قبل أن يجف مداد مقالتنا التي سطرناها مُناصحين الشرطة السودانية ألا تقع في (فخ) البشير الذي طرحه (عدم مُساءلة أو مُحاسبة الشرطي أثناء أداء واجبه)، في إطار سياساته الإجرامية الرامية لإيقاع العداوة والبغضاء وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد، وضربهم ببعض ليستديم في حُكمه المأساوي، فُوجئنا بمن يُوصفون بالقوات النظامية (ومن ضمنهم الشرطة) قد خذلونا وخيبوا آمالنا، بابتلاعهم ال(طُعْم) المسموم، فبطشوا بالمُواطنين العُزَّل (رجالاً ونساء وأطفال)، وهو يُشيعون فقيدتهم وفقيدة الوطن المُواطنة عوضية سمية بشرى، بمنطقة الشجرة اليوم الثلاثاء المُوافق 24 فبراير 2015، مما أسفر عن إصابة عشرات المُواطنين من الجنسين! وبحسب الأنباء، فإنَّ المرحومة، تعرَّضت لإصابة (مُتعمَّدة) من أحد أفراد شرطة المُتأسلمين، في مُحاولةٍ منها لحماية شقيقتها الصغرى (أمرأة أيضاً) التي حاول الشرطي البطش بها، إبّان احتجاجات أهل الشجرة والحماداب التي جرت مُؤخَّراً (قبل نحو أسبوعين). حيث لم يتوقَّف (تطاوُل) العصابة الإسلاموية على أهل الفقيدة وأهل المنطقة بالإصابة التي أحدثوها لها ولغيرها من سُكَّان المنطقة، وإنَّما امتد تجاوُزهم للمُستشفى الذي تمَّ إدخال الفقيدة فيه بعدما وهي في غيبوبة نتيجة للإصابة البالغة في الرأس، حيث منعت أجهزة الأمن عنها الزيارة وتشدَّدت في هذا الخصوص! وعقب إعلان الوفاة تدافعت الحشود لوداع الفقيدة إلى مثواها الأخير، وتحوَّل الأمر لمظاهراتٍ احتجاجيةٍ (مشروعة) نتيجة لهذه الجريمة البشعة، إلا أنَّ الأجهزة الأمنية استخدمت (قوة) مُفرطة في مُواجهة المُواطنين، مما أسفر عن إصاباتٍ جديدة لا ندري عددها ولا تفاصيلها حتَّى كتابة هذا المقال! هذه النتيجة مُتوقَّعة ولم تكن مُفاجئة أبداً للغالبية، وأنا منهم، ويتحتَّم ألا يندهش البعض الآخر، فقد كانت توجيهات البشير للشرطة ولغيرها قبل أقلَّ من أسبوع واضحة وضوح الشمس، حيث (أوعز) لهم بفعل أي شيئ (ضامناً) لهم عدم ال(مُساءلة) ناهيك ال(مُحاسبة) ثم العقوبة على ما تقترف أياديهم في حق الوطن والمُواطنين، حتَّى ولو كان الجُرْم (قتلاً)! ولم يتجرَّأ أياً من رئيس القضاء أو وزير العدل ومن قبلهما البرلمان على قول كلمة إزاء هذا التوجيه الإجرامي! بل وحتَّى القوى السياسية بكافة أطيافها لم يفتح الله على أياً منهم بكلمة حقٍ أو نقدٍ لهذا التوجيه الغريب! ولم يُصدِّق المُستهدفون بالفتنة، سواء كانوا شرطة أو غيرهم من أزلام البشير، فمارسوا البطش والضرب بالمُواطنين العُزَّل، دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، وحشدوا قواهم التي عَجَزَتْ عن حماية البلد واسترداد أراضيها المُحتلَّة، لينالوا من شعبهم الأعزل! ومن غرائب الصدف أنَّ الضحايا أغلبهن نساء، مما يُدلِّل على الانحطاط والدرك الذي يحيا فيه المُتأسلمون و(حُماتهم)! من ضمن ما حذَّرنا منه الشرطة، عدم تصديق البشير وجماعته، وضربنا أمثلة بتجريدهم من مهامهم الأصيلة لصالح جهاز الأمن وأفراده! ونُذكر أهل الشرطة أيضاً، بالتدخُّلات السافرة لل(بشير) لتعطيل الحكم القضائي الصادر