الهبوط الناعم هو الأسم الحركي للتتغيير غير الجذرى لنظام الرأسمالية الطفيلية ، الذي يؤدي إجتثاثه من جذوره بصورة لا تقبل ترقيعه أو اجراء تعديلات أو تغييرات فوقية شكلية لا تمس الأسس أو (الثوابت) التي يقوم عليها النظام. ومن جهة أخرى يعني ( الهبوط الناعم، ضمان مصالح القوى الأجنبية في البلاد وعلى رأسها الرأسمالية العالمية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ، ومصالح كل تلك الدول التي في المنطقة العربية والأفريقية الداعمة لنظام الإنقاذ والعاملة لبقائه في الحكم باعتباره الحامي لمصالحها. لهذا فان ما صار يسمى في السياسة السودانية ب( الهبوط الناعم) هو مخطط تآمريٌ متكاملٌ يعمل على قطع الطريق على أي عمل ثورى جماهيري يستهدف الإطاحة بالنظام والتغيير الجذري لكل ثوابته ويفتح الباب واسعاً لقيام دولة المواطنة بديلاً لدولة الحزب الواحد وسلطة الفرد الأوحد المتسلط بالقوانين الرأسمالية الإرهابية الطفيلية. إنه مخطط إجرامي عمل ويعمل منذ السنوات الأولى لما بعد الاستقلال على وقف التحول الجذري الذي يهدف إلى تنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي وتمهيد الطريق نحو الإشتراكية. يتجسد جوهر هذا المخطط في :- إجراء بعض التنازلات الشكلية التي تستجيب لبعض المطالب التي رفعها الشعب مفوضاً قوى الاجماع الوطني وقوى المعارضة الأخرى : إلا أنها لا تمس المقومات والأسس والثوابت التي يرتكز عليها النظام في البقاء في السلطة أو تنتقص من قبضتة الشمولية على مفاصل السلطة والثروة أو تمس المغانم والإمتيازات التي يتمرغ فيها أثرياء الطفيليين من أموال دافعي الضرائب والاتاوات التي أصبحت تمثل الدخل الأساسي في موازنة الدولة. العمود الفقري لهذا المخطط هو الإبقاء على النظام الاقتصادي القائم على الاقتصاد الحر ، الذي يمثل نقيض الاقتصاد المخطّط الذي تشرف عليه الدولة وتحول دون تدمير اقتصاد الوطن بأسم حرية السوق وفتح الباب على مصراعيه لرؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية للاستثمار المعفي من الضرائب لسنوات تقارب العشرات والسماح بإخراج أرباحها إلى وطنها الأصلي دون إعادة استثمار أي جزء من هذه الأرباح داخل السودان، وغيرها من الامتيازات التي جعلت بعض الأفراد والبلدان المستثمرة يتحولون الى دول داخل الأراضي السودانية. إن يصبح الاقتصاد رهن اشارة البنك وصندوق النقد الدوليين ، وخاضعاً لما يمليانه على الحكومة بزيادة الضرائب تحت مسمى (رفع الدعم) وزيادة الأسعار وفتح الباب أمام السلع المستوردة. وهي بهذا تحقق الانتاج المحلي وتفاقم من ازمة المصانع المحلية المنتجة التي أغلق 90% منها أبوابه ونزح المئات منه للاستثمار في بلدان مثل الخليج واثيوبيا، وكان نتيجته تشريد آلاف العاملين وسد الباب أمام أي فرص عمل جديدة. يستهدف المخطط أيضاً تضليل الجماهير بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين وتجميد بعض المواد الهامشية في الدستور والتي لا تؤثر على قبضة سلطة الفرد الواحد ، أو الاتفاق على التفاوض من منبر واحد بالنسبة لدارفور وولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق. وهو تسليم بالأمر الواقع بعد أن فشلت إتفاقية الدوحة في إحلال السلام في دارفور. بل صعدت السلطة من الحرب بأبشع مما كانت عليه من قبل. هذه وغيرها من التنازلات الشكلية لا تخدع شعب السودان وقواه المعارضة ولن تقوده الى شرك الحوار غير المشروط مع النظام وهو بمثابة (الطُعمة) للهبوط الناعم. يؤكد ما ذهبنا إليه تصريحات نافذه في السلطة وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم . ففي مخاطبته لمواطني مدينة الدندر في 9 مارس 2015م قال نائب رئيس الجمهورية السيد حسبو محمد عبد الرحمن (ناس أرحل متبطلين في الفنادق ودايرين المواطنين يقاطعوا الانتخابات ... لكن نحن بعد ما لبنت ما بنديها الطير)!! وهو يعلم علم اليقين ان حتى الطير رحل لأن أهل الإنقاذ لم يتركوا له شيئاً يقتات به من خشاش الأرض. أما مصطفى عثمان اسماعيل رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم فيذهب أبعد من ذلك في خداع الرأي العام العالمي