التقت (الصيحة) بعميد كلية الاقتصاد بجامعة النيلين والخبير الاقتصادي البرفسور حسن بشير واستطلعت رأيه حول دلالات القرار الأمريكي بإلغاء العقوبات الخاصة بقطاع الاتصالات على السودان سياسياً واقتصادياً. ++ كيف تقرأ الإجراء الأمريكي الأخير برفع الحظر عن 11 خدمة في مجال الاتصالات؟ يتضح من الوهلة الاولى ارتباط القرار بلغة المصالح التي تفهمها الإدارة الأمريكية بشكل ممتاز وهي مهمة جداً للتعامل مع الإدارة الأمريكية، وفي رأي الشخصي أنه ذو ارتباط وثيق بالمصالح الأمريكية في المنطقة، ومن ضمنها جمع المعلومات الخاصة بمحاربة الإرهاب. ما هي الدلالات السياسية لهذا القرار؟ تقودنا لعدة اتجاهات الأول، بأنه من الممكن بشكل ما وسط الآلية الخاصة بلغة المصالح بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية اختراق منظومة العقوبات ضد السودان خاصة أنها مفروضة من واشنطون بشكل فردي وليست ذات صبغة دولية من قبل مجلس الأمن. أما الجانب الثاني فمرتبط بدلالات أمنية واضحة ترتبط بشبكة المعلومات وجمعها والتحقق. وهناك فرية تمت الإشارة إليه في القرار باعتبارها (اتصالات شخصية) فالجوانب التي تم فك الحظر فيها لا تمت إلا بصلة ضعيفة بالاتصالات الشخصية والإشارة للاتصالات الفردية كانت مجرد غطاء ذكي جداً للمدلول العميق لهذه الجوانب التي تم فك الحظر عنها. فأولاً، هذه المسائل مرتبطة بمجال الاتصالات والشبكات والموبايلات ومعدات الكمبيوتر وجمع المعلومات والتتبع والتحقق وكل هذه المنظومة ذات استخدامات متعددة وليست ذات استخدامات شخصية التي تعتبر موجودة ضمنها لكنها لا تقارن مع المخرجات ذات الدلالات الأكبر خاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات والتنصت والتتبع...الخ، فمثلاً التلفونات المرتبطة بالأقمار الصناعية الاستخدام الشخصي فيها ضعيف. عندما نتأمل في البند الثالث المرتبط بأجهزة الموديوم والشبكات وبرمجيات الاتصالات وتقنيات جمع المعلومات بكفاءة عالية نجدها ذات استخدامات متعددة ومن ضمنها طبعاً الاستخدام بقطاعات الأعمال, أما البند الخامس فشمل المحطات الفضائية وأجهزة الإرسال والاستقبال والبرمجيات ذات العلاقة بهذه الجوانب، وهي لا يمكن القول بأنها اتصالات شخصية أما البند السابع فمرتبط بالتحقق والتزويد والتتبع وكذلك البند الأخير الخاص بالتحقق والتزويد وهما على درجة عالية من الأهمية. وماذا عن المؤشرات الاقتصادية لهذا القرار الأمريكي الجديد؟ من المؤكد لا يمكن تجريد هذا الإجراء الأمريكي من الأهمية الاقتصادية فبالتأكيد توجد جوانب اقتصادية مهمة، ولكن لدي عدة ملاحظات أولاً الاقتصاد السوداني ليس معقداً لدرجة استفادته من التقنيات الخاصة بشبكات المعلومات والاتصالات لحد كبير إلا في قطاعات محددة، وما أعنيه بشكل محدد أن الاستفادة منها لا تتم على نطاق جماهيري وتوظيفه اقتصادياً في مكاسب فردية، ولكن الاستفادة الكبرى ستكون لقطاع الاتصالات والذي سيكون أكبر المستفيدين خاصة العاملين بمجال الموبايلات وأجهزة ومعدات وبرمجيات الحاسوب والشبكات والفضائيات.. الخ. وبشكل عام فإن قطاع الخدمات المرتبط بالتقنيات الحديثة وشبكات الانترنت هو المستفيد الأول من هذا الإجراء الأمريكي، وطبعاً هذا الأمر نفسه لديه مردود اقتصادي جيد لا يمكن التقليل من أهميته من ناحية الحساب الاقتصادي البحت. في جانب ثانٍ يمكن أن يفضي هذا الاجراء إلى تقليل تكلفة الخدمات