لصالح زميلهم السابق النقيب أبوزيد، حيث قام البشير بتوجيه المحكمة الدستورية لإعادة النظر في حكمها القاضي بعدم دستورية محاكم الشرطة التي حوكم بمُوجبها أبو زيد! باعتبار أنَّ حكم الدستورية هذا، سيفتح الباب أمام آخرين من منسوبي الشرطة للطعن في الأحكام الصادرة ضدهم، وفقاً لقانون الشرطة ومحاكمها الجائرة! وهو موقفٌ (يُحتِّم) على ذوي البصيرة إلى الاحتراز أو الركون لهذه العصابة التي لا تفعل أمراً إلا لو كان في صالحهم، مع استغنائهم وتخليهم عن كل شيئ في سبيل هذه المصلحة، بمن فيهم (حُماتهم) السابقين وأنتم منهم! فهل بعد هذا ما زلتم تعشمون في البشير وصحبه؟! وتضربون وتقتلون أهلكم العُزَّل من الرجال والنساء على غرار ما شهدناه اليوم وسابقاً في كل أنحاء السودان؟! لا مجال أمام أهل السودان لحياةٍ كريمةٍ إلا باقتلاع هؤلاء وذهابهم! ونُكرر ما ظللنا نكرره دوماً وهو عدم انتظار العون والمدد من الخارج، فالكل مشغولٌ بنفسه ومشاكله و(مصالحه)! ولا تنتظروا قوى سياسية أو زيد أو عبيد، فغالبيتهم مُغامرون ولا يسعون إلا لمصالحهم الشخصية الضيقة، وجميعهم فشلوا في إدارة السودان بما حباه الله من موارد منذ الاستقلال، وقبل هذا وذاك (ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك)! لن ندعو الشعب لمُواجهة هذه الترسانة الإجرامية بنحوٍ مُباشر بما يقودهم للتهلكة، فثمَّة وسائل عديدة للتغيير أكثر أمناً وأبلغ أثراً و(فاعلية) كالعصيان المدني الشامل في كل مدن ومناطق السودان، بمُشاركة كل أفراد الشعب السوداني بمُكوناته وقطاعاته المُختلفة، مُستفيدين من التجارُب العالمية والإقليمية، بل والتجربة النموذجية لأهلنا في لقاوة، وقبلهم أهلنا المناصير وما فعله السودانيون سابقاً. لتشكل أحداث اليوم دافعاً حقيقياً لاتحادكم وتعاوُنكم الوطني والمُخلص، وبالعزيمة والإرادة وحدها يُمكنكم تحقيق الانعتاق والخلاص الفعلي، فهكذا تخلَّصت الأمم من ديكتاتورياتها وفاسديها ومُفسديها. لا تنتظروا دعماً من أحد، ولا تَخْشَوا زوالهم، فليس هناك أسوأ من الحالة التي يحياها إنسان السودان الآن! وما يُقال من تهويلات، إنَّما يبُثها (أزلامهم) لإشاعة الهلع في أوساطكم وتعميق اليأس من الإصلاح أو الأمن، وهي فقدناها منذ قدمهم المشئوم! فالبلد مُتراجعة في كل النواحي (يبيعها ويشتريها) الآخرون وأنتم تنظرون! والقتل والضرب والانتهاك وأخذ الحقوق وكل صور المفاسد والمظالم موجودة، فما الذي تخشون عليه وإلى متى ستخشون ولماذا؟! وها أنتم ترون في غضون أقل من أُسبوع، تمَّ تطبيق التوجيه بحذافيره دون حتى مُجرد مساءلة تحت غطاء (أداء الواجب)! ودونكم نتائج ما جرى في سبتمبر وقبلها كجبار والمناصير وأمدوم وكوستي، وما يجري من جرائم تشيبُ لها الرؤوس في كردفان ودارفور! وبدلاً من الجدل والحلول الفردية ال(مُسْتَهْلَكَة) أو الثنائية ال(مُضيعة) للوقت والحقوق، والبلد يتهاوى، عليكم بالاتحاد والمُقاومة وعدم انتظار السند الخارجي أو الحزبي، وليكن الخلاص بأيادي سودانية خالصة، واطمئنوا فكثير من القادة (وُلدوا) في خضم الأزمات نتيجة لارتفاع الهمم. [email protected]