الخرطوم - يحاول النظام السوداني في الفترة الأخيرة التسويق لتغيير في مقارباته تجاه دول الجوار، ولكن يبدو أن ذلك يبقى مجرد دعاية إعلامية في ظل تواتر المعطيات عن استمراره في دعم الجماعات المتطرفة في ليبيا، فضلا عن استمرار استقباله لأعضاء جماعة الإخوان التي تصنفها مصر جماعة إرهابية. كشف تقرير أممي صدر مؤخرا، أن السودان مستمر في إرسال شحنات أسلحة إلى الجماعات المتطرفة في الجوار الليبي وفي مقدمتهم تحالف "فجر ليبيا"، في إشارة تعكس عدم وجود تغيير حقيقي في تمشي نظام البشير على خلاف ما يسعى إلى الترويج له خلال الفترة الأخيرة وأكد التقرير أن السودان، ومنذ إعلان قائد الجيش الليبي خليفة حفتر عملية الكرامة في 2014 لدحر المتطرفين، يواصل إرسال الأسلحة، وقد استمر ذلك خلال الستة أشهر الأخيرة. وقال الفريق الأممي الذي أعد هذا العمل "تشير مقابلات أُجريت مع مصادر ليبية وأجنبية عليمة إلى أن السودان يقدم الدعم للجماعات المسلحة المتحالفة مع عملية فجر ليبيا، بوسائل منها نقل الأعتدة العسكرية جوًا إلى مطار معيتيقة، الخاضع لسيطرة تلك الجماعات منذ الثورة". وأماط اللثام عن وصول طائرة عسكرية سودانية من طراز C-130 عدة مرات خلال الأشهر الستة الماضية إلى المطار المذكور. ويوجد مطار معيتيقة في منطقة تاجوراء على بعد نحو 30 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس، ويعد أحد أبرز معاقل الفصائل الموالية لجماعة الإخوان المسلمين. ويخضع المطار حاليا لسيطرة مجموعات مسلحة مقربة من القيادي الإسلامي المثير للجدل عبدالحكيم بلحاج الذي يتولى رئاسة حزب "الوطن". ولفت التقرير إلى أن الأممالمتحدة وجّهت رسالة إلى السودان طالبت فيها موافاتها بمزيد من المعلومات عن الرحلات الجوية العسكرية التي سيّرها، ولكنها لم تتلق أيّ ردّ. وأشار إلى مشاركة مكثفة لدولة عربية فضلا عن تركيا للسودان في إرسال الأسلحة إلى الجهات الليبية المتشددة. وذكر أن "الفريق الأممي تلقى معلومات عن نقل عتاد عسكري على إحدى رحلات الركاب الجوية التجارية المنتظمة التي سيّرتها الخطوط الجوية الأفريقية، في 17 سبتمبر 2014، من إسطنبول إلى طرابلس″. وقد ورد في نص التقرير شهادة لأحد ركاب الطائرة أكد فيها أنه شاهد صناديق أعتدة عسكرية يجري إنزالها، لافتا إلى أن الطائرة لم تفرّغ منها، إجمالاً، سوى 15 حقيبة. جدير بالذكر أن هذا ليس بالتقرير الوحيد الذي يكشف عن تورط النظام السوداني في الفوضى الحاصلة في ليبيا من خلال دعم متشددين. وقد أقر عمر حسن البشير بنفسه في إحدى المقابلات الإعلامية، مؤخرا، بوجود أعداد من عناصر الجيش (يقصد قوات فجر ليبيا) تخضع للتدريب في الكلية الحربية بالخرطوم. وقد سبق ونشرت "العرب" محظرا مسربا للرئيس السوداني وقيادات الهيئة العسكرية يتحدث فيه على أهمية تقديم الدعم العسكري واللوجستي اللازم للإسلاميين في هذا البلد، وأنه لا مجال لسيطرة "حفتر" باعتباره وفق المحضر حليف مصر. وكان البشير قد هاجم في حملته التسويقية الأخيرة قيام القاهرة باستهداف تنظيم الدولة الإسلامية في درنة شرقي ليبيا على خلفية إقدام هذا التنظيم المتطرف على إعدام 21 مصريا في مشهد أثار الرأي العام العربي والدولي. ويثير موقف الخرطوم حيال تمدد تنظيم داعش في عدة مناطق ليبية وتهديده الكبير لأمن شمال أفريقيا بصفة عامة ، وفق تقارير استخبارية، عديد الشكوك، خاصة وأن السودان يتقاسم وهذا البلد حدودا طويلة. هذا الدور المشبوه الذي يلعبه السودان في ليبيا ينسحب أيضا على مصر من خلال استمراره في استقبال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المتورطين في قضايا إرهابية، ما يدحض تصريحات البشير الأخيرة المنتقدة للجماعة. وقد نجحت، أمس الخميس، عناصر الأمن المصرية في إلقاء القبض على ثلاثة عناصر إخوانية لها في رصيدها العديد من القضايا الإرهابية قبل دخولها إلى الأراضي السودانية، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط. وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وتولت النيابة العامة التحقيق، بحسب الوكالة المصرية. ويوجد اليوم بالخرطوم العشرات من قيادات جماعة الإخوان، الذين فروا تباعا عقب عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي. وتسعى الخرطوم لاستخدام هذه الورقة ضد القاهرة لعدة اعتبارات أهمها انتماء النظام فيها للحركة الإسلامية، فضلا عن احتضان القاهرة منذ سنوات لبعض رموز المعارضة السودانية. وقد تعالت في الفترة الأخيرة عديد الأصوات المصرية محذرة من الدور المشبوه الذي تقوم به السودان ضد الدولة المصرية. ومن بين هذه الأصوات رئيسة حزب الاجتماعي الحر عصمت الميرغني التي قالت في بيان لها أصدرته مؤخرا، أن التنظيم الدولي للإخوان المدعوم من دول إقليمية وأوربية والولايات المتحدة الأميركية بدأ في تدريب وتمويل عدة ميليشيات إرهابية داخل عدد من الدول الأفريقية من بينها الصومال والسودان لتوجيه ضربات إلى مصر عبر الحدود المصرية السودانية. وكانت إحدى الحركات المسلحة التي تقاتل النظام في كردفان والنيل الأزرق قد كشفت قبل نحو شهر عن وجود معسكرات تدريب لمتطرفين في بعض المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في المحافظتين، وذكرت الحركة أن هناك مساع لتهجير سكان بعض القرى في هذا الشطر لتوطين المتطرفين القادمين من عدة مناطق، وأن دولة إقليمية تقف خلف مدهم بالدعم العسكري واللوجستي. ويبدو أن الدور المثير للجدل الذي تخوضه الخرطوم ضد القاهرة لا يقتصر فقط على الجانب الأمني، ليشمل أيضا قضية سد النهضة الذي تخوض مصر اليوم مع كل من إثيوبيا والسودان محادثات ماراطونية حولها بما يرضي الأطراف الثلاثة، إلا أن أديس أبابا أثبتت أنها غير جادة في هذه المحادثات وسط معطيات تفيد بحصولها على دعم "على بياض" من الجانب السوداني.