المرتبطة بشبكة المعلومات ويزيد من الكفاءة خاصة في مجال إدارة الأعمال والإدارة الحكومية المرتبطة بالشبكات والانترنت والاتصالات الحديثة وكل القطاعات الحديثة المرتبطة بنظام تقانة المعلومات الحديثة، وهذا تلقائياً يمكنه تخفيض تكلفة الاتصالات نفسها مما يؤدي لتوسعة شبكة الاتصالات نفسها وتوسعة سعتها خاصة فيما يتعلق باقتصاديات الوقت والذي ستترتب عليه مكاسب عديدة حيث يعاني السودانيون من ضياع للوقت بشكل كبير جداً فنجد مؤسسات حكومية عديدة معنية بتقديم خدمات للمواطنين تشهد تعطلاً لمصالحهم كما يحدث في خدمات استخراج جوازات السفر أو البطاقات القومية الوطنية وترخيص المركبات وغيرها، وتسمع دائماً في هذا القطاع عبارة (الشبكة طاشة) وإسهامه في تقليل تكلفة الوقت بمجالات أخرى كالعمل الصحفي وقطاع التعليم والبحث العلمي خاصة فيما يتصل بتطوير نظم الإدارة العلمية والبحثية والحصول على المعلومات الخاصة بالبحث العلمي والدخول للمكتبات العالمية ومواقع الجامعات وإسراع خدمة (الداون لود) – التنزيل- والتي تحتاج لإكمالها لوقت طويل ولا يستطيع أي شخص الحصول عليه، ولتطوير خدمات الحكومة الإلكترونية وتقليل الخدمات المرتبطة أيضاً بين مختلف الولايات، وطالما أن معظم الجهات العاملة بمجال الاتصالات هي أجنبية فيمكن للحكومة الاستفادة من الإيرادات الضريبية لدخول كثير من الخدمات تقانات المعلومات والاتصال ضمن المظلة الضريبية مما قد يؤثر إيجاباً على الإيرادات الحكومية ولذلك أتمنى أن تستثمر الحكومة هذا الجانب بشكل إيجابي بتخفيفها العبء على بعض الجهات ذات الإنتاجية الضعيفة بخفض ضرائبها وجعلها ضمن شرائح الضريبة البسيطة. سيستفيد أيضاً النظام المصرفي لاعتماده على التقنيات الحديثة وستقتصر على الخدمات الموجودة داخل النطاق المصرفي ولن تشمل التعاملات المالية عبر المصارف او عبر المقاصة الدولية نسبة لعدم شمولها بذلك القرار، كما ستكون هناك استفادة كبيرة في الجانب الأمني والذي يعتبر أكبر المستفيدين من هذا الإجراء بالنسبة للقوات المسلحة أو الشرطة أو الأمن أو القوات النظامية مع وجوب وضع عدد من الخطوط عليه استناداً للغة المصالح مع الولاياتالمتحدة التي سبق أن أشرت اليها، وحقيقة تسرب لي انطباع بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية غير قادرة على جمع معلومات عن السودان بالكفاءة المطلوبة، وهي لديها مصلحة حقيقية في قرار رفع الحظر الخاص بوسائل الاتصالات. هل تعتقد أن هذا القرار تقف وراءه الشركات الأمريكية التي تضررت مصالحها وفقدانها السوق السوداني بسبب تلك المقاطعة؟ لا يمكن تفكيك السياسة الأمريكية لأجزاء باعتبارها تعمل في منظومة موحدة في مجال مراعاة المصالح الأمريكية مجتمعة فالشركات وقطاعات الأعمال هي طبقاً لوجهة نظري تعد من صميم النظام الرأسمالي الامريكي وأعتقد أن هذا القرار من صميم الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بمصالحها المتعلقة بالمعلومات وزيادة وكفاءة الجانب المتصل بجوانب جمع المعلومات والأمني والإستراتيجي، وفي ذات الوقت من المؤكد أن بعض الشركات الأمريكية ستستفيد من هذا القرار، لكن تقديري أنها حالياً بالسودان لن تكون مؤثرة وربما مستقبلاً في حال إلغاء العقوبات الأمريكية بشكل كامل وتم تطبيع العلاقات وتحسن المناخ للاستثمار الأجنبي والأسواق المالية فيمكن أن تكون استفادة الشركات الأمريكية وقتها أكبر. الصيحة