بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى المثل القائل بأن الجمل لا يرى اعوجاج رقبته, لم يعد مقبولا في ظل توفر كل الطرق التي تمكنه من فعل ذلك. فالمرآة تعتبر اصدق أداة في عكس أي صورة توضع أمامها. لكن عندما تشرع قيادات المؤتمر الوطني في تصويب أسلحة نقدها تجاه أي من معارضيها, فإنها لا تلتفت أبدا إلى واقع حالها لترى ان كان افصل مما رمت به الآخرين من سوء. هذا رغم أن المؤتمر الوطني يعتبر من أكثر الأحزاب التي وجد من يعكس له اعوجاج رقبته, خاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة ومنها ما يصدر من بعض كوادره المخلصة له, إلا انه دائما ما يصم أذنيه ويغمض عينيه حتى لا يسمع ولا ترى الواقع والحقيقة. الدكتور مصطفى إسماعيل من بين القيادات التي عودتنا على افترائها على عقول المواطنين عندما يتحدث عن واقع غير الذى يعيشونه ويظل متمسكا برأيه رغم خطله. فقد صرح سيادته في وقت سابق بان حكومتهم عندما وصلت إلى سدة الحكم عبر انقلابها إياه, وجدت شعب السودان متسولا. فإذا سلمنا جدلا بتلك الفرية, فما الذى فعلته حكومتهم لانتشال هذا الشعب المسكين من حالة التسول تلك والارتقاء به إلى رغد العيش ونعمائه؟ فالمتمعن في حالة المواطنين اليوم, وما يعايشون من فقر وبؤس وضنك, جعل غالبيتهم متسولين فعلا, بل وجعلت التسول ظاهرة عامة اشتركت فيها حتى النساء اللائي كان خروجهن للعمل سبة في جبين أولياء أمورهن, وعندما كان التسول محصورا بين بعض الوافدين من خارج السودان, فان هذه الحالة الراهنة والفضيحة تعكس أحد أمرين, إما ان حكومة الإنقاذ قد وجدت شعب السودان متسولا فعلا لكنها عجزت, وعلى مدى ربع قرن من الزمان عن معالجة الأسباب التي أجبرته على التسول, آو إنها وجدته كما كان فعلا ( مستور الحال) لكنها عجزت عن ان تبقى عليه ولو في الوضع الذى وجدته عليه, مما يحميهم من مذلة التسول. أما آخر صيحات الضحك على عقول المواطنين, فهو التصريح الذى أدلى به سيادته حول أسباب اعتقال السادة, فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني وفرح عقار. فقد ارجع سيادته سبب اعتقال ثلاثتهم, لا لما صرحت به الجهات المعنية بالأمر ولمتمثل في توقيعهم على نداء السودان, بل أتى بسبب جديد نفى بموجبه السبب الرئيس, عندما أوضح بان غيرهم ممن وقعوا على ذلك النداء قد عادوا إلى السودان ودون ان يتم اعتقال أيا منهم. وحبذا لو أفصح سيادته عن اسم أيا ممن وقعوا على ذلك النداء, الذى افقد السلطة أعصابها, قد وصل السودان ولا زال حرا طليقا؟ أما الجريمة التي تم تصميمها ليصبح ثلاثتهم مرتكبيها فقد أرجعها دكتور مصطفى إلى أنهم قد خططوا لتخريب الانتخابات التي أصبحت هاجسهم الوحيد, حيث أوضح بان ثلاثتهم قد خططوا لتشكيل خلايا بالأحياء, مهمتها القيام بمنع المواطنين من الذهاب إلى مراكز الانتخابات للإدلاء بأصواتهم, وكأنما هؤلاء المواطنين قطيعا من البهائم يمكن ان يقاد بالعصا إلى حيث يوجهه حاملها. أما ما يدعو للمزيد من الدهشة حقا, هو ان يضيف بان الحزب الشيوعي هو الذى اضطلع بمهمة تكوين تلك الخلايا بالأحياء, يعنى قام بتلك المهمة بكل الأحياء وتماما. يقال ذلك في الوقت الذى يتم فيه وصف الحزب الشيوعي بأنه حزب قيادات بلا جماهير. فكيف له ان يصبح قادرا على تكوين كل تلك الخلايا التي أزعجتكم لهذا المدى وهو لا يملك أي جماهير؟ وقبل الانتقال لفرية أخرى مما حفلت بها تصريحات سيادته, نسأله عن سبب كل هذا الانزعاج من الخلايا الوهمية التي تم تشكيلها بواسطة الحزب الشيوعي وبإيعاز ممن تم اعتقالهم بسب تلك التشكيلات بينما تم إعفاءه هو رغم انه الفاعل, نسأله عن كيف تم تشكيل تلك الخلايا داخل الأحياء في الوقت الذى يتحدث فيه حزبكم وحكومتكم عن مختلف التشكيلات التي تم تكوينها بالأحياء للحماية من مثل خلايا الحزب الشيوعي, كاللجان الشعبية واللجان المجتمعية وبسط الأمن الشامل وغيرها مما لا نعلم, والتي عليها القيام ترصد اى تحرك من جانب الجماهير فيه أدنى قدر من إمكانية زعزعة سلطتكم؟, أما الحديث عن ان محاولة منع المواطنين من الوصول إلى مراكز الاقتراع ووصفه بأنه انتهاك لحرية المواطن وقانون الانتخابات, نسال أيضا ان كانت حرية المواطن مصانة ومتاحة, وان كان قانون الانتخابات في الحفظ والصون؟. فأين حرية المواطن التي يخشى انتهاكها بواسطة الأحزاب الداعية لمقاطعة الانتخابات, متى حرمت ذلك المواطن من حقه في الإدلاء بصوته, وهو ذات المواطن الذى ان خرج لليعبر عن رأيه في اى أمر يتصل بحياته وحقه فيها, وان كان تعبيرا بصورة سلمية, حالما يتم الرد عليه وبأقسى ما تملك السلطة من أدوات القهر والقمع التي قد تصل حد القتل, ولكم في أحداث سبتمبر خير مثال, ثم اى انتهاك لقانون الانتخابات يخشى منه وهو القانون الذى ظل عرضة للتعديل والتبديل وفقما ترغب السلطة؟ وبالطبع لن ينسى دكتور مصطفى ان يعطى الأحزاب المعارضة نصيبها من الذم, خاصة عندما يتحدث عن المقارنة بين انجازات حزبهم وانجازات الأحزاب الأخرى, ودون ان يفطن إلى انعدام التكافوء الزمني بين حكومتهم وحكومات تلك الأحزاب. عندما يعلن سيادته بان هذه الأحزاب المعارضة قد جاءت إلى سدة الحكم ثلاث مرات خلال عشرة سنوات, ومن ثم يتحداها ان يعلن اى حزب منها بأنه قد عبد طريقا أو شيد جسرا أو أقام مشروعا؟ ولنسأل دكتور مصطفى عن كل المشروعات التي كانت قائمة وفاعلة ومثمرة عند مجيء حكومته, وبصرف النظر عن ان كانت تلك المشروعات من صنع ذات الأحزاب المعنية بالتحدي, آو حتى من صنع الاستعمار, فقضت عليها جميعها حكومة الإنقاذ ودمرتها تدميرا, وما صاحب عمليات تدميرها من فساد لم يشهد له السودان مثيلا, فما المحصلة النهائية التي سنحصل عليها حكومة الإنقاذ إذا تمت مقارنة ما أنجزت بما دمرت؟ ثم كيف لنا ان تقارن انجازات حزب واحد مكث في السلطة منفردا لأكثر من ربع قرن من الزمان يكفيه لكي تجعل من السودان في مصاف الدول المتقدمة, لا في مؤخرة الكثير من الدول النامية,.