالاستفادة مالياً من الكتابة؟.... سيكون المستقبل مليئاً بالهواة، والمثابر والموهوب حقاً هو الذي سيكسب كثيراً ويؤمن حياته من ورائها.إلا أن أيام الكُتاب المهرة الذين يكسبون بشكل جيد من عملهم قد ولت".
إن تكهنات رهيبة كهذه هي تكهنات تنويمية. فالتشاؤم الثقافي كان صناعة نامية حتى بخصوص مانعتقده عن العصر الذهبي للطباعة قبل قرن مضى وأكثر، عندما لم يكن عامة الناس الناشئين المتعلمين منصرفين عن القراءة بسبب الراديو أو هوليوود، عدا التلفزيون. إن طعم الكآبة قوي لدرجة أنه يعيد إحياء الكتب القديمة. وكان كتاب "إغلاق العقل الأميركي" للفيلسوف الأميركي آلنبلووم ( 1987) قد فاجأ الجميع بتسجيله رقم مبيعات وصل إلى مليون نسخة، ومؤخراً أعيد إصداره بطبعة جديدة احتفالاً بالذكرى 25على صدوره الأول.كما أعيد إصدار كتاب " مرثيات غوتنبرغ" للناقد سفن بيركيرتس.هذه المجلدات، ومجلدات قاتمة ومتشائمة أخرى تم رفعها (وأخرى أسقطت؟) في إثارة للبخل في كتاب " المياه الضحلة" للكاتب والناقد الثقافي نيكولاس كار وفي كتاب " الجيل الأغبى" لبروفسور اللغة الانكليزية مارك بويرلاين. لا عجب أن بعض الباحثين السيكولوجيين يعتقدون بأن الانحياز السلبي سمة فطرية لدى النوع البشري.
في سوق الكتاب اليوم، هناك عدد من أكبر كُتاب النثر القادرين على بيع 100000 نسخة أكثر من أي وقت مضى.
مع ذلك، اليأس والإحباط ليسا شاملين. فعندما تحدثت معه على الهاتف، قال ديفيد فنزا، المدير التنفيذي "لرابطة الكُتاب وبرامج الكتابة"، أكبر مؤسسة أكاديمية في الكتابة الإبداعية، بأن النشر أكثر قوة ونشاطاً، وأكثر انفتاحاً على تنوع الأصوات من أي وقت مضى. ورفض الفكرة القائلة بأن من الصعوبة بمكان على الكُتاب النجاح اليوم، مشيراً في ملاحظة له بأن هناك عدداً أكبر من كُتاب النثر القادرين، أكثر من أي وقت مضى، على بيع 100000 نسخة من كتاب، ووجود أعداد أكبر من الشعراء يبيعون 10000 نسخة. وفي عدد من الجامعات، أصبحت الكتابة الإبداعية الكبرى بديلاً عن متابعة تحصيل الدرجات الإنكليزية التقليدية، مجتذبة بذلك كثيراً من الطلاب الذين يعشقون القراءة، إنما ليس بالضرورة قراءة أحدث الاتجاهات العلمية المتخصصة المفرطة في العلوم الإنسانية.
هذا أحد الأسباب فحسب للأمل بأن هناك ثقافة أكثر قوة وتشاركية تنهض في أوساط الشباب على الأقل. فالقصة القصيرة، التي ازدهرت مرة في المجلات الشعبية، وجدت لها انتعاشاً متواضعاً في One Story، وهي مجلة مطبوعة لا تبغي الربح والتي لديها اليوم 15000 مشترك، والتي ستستكمل قريباً بمنشور جديد للمراهقين.وتعارض إحصائيات صناعة الكتاب أيضاً الإحباط الثقافي. فقد ذكر ناشرو الكتاب الأميركيين حصولهم على مكاسب صغيرة لكن من دون جدول بعدد الكتب المباعة ( المطبوعة والرقمية) وفي عائدات النت خلال السنوات الصعبة من العام 2008 حتى 2010، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. ( ومنذ ذلك الحين ظلت الأعداد مستوية بأساسها.) وكانت كتب الأطفال بقعة مضيئة محددة، وذلك يعود، جزئياً، إلى الحماسة المستمرة لروايات "هاري بوتر".إن مقدار العائدات الصغير والمؤلم مخيب للآمال، كما أن قضية إغلاق الصحف والمجلات تؤذي الكتاب والقراء. لكن هلال قلق المفرط مبرر، خاصة في وقت ستكون فيه صناعات عديدة سعيدة بكونها في حالة ثابتة؟ بعد كل شيء، وكما يشير المدوِّن ديريك طومبسون صاحب مدونة Atlantic، لقد ضربت الموسيقى الرقمية وبقوة عائدات صناعة التسجيل ب 57 بالمئة على امتداد 10 سنوات بعد العام 1999.