والداخلي عندما يعلن ترحيبه (بأعلان برلين) ويوافق على حضور المؤتمر التحضيري للقاء المعارضة. غير أن محاولته هذه أوقعته في تناقضٍ مخلٍ لكل ما جاء في التصريحات الصحفية التي أعلنها في 9 مارس 2015م عقب اجتماع القطاع السياسي بالمركز العام للحزب الحاكم . فمن جهة فهو يقول ان حزبه موافق على (أعلان برلين) بينما يعلم هو تمام العلم أن ( اعلان برلين) هو مزج بين (وثيقة الفجر الجديد) و(نداء السودان) ووثيقة (البديل الديمقراطي) لقوى الإجماع الوطني . كل تلك الوثائق دمجت قضاياها المحورية في الإعلان الذي رحب به. وقطعاً فانه يعلم ويقرأ أن قيادات هذه القوى أٌعتقلت وقدمت للمحاكمات المستمرة حتى الآن. وبعضها محكومٌ عليه بالإعدام وآخرون مطاردون ومهددون بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة . كيف يفسر رئيس القطاع السياسي للحزب الحاكم هذا التناقض إلمستقل بمؤشرات الخداع للجماهير؟. تصريحات مصطفى عثمان اسماعيل يفضحها بنفسه عندما يقول في ذات الإعلان الصحفي أنهم يرحبون بأي لقاءات او تفاهمات ( لاحظ هذا الخلط المتعمد – الكاتب) تؤدي الى مشاركة الجميع في الحوار الوطني بدون أي شروط مسبقة). هذا هو مربط الفرس . المؤتمر الوطني الحاكم يعلم أن (إعلان بارلين) كانت مخرجاته السياسية هي أن توثق الحكومة على كل ما جاء في الاعلان قبل بدء الاجتماع المشترك مع السلطة . وهو شرطٌ أساسي لتهيئة الجو الديمقراطي الذي يسبق اي لقاء معها. وبدون توفيرها لن يتم مثل هذا اللقاء سواء في أديس أبابا أو غيرها . لا مكان للهبوط الناعم في أرض السودان (2-2) أن ما يجعل قوى المعارضة تصر على تنفيذ (إعلان برلين) وليس الترحيب به فقط كما يفعل الحزب الحاكم المراوغ، قبل أي لقاء مع النظام هي التجارب المُرَّة التي رحب فيها المؤتمر الوطني بكل الإتفاقيات السابقة، بل ووقع عليها ولم ينفذ أياً منها. وينطبق ذلك على كل الإتفاقيات (السلام الشامل، أبوجا، القاهرة، جدة، أسمرا) الخ... والمعارضة بعد ممارسة استمرت لربع قرنٍ من الزمان مع أكاذيب وخداع الحزب الحاكم تأكدت من ما يستبطنه من حيلٍ عندما يوقع حتى على تلك الإتفاقيات وهو يتداول كلمة السر المخادعة (نوقع ولا ننفذ) للإنحناء إلى العاصفة حتى تمر وحرصاً على التقيَّة التي تخرج السلطة من حجر الضب الذي حشرت نفسها فيه حتى تتهيأ الظروف لمواصلة مخططها وهو (البقاء في السلطة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.) عندما يقول رئيس القسم السياسي للحزب الحاكم أنهم رفضوا (نداء السودان) ووقفوا على (إعلان برلين) (لأن نداء السودان يمثل برنامج الحزب الشيوعي وهو برنامج متكامل ولسنا ملزمين به)!! تفسير في منتهى البؤس وغثاثة الحجة. السؤال الذي طرح عليه من الصحيفة هو، ما هي أسباب رفض الحزب الحاكم لنداء السودان وموافقته على إعلان برلين؟. نحن في الحزب الشيوعي مع كل احترامنا ل(نداء السودان) وموافقتنا وتوقيعنا عليه لا ندعي أننا كتبنا ذلك النداء أو قمنا بإخراجه، بل نقر أننا ساهمنا مع آخرين بقدر ما تيسَّر لنا في صياغته والإعلان الواسع عنه. ومع كل ذلك فإنه لا يمثل (البرنامج الكامل للحزب الشيوعي السوداني) كما إدَّعى رئيس القسم السياسي للحزب الحاكم. وهو ينم عن جهلٍ فاضحٍ ببرنامج الحزب الشيوعي السوداني. أكدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، في اجتماعها بتأريخ 6-7/3-2015م. مواصلة لبرنامجها المقر في المؤتمر الخامس للحزب والمعلن والمنشور والموجود في المكتبات لكل من يريد معرفته، ومواصلة للمستجدات التي حدثت في البلاد ركزها التقرير السياسي كمشروع للنقاش مقدم للمؤتمر السادس للحزب، أن نضال الحزب الشيوعي يصب في توطيد مبدأ التداول السلمي الديمقراطي للسلطة والتأسيس لإستدامة الديمقراطية والسلام في السودان، وإندياح الديمقراطية والحريات العامة لكل المجتمع حتى يتمكن الشعب من إدارة شؤونه الحياتية والخدمية وتحسين وتطوير أوضاعه والدفاع عن حقوقه وصد أي اعتداء عليها، والإصرار في صنع القرار والتأثير عليه والحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان بعد التفريط بإتباع سياسات شائهة منذ الإستقلال، وتدخلات أجنبية قادت لفصل الجنوب وبذل الجهد لخلق علاقة متميزة مع شعب الجنوب والدولة الجارة-جنوب السودان. أين هذا الإستقراء الموضوعي للواقع من حديث مسؤول القسم السياسي في الحزب الحاكم والذي جاء فيه (سنواصل الرد على منتقدينا والبمد ايدوا بنكسرا ليهو)!!. الحزب الشيوعي يرمي إلى تهيئة المناخ السياسي الديمقراطي والإجتماعي لإستكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وبناء الإشتراكية في السودان. وهذا يعني أن الحزب يعمل بدون مواربةٍ أو خداعٍ أو سرٍ- من أجل تحقيق ثورة دائمة ممتدة تبدأ بإسقاط نظام الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة الحاكمة وإستعادة الديمقراطية والحريات العامة التي تسمح بإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية وتهيئة الظرف السياسي والإجتماعي والإقتصادي لبناء الإشتراكية. نفعل ذلك ونحن نضع في الإعتبار المتغيرات الإيجابية والسلبية في محيطانا المحلي والإقليمي والدولي. والحزب يعمل لإسقاط نظام الرأسمالية الطفيلية يضع في اعتباره الدروس والعبر التي حالت بين ثورة أكتوبر في 1964 وتنفيذ كل أهدافها، وانتفاضة مارس/أبريل 1985م وهبة سبتمبر 2013م. كذلك يضع الحزب الشيوعي تجارب الأنظمة المتعاقبة التي حكمت السودان –مدنية وعسكرية- منذ الإستقلال وفشلها في النهوض بالوطن والشعب وجميعها انتهجت طريق التطور الرأسمالي لتنمية البلاد فأورثتها الفقر والديون والحروب الداخلية والصراعات القبلية غير المسبوقة والإرتهان للخارج. ووصل ذلك ذروته بوصول الرأسمالية الطفيلية بقوة السلاح إلى السلطة والتفريط في وحدة الوطن واستعداء كافة القوى الإجتماعية المنتجة بما في ذلك شرائح الرأسمالية المنتجة. هذه القوى وغيرها تلك التي برزت في البلاد وتضررت مصالحها المباشرة وغير المباشرة من سياسات النظام الطفيلي، وهي تبدى الاستعداد والعمل من أجل إسقاط النظام وإجراء تغييرات جذرية في مسار السياسة والمجتمع السوداني. حزب المؤتمر الوطني الحاكم يحاول قصارى جهده القفز فوق كل تلك المتغيرات التي حدثت في المجتمع بشعاراتٍ مخادعة مثل قبول (إعلان برلين) وعبارات سمجة أكل الدهر عليها وتقيأ، مثل (هذا من صنع الشيوعيين) و(تربية شيوعيين) و(برنامج متكامل للحزب الشيوعي) وهم بهذا، قصدوا أم جهلوا، بأنهم يضعون نياشين على صدر كل شيوعي لم يدَّع الجدارة بها على كافة المشاركة في تغيير هذا الواقع الذي أوصل المؤتمر الوطني الحاكم حد الإعتراف بالفشل في إدارة الدولة ويسعى لإنقاذ حكمه بمساعدة القوى الأجنبية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالصراع الدائر في البلاد يؤكد أن الأزمة السودانية وصلت ذروتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. وأن الأفق قد أنسد أمام النظام الطفيلي تماماً في حكم البلاد قد بذات السياسات التي كانت تمارس من قبل ولازالت. وأن الجماهير قد اقتنعت بأنه ما من حل للأزمة تحت ظل هذا النظام وسياساته مما استوجب ضرورة وحتمية التغيير. لهذا فإن محاولة التفاف المؤتمر الوطني الحاكم بمثل التصريحات التي ادلى بها رئيس القسم السياسي، هي محاولة للحرث في البحر، أو المراهنة على الزمن، لإصلاح نظامٍ فاسدٍ حكم أكثر من ربع قرن من الزمان -في شهرين- قبل إجراء الانتخابات، وهي في الواقع لا تعدو دعايةً انتخابيةً مقررة نتيجتها سلفاً. نحن في الحزب الشيوعي عندما وافقنا ووقعنا على (إعلان برلين) مع كافة قوى المعارضة، توافقنا جميعاً، أن تنفيذ هذا الإعلان يجب أن يسبق أي حوار أو جلوس أو حتى تفاهمات مع السلطة الحاكمة. وأن قوى المعارضة، خلافاً لما يدعي إعلام السلطة تخويلها لأي جهة تمثيلها أو الحديث نيابة عنها في لقاء أديس أبابا أو غيره مع السلطة. قوى المعارضة مجتمعة- هي المسؤولة عن أي تصريح عن الحوار. نؤكد للسلطة أننا عند موقفنا الذي يضع السلطة بين خيارين، أما القبول بكل شروط إعلان برلين وتنفيذها قبل أي حوار أو السقوط، عبر الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني الذي يتصاعد تنفيذه يوماً بعد الآخر مع النهوض المطلبي والسياسي لجماهير شعب السودان. الميدان