مقارنته مع مجموعة أحزاب ظلت تتبادل السلطة سلميا بينها, ولمدة لم تزد عن عشرة سنوات قضتها مجتمعة, وحيث لم يمكث اى منها في سدة الحكم لأكثر من أربع سنوات؟ ثم حدثنا سيادته عن رؤيتهم في المؤتمر الوطني لاستقرار دولتهم, حيث رأوا ان ذلك الاستقرار يتطلب, ان تكون للدولة عدالة ومحاسبة للظلم, يعنى يادوب, وبعد مضى خمسة وعشرون عاما فطنت حكومة الإنقاذ إلى ان استقرار الحكم قوامه العدل أولا ومحاسبة الظالم ثانيا, وحتى هذه الصحوة المتأخرة لم تكن لأجل استقرار المواطن وإنقاذه من مختلف أنواع وأشكال الظلم الذى أوقعته عليه الإنقاذ ولكن (برضو) لاستقرار سلطتهم. أما مطلوبات تحقيق ذلك الاستقرار لدولتهم, فقد أوجزها سيادته في الحاجة إلى قضاء عادل ونزيه, والى نيابة مؤهلة ومدربة, والى شرطة. طبعا الحديث عن الحاجة إلى كل هذه المطالب تعنى عدم توفرها حاليا, بدء بالعدالة وانتهاء بأدوات تحقيقها من الكوادر المؤهلة والمدربة والنزيهة. وبالطبع لا نستبعد غياب الكثير من مثل تلك الكوادر في ظل عملية التمكين التي قضت على الكثير منها بسبب عدم ولائها لسلطة الإنقاذ التي استبدالها بفاقدي كل تلك الصفات. ثم ما السبب في عجز الإنقاذ عن تأهيل وتدريب كل الكوادر التي وضعتها في غير مواقعها الصحيحة من منسوبيها وقد مكثت على سدة الحكم كل تلك السنوات المتطاولة؟. خلاصة القول ان المؤتمر الوطني وهو مهموم بقصة الانتخابات وما يحيط بها من مشاكل على رأسها الدعوة لمقاطعتها, كان لابد من ان يعمل على إعداد نفسه لكل الاحتمالات الممكنة لتلك الانتخابات, بحيث ان لم تأت الرياح بما تشتهى سفنه, ولم يوفق فيها كما يجب, وطبعا لا نعنى بعدم التوفيق ان يخسر في منافساتها, فذلك عين المستحيل في ظل منافسته لنفسه وبمعية مجموعة الأحزاب التي تفضل عليها ببعض من دوائر الانتخابات لتفوز فيها بلا منافسة, بل المقصود بالفشل هو ضعف نسبة الذين اقترعوا قياسا بمن يحق لهم الاقتراع. وفى هذه الحالة فان شماعة الفشل ستصبح الأحزاب المعارضة وعلى رأسها الحزب الشيوعي, الذين اتهمهم دكتور مصطفى عثمان بتشكيل الخلايا التي ستعمل على منع المواطنين من الذهاب للإدلاء بأصواتهم لصالح المؤتمر الوطني وقياداته, وأما إذا حصلوا على بعض مما يرغبون فيه من نجاح, فسيكون السب فشل الأحزاب المعارضة في تحقيق حلمهم في مقاطعة المواطنين للانتخابات, وطبعا لأنها أحزاب لا جماهير. وهنا لابد من توضيح حقيقة واضحة وضوح الشمس, ان الجماهير المعنية بالمقاطعة للانتخابات, ليست هي جماهير الأحزاب المعارضة بقدرما هي تمثيل لغالبية جماهير الشعب السوداني الذين تقطعت أنفاسهم جريا خلف الوصول إلى اقل القليل من مطلوبات حياتهم التي أصبحت مستحيلة, فهؤلاء ليست في حاجة لمن يدفعهم لمقاطعة الانتخابات التي يرونها ترفا سياسيا لا يملكون الوقت ولا الجهد ولا المزاج لممارسته. إذ لا يوجد مواطن واحد (بطنه باردة) من الحزب الحاكم أو حكومته, طبعا ما عدا الذين تسببوا في إشعال النار في بطون الآخرين.