في كل الأحوال،هناك مجموعتان من الضغوط تقلق المؤلفين بحق: العصر والسحق. فالعصر هو نتيجة تخفيف التكنولوجيا لوقت الاهتمام وصرف الطاقة؛ أما السحق فهو نتاج التوسع المفرط للوسطاء القلة الحاكمين ( أوليغاركية) ومستهلكي المعلومات العصية.
إن العصر، وهو إمداد متزايد من الكلمات المتنافسة للحصول على مقادير محدودة من وقت القارئ، هو انعكاس لشعبية الكتابة كمهنة. لقد قلل التغيير التكنولوجي ما يدعوه الاقتصاديون ب "عقبات الدخول" في الكتابة. إذ ساعدت هذه الظاهرة على رفع عدد الكتب المنشورة في الولايات المتحدة من 240000 كتاب في عام 2003 إلى أكثر من 347000 كتاب في العام 2011. وأتاحت التكنولوجيا أيضاً للغزارة الموجودة أساساً لأن تصبح أكثر. لقد جعل اختراع الآلة الكاتبة في ستينات القرن الثامن عشر حياة المحررين أسهل، لكنها بالكاد غيرت خطوة الكتابة نفسها. ( تأمل في المقادير الأدبية المنتجة لديكينز وثاكراي، أو تأمل بحوالي 20000 كلمة يُعرف عن طوماس جفرسون أنه كتبها.). كانت الحواسيب قصة مختلفة، كما تظهر تجربة المؤرخ البريطاني البارع روي بورتر. وقالت صحيفة " الغارديان" في نعي بورتر 2002: " أصبح تدفق الكتب الثابت انهياراً ما أن أتقن استخدام الكومبيوتر".
هناك ضغط أكثر أيضاً على الكتاب والمحررين الراسخين لإنتاج محتوى. إذ على طاقم العاملين في صحيفة ما الآن أن يدونوا في مدونات لهم على الانترنت وأن يغردوا على التويتر ويكتبوا المنشورات على الفايسبوك، إضافة إلى القيام بوظائفهم الرئيسة.إن وجود دين ساركمان صاحب " The Columbia Journalism Review" يتسم بنوع من عجلة " الهامستر" الصحفية. وإن البحث في حركة المرور على الشبكة العنكبوتية، كما يقول، كان حَرْفاً للمصادر الثمينة عن المهمة الجوهرية للصحافة. ففي العام 2010، نشرت Demand Media، المشغلة لمواقع الكترونية مثل eHow.com والموظِّفة لآلاف الأعمال الحرة المدفوعة بالحد الأدنى، والتي نشرت 4500 مادة باليوم، تدور، وبشكل رئيس، حول مواضيع عملية بدءاً من الصحة والمهن، وصولاً إلى ترميم المنازل، ساحبة بذلك حركة مرور على الشبكة العنكبوتية أكبر من تلك التي لصحيفة " نيويورك تايمز". وقد أثبتت الفرضية المبكرة القائلة بهيمنة الكتابة الاحترافية العالية الجودة على الانترنت عن تفاؤل كبير جداً.
إذا كان العصر يضع ضغوطاً على مدخول الكُتاب، فإن السحق يهدده بشكل أكثر جذرية. فالسحق ليس النتيجة المباشرة للنشر الالكتروني، الأمر الذي لا يعتبر جيداً أو سيئاً، بطبيعته، بالنسبة للكتابة كمجال عمل. رغم ذلك، فإن الكتاب الالكتروني يجلب معه، بطريقة غير مباشرة، توجهين متعارضين، لكنهما مقلقان على حد سواء، الاحتكار والقرصنة.
أما اليوم، فإن التحدي الماثل بالنسبة للكُتاب لا يتعلق كثيراً باحتكار القلة بقدر ما يتعلق بفرص هيمنة شركة واحدة، هيAmazon. فحتى وقت قريب، كان بإمكان المؤلفين اعتبار الشركة أفضل صديق لهم. إذ تركت هذه الشركة كبار الناشرين وأصغرهم، على حد سواء، يجدون قراءً لهم، خاصة بالنسبة لبعض المتاجر التي قد يكون لديها مخزون من عناوين الكتب المنسية وكتب أخرى مبيعاتها بطيئة. لقد شجعت على مناقشة الكتب بين زبائنها، وتركت المؤلفين يؤسسون صفحاتهم الخاصة على موقعها، وجعلت الأمور أسهل على الزبائن بخصوص اكتشاف كتب أخرى لكتابهم المفضلين.
مع ورود قراء Kindle التابعة ل Amazone والمروَّج لها بقوة وعدائية، اختلفت الصورة وأصبحت قاتمة. وكانت المهضوم حقها ،الصديقة طويلة الذيل تتحول إلى Rottweiler. وعلى خلاف بائعي القراء المتنافسين والأقراص، بما فيها Apple و Barnes & Nobles، تريد Amazon القيام بما هو أكثر من بيع المنصات والبرامج لقراءة المحتويات الالكترونية التي تبيعها. الأمر يبدو أنه ترويج للنشر الذاتي من خلال موقعها كبديل للنشر التقليدي – واستبدال له. ( عمل سيثغودين لوقت قصير مع Amazon في مجهود كهذا لإزاحة ناشرين تقليديين.) ففي رسالته السنوية للمساهمين هذا العام، قال جف بيزوس مؤسس Amazon ومديرها التنفيذي بأنه " حتى المتحكمون أصحاب النوايا الحسنة يبطئون الإبداع"، وهي لكمة على كوع الناشرين. لقد هُلل له بالتأكيد عندما قدمت وزارة العدل الأميركية دعوى مكافحة الاحتكار تتهم فيها Apple وخمسة من كبار الناشرين بالتواطؤ للحفاظ على أسعار الكتب الالكترونية مرتفعة ومنع التنافس بتخفيض الأسعار بين Amazon وبين منافسيها. ( قام ثلاثة من الناشرين مؤخراً بتسوية.) ويقول المنتقدون ل AMAZON بأن قدرتها على تسويق كتب " البست سيللر" بخسارة، أمر يهدد قدرة الناشرين على الترويج لمؤلفين جدد. فهم يتخوفون من أن تجعل الشركة كوابيس دوامة التعويضات نزولاً تتحقق. وقد انتقد السيناتور تشارلز شومر ( عن ولاية نيويورك) وزارة العدل الأميركية، بحجة أن "الدعوى يمكن أن تقضي على صناعة النشر كما نعرفها الآن".
وقد حذر الروائي سكوت تورو، رئيس Authors Guild، والمعترف بأن Amazon كانت شيئاً جيداً بالنسبة له شخصياً داعياًkindle بال " الابتكار العظيم"، قائلاً، " من المنطقي فحسب التخوف مما سيفعلونه بهذه القوة المتراكمة". ويستشهد ستيف واسرمان، كاتب رواية " الأمة" بما فعلته Amazon أساساً فيقول: عندما رفض 500 عضو من " مجموعة الناشرين المستقلين"IPG)) قبول مطلبها بالقيام بتخفيضات أعمق على منتجات IPG ، ألغتAmazon 5000 عنوان رقمي للناشرين عن موقعها الالكتروني على الانترنت. وأعلن أحد الناشرين المستقلين في تكساس ما بدأ يعتقده عدد من الناشرين والكتاب: " تريد Amazon على ما يبدو القضاء على الموزعين، ومن ثم القضاء على الناشرين المستقلين ومتاجر بيع الكتب لتصبح بذلك الرابط الوحيد بين القارئ والمؤلف". في تلك المرحلة، يمكن للكتاب أن يكونوا، تقريباً، تحت رحمتها تماماً.
أما القرصنة فهي عكس الاحتكار. ورغم أن هناك خلافاً حول مداها، فإن التقاسم اللا قانوني للكتب الالكترونية لم يصل إلى مستويات السرقة التي عانت منها استوديوهات الأفلام والتصنيفات الموسيقية. فبالنسبة لبعض الكُتاب، التهديد الحقيقي ليس القرصنة نفسها وإنما الضغط لتخفيض الأسعار لعدم التشجيع على النسخ اللا قانوني. وكما اقترح الروائي إيوان موريسون، " في كل صناعة رقمية أدت محاولة مكافحة القرصنة إلى انخفاض ضخم في سعر الغلاف: المنحدر الزلق نحو محتوى رقمي مجاني".
وبقدر ما هما مرعبان، لا ينذر العصر والسحق بمستقبل قاتم لا مفر منه. لقد كانت الأزمات الاقتصادية والتكنولوجية السابقة عبارة عن بوتقات إبداع، محفزةً على بروز أنواع جديدة واجتذاب كُتَّاب جدد. إن روايات الغموض المبنية على الالغاز ل " إدغار آلان بو" مثل " جرائم قتل في شارع مورغ" و " حشرة الذهب"، كانت استجابة ذهنية على الصعيد التجاريلحالة " الذعر عام 1837"، بحسب الباحث تيرينس والن في بحثه عن " إدغار بو" حيث قال بأنها قدمت التحقيق العلمي إلى الأدب. لقد أضرَّت حالة " الذعر عام 1893" بالمجلات المبنية على أساس الاكتتاب التقليدي لكنها تسببت في نشوءسلالة جديدة من نظيراتها الرخيصة الثمن والواسعة الانتشار التي فرضت اعتماداً أشد على المعلنين للحصول على عائدات. إن بعض أعظم النجاحات في الثلاثينات كانت لرجال أعمال ممن نزفوا دماً بسبب " انهيار 1929" : ييبهاربورغ، الذي كتب كلمات "أخي ، هل تستطيع توفير قرش واحد؟" وكلمات أغاني في " ساحر أوز"، وبنجامين غراهام، الذي استخلص الدروس المالية الصعبة ووضعها في" التحليل الأمني"، الذي يعتبر الآن عملاً متعارفاً عليه في " قيمة" الاستثمار.
إن مقولة المشاكل عبارة عن فرص صحيحة. فمتاعب الصحف تعود، جزئياً، إلى نفاذ صبر العامة من تشابه الصيغة المزمن. وبحسب ملاحظة للمؤرخ روبرت دانتون ومدير مكتبة جامعة هارفرد، ومراسل للشرطة في أحد الأوقات، وذلك في دراسة إثنولوجية كلاسيكية عام 1975 عن الطرق العشائرية للصحافيين، " لا شيء يمكن أن يكون أقل تنافسية من مجموعة من المراسلين حول نفس القصة". لقد كشفت التكنولوجيا،وبلا رحمة، الأمر الذي لطالما اعترف به الناقدون والمطلعين.
تفسح المشاكل البنيوية للصحافة المجال أمام للإبداع، كما فعلت قبل أكثر من قرن مضى، عندما أعلن أدولف س. أوشس، الناشر المعجزة لصحيفة Chattanooga البالغ من العمر 38 عاماً، إفلاسه عقب أزمة " الذعر 1893"، ووجد، بطريقة ما، داعمين للاستيلاء على صحيفة " نيويورك التي كانت تناضل للبقاء، محولاً إياها إلى صحيفة نخبة من الصف الأول بتسعيرة بمتناول الجماهير. فهل هناك من " أشس" جدد اليوم في أوساطنا؟ إن وارن بوفيت، أعظم تلامذة بنيامين غراهام، كان يحصل على صحف حتى عندما كان روبرت مردوخ يشغلها.
كالصحف، كان لدى عمل الموسوعات مشكلة مزمنة، في حالتها استحالة الحفاظ على تحديث عدد من الإدخالات. مع ذلك فإن لدى ويكيبيديا، العدو اللدود للموسوعات التجارية، حدودها البنيوية الخاصة بها. فالتحرير المفتوح قد يصحح الأخطاء و يراكم المراجع والصور، لكنه لا يتناسب مع خلق نوع من التركيبة الفكرية التي حققتها الطبعة ال 11 الكلاسيكية قبل أكثر من قرن مضى. فهل بإمكان نظير القرن 21 لذلك العمل البارز أن يكون هو مستقبل الموسوعة؟
ماذا عن الكاتب العادي؟ لا أحد يطمح أبداً لأن يكون كاتباً عادياً. فبعيداً عن الكتابة التقنية والمتقلصة، كانت المهنة، على الدوام، عبارة عما يسميها الاقتصاديون مباراة، أي بيئة تنافسية مع بضع فائزين كبار فحسب، ممن تشكل نجاحاتهم حافزاً للباقين. من الممكن جداً أن تتآكل أكثر الطبقة الصلبة للمهنة ، وأن يتقدم بضع مؤلفين مفضلين أكثر. قد ينحدر الوسطيون، لكن الجوائز البراقة ستبقى.
يعتمد المستقبل على الكتاب أنفسهم أكثر مما يعتمد على التكنولوجيا. فإذا ما تقبلوا طرح البروليتاريا، فإنه سيصبح بشارة ذاتية التعبئة. فإذا كان بإمكانهم إظهار كيف يكون حق النشر والتأليف والتعويض الجيد في مصلحة القارئ العام على المدى الطويل، إذا ما استطاعوا تعبئة القراء للمساعدة في إلحاق الهزيمة بالراغبين بأن يكونوا محتكرين لمختلف أنواع الاحتكار، وإذا ما تمكنوا من استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لتعزيز العلاقات مع القراء، فسيظل هناك أيضاً عدد من الكتاب الخائبين والمحبطين، لكن سيكون هناك أيضاً أنواع جديدة من الفرص. التفاؤل قد يفشل؛ التشاؤم لا يمكن أن ينجح. وعلى حد تعبير إيرفينغغوفمان، الاختصاصي بعلم الاجتماع، والذي باع كتابه الأول " إبراز الذات في الحياة اليومية" ( 1959) 500000 نسخة، عندما شكا نظيره الماركسي آلفن غولدنر من معاملته كسلعة من قبل ناشر كانا يتشاركان التعامل معه: ليس هناك من بأس من التعامل معك كسلعة طالما أنك سلعة ثمينة.
/////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.